لبنان… الطرد التعسفي من “المجموعة” يفاقم الأزمة المعيشية للموظفين

مشاركة المقال

مدار: 27 آذار/ مارس 2024

كاترين ضاهر

يعيش لبنان حالة اقتصادية ومالية صعبة منذ سنوات، إذ تعاني البلاد من تدهور العملة المحلية – الليرة، ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة في نسبة البطالة. وسط هذه الأزمة، تبرز ظاهرة الصرف التعسفي كمشكلة جديدة تضاف إلى القائمة الطويلة من الأمور السلبية التي يواجهها المواطن اللبناني.

ويؤثر الطرد التعسفي بشكل كبير على حقوق الموظفين الذين يفقدون شغلهم بطريقة غير عادلة أو غير قانونية، دون وجود أسباب مشروعة أو إجراءات تطبق وفقًا للقوانين العملية واللوائح المنصوص عليها. وتتضمن حقوق الموظف حماية من التمييز والظلم وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية، بالإضافة إلى حقوق التعويض عن الفقدان والإجازات والراتب العادل.

واحدة من المؤسسات التي باتت تشكل جزءًا من هذه المشكلة، هي الجمعية اللبنانية للتنمية وتعرف باسم “المجموعة”، وهي مؤسسة مالية تمنح القروض في لبنان، حيث يتعرض العديد من موظفيها منذ أوائل كانون الثاني/يناير الماضي للصرف التعسفي وإيقاف بطاقات التأمين الصحي المدفوعة الرسوم مسبقاً ومن المفترض أن تمتد صلاحيتها حتى شهر أيار/مايو 2024.

والمجموعة (Al MAJMOUA) تم تأسيسها عام 1997، أي قبل 27 عاماً، بهدف خدمة المجتمع عبر دعم المشاريع الصغيرة، وخاصة تلك التي بدأتها النساء، لتطوير أعمال مستدامة في جميع أنحاء لبنان. ورغم دعمها للنساء، لم تمتنع الجمعية فصل سارة طفيلي امرأة حامل في الشهر السابع، تعرضت لعارض صحي ونقلت على إثره إلى المستشفى للخضوع لتخطيط طارئ للحمل، حينها تفاجأت أن التأمين الصحي المغطى مسبقاً لشهر أيار/مايو تم توقيفه ويفرض عليها تجديده.

سارة لم تذهب أمس الثلاثاء إلى التسوق لاستكمال حاجيات الولادة أو عيد الفطر المقبل. وأيضًا لم تقصد عملها الذي طُردت منه، بل توجّهت إلى مقر وزارة العمل هي وزملائها السبعة الذين تفاجأوا بقرار الفصل التعسفي الشهر الماضي، حيث قدّموا شكوى جماعية.

وفي منشور لها عبر حسابها الرسمي على موقع الفايسبوك، أوضحت الموظفة أنها عملت في الجمعية مدة 9 سنوات، “تحت شعارات الإنسانية ودعم المرأة ومشاريع لتمكين النساء”، مبيّنة أن المؤسسة “عاملة إبادة جماعية وطردت عدد من الموظفين بحجة وضع البلد، والأزمة.. وظلم غير مبرر”.

وتساءلت الموظفة كيف تصرف “المجموعة” امرأة حامل، قد تواجه صعوبة لعدة أشهر من بعد الولادة في إيجاد وظيفة أخرى، متأسفة عن الثقة التي منحوها للمؤسسة، والتصديق أنها تعمل تحت رؤية ومهمة إنسانية، “وهم أبعد ما يكون عن الإنسانية” بحسب قولها.

وفي تصريح مدير مكتب فرع الضاحية للمؤسسة علي مهدي أحد الموظفين المصروفين، لـ “مدار” شدّد على أن الصرف التعسفي الذي أقدمت عليه الجمعية بحق عشرات الموظفين يعدّ إجراء غير قانوني تقوم المؤسسة بتنفيذه تحت ذريعة الأزمة الاقتصادية، مدعومة بضغط من مجلس الإدارة والممولين، ضاربة بعرض الحائط كافة الإجراءات والقوانين، لافتاً أن “هذا التصرف عرض حقوق الموظفين للانتهاكات، حيث يتم تجاوز حقوقهم القانونية المكفولة والمحمية في سوق العمل”..

وتُشكل هذه الممارسة كارثة إنسانية حقيقية بالنسبة للعديد من الموظفين في “المجموعة”، حيث يعاني بعضهم من ظروف مادية صعبة، مما اضطرهم للتوقيع على ورقة الصرف التعسفي والقبول بمبالغ زهيدة لا تقارن بتعويضاتهم المفترضة وفقاً للقانون، بحسب الموظفين.

علي يعمل في الجمعية منذ 14 عامًا و7 أخرين من زملائه رفضوا التوقيع على وثيقة صرفهم التعسفي، ويتابعون قضيتهم ضمن الأطر القانونية، إذ تقدموا يوم الثلاثاء 26 أذار/مارس الجاري بتقديم شكوى جماعية (رقم التسجيل 12/4) لمصلحة العمل والعلاقات المهنية في الوزارة.

ويوضح المتحدث على أنه استلم قرار الصرف بمكتوب رسمي بتاريخ 1 آذار/مارس مرفق بتوقيع المدير التنفيذي يُبلغ فيه عن صرفه التعسفي بتاريخ 29 شباط/فبراير (أي قبل بيوم واحد).

وعن لجوء المؤسسة مؤخرًا لإلغاء خدمة التأمين الصحي المدفوع مسبقًا، أوضح الموظف “أن المؤسسة أوقفت الاستفادة من التأمين الصحي للموظفين وعائلاتهم أيضًا منذ شهر شباط/فبراير الماضي، مع أن الموظف هو الذي يدفع تكلفة التأمين الصحي لباقي أفراد الأسرة على نفقته الخاصة”.

قانون العمل..

 في سوق العمل اللبناني، يتم تنظيم حقوق الموظفين من خلال سلسلة من القوانين واللوائح التي تحميهم وتضمن العدالة. تشمل هذه القوانين قانون العمل، الذي ينص على حقوق الموظفين، بما في ذلك الحماية من الصرف التعسفي، وقانون الضمان الاجتماعي الذي يضمن توفير الحماية الاجتماعية للعمال.

على الرغم من وجود هذه القوانين واللوائح، يُعاني العديد من الموظفين في لبنان من التعسف في صرفهم. ومن المستغرب كيف يتم تجاهل هذه النصوص القانونية من بعض المؤسسات العاملة فوق القوانين التي تتعمد الصرف التعسفي بشكل غير قانوني.

تلعب الجهات المعنية ومنها وزارة العمل ومجالس العمل المحلية دورًا هامًا في تطبيق هذه القوانين وضمان حقوق الموظفين في لبنان. ومن المفترض أن هذه الجهات المعنية تعزيز مراقبة سوق العمل وتعزيز حماية الموظفين، وتطبيق العقوبات المناسبة للمؤسسات التي تنتهك حقوق الموظفين.

صرف المرأة الحامل..

قانون العمل يمنع توجيه إنذار بالصرف للمرأة أثناء الحمل أو إجازة الأمومة، أو الإجازات المرضية. ويُعتبر هذا الطرد تعسفيا، ويجب في هذه الحالات إبلاغ وزارة العمل، ومجلس العمل التحكيمي، خلال مهلة شهر للحصول على كامل الحقوق.

في لبنان، يحظر القانون صرف المرأة الحامل من عملها تعسفيًا، موفرًا لها بذلك طبقة من الحماية التي تضمن استقرارها الوظيفي خلال فترة الحمل، والتي تُعد إحدى أهم الفترات التي تحتاج فيها إلى الاستقرار المادي والنفسي؛ وتشكل هذه الحماية جزءاً من جهود أوسع نطاقاً للدولة لضمان العدالة والمساواة في بيئة العمل، ولدعم الأسرة والطفولة.

رغم وجود هذه القوانين، قد تواجه المرأة الحامل تحدّيات، بما في ذلك خطر التسريح من العمل بطرق غير مباشرة أو حجج واهية، وهو ما يتطلب وعيًا قانونيًا ودعمًا من المجتمع المدني والهيئات القانونية للتصدي لمثل هذه التجاوزات.

تشير الحوادث التي تتعرض فيها المرأة الحامل للصرف التعسفي إلى أهمية تفعيل القوانين وتطبيقها بشكل صارم، ليس فقط كوسيلة لحماية الحقوق الوظيفية للمرأة الحامل، ولكن أيضًا كجزء من التزام أوسع بالعدل والمساواة في مكان العمل. يعتمد نجاح هذا النهج على الوعي القانوني بين العاملات والعاملين وأصحاب العمل، وعلى جهود التوعية التي تقودها  النقابات والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني لضمان تطبيق القوانين بفعالية، ولضمان أن تجد المرأة الحامل الحماية والدعم اللذين تحتاجهما خلال فترة حملها.

العمل والمرض…

محمد حاله مماثلًا لزميلته، فقد تفاجأ أن “المجموعة” أرسلت له تبليغًا بصرفه عن العمل، أثناء إجازته المرضية وخضوعه لعملية دقيقة. وما يعتبر مخالفة لقانون العمل اللبناني الصادر في 1946 والمعدل عام 2010، والذي يضمن في مادتيه 42 و52 “للعامل الحق في ضمان وظيفته أثناء فترة مرضه. ليس لرب العمل أن يصرف الأجير من الخدمة ولا أن يوجه إليه علم الصرف أثناء الإجازة المرضية حيث لا يحق لصاحب العمل أن يوجه الإنذار بفسخ العقد إلى أي عامل أثناء إجازته المرضية”.

محمد  عبر عن سخطه أيضًا عبر منشور له على صفحته بـ “الفيسبوك” من هذا الصرف التعسفي المخالف أيضًا للقانون من مؤسسة تُجاهر بحرصها على سمعتها والحفاظ على الشفافية، كما ذكر.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة