أزمة سياسية تعيد عائلة شريف إلى حكم باكستان في ظل وضع اقتصادي كارثي

مشاركة المقال

21 أبريل/ نيسان 2022

عاشت باكستان طيلة الفترة الماضية على وقع شد وجذب بين مختلف المكونات السياسية للبلاد، لتنتهي الأزمة في الأخير بحجب الثقة عن عمران خان وحكومته، في استمرار لتقليد عدم استكمال أي من رؤساء باكستان السابقين ولايته الرئاسية كاملة.

حجب الثقة هذا رافقته العديد من الاتهامات، بما فيها تلك التي تتحدث عن دور محوري للولايات المتحدة الأمريكية في إسقاط الحكومة، في وقت عبر رافضو هذا الطرح عن أن واشنطن لم تكن لها يد في ذلك، بل تلخص دورها في تحذير مؤسسات الدولة الباكستانية من الوضع الذي تسير البلاد نحو.

هذه العملية بأكملها أفرزت عودة عائلة شريف إلى الحكم من خلال الشقيق الأصغر للرئيس السابق نواز الشريف.

عمران خان.. صعود وأفول مثل سابقيه

عندما تم انتخاب عمران خان رئيسا للوزراء عام 2018 بدا للعديدين أنه يمتلك كل الأمور بين يديه، لاسيما أنه كان بطلا وطنيا في فترته كلاعب كريكيت، بحيث تحول إلى سياسي يتمتع بشخصية طغت على الأجواء؛ وبعد سنوات من تواجده السياسي تمكن من استبدال السلالتين السياسيتين المتنافستين اللتين هيمنتا على باكستان لعقود.

لقد أظهر خان نفسه كقوة جديدة، مع مسيرات مفعمة بالحيوية ومليئة بالأغاني الجذابة التي تمجد في شخصه وما يمكن أن يفعل، كما أنه إلى جانب حضوره الضخم على وسائل التواصل الاجتماعي تم تضخيم رسالته حول مكافحة الفساد، لاسيما في ظل الوعود التي أطلقها حول إحداث “تغيير” في البلاد وخلق “باكستان جديدة”.

في وقت صعد عمران، لم يسبق لأي رئيس وزراء قبله أن أكمل ولايته البرلمانية المحددة في خمس سنوات، وبدا أنه سيكون الاستثناء الذي سيكسر هذه العادة، وهو الأمر الذي لم يحدث.

ومع كل الزخم الذي واكب عمران خان، إلا أن السبب الرئيسي حسب العديدين الذي جعله يستمر في قيادة البلاد ويجعل منصبه آمنا هو الدعم الذي لاقاه من قبل الجيش الباكستاني القوي وأجهزة المخابرات.

 وكان من المقرر إجراء التصويت في البداية في البرلمان يوم الأحد الماضي، لكن نائب رئيس البرلمان قاسم سوري – عضو حزب خان السياسي – سرعان ما أوقف الاقتراح، قائلاً إنه يظهر “تدخلاً أجنبياً”. كما قال سوري إن ذلك يتعارض مع الدستور الذي يدعو إلى الولاء للدولة.

لكن كل الأمور انقلبت بعد أن أقدم عمران خان وحكومته على حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، بعد أن كان من المرتقب أن يتم التصويت لحجب الثقة عنه وعن حكومته، ما أثار غضب العديد من المعارضين، إذ اتهم بعضهم رئيس الوزراء بالخيانة لعرقلة التصويت.

وهذا ما دفع شخصيات معارضة إلى تقديم التماس للمحكمة العليا لتقييم الوضع، والنظر في مدى قانونية ما أقدم عليه رئيس الوزراء، لتقضي المحكمة الباكستانية العليا بأن قرار خان وقف التصويت كان غير دستوري، وأمرت بضرورة إجراء التصويت على سحب الثقة مرة أخرى.

الرسالة الأمريكية التي أحدثت ضجة

شهد الـ27 من مارس/ آذار تدفق جماهير عريضة من الباكستانيين لرؤية الرئيس عمران خان يتحدث، عندما صرح بأن “القوى الأجنبية تخطط لتغيير النظام في باكستان”. وهدد خان، وهو يلوح برسالة مأخوذة من جيب معطفه، بالكشف عن تهديدات مباشرة ومكتوبة لباكستان وله.

وإثر ذلك عقد اثنان من كبار أعضاء مجلس الوزراء: أسد عمر – وزير التخطيط والتنمية والإصلاحات والمبادرات الخاصة – وفؤاد تشودري، وزير الإعلام – مؤتمرا صحافيا مشتركا كشفا فيه عن مزيد من التفاصيل حول هذه الرسالة المثيرة للجدل؛ ثم دعا عمران خان العديد من أعضاء حكومته ووسائل الإعلام والمجتمع الأمني الباكستاني إلى عرض الوثيقة مباشرة.

وهذا في وقت رفض معارضو الحكومة مزاعم خان تماما، بحيث أعلن زعيم المعارضة الباكستانية شهباز شريف (الذي كان يطمح لمنصب رئيس الوزراء) أنه سيقفز على متن سفينة عمران خان وينضم إليه إذا كانت الرسالة حقيقية، وكان رئيس الوزراء يتحدث بصدق.

لكن في غضون ساعات، تم تقديم التماس إلى محكمة إسلام أباد العليا (IHC) من طرف رئيسها، أطهر مين الله، لإصدار رأي قانوني يفيد بأن عمران خان لا يمكنه نشر هذه الرسالة علنا بسبب قسم السرية. في وقت اعتبر الكثيرون أن مثل هذا الحكم السريع لا يمكن أن يأتي من أعلى سلطة قضائية في باكستان بخصوص رسالة مزيفة.

في اليوم التالي، عقدت لجنة الأمن القومي (NSC) اجتماعًا حضره كل من رئيس الوزراء الباكستاني وقائد الجيش ورئيس هيئة الأركان المشتركة وسلاح الجو الباكستاني، وقادة البحرية ومستشار الأمن القومي (NSA) والعديد من المسؤولين المهمين الآخرين، في حين قاطعه أعضاء المعارضة. لكن المشاركين اتخذوا قرارا بالإجماع لتوجيه عتاب للولايات المتحدة على أفعالها والتأكيد على أن باكستان لن تسمح بالتدخل في شؤونها.

ووفقًا للتصريحات التي أدلى بها خان خلال اجتماع مجلس الأمن القومي فقد أرسل كبار المسؤولين من وزارة الخارجية الأمريكية الرسالة في 7 مارس/ آذار عبر أسد مجيد خان، السفير الباكستاني في واشنطن، وورد فيها أنه سيكون هناك اقتراح بحجب الثقة ضد رئيس الوزراء قريبا، وأنه يجب على عمران خان ألا يقاوم وإلا فإنه وباكستان سيواجهان عواقب وخيمة.

ليقع بعد ذلك حجب الثقة عن عمران خان الذي وجه سهام نقده الأولى للجيش الذي اعتبره خان البلاد، معبرا عن أن “مؤسسة حيوية في الدولة يجب ألا تُظهر حيادية لأولئك الذين يتم استخدامهم علنًا وعن عمد كأدوات لتغيير النظام، بتنسيق من أعداء باكستان”.

أي مستقبل اقتصادي وسياسي ينتظر البلاد؟

بعد سحب الثقة من حكومة عمران خان تم انتخاب شهباز شريف (70 عاما)، الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء السابق نواز شريف، رئيسا للوزراء يوم الإثنين في أعقاب أزمة دستورية استمرت أسبوعا.

هذا وقال مساعد رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، مفتاح إسماعيل، إن الحكومة الباكستانية الجديدة تواجه مهمة شاقة تتمثل في إدارة اقتصاد متعثر يعاني من عجز هائل.

وقال مفتاح، الذي من المرجح أن يتم تنصيبه كوزير لمالية شريف، في مؤتمر صحافي في إسلام أباد: “لقد ترك عمران خان فوضى حرجة”، مضيفا أن المحادثات المعلقة مع صندوق النقد الدولي ستُستأنف كأولوية، وزاد: “سنستأنف المحادثات مع صندوق النقد الدولي”.

وكرر إسماعيل المخاوف التي أثارها شهباز شريف في خطابه الأول في البرلمان في ما وصفه بالعجز القياسي الذي سترثه حكومته من خان، الذي اتهمته المعارضة بسوء إدارة الاقتصاد.

هذا وشكل شريف المجلس الاقتصادي الوطني الاستشاري في أول اجتماع له، ومن النقاط الأولى له مراجعة الخطوات التي أدت إلى تعليق صندوق النقد الدولي المحادثات حول برنامج إنقاذ بقيمة 6 مليارات دولار تم الاتفاق عليه في يوليو 2019.

بالإضافة إلى ذلك أعلن البنك المركزي في الأسبوع الماضي أنه من المتوقع أن يبلغ عجز الحساب الجاري لباكستان حوالي 4 % من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2022، في وقت انخفضت الاحتياطيات الأجنبية إلى 11.3 مليار دولار في 1 أبريل، مقارنة بـ 16.2 مليار دولار في الشهر الذي سبقه.

هذه العودة للحرس القديم وتدهور الأوضاع الاقتصادية من المتوقع أن يجعلا البلاد تعيش على صفيح ساخن طيلة الفترة المقبلة، في ظل عدم وجود أفق مبشر، وفي ظل العودة إلى مراجعة الديون التي ستؤدي إلى إغراق البلاد.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة