العقوبات الاقتصادية.. آثار مدمرة على الشعوب

مشاركة المقال

مدار: 15 آذار/ مارس 2022

تعتبر العقوبات الاقتصادية إذا ما شبهناها بما كان يقع في القرون الوسطى بمثابة حصار المدن، إذ كانت تتم الاستعانة بآلات من أجل ضرب الجدران وقصف ما بالداخل، وهو الأمر الذي كان يتضرر إثره السكان العزل دون غيرهم؛ وهذا بالضبط ما يقع في الوقت الحالي، على الرغم من الخطاب الذي يتم في كل مرة الترويج له حول حقوق الإنسان وإنقاذ البشرية.

في وقت تسارع مختلف البلدان الغربية إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، في مشهد يحاول التصعيد في الأمور أكثر من إيجاد حل، يجب التذكير بأن العقوبات سلاح تكتوي به الشعوب أكثر من أي طرف آخر؛ بالإضافة إلى أنه لطالما أثبتت هذه الخطوة أنها تعطي شعورا زائفا بتحقيق إنجاز ما، وهو الأمر الذي تكرر في العديد من المرات على مدار العقود الماضية، منذ أن فرضت الأمم المتحدة عقوبات صارمة على العراق ردا على غزوه للكويت عام 1990.

تضرر الشعوب من العقوبات الجماعية

تكمن المشكلة في العقوبات الاقتصادية في كونها تعتبر بمثابة عقاب جماعي على شعوب بأكملها، في وقت تكون القيادات التي يتم الحديث عن أنها المستهدفة تعيش في ظل البذخ نفسه، وهو الأمر الذي تجلى على سبيل المثال حين تم فرض عقوبات على العراق، حيث أصبحت العملة من دون قيمة، وهو الأمر الذي جعل السكان يعانون في سبيل تحصين قوت يومهم، في وقت كانت القيادات السياسية تعيش وضعا جيدا لم يتغير.

يظن الكثيرون أن العقوبات الاقتصادية أقل تأثيرا على حياة البشر من التدخلات العسكرية، لكن ذلك يعتبر خطأً تريد من خلاله الدول التي تفرض العقوبات التخفيف من الضغط الدولي، فالواقع يقول إن هذه العقوبات الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر على الخدمات الأساسية، لاسيما الصحة، حيث تؤدي إلى ازدياد الخصاص في هذا المجال، الأمر الذي يتسبب في ارتفاع الوفيات في صفوف كبار السن والأطفال.

وبالعودة إلى مثال العراق، فبعد إسقاط النظام الذي تم استهدافه عقب العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري، لم يتم رفع هذه العقوبات الاقتصادية، بل أخذت أبعادا أخرى جديدة، إذ أصبح يتم تجميد أصول الدولة نظير أفعال أفراد معينين، ما يؤثر على الحياة اليومية للشعوب.

وهو الأمر نفسه الذي يحدث في الوقت الحالي في أفغانستان، حيث تتم معاقبة الشعب الأفغاني من خلال حرمانه من أمواله في البنوك الدولية، بسبب أحداث وقعت قبل سنين، ولم يكن له فيها أي دخل؛ ما جعل الحياة أكثر بؤسا وفقا للتقارير التي تحدثت عن أن الوضع في الطريق إلى مأساة أكثر عمقا.

تأثير العقوبات على فنزويلا

منذ أكثر من 15 عاما وفنزويلا تعيش على وقع العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة، من خلال استهداف أنشطة الحكومة الفنزويلية والأفراد الفنزويليين. وتعلقت العقوبات في فترة أولى بأفراد معينين، قبل أن يتم استهداف مؤسسات الدولة بشكل عام.

ويبقى عام 2017 من بين أكثر الفترات قسوة، حين فرض ترامب قيودا صارمة على قدرة فنزويلا على الوصول إلى الأسواق المالية، وبعد ذلك بعامين قامت الحكومة الأمريكية بإدراج البنك المركزي الفنزويلي في القائمة السوداء، وفرضت حظراً عاماً على مؤسسات الدولة الفنزويلية، وهددت بأن أي شركة تتعامل مع القطاع العام في فنزويلا ستواجه عقوبات ثانوية.

وتتم في كل فترة، ومع كل الإدارات المتعاقبة على الولايات المتحدة، الزيادة في كم العقوبات من خلال ما سمي في 2017 من قبل الكونغرس الأمريكي “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA)”، الذي يضم أيضا عقوبات مسلطة على بلدان مختلفة مثل كوبا، إيران…

ورجوعا إلى تأثر المعيشة في فنزويلا بسبب العقوبات، كان هناك تقرير للمقررة الخاصة للأمم المتحدة ألينا دوهان، دعت فيه إلى تخفيف العقوبات، قائلة إنها تقوض حقوق الإنسان لدى الفنزويليين.

وتحدث تقرير دوهان، التي استمرت زيارتها لفنزويلا 12 يوما في فبراير من العام الماضي، عن أن برنامج العقوبات واسع النطاق ضد فنزويلا كان له تأثير “مدمر” على الظروف المعيشية لجميع السكان، موضحة أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تفاقمت بسبب فرض “عقوبات قطاعية على صناعات النفط والذهب والتعدين”، بالإضافة إلى “الحصار الاقتصادي وتجميد أصول البنك المركزي”، ما أدى إلى انخفاض عائدات البلاد، بشكل أساسي من صادرات النفط، بشكل كبير، وأثر على “الكهرباء العامة والغاز والمياه والنقل والهاتف وأنظمة الاتصالات، وكذلك المدارس والمستشفيات والمؤسسات العامة الأخرى”.

التقرير حمل أيضا أرقاما مهولة، إذ “أدى انخفاض عائدات النفط، الذي تفاقم بسبب العقوبات، إلى أزمة غذاء وتغذية”، مع نقص توافر الغذاء بنسبة تقدر بنحو 73%، بفعل انخفاض الواردات بين عامي 2015 و2019. ونتيجة لذلك أصبح أكثر من 2.5 مليون فنزويلي يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، في حين سجلت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) “زيادة بنسبة 213.8% في نقص التغذية أو الجوع المزمن”.

كما أشارت الوثيقة إلى تأثر المستشفيات من النقص في المعدات الناتج عن منع الدول من التعامل مع الجانب الفنزويلي، وهو الأمر الذي يجعل الوضع الصحي في البلاد في تدهور مستمر رغم كل ما يبذل من جهود.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة