تطورات الحرب.. الفلسطينيون يفرضون إيقاعا جديدا في قطاع غزة

مشاركة المقال

مدار: 15 أيار/ مايو 2024

لم يكن جل المتابعين لمجريات الحرب في قطاع غزة يتوقعون التحول النوعي الأخير في العمليات القتالية على الأرض.

الصهاينة روجوا منذ أشهر للمعلومات القائلة بأنهم تمكنوا من القضاء على مجموعات المقاومة في وسط وشمال القطاع، وتدمير البنية التحتية المستخدمة في القتال.

لكن فصائل المقاومة بمختلف تشكيلاتها، نسفت مرة أخرى هذه المزاعم، معلنة تباعا خلال الأيام القليلة الماضية عن أعداد متزايدة من الاستهدافات والضربات ضد قوات الاحتلال المتوغلة في القطاع.

ووفق المعطيات المتاحة، والبلاغات المنشورة على قنوات التواصل في تطبيق التلغرام، فقد وجّهت فصائل المقاومة ما يزيد عن 55 ضربة لقوات المحتل يوم أمس فقط، مقابل 17 مهمة قتالية يوم الإثنين، خصوصا بعد توغل القوات الصهيونية من جديد في مخيم جباليا.

وتتنوع ضربات المقاومة بين استهداف الدبابات وباقي الآليات، أو العمليات النوعية المركّبة، ناهيك عن الرشقات الصاروخية والقنص والاستهدافات بقذائف الهاون، ناهيك عن الالتحام المباشر.

ما لم تستسغه الأوساط الصهيونية هو الإيقاع المتزايد للعمليات، وإظهار المجموعات القتالية المقاومة لمثابرة تزيد أحيانا عما شهدناه في بداية التوغل البري لقوات الاحتلال في القطاع قبل أشهر.

الاحتلال الصهيوني فشل قبل أسبوع في تنفيذ مخططه لتفخيخ المفاوضات وقلبها على الفلسطينيين، فتزامنا مع التلويح باجتياح رفح، سعى في البداية إلى قسم صف المقاومة ببعث الأمم المتحدة لجر الجهاد الإسلامي إلى مفاوضات منفصلة، وهو ما رفضته هذه الأخيرة وأكدت أنها فوضت حماس، كما حاول الاحتلال التلاعب بالوسطاء المصريين والقطريين، بل وجرب عبر جماعات الضغط الخاصة به تأليب الرأي العام الغربي والأمريكي ضدهم وتحميلهم مسؤولية المواقف الصارمة التي اتخذتها حماس.

الولايات المتحدة وإسرائيل ومعهم الغرب جلّه، حركوا آلتهم الإعلامية لتسليط الضغط السياسي والإعلامي على الفلسطينيين للقبول ببنود مشروع اتفاق يعني عمليا إطلاق إطلاق النار على أنفسهم.

المقاومة استمهلت الأمور ووضعت الخطوط اللازمة على المكامن الغامضة للصيغة التي وضعها الوسيط المصري، ووافقت في نهاية المطاف على صيغة ثلاثية المراحل، تتضمن الالتزام بوقف الحرب وعودة النازحين إلى الشمال والانسحاب التام من القطاع وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى وإدخال المساعدات.

موافقة حماس على الاتفاق سحب البساط من تحت حكومة الحرب الفاشية، وكشف مرة أخرى عدم رغبة الاحتلال في وقف إطلاق النار وعزمه دخول رفح، وبالتالي كانت المفاوضات مناورة لكسب الوقت وإرضاء الأمريكيين الذين كانوا يحتاجون إلى شيء يبيعونه للداخل.

ما حدث هو أن المفاوضات دخلت الثلاجة، ومع أن واشنطن المضغوطة من الرأي العام قبيل السباق الرئاسي رفضت ما أسمته “عملية واسعة” في رفح المليئة بالنازحين، والتحذيرات المتكررة من جهات مختلفة، إلاّ أن الجيش الصهيوني دخل قسما من المدينة وسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.

المصريون غضبوا من الخطوة الإسرائيلية، وطالبوا بالرد على ذلك بإلغاء اتفاقيةكامب ديفيد، ولم تجد السلطات الرسمية من ملاذ سوى التلميح بسحب سفيرها من تل أبيب، في حين شن الإعلام المعروف بقربه من النظام المصري حملة كبيرة على إسرائيل، وهو ما يعكس المزاج السائد في البلد.

لتوضيح وجهة نظرها بشكل أكبر، لعبت القاهرة ورقة مساندة دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل في قضية ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

في السياق ذاته، حاول الإسرائيليون جر السلطة الفلسطينية وإن بطريقة ملتوية إلى المشاركة في تشغيل معبر رفح، تحت صيغة “لجنة مساعدات محلية”، وهو ما رفضته حكومة أبو مازن جملة وتفصيلا.

على ضوء هذه التطورات، كان الإسرائيليون يراهنون على نقل الثقل العسكري إلى رفح، وبالتالي الإبقاء على معادلة عض الأصابع المتوقعة مع المقاومة الفلسطينية، إلا أن هذه الأخيرة كان لها معادلة مضادة بإخراج جهد جديد في الوسط والشمال، وهو ما ينسف الإدعاء الصهيوني بأن رفح هي آخر معقل للمقاومة المسلحة ولا بد من اجتياحها، بلغة الوقائع: المقاومة مازلت في كل مكان.

رهان الاحتلال المعلن على القضاء على المقاومة ونزع سلاحها واسترجاع المحتجزين، لم يتحقق منه شيء، فسبعة أشهر من حرب الإبادة لم تمكنه من استرجاع محتجز واحد، وحتى أكثر الجهات الغربية المؤيدة له قالت مرارا إن الأهداف المرسومة من طرف السياسي ليست واقعية ولن تتحقق، أما العسكري فيتخبّط ويتلقى الضربات تلوى الأخرى.

حتى الآن، لم ينجح الاحتلال سوى في عزل نفسه، خصوصا وأن حرب الإبادة الجماعية التي شنها خلفت أزيد من 35 ألف شهيد و79 ألف مصاب، وآلاف المفقودين.

الرأي العام العالمي يقف مع الفلسطينيين ويستهجن الحرب، ومثلت المخيمات الطلابية في الولايات المتحدة وباقي الدول موجة مؤثرة أخرى من ضمن الحراك العالمي المساند للقضية الفلسطينية. في حين عجزت الإدارة الأمريكية، وهي أكبر داعم لإسرائيل في حربها، على تجنب الضغط الشعبي المتزايد عليها قبيل الانتخابات الرئاسية.

جوزيف بايدن يعلم أن حظوظه تتضاءل أمام خصمه اللذوذ دونالد ترامب، والذي تتكهن استطلاعات الرأي بإنه عائد إلى البيت الأبيض؛ وإن كان ذلك لن يعني تغيرا جوهريا في الموقف الأمريكي تجاه الملف، إلا أن التقديرات ترى بأن بنيامين نتنياهو يحاول كسب المزيد من الوقت لتجنب مواجهة الداخل والمحاسبة التي تنتظره، والمقامرة على تحقيق نصر وهمي في غزة يلوح به في وجه خصومه، وربما يعتقد أن صعود ترامب سيساعده أكثر على نيل ذلك.

وإذا كانت المقاومة في غزة قد نقلت المواجهة إلى مستوى آخر في هذه الأيام، فإن الأمر نفسه حدث في جبهة الشمال على الحدود مع لبنان، إذ تقول المعطيات بأن حزب الله اللبناني صعّد من عملياته العسكرية ضد الاحتلال، بل إن ربع “ربع القتلى على الجبهة الشمالية سقطوا في الشهر الماضي” حسب ما قاله الصهاينة أنفسهم.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

أمريكا

كيف عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

مدار: 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أعطى الناخبون الأمريكيون أصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، المعروف بتوجهاته اليمينية المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين. بهذا، يضمن