[رأي]. إلى برابير: لا يمكن لأي سجن أن يوقف مسيرة الزمن نحو غد أكثر عدلا

مشاركة المقال

بيبلز ديسباتش + مدار: 18 كانون الثاني/ يناير 2024

نيخيل ماثيو*

مازال إرث برابير بوركاياستا المتنامي يلهم النضال من أجل الاعتماد الهندي على الذات فكريا وماديا، بغض النظر عن المحاولات المضللة التي يقوم بها حزب بهاراتيا جاناتا “RSS- BJP” لخنق وإخضاع تطلعات الجماهير من أجل غد أفضل وأكثر شمولاً.

تسرب في الثاني والثالث من ديسمبر/ كانون الأول عام 1984 مزيج سام من الغازات من مصنع “يونيون كاربايد” لمبيدات الحشرات إلى مدينة بوبال الهندية، في واحدة من أسوأ الكوارث الصناعية في العالم. وانتشر التسرب على مساحة 40 كيلومترا مربعا من المدينة، بحيث غطى 36 بلدية من أصل 56 في بوبال، ما تسبب في تأثر أكثر من 550 ألف شخص على إثر هذه الكارثة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف رجل وامرأة وطفل.

وفي الفترة من 9 إلى 11 ديسمبر/كانون الأول في العام ذاته تم تكليف فريق تقصي الحقائق من منتدى دلهي للعلوم (DSF) الذي يضم العضوين المؤسسين، برابير بوركاياستا ودينيش أبرول، وكلاهما مهندسين شابين، بصياغة تحليل فني للكارثة.

على مدار يومين قام الفريق بزيارة المناطق المحيطة بالمصنع، التي كانت الأكثر تضررا في حلقة جديدة من حلقات جرائم القتل بالجملة التي يرعاها منطق جشع الشركات، بحيث تحدث أفراده مع الناجين والعمال الذين كانوا يديرون المصنع، ومع الصحافيين المحليين والسياسيين والأخصائيين الاجتماعيين والأطباء وغيرهم.

وكانت نتيجة هذا التحقيق علامة فارقة، فقد وفرت الأساس لكثير من المطالب التي أثارتها الحركات الجماهيرية الشعبية، بما فيها المسائل المتعلقة بالتراخيص الصناعية وتنظيم السلامة المهنية.

وعندما حدث تسرب لغاز الزيت في العاصمة الهندية في 4 ديسمبر 1985، من مصنع تديره شركة شيريرام للأغذية والأسمدة، ما أدى إلى دخول أكثر من 700 من سكان دلهي إلى المستشفى، عينت المحكمة العليا في الهند لجنة خبراء مكونة من ثلاثة أعضاء، بمن فيهم برابير بوركاياستا من منتدى دلهي للعلوم، لفحص التسرب واقتراح الإجراءات التصحيحية. وقد كانت القضية والحكم اللاحقين بمثابة نقطة بارزة في الفقه البيئي.

ومع ذلك، يبقى أن نلاحظ أنه لم تتم مساءلة أي من شركة “يونيون كاربايد” أو “شركة داو كيميكال “- الشركة الأمريكية المتعددة الجنسيات التي استحوذت على جميع أصول والتزامات “يونيون كاربايد” عام 2001، وتمتلك الشركة الآن – ولم يقدم وارن أندرسون، الرئيس التنفيذي لـ “يونيون كاربايد كوربوريشن”، وقت وقوع الكارثة، للمحاكمة قط، وتوفي على أحد شواطئ فلوريدا عن عمر يناهز 92 عاماً. وقد تواطأت المؤسسات السياسية والقضائية في الهند في هذا الانتهاك للعدالة.

هذا هو برابير بوركاياستا نفسه الذي ألقت شرطة دلهي القبض عليه الآن في قضية مسجلة بموجب قانون (منع) الأنشطة غير المشروعة الصارم، رغم العقود التي قضاها في تعزيز قضية نظام حكم هندي مستقل وذي سيادة.

في 3 أكتوبر 2023، وفي عرض استبدادي للمخالفات الحكومية، ألقت شرطة دلهي القبض على برابير، مؤسس ورئيس تحرير منصة الأخبار عبر الإنترنت “NewsClick”، وأميت تشاكرابورتي، رئيس الموارد البشرية في الصحيفة نفسها. وقد سبقت هذا الاعتقال مداهمات في الصباح الباكر ضد ما يقرب من 50 صحافيا ومساهما في المنصة، وتم استجوابهم من بين أمور أخرى حول ما إذا كانوا قد قاموا بتغطية نضال المزارعين الشجاع ضد قوانين الزراعة الصارمة التي فرضتها حكومة.

