إفريقيا.. الكوليرا تفتك بالآلاف في الجنوب، وسط نقص حاد في اللقاحات

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 30 نيسان/ أبريل 2024

تشهد القارة الإفريقية، خصوصا القسم الجنوبي منها تفشيا واسعا للكوليرا الإقليمية الأكثر فتكا، حسب تقرير كانت دقت به منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر في شباط/ فبراير الماضي، ومنذ ذلك الحين لم تزدد الأوضاع سوى سوءا.

ويقع مركز الكارثة في ملاوي وزيمبابوي وموزمبيق، حيث تضاعفت حالات الكوليرا أكثر من أربع مرات بين عامي 2022 و2023، وتم الإبلاغ عن أكثر من 1600 حالة وفاة في هذه البلدان الثلاثة.

هذا التفشي الواسع للكوليرا مرده النقص الكبير في اللقاحات المخصصة للبلدان الإفريقية، انضاف إلى ذلك الفيضانات التي شهدها الجزء الشرقي والجنوبي من القارة، مما جعل العديد من المناطق غير قادرة على الوصول إلى المياه النظيفة لتضطر إلى الاستعانة بالمياه الملوثة.

الفيضانات تجتاح مختلف بلدان القارة

في وقت تعيش فيه بعض البلدان على وقع الجفاف على مدار السنوات الماضية، ترزح أخرى تحت مخلفات الفيضانات القاتلة في أجزاء كثيرة، وبالأخص في شرق أفريقيا الذي يواجه أمطارا غزيرة.

وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن الفيضانات المدمرة تهدد بتفاقم انعدام الأمن الغذائي في شرق أفريقيا، حيث شهدت المنطقة هطول أمطار غزيرة بعد أن كانت تعاني من الجفاف قبل أقل من عام.

وجاء في التحذير: “تتعرض منطقة شرق أفريقيا لظواهر تغير المناخ المتطرفة – من انعدام المياه إلى كثرة المياه، وهو أمر كارثي، تسببت فيه الفيضانات الشديدة بالدمار”، وقال مايكل دانفورد، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق أفريقيا: “مع توقع هطول المزيد من الأمطار، أخشى أن الأسوأ لم يأت بعد”.

وأدت خمسة مواسم متتالية من شح في الأمطار إلى جفاف مدمر ترك ملايين الأشخاص في حالة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، مع تدمير سبل العيش على نطاق واسع؛ ومع الأضرار التي تسببت فيها الفيضانات المفاجئة فإنه من المتوقع أن يستغرق التعافي من هذه الأضرار سنوات عديدة.

تسبب هطول الأمطار في شهري أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول، وتجاوزها لـ 140% فوق المتوسط، ​​في تدمير الممتلكات والبنية التحتية والمحاصيل وجرف الماشية، كما فقد العشرات من الأشخاص حياتهم.

وتضرر حسب التقارير أكثر من 3 ملايين شخص، واضطر أكثر من 1.2 مليون منهم إلى مغادرة منازلهم، وتعد الصومال وإثيوبيا وكينيا أكثر البلدان تضرراً من هذه الأزمة، تليها السودان وجنوب السودان وبوروندي وأوغندا.

ومن بين البلدان الأكثر تضررا إثيوبيا المثقلة بتبعات الحرب، زادتها الأمطار متاعبا بعد أن  تجاوزت المتوسط، وحدوث فيضانات في جنوب وجنوب شرق البلاد.

 وقد تأثر ما يقدر بنحو 1.5 مليون شخص في مناطق عفار وأمهرة وغامبيلا وأوروميا. وفي المنطقة الصومالية، إحدى المناطق الإثيوبية الأكثر تضررا من انعدام الأمن الغذائي، تأثر أكثر من 1.1 مليون شخص بالفيضانات، بما في ذلك أكثر من 400 ألف نازح.

وغمرت المياه المرتفعة من بحيرة تنجانيقا ميناء بوجمبورا، العاصمة الاقتصادية لبوروندي، مما أدى إلى تعطيل الأعمال هناك وفي أماكن أخرى في بلد يعتمد بشكل كبير على دعم المانحين لإدارة البرامج الحكومية.

وقال وزير الداخلية مارتن نيتيرتسي في 17 أبريل/نيسان: “إننا ندلي بهذا البيان لنطلب من شركائنا في التنمية أن يوحدوا جهودهم مع شركاء دولة بوروندي لمساعدة جميع المتضررين من هذه الكوارث، نحن بحاجة لهذا الدعم”.

وفي الفترة من سبتمبر/ أيلول إلى أبريل/ نيسان، تضرر حوالي 204 ألف شخص من الفيضانات، ودُمر 19250 منزلاً و210 مقار دراسية، وارتفع عدد النازحين داخلياً بسبب الفيضانات بنسبة 25%، ليصل إلى أكثر من 98 ألف شخص، وفقاً لفوليت كينيانا كاكيوميا، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في بوروندي.

وفي تنزانيا، تسببت الأمطار الغزيرة في الأسابيع الأخيرة في حدوث فيضانات وانهيارات أرضية في أجزاء مختلفة من البلاد، حسبما قال رئيس الوزراء قاسم مجاليوا في جلسة للبرلمان.

وأضاف أن “أكثر من 51 ألف منزل و200 ألف شخص تضرروا و155 حالة وفاة، ونحو 236 جريحا وأكثر من 10 آلاف منزل تأثرت بدرجات متفاوتة”.

وتبقى قائمة البلدان التي تضررت من هذه الفيضانات طويلة، مثل زامبيا وكينيا وجنوب إفريقيا.

الوضع البيئي زاد من الكوليرا

حذرت منظمة الصحة العالمية، من تفاقم تفشي وباء الكوليرا بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم. وتشير الوكالة التي تتخذ من جنيف مقرا لها إلى عاملين: تفاقم آثار تغير المناخ، مثل الجفاف والفيضانات، والنقص الصارخ في التمويل لمكافحة تفشي الكوليرا بشكل فعال.

وقال الدكتور فيليب باربوزا، رئيس قسم أمراض الكوليرا والإسهال في المنظمة التابعة للأمم المتحدة: “تعتبر منظمة الصحة العالمية أن الخطر العالمي الحالي الناجم عن الكوليرا مرتفع للغاية وتستجيب بشكل عاجل للحد من الوفيات واحتواء تفشي المرض في البلدان حول العالم”.

وتسبب الكوليرا، التي تنتشر عن طريق البكتيريا التي تنتقل عادة عن طريق الماء أو الطعام الملوث، الإسهال والقيء ويمكن أن تشكل خطورة على الأطفال الصغار. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن المرض يزدهر في البيئات التي تفتقر إلى الصرف الصحي والمياه النظيفة.

واعتبرت منظمة الصحة العالمية في يناير/كانون الثاني 2023، عودة ظهور الكوليرا ضمن الفئة 3 من حالات الطوارئ، وهو أعلى مستوى لها.

وتضاعفت الحالات في السنوات الأخيرة، بحيث تم الإبلاغ، حسب المنظمة نفسها، منذ بداية عام 2023، عما يقرب من 825 ألف حالة إصابة بالكوليرا، بما في ذلك 5900 حالة وفاة في حوالي ثلاثين دولة، وفقًا لإحصاء تم إجراؤه في 31 آذار/ مارس 2024.

وفي آذار/ مارس 2024 وحده، تم تسجيل أكثر من 25000 حالة إصابة جديدة بالكوليرا، تم الإبلاغ عنها في 16 دولة في إقليمين من أقاليم منظمة الصحة العالمية.

وتطرق الدكتور باربوزا إلى أن: “مع اشتداد آثار تغير المناخ، يمكننا أن نتوقع أن يزداد الوضع سوءاً إذا لم نتحرك الآن لتعزيز الوقاية من الكوليرا”.

التلقيح ضد الوباء

على عكس اللقاحات التي يتم تقديمها بانتظام، مثل تلك المضادة للحصبة، فإن تطوير لقاح الكوليرا يتم حسب الحاجة: أثناء الأوبئة والأزمات الإنسانية، على سبيل المثال، كما أن التمويل محدود لشراء لقاحات الكوليرا، مما يحد من الإنتاج.

وبالرغم من أن إفريقيا تأتي في المقدمة من ناحية انتشار الكوليرا والإماتة، إلا أنه يتم تصنيع أقل من 1% من جرعات جميع اللقاحات محليا.

وبالعودة إلى فترة اجتياح جائحة كوفيد-19، حيث كانت البلدان الأفريقية في مؤخرة الصف في الحصول على اللقاحات المنقذة للحياة، وباتت الحاجة أكبر الآن إلى بناء القدرة على إنتاج لقاحات الكوليرا بالأخص.

وبالتمعن في وضعية لقاحات الكوليرا، فإن هناك فقط مصنع واحد يقع في كوريا الجنوبية (EuBiologics) يعمل على إنتاج لقاحات الكوليرا عن طريق الفم بكميات كبيرة لوقف النقص الحاد في المخزونات، والذي استمر لفترة طويلة ولكنه اشتد منذ عام 2021.

وفي رد على التقارير الأخيرة حول الحاجة إلى إنتاج المزيد من اللقاحات، صرت راشيل بارك، مديرة الأعمال الدولية في الشركة الكورية الجنوبية، في مقابلة مع صحيفة التلغراف : “لدينا ضغوط”.

وأضافت: “يعمل الموظفون البالغ عددهم 330 في مرافق ‘EuBiologics’ على مدار الساعة في ثلاث نوبات – لتلبية الطلب غير المسبوق على اللقاحات لإنقاذ الأرواح”.

كما عبرت راشيل على أنه: “على الرغم من العمل بكامل طاقته وزيادة عدد الجرعات المصنعة من 33 مليونًا في العام الماضي إلى 48 مليونًا متوقعًا في عام 2024، فإن جهود الشركة ستظل أقل بكثير من 72 مليون جرعة طلبتها أكثر من اثنتي عشرة دولة تضررت بشدة في الفترة ما بين 2020 و2024”.

لكن الحل الأنسب لنقص اللقاحات هو تمكين البلدان الإفريقية من التكنولوجيا المناسبة لتصنيع اللقاحات بنفسها وإلغاء براءات الإختراع التي قيدت الوصول الدواء.

وفي ظل الضعف في الإنتاج والحاجة الكبيرة إلى لقاحات الكوليرا، وافقت منظمة الصحة العالمية، خلال الشهر الجاري، على نسخة مبسطة من اللقاح الفموي ضد هذا المرض البكتيري، الأمر الذي من شأنه أن يتيح زيادة الإنتاج الإجمالي لهذه الأمصال في مواجهة انفجار الحالات حول العالم.

وقالت بارك إن الشركة، بالتعاون مع المعهد الدولي للقاحات (IVI)، طورت صيغة لقاح مبسطة – Euvichol-S – التي تستخدم مكونات أقل وأرخص وأسرع في صنعها بكميات أكبر من التكرارات السابقة.

وقالت منظمة الصحة العالمية في بيان صدر يوم الجمعة 19 أبريل/ نيسان إن لقاح “Euvichol-S” هو تركيبة مبسطة من “Euvichol-Plus”، بمكونات أقل، مما يسمح بإنتاج كميات أكبر بسرعة أكبر، وسيتم إنتاجه من قبل مجموعة “EuBiologics” الكورية الجنوبية، التي وافقت منظمة الصحة العالمية التابعة لها بالفعل على لقاحات “Euvichol” و”Euvichol-Plus”.

وسيقوم المعهد الدولي للقاحات بنقل تكنولوجيا اللقاح المبسط إلى شركة “Biological E”، وهي شركة هندية، وإلى شركة “Biovac” في جنوب أفريقيا، وهو ما سيكون بمثابة دفعة كبيرة لإنتاج اللقاحات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

ويقول الخبراء إن العملية قد تستغرق ما بين عام ونصف إلى عامين آخرين. وفي الوقت نفسه، تعمل شركة “Bharat Biotech”، وهي شركة هندية كبيرة أخرى، على لقاح خاص بها، والذي قد يكون جاهزًا للمساعدة في تجديد الإمدادات بحلول نهاية عام 2025.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة