مدار: يوم الأرض الفلسطيني 2024
يواصل الكيان الصهيوني حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بينما يقابلها صمود لا نظير له من الشعب الفلسطيني، المتمسك بأرضه وحقه في تقرير مصيره. ومنذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الأخير، بلغت حصيلة الشهداء أزيد من 32 ألفا و623، و75 ألفا و92 مصابا، حسب ما ذكرته وزارة الصحة في غزة، دون إغفال الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
قرار محكمة العدل الدولية، في 26 كانون الثاني/ يناير 2024، بشأن دعوى تقدمت بها جنوب أفريقيا حول انتهاك إسرائيل التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948)، وجد أن هناك أدلة “معقولة” على ارتكاب إسرائيل لإبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وأمرها باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين، لكن ذلك لم يردع المحتل من مواصلة حربه بالأسلوب نفسه الذي اعتمده منذ بداية الحرب.
المحكمة وجدت نفسها مضطرة إلى إقرار تدابير مؤقتة إضافية في الدعوى نفسها، بعد أن وجدت بأن الفلسطينيين في غزة لم يعودوا يواجهون خطر المجاعة فحسب، وفق ما جاء في قرارها السابق، ولكن [هذه المجاعة بدأت في الظهور]؛ وبالتالي أمرت، الخميس الماضي، بـ “توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، دون عوائق، وعلى نطاق واسع”.
يحدث هذا بينما تتوجه الأنظار إلى ساحات النضال والتضامن في مختلف أرجاء العالم، تزامنا مع حلول المناسبة الـ 48 ليوم الأرض الفلسطيني (30 آذار/ مارس)، كانت دعت المئات من المنظمات الشعبية والدولية إلى تخليده بقوة، مثل ما فعلت القمة العالمية للشعوب، حسب ما أشرنا إليه سابقا.
في الميادين العربية، وبالرغم من أن الأردنيين كانوا هبوا إلى التضامن مع فلسطين منذ اليوم الأول للعدوان إلا أن هذا المسار بلغ مستوى جديدا، بعد الأيام المتواصلة من التظاهر أمام سفارة الإحتلال في العاصمة عمّان، وسط حضور جماهيري غفير، قابلته السلطات الأمنية الأردنية بالتدخل والقوة والاعتقلات. غير أنه لم تظهر مؤشرات تدل على أن نار الغضب ستخمد، ويطالب المحتجون بإلغاء اتفاقية “وادي عربة” ووقف العلاقات مع الكيان المحتل، وتجريم التطبيع معه.
أما في مصر، حيث بيئة القمع أشد وأفتك، فيصر مناضلون على تنظيم فعاليات ومظاهرات، كالتي شاهدناها أمام مقر نقابة الصحفيين المصريين، حيث طالب المحتجون بإسقاط معاهدة “كامب ديفيد” وفتح معبر رفح وإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين.
وتشهد ميادين النضال في المغرب تحركات لم تنضب، خصوصا تلك التي تقودها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، وهي ائتلاف لقوى سياسية ومدنية من توجهات مختلفة بما فيها الشيوعيين والإسلاميين المعارضين.
ودعت “الجبهة” إلى الخروج إلى الشوارع وتنظيم مسيرات ووقفات محلية، لتجسيد يوم الأرض، اليوم السبت، بمختلف مدن وبلدات البلاد، تحت شعار “التشبث بالمقاومة ضمان لتحرير الأرض”.
القاسم المشترك بين دول مصر والأردن والمغرب هي العلاقات الرسمية التي تربطها مع إسرائيل من خلال معاهدات “كامب ديفد” و”وادي عربة” و “اتفاقات أبراهام”، والتي تتمسك بها هذه الأنظمة، ولكن ترفضها الشعوب بقوة، وهو ما تعبّر عنه أحجام المسيرات وقوة الشعارات، ومواقف مختلف القوى الشعبية.
المربع اليمني-العراقي-اللبناني-الفلسطيني يشتد ضراوة كلما طالت الحرب، بعد أن فرض اليمن منطقة حظر بحري على السفن المرتبطة بالكيان والولايات المتحدة، واضطربت قواعد الاشتباك في جبهة الشمال حيث وسّع الكيان المحتل من ضرباته في الأراضي اللبنانية، يقابلها رد متحكم فيه حتى الآن من جانب حزب الله، بينما تستبسل فصائل المقاومة في القطاع المحاصر في الدفاع عن شعبها وأرضه.
تزعم الولايات المتحدة، وهي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني في حرب الإبادة، أنها لا تريد أن تتوسع رقعة الحرب في الإقليم، لكن وعوض أن تسارع إلى الضغط على حكومة نتنياهو لوقف الحرب، حرصت على دعمه بالسلاح والمال والغطاء السياسي، وشنّت ضربات جوية بتعاون مع بريطانيا على أهداف في اليمن، مما دفع بجماعة أنصار الله الحوثي إلى تكثيف ضرباتها حتى على السفن الأمريكية.
نزلت واشنطن بثقلها لدعم إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بل وأرسلت حينها حاملتي طائرات إلى المنطقة للسيطرة على ضباب الحرب، بعد أن فقد الإسرائيليون توازنهم من شدة عملية “طوفان الأقصى“؛ وعلى الساحة الدبلوماسية، لجأت واشنطن إلى “الفيتو” ثلاث مرات على التوالي لإحباط مشاريع قرارات لوقف إطلاق النار بشكل دائم في غزة، إلا أن الضغط الشعبي المتزايد في الساحة الأمريكية أجبر البيت الأبيض على إعادة مراجعة حساباته.
تؤكد نتائج “الثلاثاء الكبير”، في إطار تمهيديات الرئاسيات الأمريكية، أن السباق نحو البيت الأبيض سينحصر بين الرئيس الحالي من الحزب الديمقراطي جوزيف بايدن، والرئيس السابق من الحزب الجمهوري دونالد ترامب، بعد أن حصل كلتاهما على أكثر مما يحتاجانه من أصوات المندوبين، في انتظار الترشيح الرسمي في المؤتمرين العامين للحزبين في الأشهر المقبلة.
وبالرغم من غياب منافسة وازنة وسط الحزبين في هذه المرحلة، إلاّ أن التطورات في الساحة الفلسطينية سرعان ما نزلت بثقلها على المشهد الانتخابي الأمريكي: الناخبون الديمقراطيون لجأوا إلى التصويت العقابي ضد الجالس في البيت الأبيض بسبب دعمه لإسرائيل، من خلال التصويت بـ “غير ملتزمين”، كما حدث في ولاية ميشيغان، التي تأوي أكبر عدد من العرب، إذ صوت أزيد من 100 ألف بـ “غير ملتزمين”، مما أدى إلى خسارة بايدن لـ 13.5 في المائة من الأصوات.
نعلم أن ميشيغان هي إحدى الولايات المتأرجحة، وبالتالي الحاسمة إلى جانب باقي الولايات المتأرجحة في السباق الرئاسي، ففقدان واحدة منها قد يضع بايدن ومن معه في مهب الرّيح، وهو ما يعني أن الضغط الشعبي بدأ يحصر الإدارة الأمريكية الحالية في الزاوية.
أقر مجلس الأمن في الـ 25 من الشهر الجاري، قرارا يطالب بـ “وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف بما يؤدي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار”، تقدمت به الدول العشر غير دائمة العضوية. المثير للانتباه هو أن واشنطن امتنعت عن التصويت ولم ترفضه. صحيح أن القرار لا يدعو من حيث الجوهر لوقف دائم لإطلاق النار، لكن “الإمتناع” الأمريكي وتصويت باقي الأعضاء لصالح النص، كان كافيا ليصيب الإسرائيليين بالصدمة، خصوصا وأن نتنياهو كان يعتقد بأن “الفيتو” الأمريكي في الجيب، وفق ما أكدته قراءات إعلامية عبرية.
المفاوضات بالوساطة لم تبرح مكانها، وسط تهديد إسرائيلي باجتياح رفح بعملية عسكرية برية واسعة، وهو ما يعني استهداف أزيد من مليون و300 ألف شخص بين سكان المدينة والنازحين إليها، لم يبق لهم أي ملاذ آمن في القطاع.
المقاومة ترفض التنازل عن مطالبها، بما فيها وقف إطلاق النار، عودة النازحين إلى مناطقهم وبيوتهم آمين ودون شروط، السماح بدخول المساعدات والمعدات الثقيلة لإعادة الإعمار، والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من القطاع.
بهذا الشكل، توجد الأرض في قلب المعركة، وترى القوى الداعمة للقضية الفلسطينية أن إحياء يوم الأرض هذه السنة، فرصة من أجل الضغط على حكوماتها، خصوصا بالمنطقة العربية، بما يتيح وقف العدوان والاستجابة لتطلعات الفلسطينيين، وتعرية الشرعية المزعومة لمعاهدات التطبيع.