لقد كانت هذه الواقعة بمثابة هجوم على الصحافة الحرة والمستقلة والشجاعة في ظل حكم حزب بهاراتيا جناتا، وهو الأمر الذي كان مطروحا منذ فترة طويلة.

تشير إحدى الدراسات إلى أنه منذ عام 2014 تم اعتقال أكثر من 135 صحافيا أو احتجازهم أو استجوابهم أو تقديم دعاوى بشأنهم. يجب أن يُنظر إلى هذه الواقعة على أنها هجوم ضد الإرث المناهض للاستعمار الذي خلفه النضال الهندي من أجل الحرية، وباعتباره هجوما على سيادة الهند لحساب المشروع الإمبريالي الذي تدعمه المشاعر المناهضة للشعب والتابعة للأعمال التجارية العالمية، كما يجب أن يُنظر إليه على أنه هجوم ضد العقلانية وضد مشروع الحركة الجماهيرية التقدمية لبناء وعي ديمقراطي ودستوري.

 ورغم أن الهند كانت لها حصتها الخاصة من المكارثية في الهجوم الذي دام عقودا من الزمن، الذي شنته المؤسسة السياسية في البلاد ضد حملة المشروع الاشتراكي في الهند، إلا أن أحدث تمثيل لتقويض السلطة الرابعة جاء على خلفية ادعاءات زائفة وردت على صفحات صحيفة “نيويورك تايمز”، وهو الأمر الذي فاجأ الكثيرين.

ومع ذلك، عند وضعها في سياق دعم “نيوز كليك “وبرابير القوي للحركات الشعبية في جميع أنحاء العالم، والأهمية المتزايدة للمنصة كصوت ضد التدمير الاجتماعي والثقافي والبيئي والأخلاقي الذي أحدثته الحملات الاستعمارية الجديدة التي أصبحت تجتاح العالم، فمن الطبيعي أن تسهل أبواق الإمبراطورية الأمريكية ممارسة تشويه وترويض منارات الأمل التي سلطت الضوء على أكاذيب وخداع الحكومات المناهضة للشعب في كل مكان.

لذلك، في هذه الحملة الأخيرة للتخلص من تاريخ مهم يشير إلى مقاومة الشعب ضد القمع والاستغلال والخداع، نرى التوافق المريح بين الـ “RSS-BJP” ومختلف تجليات الآلة الإمبريالية للإمبراطورية الأمريكية.

عندما يتحدث المرء عن برابير بوركاياستا غالبا ما يتم التطرق لشجاعته في السنوات التي كانت فيها حالة الطوارئ عندما تم اختطافه من قبل شرطة دلهي كناشط في اتحاد طلاب الهند في جامعة جواهر لال نهرو، ثم تم احتجازه في السجن لمدة عام تحت حكم قانون حفظ الأمن الداخلي. والقصة الملهمة الأخرى بالقدر نفسه، إن لم تكن أكثر من ذلك، هي كيف قام على مدى سنوات بعد إطلاق سراحه من السجن برعاية الحركة الجماهيرية التقدمية في الهند، واستمر في تنميتها، كمدافع عن الديمقراطية والعلم في خدمة الشعب.

يستمر إرث برابير المتنامي في إلهام النضال من أجل الاعتماد الهندي على الذات فكريا وماديا، بغض النظر عن المحاولات المضللة التي يقوم بها حزب حزب بهاراتيا جاناتا لخنق وإخضاع تطلعات الجماهير إلى غد أفضل وأكثر شمولا.

من أجل الحفاظ على هذا الحلم الذي بنى على أساسه النضال الهندي من أجل الحرية ضد الاستعمار جذوره، كرّس برابير الغالبية العظمى من حياته العملية من أجل ضمان الرخاء للشعب الذي يستمر عرقه ودموعه في خياطة نسيج المجتمع الهندي معا. هذا ليس حلما يمكن إخماده من خلال الاعتقالات أو الاحتجاجات الصارخة للمتعصبين، لأنه لا يوجد ما يكفي من السجون في كل العالم، ولا يوجد ما يكفي من الرصاص في جميع مستودعات أسلحة العالم التي يمكنها إيقاف مسيرة الزمن نحو غد أفضل.

* نيخيل ماثيو هو سكرتير اتحاد الطلاب في الهند، المملكة المتحدة. الآراء الواردة في هذا المقال شخصية ولا تعبر بالضرورة عن “مدار”. ظهر المقال لأول مرة في “نضال الطلاب” ونقله “مدار وترجمه عن موقع “بيبلز ديسباتش”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة