هل يتجه المغرب إلى سنوات رصاص جديدة؟

مشاركة المقال

مدار: 10 يناير/كانون الثاني 2020

مع انطلاق حركة “عشرين فبراير”، النسخة المغربية من “الربيع الديمقراطي” الذي زلزل الدول العربية والمغاربية، ووصلت شظاياه إلى الكثير من دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة متمثلة في حركة “احتلوا وول ستريت”، وذلك في مستهل سنة 2011، بدا واضحا تصاعد وتيرة اعتقال النشطاء والمدونين المغاربة شيئا فشيئا، ليبلغ أوجه مع الحراك الذي عرفته منطقة “الريف”؛ ما حذا بكثير المفكرين والتنظيمات السياسية والحقوقية وغيرها إلى الحديث عن عودة “سنوات الجمر والرصاص” التي عرفتها البلاد في عهد الملك السابق الحسن الثاني، والتي ظلت الدولة المغربية تشيد بالقطع معها عبر هيئة “الإنصاف والمصالحة” لتدشين “عهد جديد”.

إغلاق الأقواس

 في ندوة نظمتها مؤخرا فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي تضم ثلاثة أحزاب يسارية شاركت في حركة عشرين فبراير وقاطعت الدستور الجديد، أشار منسقها إلى ما أسماه “المشهد السياسي البئيس الذي خلقته الدولة بعد إغلاق كل الأقواس التي فتحتها حركة 20 فبراير(شباط)، وهو الوضع المأزوم الذي انهارت معه أيضا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي، ما أفرز رد فعل طبيعيا للشعب المغربي بتنامي الحراكات الشعبية، ولم تكن إجابات الدولة إلا بالمقاربة القمعية”.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر جمعية حقوقية في المنطقة، لفتت في بيان لها إلى “عودة موجة جديدة من محاكمات الرأي تحت يافطة المس بالمقدسات، كالتي تابعتها في الفترة السابقة لاندلاع حراك 20 فبراير”، موردة أن “الاعتقالات والمحاكمات تشكل هجمة شرسة على المكتسبات في مجال الحقوق والحريات وإحدى أبرز مظاهر الردة الحقوقية التي تعرفها البلاد منذ بضع سنوات”.

ردة أم وجه حقيقي؟

الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب قالت بدورها في بيان إنها “تتابع عن كثب مجريات الوضع العام بالمغرب، وخاصة ما تعرفه محنة الحريات العامة من تراجعات، تفاقمت بشكل خطير نتيجة الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية التي تسود البلاد، بعد الهجمة الشرسة على حرية التعبير وحرية الرأي”.

ووفق بيان للجمعية ذاتها فإن “محاكمة الرأي العام وتلفيق التهم أضحت العنوان البارز للمرحلة، ما انعكس سلبا على الوضع العام داخليا وأمام المحافل الدولية بعد الترويج للقطع مع سنوات الجمر والرصاص، وهو ما يؤشر على العودة إلى الوراء بفعل الردة الحقوقية التي تعرفها البلاد ومصادرة الحقوق الفردية والجماعية تحت غطاء مسميات عفا عنها الدهر”.

النهج الديمقراطي، الحزب الذي يتمترس في أقصى اليسار، أوردت كتابته الوطنية، في بيان اطلع عليه موقع “مدار”، أن “النظام المخزني أبان مرة أخرى عن وجهه الحقيقي الذي لطالما حاول تجميله من خلال رفع شعارات المصالحة مع جرائم وانتهاكات الماضي وإطلاق المسلسل الديمقراطي، ليؤكد من جديد استمرار النهج القمعي الأمني لتكميم الأفواه ومحاصرة وقمع كافة الأصوات المعارضة”.

وأضافت قيادة الحزب اليساري: “الهجمة المخزنية الشرسة التي يشهدها المغرب في السنوات الأخيرة خير دليل على زيف كل الشعارات التي يحاول المخزن عبثا تسويقها. هجمة تصاعدت من خلال الهجوم على مجموعة من الصحافيين والنشطاء السياسيين والحقوقيين، وكانت آخرها المتابعات التي طالت صحفيين ومدونين ومواطنين”.

ترسيخ آليات السلطوية

أمام هذا الجو الموسوم بالردة الحقوقية كما وصفتها التنظيمات سالفة الذكر، بادرت حوالي ثلاثين هيئة حقوقية وجمعوية وحزبية وشبابية ونسائية إلى اتخاذ الخطوات الأولية لتأسيس “الجبهة الاجتماعية”.

وجاء في بلاغ أن اللجنة التحضيرية للجبهة “تدارست المشاريع والمقترحات الكفيلة بإطلاق دينامية تأسيس الجبهة، التي تظل منفتحة على باقي القوى الديمقراطية والتقدمية التي تتقاطع وأهدافها”، وحددت أن الجبهة تسعى إلى “الدفاع عن الحقوق والحريات لأوسع شرائح الجماهير الشعبية، وفي عمقها القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية”.

ائتلاف الجمعيات الأمازيغية الأكثر انتشارا في المغرب أجمع بدوره في بيان سابق على أن “الوضع السياسي العام بالمغرب يتميز بنكوص خطير نتج عنه الإمعان في إضعاف التنظيمات السياسية والمدنية وترسيخ آليات السلطوية على حساب إعمال مبادئ وقيم التدبير الديمقراطي لعمل المؤسسات”.

وأكد بلاغ صادر التنسيق الوطني الأمازيغي رفضه ما وصفه بـ”الأسلوب القمعي الذي تم به التعامل مع حراك الشارع المغربي، خاصة الحراك السلمي بالريف ومناطق أخرى ببلادنا”.

انتهاكات تعرف الحياة ومحاكمات فادحة الجور

وفي تقرير لها حول حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2019، قالت جماعة العدل والإحسان، أكبر تنظيم إسلامي معارض، إن “الانتهاكات لازالت أحد طرق تعريف الحياة بالمغرب”.

واعتبرت الجماعة في تقريرها الذي اطلع عليه موقع مدار الإلكتروني أن “وقائع القمع والتعذيب والاختطاف والشطط في استخدام السلطة، المتكررة بشكل ممنهج ومتواتر، والتي تقوم بها أجهزة الدولة مع تمتع الجلادين بالإفلات الدائم من العقاب دلائل دامغة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذا البلد لم يقطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة”.

منظمة العفو الدولية (أمنستي) أصدرت بدورا تقريرا موشحا بالسواد عن أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، مما جاء فيه أن المغرب “فرض قيودا شديدة على الحق في حرية التعبير والتجمع، وخاصة ما يتعلق بالاحتجاجات السلمية في مدينتي الحسيمة وجرادة (شمال البلاد)”، لافتا إلى “إصدار المحاكم المغربية أحكاما بالسجن لمدة طويلة على عدد من الصحفيين والمحتجين والمدافعين عن حقوق الإنسان، في أعقاب محاكمات فادحة الجور، وحظر السلطات للجمعيات وتقييد أنشطتها”.

هل تتجه البلاد فعلا إلى نكوص حقوقي يعيد تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البلاد؟.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة