اليسار العربي والمغاربي وانتفاضات شعوب المنطقة (مصر وسوريا)

مشاركة المقال

مدار: 09 كانون الثاني/ يناير 2020

كان انطلاق السيرورات الثورية التي اجتاحت المنطقة العربية والمغاربية، بتفاوت بين أقطارها، مفاجئا لجميع المفكرين والهيئات السياسية، بما فيها تنظيمات اليسار التي شكل تجاوز الركود السياسي الذي فرضه الاستبداد المهيمن حلمها الأساسي؛ لكن مواقفها تراوحت بين الانتصار لموجة التغيير الديمقراطي والانخراط فيها أو النظر إليها بحذر وحتى معاداتها بمبررات مختلفة، منها الفوضوية وما تمليه نظرية المؤامرة.

اليوم، وبعدما يقارب العقد من الزمن على انطلاق “ربيع الشعوب” الذي لازالت تداعياته مستمرة، تفتح هيئة تحرير موقع “مدار”، عبر مقالات تقييمية متأنية، ملف مساهمات اليسار بمختلف تلاوينه في رسم مآلات الانتفاضات الشعبية التي غيرت ولازالت الخرائط السياسية العربية والمغاربية، وذلك باعتباره من ناحية المبدأ أكبر حامل للهم الديمقراطي بمضمونه التحرري بالمنطقة، وأدت فصائل منه ومناضلون التضحيات الجسام من أجله، رغم كل الانحرافات التي طبعت أجزاء من جسده الكبير، والنكسات التي عرفتها بعض التجارب تجارب…فكيف اتسم الأداء اليساري في هذا العقد الثوري في الوطن العربي والمغاربي الكبير؟ وما أبرز المواقف التي سيسجلها عنه التاريخ بفخر في سجله الذهبي أو بمداد من العار الأسود؟..

ثورة ديمقراطية ضد الاستعمار..مجرد بداية

المفكر اليساري المعروف سمير أمين تحدث في مقابلة مع موقع “الأخبار” عن مساهمة القوى اليسارية في ثورة 25 يناير بمصر، التي قال إنها أثبتت وجود قوى معادية للتكتل الرجعي في المجتمع المصري (العسكر والإخوان والبرجوازية)، وإنها مجرد انطلاقة للثورة، من خلال كلامه عن “قوى مكونة من أطراف مختلفة، تضم الشباب المسيس، قوى اليسار الجذري وفئات الطبقة الوسطى”، موردا أن “الطرف الأول في قوى الثورة يضم الشبكة الواسعة من الشباب المسيسين الذين يقارب عددهم حوالي مليون شخص، معظمهم يميلون بشكل أو بآخر إلى اليسار ومعادون للاستعمار، يريدون مصر دولة مستقلة غير تابعة لإستراتيجيات الولايات المتحدة والخليج وضد العدو الصهيوني؛ وهذا يعني أن ثورتهم ليست مجرد ثورة ديمقراطية، بل هي ثورة ديمقراطية معادية للاستعمار”.

الطرف الثاني في الثورة أو القوة الثانية، حسب سمير أمين، هي “اليساري الجذري الموجود في مصر تاريخياً، من الناحية الفكرية على الأقل”، موردا: “نشأ اللقاء بين اليسار الجذري والشباب المسيس منذ اللحظة الأولى في ميدان التحرير. وهذا اللقاء كان تحالفاً تلقائياً بين مثقفين من اليسار الجذري بأنواعه المختلفة من شخصيات وأفراد وبين الشباب”.

إفلاس أمام سؤال سوري

في كتابه “ثورة حقيقية..منظور ماركسي للثورة السورية”، ينتقد المفكر الماركسي سلامة كيلة، الذي قضى ثمان سنوات من السجن بسبب موقفه المساند للثورة السورية، الرؤية التي تبنتها أغلب أحزاب اليسار العربي والعالمي تجاه هذه الثورة، والتي أخطأت الموعد مع التاريخ بمواقفها المتذبذبة والمتحفظة، معتبرا أنها “تأثرت بمنظور لم يستطع تجاوز “الماركسية” التي عممها خبراء سوفيات تأسست ماركسيتهم على فهم صراعات الحرب الباردة”.

ودافع كيلة عن كون الثورة السورية ثورة حقيقية، إذ أورد في كتابه أنها “شهدت أقسى المواجهة من قبل الطبقة المسيطرة ضد الشعب الذي بذل أقسى البطولة في رفض سلطة ممثلة للطبقة المافياوية العائلية الريعية المسيطرة، التي تشن حرب إبادة على الشعب المتمرد، الذي يريد الخبز والحرية”.

وأشار المفكر الماركسي إلى أن الحركة الشيوعية أفلست أمام السؤال السوري، مستدركا بأن جزءا من الماوين والتروتسكيين استطاعوا اتخاذ موقف سليم من الثورة السورية عكس الاتجاه العام المهيمن.

في السياق ذاته ذهب الناشط اليساري والصحافي المغربي الشاب عبد اللطيف الحماموشي، في مقال تحليلي، إلى التأكيد على دور اليسار العربي في النضال من أجل الكرامة والانعتاق والعدالة الاجتماعية، إلا أن ذلك في نظره لا يمنع من نقد التوجهات السلطوية داخل التيار الاشتراكي بكل اتجاهاته، معتبرا أنه ليس غريباً أن تجد بعض الأحزاب الاشتراكية تُقر في مقرراتها التنظيمية، وفي وثائق مؤتمراتها بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي نفس الآن تدافع عن نظام مجرم ودموي كنظام بشار الأسد المتنكر لكل المبادئ الإنسانية، لعدة أسباب منها كون الأخير (الأسد) يقود حكومة “علمانية اشتراكية” مناهضة للإسلاميين ومحافظة على “تقدمية” الدولة، وكذلك لأنه “ممانعة” ولمناهضته للإمبريالية الغربية؛ وكأن روسيا المتحالفة مع نظام الأسد ليست بإمبريالية! كما أن الثورة السورية ما هي إلا “مؤامرة استخباراتية، وصنيعة أورو-أمريكية” ترمي إلى تفتيت وحدة الشعب السوري المقاوم”..

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة