الحراك الشبابي والطلابي.. ارتقاء الوعي و طوفان التغيير

مشاركة المقال

مدار: 29 نيسان/ أبريل 2024

محمد منصور (من فلسطين)

سبع بقراتٍ عجاف، كانت تلك رؤية ملك فرعوني وانتهت بتحقيق ما قام بتأويله نبي الله يوسف وخلاص مصر من القحط والجفاف، لكن خمس بقراتٍ حمراء تسعى جماعات المعابد اليهودية المتطرفة إلى ذبحها انطلاقاً من معتقد يهودي مزعوم بدخول المسجد الأقصى، الذي حُرّم عليهم بسبب “الدنس”، ومن ثم هدمه لبناء “الهيكل الثالث” على أنقاضه، على اعتقادهم أن ذلك مقدمة لظهور “المسيح المخلص”، وتَحقق الخلاص لليهود.

كادت جماعات المعابد اليهودية المتطرفة أن تبدأ بتنفيذ المخطط إلا أن وعي المقاومة الفلسطينية حال دون ذلك، لتعلن عن بدء عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل المقاومة في قطاع غزة على الاحتلال فجر يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً على عدة مستوطنات في غلاف غزة، وفق ما نشرته حركة المقاومة الإسلامية حماس في وثيقة “هذه روايتنا – لماذا طوفان الأقصى؟”، التي جاءت حسبها من أجل مواجهة ما يُحاك من مخططات صهيونية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويد مقدساتها وانتهاكها، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة.

في واقع الأمر إن معركة الشعب الفلسطيني ليست وليدة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وإنما هي بدأت منذ عشرة عقود ضد الاستعمار البريطاني والاحتلال الصهيوني بأشكال عدة بداية من الحجر وصولاً إلى إطلاق الصواريخ.

وبالنظر إلى كل شكل وزمان نرى الحراك الشبابي والطلابي دائماً في مقدمة المشهد، وممراً لصدى عمليات المقاومة وكافة الأحداث التي يشهدها الصراع.

ومن الضروري هنا التمييز بين الحركة والحراك على اعتبار الأولى تأخذ شكلاً منظماً في صور مجموعات أو هيئات ذات أهداف محددة ومتنوعة كالتعليم والثقافة والتنمية، وليس بالضرورة أن تنشأ بسبب حدث ما سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو اجتماعياً وغير ذلك، وإنما هي تعبئة للطاقات والخبرات واستثمارها بشكل أمثل، أما الحراك فهو وليد الحدث يأتي في صور الاحتجاجات والحملات والتظاهرات لتغيير وضع ما أو لدعم ومناهضة قضية أو حدث.

انطلاقاً مما سلف وبالتقريب لغوياً وعملياً فإن الحراك هو لصيق الطوفان، فهو القوة الحيوية والدافعة لتعزيز الوعي العام ومناهضة أبرز قضايا الصراع، ويحمل في مضامينه وأنشطته مجموعات مختلفة ينظمها الاندفاع للمناصرة، أي لا ينتهي عند حل الصراع الآني، بل هو قوة كامنة تعيد تشكيل نفسها عند اندلاع صراع جديد على عكس الحركات التي  يحاصرها تاريخ التأسيس.

الحراك الشبابي والطلابي ذي دور متعدد الأوجه، في ظل ما تشهده الساحة الفلسطينية من أحداث متتالية في غزة والأراضي المحتلة عقب طوفان الأقصى، وتجتمع كفاءات الشباب وخبراتهم في نواة واحدة وضمن هدف واحد، رغم التنوع والتخصص في شتى مجالات الحياة العملية والمهنية من صحافة وإعلام وهندسة وطب وغيرها الكثير.

ويتبنى الشارع الفلسطيني انتفاضات جديدة ذخيرتها نشر الوعي، وهي الأشد على الاحتلال من الرشقات الصاروخية، مثل حملات المقاطعة، التي أطلقتها مجموعات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي بأبسط الوسائل والمرئيات التي تنقل حقيقة عائدات الأرباح التي تجنيها الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، والتي خلقت أزمات وخسائر اقتصادية للشركات الكبرى الصناعية والغذائية تقدر بأكثر من 25 مليار دولار أمريكي خلال عدة أشهر، أبرزها ماكدونالدز وكارفور و”HP”.

إن هذا ليس أمراً سهلاً فنحن نتحدث عن تغيير عادات وسلوكيات شراء، على الرغم من اعتقاد فئات قليلة بأن المقاطعة حرب بطيئة إلا أنها ذات تأثير كبير ومستمر ولا يمكن إطفاؤها، فمن يجبر المشتري على شراء منتج معين؟، قد يجيب البعض بأن علوم التسويق والقدرة على إنتاج الشركات لنفس المنتجات بأسماء مختلفة يمكنها الالتفاف على المشتري، لكن المُقاطع أصبح واعياً ومدركاً أنه يدفع ماله لمن يذخر الاحتلال، أي أن حملات المقاطعة استطاعت أن تغير سلوك الشراء تغييراً جذرياً وقبل ذلك استطاعت أن تعيد بناء الوعي، السم الذي لا ترياق له بالنسبة للعدو.

مما لا شك فيه أن حملات المقاطعة التي أثبت حراكها بأن عدم دخول مطاعم مأكولات ومتاجر معينة أو شراء أحد المنتجات هو معركة أيضاً، باتت معظم وسائل إعلام الدول الكبرى وحتى أنظمتها ترصد نتائجها وانعكاسها ليس فقط على الأرباح والخسائر وإنما أيضاً على انتقال الوعي إلى شعوبها، أحد أساليب الحراك، غزوات الحقيقة.

في هذا الصدد، لطالما سعت “إسرائيل” إلى تهجير الفلسطينيين حتى من منفاهم، لكن لم تدرك إلا مؤخراً بأن تهجيرهم هي هجرة الفكرة والحقيقة إلى العالم، وفي شرعية السياسية فإن الجميع يختلفون على الظاهر لكنهم يتفقون على الحقيقة.

في مقابل ذلك هذا ما استثمره الحراك الشبابي والطلابي في أوروبا ضمن جامعاتها وأسواق عملها وشوارعها التي شهدت أكثر من 6211 مظاهرة مؤيدة لفلسطين منذ بداية الطوفان حسب رصد المركز الأوروبى الفلسطيني للإعلام “إيبال”، شملت أكثر من 17 دولة أوروبية، عقبها موجات من تغيير سياسة الحكومات وحتى لهجتها الخطابية لمصلحة فلسطين، أبرزها إدانة رئيس الوزراء الأيرلندي انتهاكات “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، وانتقاد النرويج حصار غزة وانتهاكات “إسرائيل” في المقام الأول، وتأكيدها على أن أفعال “إسرائيل” تجاوزت بوضوح حدود القانون الدولي، ورافقتها دعوة حزب بوديموس اليساري الإسباني المشارك في التحالف الحاكم، إلى قطع العلاقات الأوروبية بالكامل مع “تل أبيب”، وكذلك تأكيد الحزب الشيوعي الإسباني، على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ورفض وصف حركة المقاومة الإسلامية حماس بالحركة الإرهابية. إنها الحقيقة التي قسمت أوروبا وشتت رأيها ومواقفها.

تأسيساً على ما سبق نجد الحراك الشبابي والطلابي أصبح يتبنى ارتقاء الوعي، السياسة المضادة لكي الوعي، التي يسعى الاحتلال لفرضها من خلال خلق أفكار وقناعات للرضا بالأمر الواقع، لكن الحراك أصبح مدركاً أن “إسرائيل”، ليست فقط ضمن حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، لذلك اتجه إلى فتح جبهات من الفكر والوعي، أي أنها حرب أرض وعقل، وبالتالي فهو أمام تحديات كبيرة وعليه تجديد أشكاله وفقاً لكل زمان ومكان ووفقاً لكل حدث، وأن لا يقتصر فقط على إطلاق حملات المقاطعة ودعوات إلى سحب الاستثمارات ووقف تصدير الأسلحة أو التظاهر والاحتجاج مثلاً، بل يمتد ليرى الاحتلال نفسه أمام ألوية فكرية ووعي منتشر حتى في ذرات الهواء، من خلال توظيف الخبرة والكفاءة.

 فيمكن لطلبة القانون حينها مراقبة وتضليل كل قرارات الشرعية الدولية التي تنافي المنطق والحق ونقلها للشعوب، وكذلك الناشطون من طلبة الإعلام والصحافة، فمن خلالهم يمكن نقل الواقع كما هو من غزة والأراضي الفلسطينية، وتوجيه النظر نحو حرب الإبادة الجماعية واستهداف المشافي وسلسلة الاعتقالات، وليس من الصحيح الاعتماد بشكل كامل على ما تنقله الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية، لأنه لا يمكن نقل كل الأحداث من غزة مهما كثر تواجد الوسائل الإعلامية، أما النشطاء فهم متواجدون في كل حي تقريباً وهم أمام مسؤولية كبيرة ولا يمكن الاستهانة بأي مقطع مصور، فعندما قامت المقاومة بتسليم عدد من الأسرى إلى الصليب الأحمر في الأسابيع الأولى للحرب، وصلت رسالة لشعوب الغرب بأن المقاومة ليست جسماً إرهابياً ودليلاً على ذلك ابتسامات الأسرى وحالتهم النفسية وتصريحاتهم للصحافة والإعلام. إذن كل مادة مصورة أو مكتوبة قد تعني الكثير وتسهم في تصحيح المعتقدات المنقولة لغالبية شعوب الغرب بأن الشعب الفلسطيني هو من يقتل ويعتقل ويدمر.

خلاصة القول، إن طوفان الأقصى خلق لنا حالة جديدة من أشكال المقاومة، ترجمها الحراك الشبابي والطلابي، الذي أثبت لنا، أن الجميع قادر على المقاومة وليس من الصحيح أن يكون الميدان كله مسلحاً بالرصاص والصواريخ، فالميدان يحتاج أيضاً إعلامياً وطبيباً ومحامياً، أي أنه يحتاج إلى فئة شبابية تحارب على جبهات أخرى وتنقل الحقائق والوقائع للشعوب ومناصرة مجريات الجبهات العسكرية، وما يقوم به الاحتلال من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، لنجد الطوفان بأنه جهود مجتمعة وثمرة اتحاد الخبرات والكفاءات مهما كان تخصصها عسكرية كانت أو علمية ومهنية، ضد كل من يحاول انتهاك المقدسات وطمس الهوية وتصفية القضية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة