نساء ميانمار يأخذن زمام المبادرة في وجه الجيش

مشاركة المقال

نيوزكليك/ مدار: 04 شباط/ فبراير 2022

عادت قضية المساواة بين الجنسين في ميانمار إلى واجهة الأحداث، من خلال تواجد النساء على الخطوط الأمامية للاحتجاجات المناهضة للانقلاب التي تشهدها البلاد منذ أن أطاح المجلس العسكري بالحكومة المدنية قبل حوالي عام من الآن.

 منذ الأحداث العنيفة التي شهدتها ميانمار بسبب القمع الوحشي الذي نفذته السلطات العسكرية ضد الاحتجاجات الجماهيرية، التي بدأت في أعقاب الانقلاب الأول من فبراير/ شباط من العام الماضي، تجمعت حشود بشكل متكرر في مدن رئيسية مثل يانغون وماندالاي، قصد التعبير عن رفضها ما أقدم عليه المجلس العسكري.

يرفع المتظاهرون، ومعظمهم من الشباب، ملصقات مع ترديد شعارات وهم يجوبون الشوارع الكبرى، قبل أن يتفرقوا في الشوارع الجانبية درءا لتدخلات العسكر.

إن هذه الاحتجاجات المتكررة تهدد حياة المحتجين، إذ تعمد قوات الأمن في الكثير من الأحيان إلى إطلاق النار دون سابق إنذار، أو تقوم بصدم المتظاهرين بالسيارات. كما أن من الأمور اللافتة في هذه الاحتجاجات إظهار مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي النساء بوضوح وهن ملازمات للخطوط الأمامية.

هتت حتار، 25 عاما، تقول إن احتجاجات الشوارع لم تعد كافية، لهذا وفي يونيو/ حزيران الماضي انضمت إلى ما تسمى قوات الدفاع الشعبي، التي تقود المقاومة المسلحة ضد النظام، وزادت في تصريح لـDW: “ما هو الخيار الآخر الذي نملكه؟ لقد أخذ الجيش كل شيء منا. لقد انضممت إلى المقاومة لتحرير بلدي”، مضيفة للمصدر ذاته: “مازلت أفكر في تحرير بورما”.

مجتمع أبوي

لقد كان من الواضح ومنذ بدء الاحتجاجات أن للمرأة دورا واضحا ومكانة محفوظة وسط المجتمع، إذ لعبت دورا خاصا في الاحتجاجات.

عندما اجتاحت الاحتجاجات الشوارع الكبرى في جميع أنحاء البلاد، في فبراير ومارس من 2021، وفي وقت بدأ الجيش قمع المتظاهرين، قام هؤلاء بالرد عليه من خلال الاستعانة بخرافات شعبية؛ لقد قاموا بتعليق تنانير نسائية تقليدية ملفوفة على الشوارع والمتاريس، واستخدموها كأعلام، وذلك راجع إلى أن الخرافة تقول إنه إذا مر الرجل تحت ملابس النساء فإنه يفقد رجولته الجسدية والروحية؛ وفي وقت لم تساهم في وقف اجتياح الجيش، إلا أن بعض الجنود اتخذوا منعطفا فعليا لتجنب المرور تحتها، ما أعطى بعضا من المتظاهرين وقتا كافيا للوصول إلى بر الأمان.

تعتبر ميانمار بلدا محافظا، إذ يحتل فيها الرجال مكانة بارزة، رغم أنه لطالما تواجدت نساء قويات وذوات شخصية، مثل أونغ سان سو كي (نشاطة سياسية ورئيسة الوزراء قبل الانقلاب العسكري: ملاحظة المحرر – مدرا)، لكنهن لا يتعدين أن يكن استثناء.

كما أن الجيش منغمس بشكل خاص في التقاليد المحافظة، إذ يرى نفسه الضامن والمحافظ على ميانمار “الحقيقية”، فيما تُنزل الأقليات العرقية والنساء إلى مرتبة ثانوية.

قالت ناو حصير حصير، الأمينة العامة لرابطة النساء في بورما (WLB)، لـDW: “لم يقم الجيش في أي وقت من الأوقات بدعم النساء”.

وصرح قائد الجيش مين أونغ هلينج، الذي قاد الانقلاب، لوسائل الإعلام الحكومية في أوائل مارس/ آذار 2021، بأن المتظاهرين كانوا “يرتدون ملابس غير محتشمة تتعارض مع ثقافة ميانمار”، وهو ما أوله كثيرون بأنه كان يقصد المتظاهرات اللواتي يرتدين السراويل. وأضاف قائد الجيش أن “مثل هذه الأعمال تهدف إلى الإضرار بأخلاق الناس، لذا فإن الإجراءات القانونية ضرورية”.

دستور يعطي الأفضلية للرجال

يعكس الدستور الذي تمت صياغته من قبل الجيش عام 2008 موقف السلطة العسكرية القائم على الأبوية.

صحيح أن المادة 352 تنص على أنه لا يجوز التمييز بين أي مواطن في الدولة بسبب العرق أو المولد أو الدين أو الجنس؛ لكن جملة متناقضة تلي ذلك، وهي: “لا يوجد في هذا القسم ما يمنع تعيين الرجال في المناصب التي تناسب الرجال فقط”.

 وكان حزب الاتحاد للتضامن والتنمية، الذي يُنظر إليه على أنه تابع للجيش، قدم أقل من 6% من المرشحات اللواتي خضن انتخابات عام 2015.

 وقبل الانتخابات بفترة وجيزة، وتحت ضغط من البوذيين المحافظين، تم الدفع بقانون ينظم حسبهم زواج النساء البوذيات من الرجال غير البوذيين، بحيث ينص على أنه قبل الزواج على الزوجين التسجيل لدى السلطات والإعلان، بالإضافة إلى الأمور العادية والروتينية، أنه لن يتم تشجيع المرأة على التحول وأن الأطفال سيكونون أحرارا في ممارسة شعائرهم الدينية، وهو الأمر الذي استثني منه الرجال، بحيث لم يُطلب من الرجال البوذيين الذين تزوجوا من نساء غير بوذيات تقديم أي إعلان.

ولم تكن الأمور أفضل بكثير حينما كان يمسك بزمام الأمور حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، الذي كان يضم 15% فقط من النساء عام 2015. في الواقع، لم تفعل الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية سوى القليل من حيث المساواة في فترة حكمها منذ فوزها في انتخابات عام 2015 إلى غاية انقلاب عام 2021.

صورة جديدة للمرأة

 لكن شيئا ما قد تغير منذ الانقلاب، مثلما قالت ناو حصير من WLB؛ فعلى سبيل المثال، نمت الشبكات النسائية بشكل كبير منذ الانقلاب في 1 فبراير/ شباط 2021، ففي وقت كان قدوم النساء اللواتي يقمن بحملات ضد الجيش يقتصر على مناطق الأٌقليات العرقية، تغير الأمر الآن، بحيث أصبحت العديد من نساء المدن الكبرى يقمن بالدور نفسه، وازدادت أعداد النساء اللواتي انخرطن في WLB.

 تقدر ناو حصير أن حوالي أربع من كل خمس نساء هن معارضات للمجلس العسكري، حتى لو لم يكن جميعهن ينظمن أو يجرؤن على المقاومة العلنية.

أجزاء مهمة من المقاومة يتم تنظيمها وحملها بشكل رئيسي من قبل النساء. وتعتبر حركة العصيان المدني (CDM) إحدى أولى الحركات المناهضة للانقلاب، التي انطلقت في المستشفيات قبل أن تتوسع في ما بعد لتشمل المدارس، بالإضافة إلى أماكن أخرى؛ وما لفت الانتباه إليها هو النسبة العالية من النساء التي تشكل قوامها من العاملات في المهن الطبية والتعليمية. وتقدر شبكة المساواة بين الجنسين للمنظمات غير الحكومية أن ما بين 70 و80% من قادة CDM هم من النساء.

وتم اختيار الناشطتين إستر زي ناو بامفو وإي ثينزار ماونج، اللتين تشغلان منصبين ضمن وزارة شؤون المرأة والشباب والأطفال في حكومة المنفى، واللتين كانا لهما دور فعال في تنظيم الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد منذ البداية، من بين الـ100 شخصية الأكثر نفوذا العام الماضي، وفق مجلة تايم الأمريكية في شتنبر/ أيلول 2021.

 وقالت داو خين أومار، الناشطة في جماعة جيل 88: “عام 1988، كان القادة رجالا، لكن هذه المرة هم من النساء. إنه أمر مثير”.

 عام 1988، كانت هناك انتفاضة شعبية في ميانمار ضد النظام، قام الجيش بقمعها آنذاك.

وقالت ناو حصير إن النساء لم يعدن يلعبن دورا مهما في حركة المقاومة المدنية فقط، بل أصبحن يشغلن أيضا مناصب رئيسية في السياسة.

 وتبدو حكومة الوحدة الوطنية (NUG)- حكومة المنفى- أكثر شمولاً من أي حكومة سابقة، فبالإضافة إلى سو كي، التي وضعها الجيش رهن الإقامة الجبرية لكنها مازالت تشغل منصب مستشار الدولة بشكل رمزي، هناك أيضا زين مار أونغ، التي تشغل منصب وزيرة الخارجية. وكانت زين مار أونج دافعت في مراحل سابقة عن المرأة والتفاهم مع الأقليات العرقية.

مناقشات على المستوى القاعدي

قالت ناو حصير: “هذا جيد، لكننا لم نصل إلى هدفنا بعد، فنحن نريد أن تشارك النساء في جميع القرارات وعلى جميع المستويات”.

وأردفت الناشطة ذاتها بأنها سعيدة للغاية برؤية المساواة بين الجنسين راسخة بقوة في الدستور، الذي تقوم حكومة الوحدة الوطنية بصياغته في الوقت الحالي.

كما أشارت ناو حصير إلى أن المرأة بات يُنظر إليها بشكل مختلف في القرى والأسواق منذ اندلاع الانقلاب، وأضافت أنه في السابق كانت قضايا مثل المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة تناقش بشكل رئيسي من قبل المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، لكن منذ الانقلاب لعبت المرأة دورا نشطا ومرئيا، وقد توسعت هذه المناقشات، خاتمة: “على مستوى القاعدة الشعبية، بدأ الناس يتحدثون عن أن المرأة جزء من الثورة، وعن أنه يجب أن يكون لها رأي في المستقبل”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة