روسيا- أوكرانيا.. نظرة عامة على الأوجه المتعددة للحرب

مشاركة المقال

مدار: 15 آذار/ مارس 2022

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق “عملية عسكرية” خاصة في أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط، بعد أشهر من الترقب وشد الحبل مع الولايات المتحدة والقوى الغربية، خصوصا حلف الناتو. هكذا تبدو الصورة بعد ما يقارب عشرين يوما من الحرب متعددة الأوجه.

 وبرر بوتين شن عملية عسكرية على كييف بـ “نزع السلاح” و”إزالة الطابع النازي” عن أوكرانيا، وتوعد بـ “اقتياد الذين ارتكبوا العديد من الجرائم والمسؤولين عن إراقة دماء مدنيين، بمن فيهم مواطنون روس، إلى المحاكم”.

وبسرعة، تحولت أوكرانيا إلى ساحة حرب تقليدية، لم تشهد لها القارة العجوز مثيلا منذ عقود.

وتركزت أوجه الصدام بين روسيا من جهة، وأوكرانيا التي تقف خلفها القوى الغربية، خصوصا حلف الناتو، بزعامة الولايات المتحدة التي تقود المواجهة غير المباشرة في الجهة المقابلة؛ في حين تمظهرت الحرب الضروس في ثلاثة مستويات على الأقل: العسكرية، والإعلامية والاقتصادية.

وعلى الميدان، تقدمت القوات الروسية في قلب الأراضي الأوكرانية من جهة الشمال انطلاقا من الأراضي البيلاروسية، ومن الشرق عبر “جمهورية دونيتسك الشعبية” و”جمهورية لوغانسك الشعبية” اللتين اعترفت بهما موسكو في 21 شباط/ فبراير 2022، وشكلت حمايتهما ذريعة إضافية للتدخل الذي أعطى بوتين أوامره. ومن الجنوب الشرقي والجنوب، تقدمت القوات العسكرية الروسية من خلال واجهة إقليم القرم الذي أصبح خاضعا للسيطرة الروسية منذ 2014، وكذلك عبر بحر آزوف والبحر الأسود.

وبينما تتقدم ببطء تشكيلات عسكرية روسية مختلفة صوب العاصمة الأوكرانية كييف، تواصل القوات التابعة لـدونيتسك ولوغانسك التقدم ببطء نحو الغرب.

ودمرت القوات الروسية غالبية الأنظمة العسكرية الأوكرانية، هجومية كانت أم دفاعية، فيما قالت وزارة الدفاع الروسية إنها أخرجت 90% من المطارات العسكرية الأوكرانية عن الخدمة؛ في حين مازالت القوات البرية تواجه على تخوم المدن الرئيسية مستعينة بالعديد من أنظمة الدفاع التي زودها بها الغرب.

 ولم يستطع مجلس الأمن إصدار قرار يدين روسيا، بعد “فيتو” من هذه الأخيرة، أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فتبنت قرارا يدين “الغزو الروسي لأوكرانيا”، وطالبها بإنهاء “عدوانها”، غير أن القرار الأممي يبقى “غير ملزم”.

وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، السبت 12 آذار/ مارس 2022، أن عدد الذين فرّوا من أوكرانيا منذ بداية الحرب يقترب من 2.6 مليون شخص.

وتقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ملايير الدولارات من العتاد العسكري لكييف.

ومباشرة بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، اشتدت حدة التصريحات الصادرة عن حلف الناتو. وفي الجهة المقابل، وضع الرئيس الروسي قوات الردع النووي في حالة تأهب، تزامنا مع بداية مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.

وطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بفرض حظر جوي على أوكرانيا، غير أن حلف الناتو رفض المقترح، خوفا من تفاقم الصراع.

ورفضت الولايات المتحدة عزم بولندا على تقديم كل ما تملكه من طائرات ميغ-29 سوفياتية الصنع لأوكرانيا “فورا ومجانا”، في دليل على توجس غربي من التصعيد أو المواجهة المباشرة مع موسكو، بعد أن حذرت هذه الأخيرة من هذا سيكون “سيناريو خطير”.

ومباشرة بعد دخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية، شنت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، واليابان وأستراليا، عقوبات اقتصادية كثيفة ضربت مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والبنوك، ونظام “سويفت” لإنجاز التحويلات المالية؛ إضافة إلى سحب المئات من الشركات أنشطتها من السوق الروسية.

 وشملت العقوبات أيضا منع الطائرات الروسية من التحليق فوق أجواء العشرات من الدول.. إلخ؛ فيما رأى محللون أن هذه العقوبات هي الأقسى التي تواجهها روسيا في تاريخها الحديث.

وخسرت ألمانيا مشروع أنبوب الغاز “نورد ستريم 2″، الذي كان سيمد أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بالطاقة، ما كان سيعطيه امتيازا إضافيا، وهو الأمر الذي لم يكن يروق الولايات المتحدة. وشرع الغرب في وضع خطط للتخلي عن مصادر الطاقة الروسية “نهائيا” في الأمد المتوسط.

وقفزت أسعار البترول إلى أرقام كبيرة تزامنا مع اشتداد الحرب، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم. وارتفعت مخاطر حدوث اضطرابات عنيفة في إمدادات المواد الغذائية بعد الخلل الذي أصاب تصدير الفوسفاط الروسي والبيلاروسي والأوكراني، وهو مادة حيوية في الأنشطة الفلاحية عبر العالم، ناهيك عن صادرات أوكرانيا من القمح.

وتأتي الحروب مع الأكاذيب، غير أن هذه الحرب بالذات جاءت مع “الكثير من الأكاذيب”. ويحاول كل طرف في الصراع أن يوصل روايته الخاصة حول النزاع ومجرياته إلى الرأي العام العالمي؛ وترافق ذلك مع حملات وحملات مضادة على جميع واجهات الإعلام. أما منصات مواقع التواصل الاجتماعي فشكلت تربة خصبة لانتشار الأخبار الزائفة على نطاق واسع، ودعوات العنف والحقد والعنصرية. أما تأكيد المعلومات حول مجريات الأحداث على الميدان فأصبح مهمة بعيدة المنال بالنسبة للكثير من المنصات الإعلامية.

وحظرت أوروبا وسائل الإعلام الرسمية الروسية، فيما قامت شركات التكنولوجيا العملاقة بفرض رقابة وحظر على القنوات والحسابات التابعة للحكومة الروسية، بينما قامت هذه الأخيرة بالحد من الوصول إلى العديد من المنصات، من قبيل “توتير”، “فيسبوك” و”إنستغرام”.

ولم تكن هذه الحرب وليدة اللحظة، بل بدأت معالمها تتشكل منذ سنوات، مع إسقاط الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش سنة 2014 وفراره إلى روسيا، بعد إحجامه عن توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، سنة 2013.

وتبعا لذلك، اندلعت في 2014 مواجهات مسلحة في إقليم القرم، انتهت إلى عودة هذا المجال الإقليمي الحساس إلى السيادة الروسية، أعقبتها مواجهات إضافية في إقليمي دونيتسك ولوغانسك، حيث دخل الانفصاليون المدعومون من طرف روسيا في حرب مع كييف.

 وخمدت الأزمة نسبيا بعد اتفاق مينسك الثاني سنة 2015، بعد أن انهار الأول لسنة 2014، ما منح  الإقليمين وضعا خاصا في تسيير شؤونهما. ووضعت شروط لإيقاف إطلاق النار ونزع فتيل الحرب، مع إجراءات إصلاحات دستورية في أوكرانيا.

غير أن روسيا وإقليمي دونيتسك ولوغانسك اتهما أوكرانيا بعدم احترام بنود الاتفاق، والمماطلة في تنفيذه. وقالت موسكو إن “النازيين الجدد” المدعومين من طرف كييف يرتكبون جرائم في حق السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، وأضافت أن هذا البلد الأوروبي يعيش “إبادة إثنية”.

ومنذ سنة 2014، شرعت كييف في محاربة القوى السياسية الموالية لروسيا، وقامت بحظر القوى الشيوعية، كما ضيقت على الأحزاب الجديدة ووسائل الإعلام المرتبطة بها.

وفي مستوى أكبر، كان الغرب يشجع أوكرانيا على أن تصبح جزءا من حلف الناتو، ما رأت فيه موسكو “تهديدا إستراتيجيا” لأمنها القومي، واعتبرت أن خطوة من هذا الشأن تعني أن أوكرانيا ستصبح بمثابة قاعدة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة والحلف العسكري الغربي لضرب الأراضي الروسية.

وليس موضوع الناتو بجديد على واجهة الصراع الجيوسياسي بين الروس والغرب، إذ كانت روسيا السوفياتية تقدمت بطلب للانضمام إلى الناتو في الخمسينيات دون أن تلقى تجاوبا. وعرفت التسعينيات محادثات من النوع نفسه، لكنها لم تسفر عن شيء.

 ويرى العديد من المتابعين أن الولايات المتحدة والناتو ينظران إلى روسيا على أنها “عدو إستراتيجي”، وليست دولة يمكن ضمها إلى هذا الحلف الذي شكل أداة إضافية لتعزيز النفوذ العسكري لواشنطن على العالم.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة