التطبيع المغربي مع إسرائيل..صدمة للشعب وانكشاف لسياسة الدولة وأحزابها

صورة: DR

مشاركة المقال

مدار: 27 كانون الأول/ ديسمبر 2020

أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، يوم الخميس 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، موافقة المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما، وقال في تغريدة على تويتر: “اختراق تاريخي آخر اليوم! اتفقت صديقتانا العظيمتان إسرائيل والمملكة المغربية على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة – اختراق هائل من أجل السلام في الشرق الأوسط!”. وجاءت خطوة التطبيع العربية الرّابعة بعد الإمارات والبحرين والسودان، خلال هذه السنة، في صفقة، اعترفت فيها واشنطن بسيادة المغرب على تراب الصحراء الغربية مقابل ذلك.

وشكّل التطبيع المغربي مع الدولة الصهيونية خطوة صادمة للشعب المغربي، الذي طالما كان سبّاقا إلى التعبير عن تضامنه ووقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني. كما أثار القرار ردود فعل متناقضة، كشفت حجم تحكم النظام السياسي المغربي في الحقل السياسي وفرض إرادته المعاكسة لإرادة الشعب.

واختارت الأحزاب السياسية الملتفة حول النظام المغربي الصمت عن خطوة التطبيع، مقابل التهليل للاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في حين سارعت القناة الرسمية الأولى إلى نقل تصريحات للأمناء العامين للأحزاب، اكتفت بالتطرق لقضية الصحراء، دون الإشارة إلى القضية الفلسطينية.

وقال حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يقود الحكومة، إنه يقف إلى جانب قرارات الملك، ولم يأت على إدانة التطبيع، واكتفى بالتذكير بمواقفه السابقة من القضية الفلسطينية.

وجدير بالذكر أن الحزب المذكور يندرج ضمن التنظيمات العقائدية، التي طالما ادّعت أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن المبادئ التوجيهية التي لا تقبل الجدال. بينما توجّهت شبيبة الحزب إلى إدانة التطبيع في بيان سياسي؛ أما حركة التوحيد والإصلاح، الحركة الأم والخلفية الدعوية، فقد توجّهت إلى التعبير عن موقفها المستنكر للتطبيع، في مشهد فصامي.

واعتبرت جماعة العدل والإحسان، المنظّمة الإسلامية المعارضة، أنه لا يجب الانخراط في مقايضات، في إشارة إلى الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية مقابل التطبيع مع الكيان الغاصب. وقال الأمين العام للجماعة، محمّد العبادي: “إن قوى الشر ضغطت وأرغمت الحكام العرب على اتخاذ الصهاينة أصدقاء يعانقونهم ويجالسونهم، حيث أصبحت الدول العربية تروض الشعوب على القبول بالتطبيع مع إسرائيل حتى نرحب بالعدو في ديارنا، رغم أنه قتل الآلاف وشرّد الملايين من إخواننا الفلسطينيين ولايزال”.

هذا فيما بقي اليسار المعارض وفيّا لمواقفه، إذ اعتبر النهج الديمقراطي أن هذه الخطوة “خيانية”، وقال إنها: “طعنة غادرة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة المتمثلة في إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني يتعايش فيها الجميع بمختلف الهويات والأديان”.

 وأردف الحزب الماركسي بأن “هذا الإعلان التطبيعي يزج ببلادنا في ما تسمى صفقة القرن المشؤومة، والتخندق ضمن طابور الأنظمة العربية الرجعية العميلة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية”، مضيفا: “إن هذا الإعلان المخزي استخفاف واستهتار بموقف الشعب المغربي وقواه الحية والديمقراطية الداعم للقضية الفلسطينية”.

 من جهتها، استنكرت فدرالية اليسار الديمقراطي التطبيع المغربي-الإسرائيلي، واعتبرت أنه “قرار جائر تجاوز إرادة الشعب المغربي، الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضيته، وعبّر دوما عن رفضه القاطع لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني المستعمر”.

وحذّر الائتلاف اليساري الديمقراطي من “لوبيات الريع والفساد ومن أوهام حول العائدات السياحية والاقتصادية، وغيرها من مبررات غير معقولة وغير مقبولة لردّة وسقوط في مستنقع التطبيع مجددا”.

وعلى خلفية الإعلان، هبّت القوى المغربية المناصرة للقضية الفلسطينية إلى الدعوة لتنظيم وقفة احتجاجية يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر، أمام البرلمان بالعاصمة المغربية الرباط، غير أن القوى الأمنية عسكرت وسط المدينة، وطوّقت جميع المداخل المؤدية للمكان المحدّد للاحتجاج، ومنعت التوجه إلى المكان.

وبعد الإعلان المذكور، توجّه وفدان إسرائيلي وأمريكي إلى العاصمة الرباط، بقيادة جاريد كوشنير، كبير مستشاري البيت الأبيض، ومئير بن شبات، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، في أول رحلة تجارية مباشرة بين البلدين. واستقبل العاهل المغربي الوفدين في القصر الملكي بالرباط، حيث اتفقت الأطراف على إعادة فتح مكاتب الاتصال بكل من تل أبيب والرباط، وتسيير رحلات جوية مباشرة، وتعزيز التعاون في مجالات عدّة. واختتمت فعاليات الزيارة بتوقيع إعلان ثلاثي، وقّعه من الجانب المغربي رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، ما أثار سخطا شعبيا واسعا.

وأثار توقيع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سخطا وسط قواعد الحزب الإسلامي، إذ طالب بعضهم بإقالته من منصبه، ما دفع بالأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، إلى الخروج إلى الرأي العام، عبر بث مباشر على “فايسبوك”، يحاول الدفاع عن الخطوة، معتبرا أن ما قام به رئيس الحكومة لا يجب أن يحسب على الحزب، بل على الدولة التي يترأسها الملك.

واعتبر مراقبون أن مشهد توقيع العثماني على الإعلان الثلاثي هو ضرب لعصفورين بحجر واحد من طرف الدولة العميقة، التي أرادت أن تمضي في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفي الآن نفسه توجيه الغضب الشعبي إلى الحزب الإسلامي المذكور.

واعتبرت حركة المقاومة الإسلامية أن ما أقدم عليه المسؤول الحكومي المغربي “يعد خروجا عن مبادئ الحزب وأدبياته الداعمة والمؤيدة لفلسطين وشعبها المقاوم، وكسرا لموقف التيار الإسلامي المجمع على رفض التطبيع مع الاحتلال”.

جدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجّه دعوة إلى العاهل المغربي لزيارة إسرائيل، واتفقا خلال مكالمة هاتفية على زيارة وفد مغربي إلى تل أبيب، من أجل تسريع مساطر التطبيع وفتح تمثيليات ديبلوماسية.

 ومعروف أن العلاقات المغربية الإسرائيلية كانت موجودة قبل الإعلان الأخير. وتحدثت تقارير عن لقاء سري بين وزير الخارجية المغربي ونتانياهو بمقر الأمم المتحدة سنة 2018، ناهيك عن استخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي لاستهداف المعارضين المغاربة واختراق أجهزتهم الإلكترونية، وهي عمليات كشفتها منظمات حقوقية دولية، ومختبر “سيتيزن” الكندي.

وتحدثت تقارير عديدة عن وجود سلع إسرائيلية الصنع في الأسواق المغربية، عملت حركة مقاطعة إسرائيل “بي دي إس” على التعبئة لمقاطعتها وفضحها.

وارتباطا بالموضوع، تضمنت الصفقة المغربية مع واشنطن أن تفتتح هذه الأخيرة قنصلية لها بمدينة الداخلة في الصحراء الغربية، من أجل تثبيت الاعتراف الأمريكي بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، بالإضافة إلى استثمارات أمريكية في المغرب، بلغت حسب ما أعلن إلى حدود الساعة خمسة مليارات دولار، سيخصص جزء وافر منها للقطاع الخاص. وقالت الصحافة الأمريكية أن إحدى شركات الطاقة المملوكة للملك المغربي ستستفيد من هذه المبالغ.

وقالت مصادر إعلامية محلّية إن العديد من الشركات الإسرائيلية بدأت تزامنا مع الإعلان المذكور إنشاء فروع لها بالمغرب، ما يكشف أن خطوة التطبيع تتعلق بالمال والأعمال أيضا.

وفي السياق ذاته، عملت منابر إعلامية مغربية على الدعاية لمخطط التطبيع، بعض منها ممول من طرف الإمارات، والبعض الآخر مرتبط بأجهزة الدولة. كما قامت صحيفة “جوريسليم بوست” بتوقيع اتفاق شراكة مع إحدى الصحف المغربية المرتبطة بالمخابرات من أجل تبادل المحتويات.

وركّزت الدعاية الداخلية على أن الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية يشكل انتصارا تاريخيا تصغر أمامه خطوة التطبيع مع إسرائيل، وأن المغرب سيتشبث بالقضية الفلسطينية وسيبقى وفيا لها، وأن الوضع الجديد سيسمح للمغرب بالضغط على إسرائيل من أجل احترام حق الشعب الفلسطيني في دولته وعاصمتها القدس. غير أن المعطيات التاريخية تظهر أن الرباط كانت محتشمة في تعاملها مع القضية الفلسطينية، وأصبحت اليوم أكثر عجزا عن التعامل مع الوضع لأنها رهنت سيادتها بيد واشنطن وتل أبيب.

ورغم ظروف جائحة كورونا، حاولت العديد من القوى تنظيم وقفات احتجاجية بمدن مختلفة، غير أن السلطات المغربية منعتها. وقالت تقارير إعلامية إن مظاهرات مندّدة بالتطبيع خرجت من المساجد بعد صلوات العشاء مساء.

 ومن المرتقب أن يشهد المغرب احتجاجات أخرى بعد تراجع انتشار الوباء، وتخفيف إجراءات الطوارئ الصحية التي استغلتها السلطات المغربية لتقويض الحريات العامة، حسب الحركة الحقوقية المغربية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة