مدار: 02 تموز/ يوليو 2021
صور: مدار
احتضنت العاصمة الفنزويلية كاراكاس، خلال الأيام الممتدة بين 21 و24 حزيران/ يونيو 2021، مؤتمر المئوية الثانية لشعوب العالم. وينفرد “مدار” بعرض تفاصيل اللقاء الذي جمع أكثر من 300 من قيادات الحركات الاجتماعية من 50 دولة عبر العالم.
وقبيل عقد المؤتمر، تم تنظيم العديد من الاجتماعات القارية والإقليمية، جمعت القطاعات المشاركة في اللقاء. وتزامنت التظاهرة الدولية مع الذكرى المئوية الثانية لانتصار حركة المقاومة من أجل التحرر من الاستعمار الإسباني في معركة “كارابوبو“، التي تمخض عنها تحرير جزء من المستعمرات الإسبانية في القارة الأمريكية الجنوبية، وستحمل لاحقا اسم “فنزويلا”.
وشكلت هذه المعركة ذروة حرب الاستقلال الفنزويلية التي امتدت بين 1810 و1823، إذ شارك في القتال سيمون بوليفار في 24 يونيو/ حزيران 1821، ولعب دورا محوريا في انتصار الجيش الوطني لتحرير البلاد من الحكم الإسباني بعد أكثر من 300 عام من المقاومة المحلية المستمرة وتمرد العبيد ضد المستعمرين.
ووضع مؤتمر المئوية الثانية لشعوب العالم في أجندته تعزيز العلاقات بين الأحزاب السياسية التقدمية والحركات الاجتماعية والنقابات والمنظمات العاملة في الشأن الثقافي، بهدف “المساهمة في بناء أرضية للنضال على المستوى العالمي ضد ‘الإمبريالية’ و’النيوليبرالية'”.
وتتعرض فنزويلا لهجوم غير مسبوق من طرف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
وترفض واشنطن أن يكون لأي دولة في القارة الأمريكية قرار سيادي مستقل ونموذج سياسي واجتماعي خارج السياسات التي يرسمها أبناء “العم سام”؛ كما مارست الإدارات الأمريكية المتعاقبة ضغوطا مستمرة على الحكومات التي يقودها اليسار في أمريكا الجنوبية، وتعتبرها “أعداء تجب محاربتهم”، كما هو الحال مع كوبا التي تستمر في حصارها منذ أزيد من ستة عقود، رغم معارضة 184 دولة عبر العالم، في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير.
وذكرت العديد من التقارير أن البيت الأبيض دعم عدة انقلابات ومحاولات انقلاب على أنظمة منتخبة ديمقراطيا، كما حدث في بوليفيا.. إضافة إلى محاولة انقلاب جارية في بيرو للحيلولة دون تولي الرئيس المنتخب بيدرو كاستيلو منصب رئاسة البلاد.
ودشن الرئيس الراحل هوغو تشافيز مسارا للتغيير ينطلق من تمتيع جميع فئات الشعب من الثروات الطبيعية، خصوصا النفط الذي تتوفر فنزويلا على أكبر احتياطي عالمي منه، إضافة إلى الذهب وثروات ثمينة أخرى. وتم تحويل البناء المجتمعي نحو المزارعين وتنظيم سكان الأحياء الفقيرة والمهمشة، وهو النهج الذي استمرت عليه حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، الذي رفض تحويل بلاده إلى جزء من “الحديقة الخلفية” لأمريكا، فسلطت هذه الأخيرة وابلا من العقوبات الاقتصادية والسياسية على كاراكاس، منذ عهد باراك أوباما إلى سياسة دونالد ترامب التي فشلت. ولم تظهر الإدارة الحالية لجوزيف بايدن أي بوادر للتراجع عن هذه السياسة “العدائية” وأحادية الجانب.
وأدت هذه العقوبات إلى نقص حاد في المنتجات الأساسية مثل الغذاء والأدوية، والمعدات الميكانيكية وباقي التجهيزات والمواد الأولية الضرورية في سلسلة الإنتاج والصناعة، وذلك بهدف تأزيم الأوضاع وخلق اضطرابات تؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط الحكومة البوليفارية.
وبينما تحصد جائحة كورونا أرواح الملايين عبر العالم، حظر بنك UBS السويسري 10 ملايين دولار كانت مخصصة من طرف الحكومة الفنزويلية لبرنامج كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية، الذي يهدف إلى تمكين البلدان الفقيرة والنامية من اللقاحات المضادة للفيروس القاتل، وهو ما يشكل، وفق مراقبين، حكما بالقتل على الفنزويليين، وتوظيفا سياسيا لظرف صحي عالمي بغرض استهداف حكومة معترف بها من طرف الأمم المتحدة، وإجراء يسير في الاتجاه المعاكس لتوصيات الهيئات الصحية بأن تكثيف اللقاح من شأنه أن يخفض من مخاطر انتشار الوباء وظهور طفرات أكثر خطورة في المستقبل يمكنها أن تأتي على ملايين الأرواح.
وفي البيان الختامي للمؤتمر جاء أن الرأسمالية تمر بأزمة “هيكلية ومتعددة الأبعاد”، وأن أزمة كوفيد 19 تظهر “مظالم العقيدة النيوليبرالية”؛ وفي هذا السياق شدد على أن السياسات التي اتبعتها الحكومات الغربية “تعرض البشرية للخطر”.
وحسب الوثيقة التي يتوفر “مدار” على نسخة منها فإن إدارة الأزمة الصحية العالمية، في إطار النيوليبرالية القائمة على تراكم رأس المال ، “تعمّق التفاوتات”، و”تزيد الفقر البطالة”، مشيرة إلى أن “شره مضاربة” شركات الأدوية الغربية، إلى جانب الصراع بين القوى من أجل إنتاج والحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19، “يعيد التأكيد على الطابع اللاإنساني لنمط الإنتاج الرأسمالي، وتراجع النموذج الحضاري الغربي والانهيار الأخلاقي لنظام الهيمنة المكرس لمراكمة الأرباح”.
وإلى جانب العديد من الزيارات الميدانية التي نظمتها وفود من المشاركين إلى مرافق مختلفة للاطلاع على التجربة البوليفارية وجوانبها الإنسانية والاجتماعية، انكبت المنظمات المشاركة في الاجتماع على مدار أربعة أيام على تبادل الآراء حول الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي، والأثر الرهيب للوباء على البشرية، وحول البدائل التي يجب اقتراحها وتعزيزها، إضافة إلى البحث عن سبل الوصول إلى مستويات “جديدة وأعلى من التضامن بين القوى التقدمية التي تواجه اليوم الهجوم النيوليبرالي”، والنضالات التي يتم التعبير عنها في “الانتفاضات الاجتماعية”، وفي ميدان “المنافسات الانتخابية”، ناهيك عن “معركة الأفكار”.
وركزت الحركات القيادات السياسية والاجتماعية المشاركة على سبل “العمل بشكل مكثف من أجل وحدة الشعوب في بناء والدفاع عن السلام بين جميع الأمم، والديمقراطية التشاركية، وحقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير المصير”.
وتطرقت الهيئات من 50 دولة لملف آليات “مواجهة الحصار الاقتصادي والحصار الدبلوماسي وحملة الاعتداءات الإعلامية المكثفة والأعمال الإرهابية والمزعزعة للاستقرار ضد جمهورية فنزويلا البوليفارية”، إضافة إلى “دعم جهود الحكومة البوليفارية لتحقيق الاستقرار السياسي وإرساء أسس الاستقرار الاقتصادي، وإطلاق عملية حوار سياسي طويل المدى، وتعبئة قوية للشعب ومنظماته، وعلى أساس الوحدة المدنية – العسكرية، المحور الاستراتيجي للعملية الفنزويلية”.
وفي هذا الصدد، يستند مشروع التغيير الذي تقوده الحكومة البوليفارية إلى الوحدة بين الحركة السياسية والاجتماعية المدنية، بانخراط الأحزاب التقدمية والجمعيات والهيئات الثقافية والفلاحية والنقابية، إضافة إلى مختلف قطاعات المجتمع، والأجهزة العسكرية للبلد، من جيش وألوية شبه عسكرية مسلحة ومدربة؛ ناهيك عن الجيش الاحتياطي الذي يعد بالملايين، وهو ما حال دون نجاح العديد من محاولة قلب الجيش ضد الحكومة لما اشتدت الهجمات الغربية على النظام السياسي في فنزويلا، وفق تقرير حديث.
وبدأ التحضير لمؤتمر المئوية الثانية لشعوب العالم منذ اللقاء الذي عقده الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مع أكثر من 2000 مشارك من جميع القارات، في 26 مارس/ آذار، ليتم توسيع قاعدة المؤتمر من 25 قطاعا اجتماعيا إلى 30، فجاء اللقاء المنعقد خلال هذا الشهر.
وحسب مصادر “مدار” فقد عقد أكثر من 100 اجتماع تحضيري توج بانعقاد المؤتمر، إضافة إلى عقد لقاءات جمعت أحزابا سياسية وقطاعات برلمانية من إفريقيا، أمريكا اللاتينية، منطقة البحر الكاريبي، الولايات المتحدة، كندا وأوروبا.
وشدد الإعلان الختامي لمؤتمر المئوية الثانية لشعوب العالم على أنه يدعم جميع المبادرات التي تهدف إلى إلغاء براءات الاختراع الخاصة بلقاحات كوفيد 19، وتعزيز إنتاج اللقاحات وتوزيعها من أساس منطقي يركز على الدفاع عن الحياة، وبالتالي التحرك نحو تحقيق خطة تطعيم عالمية وفقًا للتضامن والإنصاف والعدالة الاجتماعية.
وأدانت المنظمات المذكورة ما وصفتها بـ “الإجراءات القسرية الانفرادية والاعتداءات الإجرامية الأخرى” التي ترتكب ضد فنزويلا البوليفارية، كوبا، ونيكاراغوا وغيرها من البلدان وشعوب العالم.
ولم يفوّت المؤتمر الفرصة دون إدانة التواجد العسكري الأمريكي في أمريكا اللاتينية، معتبرا أن ذلك “يشكل اعتداء على السلام وتقرير المصير للشعوب”، وزاد: “نرفض المبادرات الاستعمارية الجديدة التي تمس سيادة شعوب إفريقيا”.
وحسب مصادرنا فقد اتفقت المنظمات المشاركة في المؤتمر على “تطوير، بناءً على الخصائص الجغرافية ولكل قطاع، نظام تكوين سياسي – أيديولوجي يوضح الخبرات المختلفة التي تطرحها المنظمات السياسية والاجتماعية المشاركة في هذا المؤتمر؛
وإضافة إلى ذلك توضيح جهود الاتصال المختلفة بين الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والمنظمات الشعبية الأخرى، لإنتاج ونشر المحتوى على منصة هوغو شافيز للاتصالات الدولية”.
ولهذا الغرض، سيتم تشكيل وفود متخصصة في الاتصالات حسب القطاعات والدول المشاركة في المؤتمر، لإدماجهم كطلاب في تكوينات الجامعة الدولية للاتصالات.
ومن أجل تنزيل الاتفاقات التي توصلت إليها المنظمات المشاركة في اللقاء الدولي الذي احتضنته كاراكاس، تابعت مصادرنا بأنه تقرر إنشاء وتعزيز الهياكل التنظيمية وآليات النقاش الأخرى المعتمدة في برامج المحادثات من قبل الأحزاب والقطاعات السياسية المشاركة في مؤتمر المئوية الثانية، من أجل تعزيز الانخراط في أجندة النضال المتفق عليها وتنفيذ القرارات المتخذة في الجلسة العامة من هذا المؤتمر.
وسيتم العمل أيضا على تأسيس مركز للفكر الإستراتيجي من طرف الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية المساهمة في هذا المؤتمر، من أجل العمل على تعزيز سيرورات النضال لتحرير شعوب العالم والإنسانية جمعاء.
وحسب العديد من القيادات المشاركة في المؤتمر فإن هذا الأخير شكل فرصة لتعزيز التضامن مع المسار التقديمي الذي خطّته فنزويلا، والذي يتعرض لهجوم غير قانوني من طرف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وتتخذ الاعتداءات التي تتعرض لها الجمهورية البوليفارية أبعادا مختلفة، بين الضغط العسكري، والحصار الاقتصادي، والدعاية الإعلامية، خصوصا عبر الأخبار الزائفة، إضافة إلى دعم عملاء محليين موجهين، ناهيك عن عمليات سرية واستخباراتية شكلت الجارة الكولومبية منصة أساسية لها، وفق ما أشرنا إليه سابقا.