من أجل فهم الحرب في أوكرانيا

مشاركة المقال

بيغ نيوز نتوورك/مدار: 14 آذار/ مارس 2022

فيجاي براشاد*

بالنسبة للكثيرين في جنوب شرق أوكرانيا، بدأت الحرب التي نشهدها اليوم في ربيع عام 2014، ولم تتوقف منذ ذلك الحين.

وفقا لديمتري كوفاليفيتش، صحافي وعضو في منظمة شيوعية محظورة، فإن الحرب بين روسيا وأوكرانيا بدأت قبل مدة طويلة من 24 فبراير/ شباط 2022 – التاريخ الذي قدمته الحكومة الأوكرانية وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة لبداية الغزو الروسي لأوكرانيا – وبالضبط في ربيع عام 2014، ولم تتوقف منذ ذلك الحين.

وسبق أن كتب لي كوفاليفيتش من جنوب كييف ليسرد حكاية حول حوار بين شخصين، يقول الأول: “ماذا يوجد في خط المواجهة؟”، فيأتي الرد من الثاني: “قواتنا تنتصر كالعادة”، ثم يقول الأول: “من هم جنودنا؟”، ليجيب الثاني: “سنرى قريبا…”. بعد هذه الحكاية يقول الصحفي إن كل شيء في الحرب محل نزاع، حتى اسم العاصمة كييف هناك كتابتين له، واحدة باللغة الروسية والأخرى بالأوكرانية، وعلى الرغم من أنه اختلاف بسيط جدا إلا أنه يطرح نقاشا قويا عبر الإنترنت.

ولطالما كانت الحروب من بين أصعب المهام في ما يخص التقارير الصحفية، وازداد ذلك في هذه الأيام، نظرا لوجود أعداد لا تحصى من وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت القتال إلى القنوات التلفزيونية الإخبارية، ما جعل من الصعب تسوية الأمور على الأرض.

من الصعب إثبات مجريات الأمور والأحداث التي تقع في خضم الحروب، ناهيك عن التوصل إلى التفسير المناسب لها؛ فعلى سبيل المثال من المستحيل التحقق من مقاطع الفيديو التي تظهر فظائع الحرب، التي أصبحت تغزو منصات التواصل الاجتماعي، مثل “يوتيوب”، كما أنه في كثير من الأحيان تكون هذه الفيديوهات ويتم التعرف عليها باعتبارها تعود إلى صراعات أخرى أو تمت فبركتها بشكل دقيق.

ولعل ما فعلته بي بي سي، التي تعتبر ذات موقف مؤيد للغاية لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي بشأن الصراع الحالي، أبرز مثال من خلال حديثها عن أن العديد من الادعاءات حول الفظائع الروسية خاطئة. ومن بين هذه الادعاءات الكاذبة التي انتشرت على نطاق واسع مقطع فيديو تم تداوله على “تيك توك“، يزعم أنه لـ”فتاة أوكرانية تواجه جنديا روسيا”، لكنه في الأصل يعود للفتاة الفلسطينية عهد التميمي التي كانت تبلغ من العمر 11 عاما عند مواجهتها آنذاك جنديا إسرائيليا عام 2012. وقد استمر هذا الفيديو في التداول على “تيك توك”، مع وصف توضيحي يقول: “الفتيات الصغيرات يقفن في وجه الجنود الروس”.

وفي الوقت نفسه يوضح كوفاليفيتش أن “الحرب الأوكرانية لم تبدأ في فبراير/ شباط 2022، بل كانت انطلاقتها في ربيع عام 2014، وبالضبط في دونباس، ولم تتوقف منذ ذلك الحين طيلة هذه السنوات الثماني”.

وكوفاليفيتش هو عضو في منظمة بوروتبا (الكفاح)، وهي منظمة شيوعية في أوكرانيا، وقع حظرها مثلها مثل المنظمات الشيوعية الماركسية الأخرى من قبل الحكومة الأوكرانية السابقة لبترو بوروشنكو، المدعومة من الولايات المتحدة، عام 2015 (وفي إطار هذه الحملة المستمرة ضدهم، تم اعتقال اثنين من قادة الشباب الشيوعيين – ألكسندر كونونوفيتش وميخائيل كونونوفيتش – من قبل أجهزة الأمن الأوكرانية في 6 مارس/ آذار).

وفي إطار حديثي مع كوفاليفيتش أخبرني بأنه “كان على معظم رفاقنا الهجرة إلى دونيتسك ولوغانسك”، وهما مقاطعتان توجدان في الجانب الشرقي، وغالبية سكانهما من المتحدثين بالروسية، مضيفا أنهما “انفصلتا عن سيطرة الحكومة الأوكرانية عام 2014، ومنذ ذلك الحين وهما تحت سيطرة الجماعات المدعومة من روسيا”.

لكن في فبراير/ شباط، وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أن هاتين “المنطقتين المنفصلتين في شرق أوكرانيا مستقلتان“، ما جعل هذه الخطوة المثيرة للجدل نقطة انطلاق للغزو العسكري الأخير من قبل روسيا. الآن، ووفقا لحديث كوفاليفيتش، فإن رفاقه “يتوقعون العودة من المنفى والعمل بشكل قانوني”. ويستند هذا التوقع إلى افتراض أن الحكومة الأوكرانية ستضطر إلى التخلص من النظام الحالي، الذي يشمل مجموعات قومية وأخرى شبه عسكرية يمينية تم تدريبها وتمويلها من الغرب ضد روسيا في البلاد، وسيتعين عليها تغيير العديد من قوانين حقبة بوروشنكو غير الليبرالية والمعادية للأقليات (بما فيها المعادية لروسيا).

“أشعر بالتوتر”

يفصح كوفاليفيتش أثناء حديثه عن أنه يشعر بتوتر شديد، مضيفا: “[هذه الحرب] تبدو قاتمة للغاية، ليس بسبب الروس، لكن بسبب عصاباتنا المسلحة [الأوكرانية] التي تنهب وتخرب [البلاد]”.

 كما أنه وفق كوفاليفيتش، الذي يعيش وسط أوكرانيا جنوب العاصمة، “عندما أعلن الروس عن التدخل، قام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتسليم الأسلحة إلى أي مواطن يريد الدفاع عن البلاد”، مضيفا: “منطقتي لم تتأثر بالأعمال العسكرية – فقط بإرهاب العصابات القومية [اليمينية]”.

وفي الأيام الأولى من التدخل الروسي العسكري، استقبل كوفاليفيتش عائلة من الغجر كانت قد فرت من المناطق التي فيها حرب، وقال: “لقد كانت لدى عائلتي غرفة إضافية قمنا بمنحها لهم”.

وحسب منظمات الغجر فإن هناك حوالي 400 ألف غجري متواجدون في أوكرانيا، ويعيش معظمهم في الجزء الغربي من البلاد، في زاكارباتسكا أوبلاست (المتاخمة للمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا).

ويقول كوفاليفيتش: “يتعرض الغجر في بلادنا للاعتداء بشكل منتظم على يد القوميين [اليمين]، فقد اعتادوا مهاجمتهم بشكل علني وحرق معسكراتهم، معتبرين ذلك بمثابة تطهير من القمامة”.

 ويضيف الصحفي ذاته: “وعلى الرغم من كل هذا لم يكن للشرطة أي رد فعل على ذلك، فهذه العصابات اليمينية المتطرفة تعمل دائما بالتعاون مع الشرطة أو مع جهاز الأمن”.

هذه العائلة الغجرية التي كان كوفاليفيتش وعائلته يأوونها اتجهت بعد مدة نحو غرب أوكرانيا، حيث يعيش معظم السكان الأوكرانيين الغجر. ويقول كوفاليفيتش: “لكن يبقى أن الحركة والتنقل بالنسبة لهم غير آمنة على الإطلاق. هناك قوميون يديرون نقاط التفتيش على طول الطرق الرابطة بين المناطق في أوكرانيا، وقد يطلقون النار على أي شخص قد يبدو مشبوها بالنسبة لهم أو يكتفون بسرقة اللاجئين فقط”.

اتفاقيتا مينسك

من الأمور التي أسفرت عنها الحرب في دونباس، التي بدأت عام 2014، التوقيع على اتفاقيتين في بيلاروسيا عامي 2014 و2015، سميتا اتفاقيتي مينسك تيمنا بالعاصمة البيلاروسية؛ وكانتا تهدفان إلى “إنهاء الحرب الانفصالية في شرق أوكرانيا”. وشهد التوقيع على الاتفاقية الثانية تواجد اثنين من الشخصيات السياسية البارزة، من الجانب الأوكراني كان ليونيد كوشما، رئيس أوكرانيا من 1994 إلى 2005، ومن الجانب الروسي ميخائيل زورابوف، سفير الاتحاد الروسي في أوكرانيا ما بين 2009-2016.

وتمت الاتفاقيتان بإشراف من الدبلوماسية السويسرية، ممثلة في هايدي تاغليافيني، التي ترأست البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في جورجيا ما بين 2008-2009. وقد وقعت المصادقة على اتفاقية مينسك الثانية بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2022 في 17 فبراير/ شباط 2015.

 ومن هنا يتبين أنه لو تم الالتزام باتفاقيتي مينسك لكانت روسيا وأوكرانيا ضمنتا ترتيبا كان يمكن أن يقبل في دونباس.

يقول كوفاليفيتش: “تم توقيع اتفاقيتي مينسك من قبل حكومتين أوكرانيتين، لكنهما لم يفيا بهما. وقد رأينا مؤخرا كيف سخر مسؤولو زيلينسكي من الاتفاقيتين، قائلين إنهم لن يلتزموا بهما (بتشجيع من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالطبع). لقد كان ذلك بمثابة انتهاك صارخ لجميع القواعد – لا يمكنك التوقيع على [الاتفاقيات] ثم رفض الالتزام بها”.

كانت طبيعة اتفاقيتي مينسك، كما يقول الصحفي ذاته، “ليبرالية بما يكفي بالنسبة للحكومة”، فقد كان من الممكن أن تظل جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك جزءًا من أوكرانيا، مع إمكانية منحهما بعض الاستقلال الثقافي، (كان هذا في هامش المادة 11 من اتفاقية مينسك الثانية بتاريخ 12 فبراير/ شباط 2015).

ويضيف كوفاليفيتش: “كان هذا الاتفاق غير مقبول بالنسبة للقوميين والقوميين اليمينيين. لقد كانت رغبتهم في تنظيم عمليات تطهير وانتقام هناك [في دونيتسك ولوهانسك]”.

وقبل التدخل العسكري الروسي، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن أكثر من 14000 شخصا لقوا مصرعهم في الصراع الدائر في دونيتسك ولوغانسك، على الرغم من اتفاقيتي مينسك. هذا العنف هو الذي يدفع كوفاليفيتش إلى الإدلاء بتعليقاته حول عنف القوميين المتطرفين والقوات شبه العسكرية اليمينية، موردا: “السلطات المنتخبة غطاء يخفي الحكام الحقيقيين لأوكرانيا، فالرئيس الأوكراني زيلينسكي وحلفاؤه في البرلمان لا يقودون عملية الحكم في بلادهم، ولكن لديهم أجندة مفروضة عليهم من قبل الجماعات المسلحة اليمينية المتطرفة”.

السلام؟

من المعلوم أن المفاوضات جارية على الحدود الأوكرانية البيلاروسية بين الروس والأوكرانيين، ومع ذلك فإن كوفاليفيتش ليس متفائلا بشأن النتيجة الإيجابية لهذه المفاوضات، وفي الوقت نفسه يقول إن القرارات لا يتخذها الرئيس الأوكراني وحده، بل تتخذها الجماعات المسلحة شبه العسكرية اليمينية المتطرفة ودول الناتو.

وأثناء حديثنا أنا وكوفاليفيتش، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا عن “خطط لتمرد تدعمه الولايات المتحدة في أوكرانيا”، بحيث أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، إلى حرب عصابات على النمط الأفغاني في أوكرانيا، قائلة: “علينا أن نستمر في تشديد الخناق”. ومن خلال هذا المعطى يقول المتحدث ذاته: “يكشف هذا أنهم (الولايات المتحدة) لا يهتمون حقًا بالأوكرانيين، إنهم يريدون استغلال الأمر كفرصة للتسبب في بعض الضرر لروسيا”.

وتمثل تصريحات كلينتون وآخرين لكوفاليفيتش دليلا على أن الولايات المتحدة تريد “تنظيم الفوضى بين روسيا والأوروبيين”، موردا أن السلام في أوكرانيا “هو مسألة مصالحة بين الناتو والقوى العالمية الجديدة، روسيا والصين”، وزاد: “إلى أن تصبح مثل هذه المصالحة ممكنة، وإلى أن تطور أوروبا سياسة خارجية عقلانية، سوف نتأثر بالحروب”.

*كتب هذا المقال في إطار مشروع غلوب تروتر.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة