مدار (خاص): 18 كانون الثاني/ يناير 2024
أوضحت الفدائية والأيقونة الثائرة، ليلى خالد، القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في الجزء الأول من الحوار الخاص الذي أجراه معها “مدار“، أن الكيان الصهيوني يسعى إلى “قتل الشعب بعملية إبادة مكتملة الأوصاف”، وأشارت إلى أن معركة طوفان الأقصى وحّدت ساحات أخرى للنضال والكفاح.
ليلى خالد، شددت على أن “التحرير لا يتم بالمفاوضات على الطاولات”، واعتبرت أن السلطة الفلسطينية “مكبلة” باتفاقية “أوسلو”.
في الجزء الثاني من هذا الحوار، صرّحت القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن “السلام هو إعادة الحقوق”، مؤكدة على أن الحق في العودة هو” مفتاح التحرير”.
الفدائية الفلسطينية قالت: “لن يعيدني شيء إلى بلادي غير القوة العسكرية والكفاح المسلح”.
“أنا سعيدة بترديد أسماء بعض الشهداء والشهيدات اليوم، فهذا دليل على أن هذا الجيل لم ينس شهداءنا… نحن لم ننساهم وأنتم لم تنسوهم وأنا سعيدة بهذا”، تضيف الأيقونة الثائرة.
وفيما يلي نص الجزء الثاني والأخير من الحوار:
(ملاحظة: أجرى مدار هذا الحوار مع ليلى خالد بتاريخ: 01 كانون الأول/ ديسمبر 2023، ولم يتح لنا نشره في حينه، وبالتالي فإن المعطيات الواردة في المقابلة تتعلق بلحظة إجرائها وليس بعدها، مع اعتذارنا لليلى خالد و لقرائنا الكرام).
مدار: أمام كل ما تحدثت عنه لمسنا كذلك عجز الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية عن إيقاف هذا العدوان، بينما عبرت العديد من الدول عن دعمها الموقف الفلسطيني. كيف تنظرين إلى التحرك الدولي تجاه الأحداث التي تشهدها القضية الفلسطينية؟ وما هي أهم النقاط التي يجب أن تركز عليها الجهود الدولية الآن؟
ليلى خالد: أقصى ما قامت به الأمم المتحدة أنها طالبت بإدخال المساعدات بكل مؤسساتها الدولية، وبإيقاف القتال… لم يفعلوا شيئا، يقولون “فقط اعطيهم مساعدات وسيسكتون”.. لا لن يسكتوا، هم مازالوا موجودين. وماذا قال بلنكن؟ “اضربوهم بقنابل صغيرة، لا داعي للقنابل الكبيرة”.. ومن أحضر لهم القنابل؟ أمريكا هي التي أحضرت القنابل، و”الضايم” الذي يقطع الأيدي والأرجل. وقد رأينا أطفالا ظهروا بأيد وأرجل مقطعة جراء استعمال هذا السلاح. علما أن هذا السلاح تم استخدامه في 2014 مع الفسفور الأبيض الذي يحرق الجلد مباشرة، كما أنه يؤثر على الرئتين في حال استنشاقه… هذه الأسلحة يتم استخدامها أثناء المواجهة بين الجيوش فقط.
كما قلت فإن هذه ليست أول مرة تقوم فيها إسرائيل باستعمال هذه الأسلحة، فقد استعملتها سابقا في 2014 وقامت القيامة على ذلك، لكن ذاكرة الأمم المتحدة للأسف الشديد “مثقوبة”. وحين أتحدث عن الأمم المتحدة أتحدث عن المجتمع الدولي الذي رفضت شعوبه هذا الوضع.
ولا توجد حكومة في الغرب انتقدت إسرائيل، التي تتدخل حتى في المساعدات، وهددت بقصفها، وتم إدخال شاحنات تم قصفها فعلا، والآن توقفت المساعدات المقدمة لغزة.
وقد ضربوا المستشفيات رغم أنها محمية بالقانون الدولي، إذ تعتبر إسرائيل نفسها فوق القانون الدولي، فلم تعاقب حتى الآن ولو بقرار إدانة، كما لم تعاقب في مجلس الأمن !! ما هذا؟ أهذا ما يحمي حقوق الشعوب!! هل هذه هي الأمم المتحدة التي يتحدثون عن أنها تحمي حقوق الشعوب من الظلم والاحتلال؟!! لا ليست كذلك، هل هذه هي المؤسسة التي ستحل نزاعات الشعوب؟!! لا وجود لهذا، فأعلى درجات الإرهاب هي الاحتلال شكلا ومضمونا، ومع ذلك لم تتجرأ الأمم المتحدة على اتخاذ قرار لأنها محكومة بالقرار الأمريكي.
بمجرد ما تقدمت روسيا والصين ومعهما دولة عربية بمشروع قرار الإدانة تم رفضه في مجلس الأمن!!. كيف سنستأمنهم؟ وكم قرارا لصالح القضية الفلسطينية على مدى 75 سنة تم تنفيذه؟… قرار 194 الذي يطلب من إسرائيل أن توافق على عودة الشعب الذي تم تهجيره رفضت تنفيذه رغم أنه كان شرط قبول عضويتها في الأمم المتحدة. وقد أنهت إسرائيل استيلاءها على 78٪ من الأراضي الفلسطينية، ليصدر بعد ذلك قرار التقسيم: دولة عربية ودولة يهودية!! لم يقولوا دولة فلسطينية!!!. تم تصديق الكذبة الصهيونية لأنها مشروع استعماري، في حين أن اللاجئين لا يستطيعون الرجوع.
رجع “أهل أوسلو” فعلا، حتى أكون منصفة في الوصف والتذكير. وفيما قرارات الأمم المتحدة لا تنفذ على الشعب الفلسطيني يتم الحديث الآن عن دولة فلسطينية، أين ستتم إقامتها؟ على ركام غزة؟!!.
العالم لا يستطيع العيش بقطب واحد، وسلطة أمريكا هي الوحيدة التي استطاعت أن تستفيد من أن تكون القطب الأوحد. لكن العالم يتغير الآن، فهناك أقطاب جديدة تتشكل، ومنها “البريكس”، الذي يضم ست دول شكلت التحالف الاقتصادي؛ فيما يتحدث الغرب عن السلام وكأنه في متناول أيدي أمريكا؟ أي سلام سيأتي من أمريكا أو من إسرائيل؟!! السلام هو إعادة الحقوق، وحقنا في العودة هو مفتاح التحرير. عودتنا مع المقاومة وستفرضها على الأرض وسيرحل المستعمر.
كل المستعمرين رحلوا من البلدان التي كانوا يحتلونها، فبريطانيا بمستعمراتها لم تكن تغيب عنها الشمس، كانت متواجدة بكل مكان! وأين هي الآن! ماذا أصبحت اليوم؟ مجرد جزيرة. وفرنسا كانت تحتل كل المغرب العربي، أين هي الآن؟ وإيطاليا التي احتلت ليبيا أين هي الآن؟… كل الاستعماريين رحلوا، وهؤلاء أيضا سيرحلون غصبا عنهم.
لا يوجد أي حل للقضية الفلسطينية إلا بالوحدة والمقاومة، وحدة الشعب بالداخل والخارج. وإلى الآن تندم قيادات إسرائيل لأنها تركت 150000 فلسطيني على الأرض سنة 1948 أصبحوا اليوم مليونا ونصف مليون! ويشكلون 20 بالمئائة من السكان.
هكذا تتم الأمور. هذا الشعب جرب النضال وعنده الخبرة والقدرة على التحمل، وإذا أردت الافتخار بشيء فسأفتخر بانتمائي إلى هذا الشعب حيث تربيت على أنه لن يعيدني شيء إلى بلادي غير القوة العسكرية والكفاح المسلح. وكل الأساليب الأخرى مقبولة لكنها روافد للنهر الكبير الذي هو نهر التحرير، ونحن الآن في هذه البداية. وإن شاء الله أن يمدنا بالعمر لنرى هذه اليوم جميعا.
مدار: أعطى الشعب الفلسطيني دروسا في الصمود والتضحية، وقد تطرقت في مجمل مداخلتك لنقاط مهمة، واعتبرت أن الهدنة وصفقة تبادل الأسرى نصر للمقاومة، هل يمكن فقط في كلمة أخيرة أن تبسطي كيف ترين تطور الأحداث مستقبلا من خلال قراءتك للأحداث اليوم؟
ليلى خالد: المقاومة حينما نفذت هذا الهجوم نفذته وهي واعية بأن هذا العدو لن يقبل هزيمته؟ لكنه سيقبلها حين يصبح احتلاله وحربه على المقاومة والشعب الفلسطيني لا يحتملان، وحين يعجز عن تقبل خسائر أخرى سيرحل. وقد لاحظنا منذ أول يوم للهجوم كيف كان مطار بنكوريون يعج بالآلاف الذين رحلوا. ومن يتابع الشأن الإسرائيلي عبر الصحافة سيعرف أن الكثير من الصحافيين المدافعين عن إسرائيل ووجودها كانوا يقولون: “لقد أخطأنا في التاريخ، لقد أتينا لشعب لا يوجد له مثيل في المقاومة والصمود!”. إنها صحافتهم التي تتحدث بهذا الشكل!! لقد أخطؤوا في التاريخ وما عليهم سوى حزم أمتعتهم والرحيل.
هناك شخص جاء من سان فرانسيسكو اسمه “اريه شابيه” تحدث في مقدمة طويلة عن التاريخ والمواجهات وفي الأخير قال: “ما علي سوى أن استعمل جوازي الأمريكي وأعود من حيث أتيت”… هذا مع من يتحدث؟ يتحدث مع المستوطنين، ويؤكد: لا مستقبل لكم هنا، عودا من حيث أتيتم.
كما أنه لا مستوطن يقبل العودة إلى المستوطنة التي خرج منها! وقد كان هناك إعلان يحث على البقاء بجانب الملاجئ، ويأخذون المستوطنين إلى المستوطنات التي في الضفة على أساس أنها آمنة، لكن يتم ضربها أيضا من طرف المقاومة التي يحاولون تجاهلها.
لماذا يتم التنكيل بالأسرى؟ لأنهم لا يستطيعون مواجهة من يأتي ويضربهم في قلب القدس، حيث نفذ أخوان كانا بالسجن وخرجا عملية وهما متأكدان من استشهادهما!! هذا هو مستقبل إسرائيل، الخسارة المتتالية. ولن تعود الأمور كما كانت عليه بعد 48، لا لن تعود !! شعبنا يتحمل الكثير ويصبر وهذا تعبير عن الصمود.
قبل قليل كنت أشاهد على التلفاز مشاهد لأطفال يضحكون على ركام بيوتهم بغزة وهم غير خائفين، إنهم يضحكون على إسرائيل لأنها لم تتعلم الدرس منذ أول أيام الاحتلال سنة 1967. ماذا كان يقول شامير، رئيس الوزراء حينها، كان يقول: “نحن نحكم غزة بالنهار والفدائيون وجيفارا غزة (الذي كان قائدا عسكريا) يحكمون بالليل”، لأن المقاومة كانت تنفذ عملياتها بالليل.
والآن ماذا يقولون؟ “نحن نضرب غزة وأبو عبيدة يحرض الشعب على الصمود والمقاومة”، ويتحدثون عن قتل أو سجن السنوار في حال وجدوه.
هم لا يعرفون قوة المقاومة ولا قوة الشعب إلا حين يتم ضربهم على رؤوسهم. وكل المستعمرين لم ينجحوا في أن يظلوا مستعمرين. ألم يحتل هتلر أوربا ونصف الاتحاد السوفياتي؟ لكن كيف ذهب؟ ذهب بالقوة وفي الأخير انتحر وجيوشه كانت تملأ القارة خلال الحرب العالمية.
التاريخ يعلم دروسا ونحن تعلمنا منه. فيتنام تم هدمها لكن كانت هناك فيتنام أخرى تحت الأرض حمت الشعب، حيث شيدت مدارس وبيوت. وظل المقاومون يقاتلون حتى رحل المستعمرون.
وبأفغانستان ظل الأمريكيون عشرين سنة وفي الأخير هربوا بالطائرات، وفي العراق أصبحوا يخافون الخروج إلى الشارع بسبب المقاومة؛ كما أن سوريا التي حاولوا هدمها من خلال “الدواعش” وغيرهم مازالت قائمة.
وفي اليمن ماذا فعلوا بعد ثماني سنوات من الحرب غير قتل الناس؟ لأن هناك شعبا يقاوم ويطور نفسه خلال الحرب لأنه يكتسب الخبرة.
كما يجب أن نستحضر ثورات المغرب العربي، وأن نتذكر هذا التاريخ ونذكر الأجيال القادمة به وبما حدث في الأمة العربية.
هناك أمة تناضل، ففي المغرب رحل الفرنسيون، وبالجزائر أيضا رحل المستعمرون رغم كل المجازر؛ فمليون ونصف مليون شهيد كان الثمن الذي دفعه الشعب الجزائري. وبليبيا يجب أن نتذكر عمر المختار، يجب أن نتذكر هؤلاء الناس لأنهم علمونا دروسا كثيرة.
يجب أن نستحضر أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وحركات التحرر التي انتصرت. والآن يحاولون استعمال المنطقتين اقتصاديا لكنهم لا يستطيعون؛ فكيف رحلت فرنسا من النيجر، طوقوا القاعدة العسكرية ولم يستطيعوا فعل شيء، والأمر نفسه بمالي وبوركينافاسو؛ وهي دول فقيرة نعرفها على الخريطة فقط.
وبجنوب إفريقيا مع نظام الفصل العنصري في آخر الأمر أصبحوا يفاوضون نيلسون مانديلا وهو في السجن، لماذا؟ لأنه كان يقاوم بجانب شعبه.
هذه الشعوب تعلم شعوبا أخرى كيف تنتصر على ظلاّمها، ونحن كذلك.
أنا متفائلة دائما وأقول إن فلسطين ستعود، وسنرجع إليها، وإن لم يحدث ذلك في جيلنا. نحن جيل النكبة، وجاء جيل آخر يرمي الحجارة. وكل العالم قدم التحية للانتفاضة الفلسطينية، لكن القيادة للأسف لم تكن في مستوى شعبها، كما هي الآن أيضا ليست في مستوى شعبها، ولا في مستوى الدم الذي يهدر بغزة وبالضفة، لأن هؤلاء القادة وقعوا اتفاق أوسلو الذي جاءنا بكوارث.
لكن الظلم لا يدوم في التاريخ، أنا أذكركم بأول ثورة للعبيد في الإمبراطورية الرومانية سبارتاكوس. أين هي هذه الإمبراطورية الآن؟ أصبحت مجرد اسم مذكور في التاريخ، مع الإمبراطورية البيزنطية وكل الإمبراطوريات… والإمبراطورية البريطانية تحولت إلى جزيرة فقط.
هذا يعلمنا ونحن ندرّس التاريخ لشعبنا حتى يعرف أنه يستطيع أن ينتصر.
والعرب هم من روجوا لفكرة الجيش الذي لا يقهر، لكنه أصبح يقهر 100 مرة؛ لم يتعلم الدرس بعد ليبقى مستمرا بهذا المستوى.
وأنا أبشركم دائما بأنني أرى النصر. سنعود لأرضنا، مادامت شعوب العالم معنا.
لم يرفع أي علم في التاريخ كما رفع العلم الفلسطيني. فيتنام أسطورة لكن لم يرتفع علمها كما هو الأمر بالنسبة للعلم الفلسطيني؛ فكل المظاهرات التي كانت تناهض الحرب لم تكن ترفع الأعلام كما هو الحال اليوم. الشعوب تعبر عن أن هذا العلم يمثلها، أليس هذا نصرا لنا!! يجب أن نبني على هذا النصر، وأن نبقى كلنا معا في هذه الحرب التي شنها كل الغزاة، وكل الغزاة الذين مروا على فلسطين رحلوا وبقيت فلسطين.
الآن نحن نقاوم العدو الصهيوني المدعوم من الغرب، نحن وأنتم وذلك المتظاهر الذي يخرج في بوركينافاسو ليقول إني أدعم فلسطين ويهتف بالحرية لفلسطين… إنها من بشائر النصر.
BDS (حركة مقاطعة إسرائيل) وحملة المقاطعة الآن أصبحت جزءا من ثقافة الشعوب، إذ أصبحت مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ثقافة، والآن هناك اتجاه إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية. هذا أيضا أحد أساليب الانتصار. الشعوب الآن تستخدم أساليب سلمية لا تتطلب حمل السلاح، لكنها أسلحة تضرب الاقتصاد. إنها أساليب جديدة ابتكرتها نضالات الشعوب، بدأت من جنوب إفريقيا حتى انتهى الفصل العنصري.
وأنا سعيدة بترديد أسماء بعض الشهداء والشهيدات اليوم، فهذا دليل على أن هذا الجيل لم ينس شهداءنا… نحن لم ننساهم وأنتم لم تنسوهم وأنا سعيدة بهذا.