رغم العدوان على غزة.. واشنطن تضغط على السعودية للتطبيع مع إسرائيل

مشاركة المقال

مدار: 09 كانون الثاني/ يناير 2024

يتواصل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، بدعم مالي وعسكري وسياسي أمريكي، في يومه الـ 95، مخلفا أزيد من 23 ألف شهيد في قطاع غزة المحاصر، أكثر من 70 في المائة منهم أطفال ونساء، وما يقارب 59 ألف جريح، ناهيك عن أزيد من 7000 مفقود، وفق ما أفادت به وكالات ومؤسسات رسمية، ونزوح أزيد من 1.9 مليون حسب الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، يجري رئيس الدبلوماسية الأمريكية، أنتوني بلينكن جولة في المنطقة من أجل تجنّب توسّع الحرب إلى صراع إقليمي.

تحرك يأتي تزامنا مع اشتداد التوتر في جبهة الشمال مع حزب الله في لبنان، خصوصا بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في العاصمة بيروت، واغتيال القيادي العسكري البارز في صفوف حزب الله، وسام الطويل، وتواصل الإستهداف الإسرائيلي أيضا للأراضي السورية.

على الساحة العراقية، مازالت فصائل مسلحة تستهدف بنيات عسكرية أمريكية.

بينما تفرض جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) في اليمن، منطقة حظر بحري، في الخليج الرابط مع معبر سيناء، على السفن التي لها علاقة بالمصالح الإسرائيلية، وتطلق صواريخ باليستية ومسيرات تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وكان الناطق باسم الدبلوماسية الإيرانية، ناصر كنعاني، حذّر أمس الإثنين، من أن الحرب “ستتسع” في المنطقة إذا لم تتوقف الجرائم الصهيونية في قطاع غزة.

واستهل الوزير الأميركي جولته الرابعة في المنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة، من تركيا وشملت اليونان والأردن وقطر والإمارات، قبل أن يصل ليلة الإثنين إلى إسرائيل، كما يرتقب أن يلتقي بممثلين للسلطة الفلسطينية ثم القيادة المصرية.

ويبدو أن انشغال واشنطن بالحرص على عدم توسع الحرب في الإقليم الملتهب لا يصاحبه مراعاة لحجم الخسائر الفادحة التي لحقت بالأرواح الفلسطينية والممتلكات المدنية التي أصابها الخراب؛ بل على العكس، ينصب تركيزها أكثر على محو الآثار الاستراتيجية لعملية السابع من أكتوبر 2023، التي بعثرت الأوراق الجيوسياسية في المنطقة.

حرص أمريكا على التطبيع السعودي-الاسرائيلي

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كشف، أمس الإثنين، بعد لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنه ناقش في السعودية مسألة التطبيع مع إسرائيل وتنسيق الجهود لمرحلة ما بعد الحرب في غزة.

وقال المسؤول الأمريكي قبيل صعوده إلى الطائرة للتوجّه إلى إسرائيل، إنّه في ما يتعلّق بالتطبيع “تحدّثنا عن ذلك في الواقع في كل محطة (من الجولة) بما في ذلك بالطبع هنا في السعودية”، وزاد: “هناك اهتمام واضح هنا بالسعي إلى ذلك (..) لكن الأمر سيتطلب إنهاء النزاع في غزة (..) وإيجاد مسار عملي لقيام دولة فلسطين”.

تصريح يكشف الضغط الذي تمارسه واشنطن على الرياض من أجل استئناف مسار التطبيع مع إسرائيل، بالرغم من استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني ومخلفاته الصادمة.

كشف مدار في تحليل تحت عنوان [قلب المعادلات.. الدلالات الكبرى لـطوفان الأقصى“] أعقب إطلاق المقاومة الفلسطينية لعملية السابع من أكتوبر، كيف أن ذلك أثّر بشدة على مسارات التطبيع العربي مع إسرائيل، خصوصا السعودية التي تظل الهدف الأهم من هذه السيرورة، نظرا لوزنها السياسي والإقتصادي في المنطقة.

قبل ذلك، كان النظام السعودي عبّر عن حماسه لأن يكون جزء من “اتفاقات أبراهام”، إذ أن ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلة مع قناةفوكس نيوزالأمريكية، منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، ردّ على سؤال من محاوره عن “وجود تقارير تفيد بأنك أوقفت المحادثات (مع إسرائيل)”، أجاب: “هذا ليس صحيحا.. وكل يوم تتقدم وسنرى إلى أين ستصل”، وتابع: “في حال نجحت إدارة (الرئيس الأمريكي) بايدن بأن تعقد اتفاقا بين السعودية وإسرائيل، فسيكون أضخم اتفاق منذ انتهاء الحرب الباردة (1947-1991)، والاتفاقيات المرتقبة مع الولايات المتحدة مفيدة للبلدين ولأمن المنطقة والعالم”.

أوضحنا أيضا في التحليل المذكور كيف أن “طوفان الأقصى” وضع الأنظمة المطبّعة في موقف “محرج” أمام شعوبها التي هبت إلى مناصرة المقاومة والشعب الفلسطينيين.

حينها، صرّح رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكن، إن “عرقلة التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية ربما يكون من دوافع الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل”.

التقدير الأمريكي، وجد صداه في الواقع بعد أن اضطرّت العديد من الأنظمة المنخرطة في “اتفاقات أبراهام” إلى أخذ مسافة وإن كانت محدودة مع تل أبيب، كما أن الحرب عرقلت، على ما يبدو، جهود التوصل لاتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، في ظل المجازر المروعة التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة والضغط الشعبي المتزايد عبر العالم.

وللتذكير، لم تعترف السعودية بإسرائيل ولم تنضمّ لاتفاقيات أبراهام الموقعة في 2020 برعاية أميركية بين إسرائيل وكلّ من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، غير أنها اتخذت العديد من الإجراءات لتعزيز تقاربها مع الكيان المحتل، من بينها فتح المجال الجوي السعودي في وجه الطيران الإسرائيلي.

من جانب آخر، انتقدت الرياض مرارًا بأشدّ العبارات الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في بيانات رسمية، وكذلك فعل ولي العهد بنفسه قبل استضافته قمة عربية إسلامية تمحورت حول الحرب في غزة.

يشار إلى أن العلاقات الأمريكية-السعودية عرفت بعض البرود مؤخرا، في ظل التحول الكبير الذي يشهده العالم، بعد أن بدأ الثقل الجيوسياسي ينتقل تدريجيا إلى الصين، والتقارب البارز بين الرياض وبكين، إذ لعبت هذه الأخيرة دورا أساسيا في الاتفاق الإيراني السعودي المستجد.

“دعم استمرار الحرب”

لا يظهر أن الأوساط الفلسطينية تضع أي رهان على زيارة بلينكن إلى المنطقة للحد من العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني.

وبينما أشارت تقارير إعلامية غربية إلى أن رئيس الدبلوماسية الأمريكية “يعتزم التشديد على وجوب الحدّ من الضحايا المدنيين الفلسطينيين في غزة”، إلا أن القوى الفلسطينية رأت عكس ذلك.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قالت في تصريح صحفي إن “الإدارة الأمريكية لا زالت هي القائد الرئيسي لحرب الإبادة ضد شعبنا”، وأضافت أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة “تأتي فقط لدعم استمرار هذه الحرب ومنع أية جهود لايقافها”، أو “احتمالات لتوسعها إقليميًا بما قد يهدد الاحتلال أو يخلق ضغطًا عليه”.

بلينكن أكد أمس الإثنين أنّ هناك “توافقًا واسعًا” بين قادة الدول التي زارها على ضرورة ضمان أمن إسرائيل وتوحيد القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وغزة وقيام دولة فلسطين، في توجه يتناسق إلى حد بعيد مع المشروع الإسرائيلي المعلن.

وكالة الأنباء السعودية “واس” أشارت إلى أن بن سلمان” أكّد لبلينكن خلال لقائهما على “أهمية وقف العمليات العسكرية، وتكثيف المزيد من الجهود على الصعيد الإنساني، والعمل على تهيئة الظروف لعودة الاستقرار واستعادة مسار السلام بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وتحقيق السلام العادل والدائم”.

على صعيد آخر، ناقش بلينكن مع ولي العهد السعودي هجمات الحوثيين اليمنيين على السفن في البحر الأحمر.

وجاء في بيان نشرته وزارة الخارجية الأميركية عقب المحادثات أنّ بلينكن وولي العهود السعودي “بحثا في الجهود المبذولة للحدّ من التوترات الإقليمية بما في ذلك ردع هجمات الحوثيين على الملاحة التجارية في البحر الأحمر”.

ومنذ أسابيع، يشنّ الحوثيون هجمات بطائرات مُسيَّرة وصواريخ تستهدف سفنًا يعتبرونها مرتبطة بإسرائيل أو تلك التي يشتبهون في أنها متّجهة إلى موانئ إسرائيلية، بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر.

ويأتي الحرص الأمريكي على عدم توسّع الحرب إقليميا من أجل تجنّب فرض المزيد من الضغط على الجانب الإسرائيلي الغارق في وحل غزة والضفة الغربية التي تشهد عمليات متصاعدة، بينما مازال الضوء الأخضر الأمريكي مفتوحا للاستمرار في العدوان، ليس في غزة فحسب بل في لبنان وسوريا ويمكن أن تتوسع إلى بلدان أخرى حيث تتواجد قوى مدعومة من إيران.

وفي سياق متّصل، قال سفير طهران لدى دمشق حسين أكبري، أمس الإثنين، إن بلاده تلقت قبل 10 أيام رسالة أميركية عبر دولة خليجية، تعرض تسوية بشأن المنطقة برمتها، وزاد الدبلوماسي الإيراني أن دولة خليجية سلمت طهران رسالة من واشنطن، وأرسلت وفدا رفيعا لطهران لمناقشة تفاصيل الرسالة، التي تضمنت عرضا أميركيا يبدأ بعدم توسيع دائرة الحرب كأرضية لحل أزمات المنطقة.

الدبلوماسي نفسه صرح أن رد بلاده على العرض الأمريكي كان أن “لحلفاء طهران حق تقرير مصيرهم ومصير شعوبهم، وقد أكدنا أن قرار حلفائنا السياسي مستقل ولا نقرر بدلا عنهم”، وفق تعبيره.

زيارة بلينكن إلى إسرائيل تحمل في طيّاتها أيضا الحرص الأمريكي على استمرار النظام المتداعي، ليس بسبب الفشل الكبير الذي صاحب السابع من أكتوبر فحسب، بل بفعل التمزقات الداخلية المتراكمة، إذ رأت صحيفة بوليتيكو في تحليل مطول صدر أمس، أن “الولايات المتحدة تتعامل مع زعيم إسرائيلي يفقد السيطرة” في إشارة إلى بنيامين نتانياهو..

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة