المراسلة 13: يجب أن تكون اللقاحات ملكاً مشتركاً للبشرية جمعاء

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية/ مدار: 24 أيار/ مايو 2021

فيجاي براشاد

فلاديمير غريونتال وج. يابلونوفسكي (جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية) ، ما هذا؟ 1932.

 

لقي ما يقارب ثلاثة ملايين شخص مصرعهم جراء فيروس كورونا المستجد (SAR-CoV-2)، بينما أصيب أكثر من 128 مليون شخصا بالفيروس، الذي ترك عند العديد منهم تداعيات صحية طويلة الأمد. لقد تم حتى الآن تلقيح ما يقرب من 1.5% من سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليارات نسمة، لكن 80% ممن تلقوا اللقاح ينتمون إلى عشرة بلدان فقط. لقد حذر معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية في شهر فبراير من “الآبارتهيد الطبي” الذي طغى على عملية إطلاق اللقاح.

منذ عام 1950، تحتفل منظمة الصحة العالمية بيوم الصحة العالمي في 7 أبريل، وتختار سنوياً شعاراً مختلفا لهذا اليوم، إذ كان شعار العام الماضي هو “دعم الممرضات والقابلات”، وشعار هذه السنة هو “بناء عالم أكثر عدلا وأوفر صحة”، ما يمس جوهر الآبارتهيد الطبي.

وقد أصدر الأسبوع العالمي للنضال ضد الإمبريالية في 1 أبريل “البيان العالمي من أجل الحياة”، الذي دعا إلى “لقاحات مجانية لجميع الناس”. إن مراسلة هذا الأسبوع مخصصة لبرقيتنا الحمراء رقم 10، التي – بتوجيه من العلماء والأطباء – تنظر في الحاجة إلى لقاح لجميع الناس.

ما هو اللقاح؟

يمكن أن تسبب الأمراض المعدية المرض الخطير والوفاة. وغالباً ما يطور أولئك الذين ينجون من العدوى حماية طويلة الأمد من نفس هذا المرض. منذ حوالي 150 عاما، اكتشف العلماء أن العدوى ناتجة عن “الجراثيم” المجهرية (ما نسميها الآن مسببات الأمراض)، التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان ومن شخص لآخر. هل يمكن لمقدار صغير أو ضعيف من مسببات الأمراض هذه إحداث تغييرات في الجسم قد تحمي الناس من العدوى الشديدة في المستقبل؟ هذا هو المبدأ الكامن وراء اللقاحات.

يمكن حقن اللقاح، وهو الذي يحتوي على جزيئات مجهرية تحاكي أجزاء من مسببات العدوى، داخل الجسم لتفعيل هذه الحماية الوقائية ضد المرض. على الرغم من أن لقاحاً واحداً يحمي فرداً واحداً فقط من مسبب واحد، إلا أنه عندما يتم النظر في العديد من اللقاحات مجتمعة في برامج التلقيح المنظمة واسعة النطاق فإنها تصبح حاسمة للتدخلات على مستوى المجتمع.

لا يمكن منع جميع أنواع العدوى عن طريق اللقاحات، فعلى الرغم من الاستثمارات المالية الضخمة، مازلنا لا نملك (وربما لن نملك أبداً) لقاحات يمكن الاعتماد عليها لمواجهة بعض الأمراض المعدية – مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والملاريا – بسبب التعقيد البيولوجي لهذه الأمراض. كان من الممكن تسريع استخدام لقاحات فيروس كورونا لأنها تستند في معظمها إلى آليات بيولوجية مفهومة بشكل جيد في حالات المرض الأقل تعقيداً. تعتبر اللقاحات إجراءً مهماً لاحتواء الأوبئة المعدية. ومع ذلك، يمكن للتغيرات الجينية في الميكروب المعدي أن تجعل اللقاحات غير فعالة وتستلزم تطوير ونشر لقاحات جديدة.

روجر ميليس (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) ، أطفال في كولويتز شتراسه، 1974.

لماذا لا يتم توفير لقاحات فيروس كورونا لجميع سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليارات نسمة؟

بعد فترة وجيزة من ظهور فيروس كورونا المستجد، قامت السلطات الصينية بتتبع تسلسل الفيروس ونشر هذه المعلومات على موقع إلكتروني عام. سارع العلماء من المؤسسات العامة والخاصة إلى تنزيل المعلومات لفهم الفيروس بشكل أفضل وإيجاد طريقة لعلاج آثاره على جسم الإنسان ولإنشاء لقاح لتحصين الناس ضد المرض. حتى تلك المرحلة لم يتم إصدار حقوق ملكية فكرية على أي من المعلومات.

في غضون أشهر، أعلنت تسع شركات من القطاعين الخاص والعام امتلاكها لقاحات مرشحة: فايزر/بيونتيك وموديرنا وأسترازينيكا ونوفافاكس وجونسون آند جونسون وسانوفي/جي أس كي وسينوفاك وسينوفارم وغاماليا. يتم إنتاج لقاحات سينوفاك وسينوفارم وغاماليا من قبل القطاعين العامين الصيني والروسي (قدمت الصين وروسيا لغاية منتصف شهر مارس 800 مليون جرعة لـ41 دولة). أما اللقاحات المتبقية فتنتجها شركات خاصة تلقت مبالغ ضخمة من التمويل العام. فقد تلقت موديرنا مثلاً 2.48 مليار دولار من حكومة الولايات المتحدة، بينما تلقت شركة فايزر 548 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية. ووجهت هذه الشركات التمويل العام نحو صنع لقاح ثم جنت بعد ذلك أرباحا هائلة من مبيعاته، وضمنت هذه الأرباح من خلال حقوق الملكية الفكرية. هذا مثال على التربح من الجائحة.

تتغير المعلومات المتعلقة بعدد اللقاحات المباعة والمنقولة إلى أجزاء مختلفة من العالم بسرعة؛ ومع ذلك فمن المعروف الآن أن العديد من الدول الفقيرة لن تكون لديها لقاحات لمواطنيها قبل حلول عام 2023، بينما حصلت بلدان شمال العالم على لقاحات أكثر مما تحتاج – وهو ما يكفي لتلقيح سكانها ثلاث مرات. تمتلك كندا مثلاً لقاحات كافية لتلقيح مواطنيها خمس مرات. إن بلدان شمال العالم، تلك التي تضم أقل من 14% من سكان العالم، حصلت على أكثر من نصف إجمالي اللقاحات المتوقعة. يعرف هذا باحتكار اللقاح أو قومية اللقاح.

تواصلت حكومتا الهند وجنوب إفريقيا مع منظمة التجارة العالمية في أكتوبر 2020 للمطالبة بإعفاء مؤقت من التزامات حقوق الملكية الفكرية بموجب الاتفاقية حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية (TRIPS). لو أن منظمة التجارة العالمية وافقت على هذا الإعفاء لكان من الممكن أن تنتج هذه البلدان إصدارات عامة من اللقاح لتوزيعها بتكلفة منخفضة لحملة تلقيح شاملة. رغم هذا، قادت بلدان شمال العالم معارضة هذا الاقتراح، بحجة أن مثل هذا الإعفاء – حتى في خضم الوباء – من شأنه أن يخنق البحث والابتكار (على الرغم من حقيقة أن اللقاحات تم تطويرها إلى حد كبير باستخدام المال العام). لقد نجحت بلدان الشمال العالمي في تعطيل تطبيق الإعفاء في منظمة التجارة العالمية.

أنشأت منظمة الصحة العالمية في أبريل 2020 إلى جانب شركاء آخرين مبادرة إتاحة لقاحات فيروس كورونا على الصعيد العالمي المعروف بكوفاكس (COVAX)، والهدف من ذلك هو ضمان الوصول العادل إلى اللقاحات. تقود المشروع كل من “اليونيسف” والتحالف العالمي للقاحات والتحصين (GAVI) والتحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة (CEPI) ومنظمة الصحة العالمية. وعلى الرغم من حقيقة أن غالبية دول العالم وقعت على التحالف، لم يتم توزيع اللقاحات على بلدان الجنوب العالمي بأعداد كافية. فقد وجدت دراسة أجريت في شهر ديسمبر 2020 أنه خلال عام 2021 لن تتمكن حوالي سبعون دولة من الجنوب من تلقيح سوى شخص واحد فقط من بين كل عشرة أشخاص.

وبدلاً من دعم طلب الهند وجنوب إفريقيا للحصول على الإعفاء، دعم كوفاكس اقتراحاً لتجميع حقوق الملكية الفكرية في ما يسمى مجمع إتاحة تكنولوجيات مكافحة كوفيد-19 (C-Tap). وسيشمل هذا الإجراء موافقة اثنين أو أكثر من أصحاب حقوق الملكية الفكرية على ترخيص حقوق ملكيتهم الفكرية لبعضهم البعض أو لأي طرف ثالث. ولم يتلق مرفق كوفاكس أي مساهمات حتى الآن من طرف شركات الأدوية.

واقترحت منظمة الصحة العالمية في مايو 2020 إنشاء تجربة التجارب التضامنية للقاحات فيروس كورونا، إذ ستقوم المنظمة بالتنسيق بين مواقع التجارب في بلدان متعددة. وكان من شأن هذا أن يؤدي بالمرشحين الجدد للقاحات إلى دخول التجارب السريرية بسرعة وشفافية. لقد كان من الممكن اختبار لقاحاتهم ضمن مجموعات سكانية متعددة وإجراء مقارنات لنقاط القوة والقيود المحددة. لكن قامت كل من شركات الأدوية الكبرى وبلدان الشمال بخنق هذا الاقتراح.

خواكين توريس غارسيا، الطاقة الذرية، 1946.

ما الذي يتطلبه إنتاج اللقاحات الأساسية لسكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليارات نسمة؟

يختلف إنتاج اللقاحات بناءً على المنصة التكنولوجية الفعلية اللازمة لإنشاء محاكاة عدوى معينة لاستخدامها في اللقاح. بالنسبة للقاحات فيروس كورونا، هناك العديد من المنصات الناجحة. وفي هذا الإطار، هناك حالتان تتمثلان في لقاحات الحمض النووي الريبيّ (في حالة موديرنا) ولقاحات الفيروسات الغدانية (في حالة أسترازينيكا). إن هذه المنصات التكنولوجية قوية، ما يعني أنه إذا توفرت الدراية الفنية (بما في ذلك الأسرار التجارية لإنتاج اللقاح) وطاقم العمل الماهر وتم توسيع نطاق خطوط التصنيع وكفاءتها، فيمكن إنتاج اللقاح للناس. كلمة “إذا” مكتوبة بخط مائل لأن هذه هي أهم العوائق التي تنبع من المنطق الرأسمالي لحقوق الملكية الفكرية والدافع طويل الأمد لتقويض القطاع العام الذي يرتكز على المصلحة الاجتماعية.

يحاول أحد التوجهات الوسيطة لإنتاج اللقاح تصنيع البروتينات المحاكية في خزانات التخمير على نطاق واسع (لقاح نوفافاكس مثلاً يتم تصنيعه بهذه الطريقة). بالنسبة لهذه المنصة فإن القدرة الاستيعابية وطاقم العمل ذو المهارات هم أكثر انتشاراً. وتعد قضايا مراقبة الجودة والتأمين أكثر تبايناً من مجموعة إلى مجموعة في هذه المنصات، وهو ما يمثل عقبةً أمام الإنتاج اللامركزي على نطاق واسع.

هناك طريقة أبسط بكثير لإنتاج اللقاحات: إنماء العامل المعدي وتعطيله (أي جعله غير خطير) وحقنه داخل الجسم (مثل كوفاكسين، اللقاح الذي طورته شركة بهارات في الهند). ولكن هناك مشاكل في هذه الآلية لأنه ليس من السهل دائماً تعطيل العامل الممرض الضار مع الاحتفاظ به كاملاً لتطوير الأجسام المضادة.

ألفريد آيزنشتاد (الولايات المتحدة الأمريكية) ، ممرضات طلاب في مستشفى روزفلت (1938).

ما الذي يتطلبه الأمر لإدارة توزيع اللقاحات على 7.7 مليارات شخص؟

لإدارة توزيع لقاحات فيروس كورونا على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، نحتاج إلى مراعاة ثلاثة عناصر:

  1. أنظمة الصحة العامة. تتطلب برامج التلقيح الفعالة أنظمة صحة عامة قوية. لكن هذه الأنظمة تآكلت بفعل سياسات التقشف طويلة الأمد في العديد من البلدان حول العالم. بالتالي لا توجد أعداد كافية من العاملين المهرة والمتخصصين لإدارة توزيع اللقاح؛ فنظراً لأن هذه لقاحات حساسة، يجب أن يتم تحضير اللقاح وإدارة توزيعه بواسطة عاملين مدربين في مجال الصحة العامة (لضمان تقديم اللقاح على النحو الأمثل ولمنع الآثار الجانبية).
  2. النقل وسلاسل التبريد. نظراً لعدم وجود خطوط إنتاج لقاحات إقليمية ووطنية، يجب نقل اللقاحات لمسافات طويلة. إن بعض لقاحات فيروس كورونا التي تتطلب سلسلة فائقة البرودة هي ببساطة غير عملية في معظم بلدان الجنوب.
  3. أنظمة المراقبة الطبية. أخيراً، يجب أن تكون هناك أنظمة جدّ متطورة لمراقبة تأثير اللقاح. يتطلب هذا متابعةً طويلة الأمد وكلاً من الأطر العاملة والتقنيات التي غالباً ما تفتقر إليها الدول الفقيرة، والتي لطالما تم إجحافها في النظام الاقتصادي العالمي.
عثمان غالمي، (النهج الديمقراطي/ المغرب)، د. نوال السعداوي، 1931-2021.

إنه لمن المفيد قراءة وتعميم إعلان ألما آتا (1978) للرعاية الصحية الأولية وميثاق الشعوب من أجل الصحة (2000)، وكلاهما بيانان قويان لنهج إنساني قوي للرعاية الصحية. يطالب الأخير بالتخلي عن “حقوق الملكية الفكرية على الحياة”، التي تشمل حقوق الملكية الفكرية على اللقاحات. ولا بديل عن لقاح لكافة الناس، ولا بديل عن الحياة على حساب الربح.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة