بسبب التغير المناخي.. كوكبنا الثمين في خطر ويجب أن نتصرف الآن

مشاركة المقال

مدار: 10 أيلول/ شتنبر 2021

أصبح واضحا الآن أنه كلما تمادت البشرية في تدمير البيئة ردت الطبيعة وبقوة، وسيكون على الإنسان أن يتحمل عواقب التدمير المنهجي للحياة، بتعريض ملايين الأنواع، ومن ضمنها الجنس البشري، لمخاطر قاتلة، وعلى رأسها الانقراض؛ بينما أصبح ملحا أن تصغي البشرية للنداءات الصارخة التي يصدرها علماء المناخ، قبل فوات الأوان الذي أصبح وشيكا.

انقراض الأنواع

أشار “مدار” في “البرقية الحمراء رقم 11” التي نشرها في حزيران/ يونيو الماضي إلى أن النظم الإيكولوجية تتعرض للتدمير بمعدل خطير. وحسب تقرير صدر سنة 2019 عن المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات للتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية فإن حجم الدمار هائل ومخيف، إذ يهدد الانقراض مليون نوع من أصل ثمانية ملايين من النباتات والحيوانات، وتسبب السلوك البشري في انقراض 680 نوعا على الأقل من الفقاريات منذ سنة 1500، وانخفضت أعداد أنواع الفقاريات بنسبة 68 بالمائة خلال الخمسين سنة الأخيرة، كما تراجعت وفرة الحشرات البرية بنسبة 50 بالمائة، وانقرض سنة 2016 ما يفوق 9 بالمائة من إجمالي سلالات الثدييات المدجنة التي تستعمل في التغذية والفلاحة، وتوجد اليوم ألف سلالة منها مهددة بالانقراض.

ونهاية أغسطس/ غشت من السنة الجارية، أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة تقريرا هو الأشمل من نوعه، يوضح أن تغير المناخ سريع الخطى وواسع الانتشار، ويزيد من حدة الظواهر المناخية، وأن الإنسان هو المسؤول عنه بدون شك.

وتشكل الوثيقة التي حررها مئات من أبرز علماء المناخ في العالم “نداءً صارخاً لاتخاذ إجراءات فورية لخفض غازات الاحتباس الحراري لمواجهة تغير المناخ المتسارع وغير المسبوق”.

ويشير التقرير الذي حمل عنوان: “تغير المناخ 2021: الأساس العلمي الفيزيائي” إلى أن “نطاق التغيرات المناخية الأخيرة لم يسبق له مثيل منذ آلاف بل مئات الآلاف من السنين”؛ كما يوضح أن “العديد من التغيرات الناجمة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الماضي والمستقبل ستستمر لفترة تتراوح بين مئات وآلاف السنين ولا يمكن عكس اتجاهها، وخاصة التغيرات في المحيطات والصفائح الجليدية ومستوى سطح البحر العالمي”.

ووفق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فإن الكوارث المرتبطة بالطقس تزداد على مدى السنوات الخمسين الماضية، مسببةً المزيد من الأضرار. ورغم تراجع أعداد الوفيات، إلا أن المؤشرات تهدد بكوارث غير مسبوقة.

سجلت مئات آلاف الوفيات وملايير الدولارات من الخسائر في خمسين عاما

ومنذ عام 1970 إلى عام 2019، تسببت 1695 كارثة مسجلة بإفريقيا في 731 747 حالة وفاة وخسائر اقتصادية قيمتها 38.5 مليار دولار أمريكي، وفق المنظمة ذاتها، مشيرة إلى أن إفريقيا تمثل  15 بالمائة من الكوارث المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه، و 35 بالمائة من الوفيات المرتبطة بها، و1 بالمائة من الخسائر الاقتصادية المبلغ عنها على مستوى العالم. ويبقى الجفاف أكبر متسبب في الوفيات في القارة السمراء، حيث كان وراء 95 بالمائة من إجمالي الأرواح التي فقدت في المنطقة.

وفي آسيا، التي سجلت 3454 كارثة خلال تلك الفترة، أزهقت أرواح 975622 شخصا، وأبلغ عن أضرار اقتصادية بقيمة 1.2 تريليون دولار أمريكي. وحسب الهيئة الأممية التابعة للأمم المتحدة، تمثل آسيا ما يقرب من ثلث (31 بالمائة) الكوارث المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه المبلغ عنها على الصعيد العالمي، بحيث كانت مسؤولة عما يقرب من نصف الوفيات (47 بالمائة)، وثلث (31 بالمائة) الخسائر الاقتصادية المرتبطة بها. وارتبط معظم هذه الكوارث بالفيضانات (45 بالمائة) والعواصف (36 بالمائة).

أما بأمريكا الجنوبية فكانت الكوارث العشر الأولى المسجلة في المنطقة السبب في 60 بالمائة من مجموع الأرواح التي فقدت، وتبلغ 34854، و38 بالمائة من الخسائر الاقتصادية (39.2 مليار دولار أمريكي). وتمثل الفيضانات 92 بالمائة من الظواهر في قائمة الكوارث العشر الأولى من حيث عدد القتلى، و41 بالمائة في قائمة الكوارث العشر الأولى من حيث الخسائر الاقتصادية.

وفي أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، سجلت 1977 كارثة، و 74839 حالة وفاة، وخسائر اقتصادية قدرها 1.7 تريليون دولار أمريكي، إذ كانت المنطقة تمثل 18 بالمائة من الكوارث المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه، و4 بالمائة من الوفيات المرتبطة بها، و45 بالمائة من الخسائر الاقتصادية المرتبطة بها في جميع أنحاء العالم على مدى السنوات الخمسين الماضية.

وحسب إحصائيات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سجلت منطقة جنوب غرب المحيط الهادئ 1407 كوارث، و65391 حالة وفاة، وخسائر اقتصادية قيمتها 163.7 مليار دولار أمريكي بين عامي 1970 و2019. وارتبطت معظم هذه الكوارث بالعواصف (45 بالمائة) والفيضانات (39 بالمائة)، كما تسببت العواصف في أكبر عدد من الوفيات (71 بالمائة).

وفي القارة الأوروبية سجلت 1672 كارثة 159 438 حالة وفاة وأضرارا اقتصادية قيمتها 476.5 مليار دولار أمريكي خلال الفترة ذاتها. وعلى الرغم من أن الفيضانات (38 بالمائة) والعواصف (32 بالمائة) كانت السبب الأكثر شيوعا في الكوارث المسجلة، فإن درجات الحرارة المتطرفة كانت مسؤولة عن أعلى عدد من الوفيات (93 بالمائة)، مع حدوث 148109 حالات وفاة على مدى الخمسين عاماً.

ووفق المصدر نفسه، كانت موجتا الحر المتطرفتان عامي 2003 و2010 مسؤولتين عن أكبر عدد من الوفيات (80 بالمائة)، إذ توفي 127946 شخصاً في الظاهرتين، في حين كانت موجة الحر عام 2003 مسؤولة عن نصف الوفيات في أوروبا (45 بالمائة) مع حدوث ما مجموعه 72210 حالات وفاة داخل البلدان الأوروبية المتضررة البالغ عددها 15.

الضرر هائل ويجب التصرف قبل فوات الأوان

 أجرت المجلة الأكاديمية الأميركية المختصة بمراقبة المناخ “Nature Climate Change”، التي تمتلك سلسلة من مراصد التتبع والمراقبة في الكثير من أنحاء العالم، دراسة أشرف عليها العالم البيئي إيريك فيشر، بمساعدة أكثر من 20 خبيرا عالميا، وبينت أن مجمل الأحداث الاستثنائية في مختلف البيئات العالمية هي “استجابة طبيعية لارتفاع درجة الأرض، التي تتجاوز كل 10 سنوات كل التوقعات التي كانت مرصودة لها من قبل”، وفق ما نقلته “سكاي نيوز عربية“.

وأوضح المصدر ذاته أنه حسب أفضل التوقعات “لو التزمت مختلف بلدان العالم بالتحذيرات التي يصدرها العلماء، بالذات في مجال الانبعاثات الكربونية والاهتمام بالبيئة الطبيعية وترشيد الاستخدام المفرط للموارد، فإن طقس العالم سيكون بعد 8 عقود من الآن، أي خلال العام 2100، أحر من الآن بثلاثة درجات مئوية على الأقل”.

ومن شأن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بهذه الوتيرة أن يؤدي إلى ذوبان نصف الجليد الذي يغطي القطبين الجنوبي والشمالي، ما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر واختفاء العديد من المدن البحرية في جميع أنحاء الأرض؛ والنتيجة أن جميع مناطق الأرض التي لا يزيد ارتفاعها عن 2 متر فوق متوسط مستوى سطح البحر ستكون بحكم الأرض الغارقة في البحر. وتقدر تلك المساحة بحدود 650 ألف كيلومتر مربع، وستختفي من المساحة المسكونة من العالم في ذلك التاريخ. وسيلحق الضرر سكان هذه المناطق الذين يقدرون حاليا بحوالي 267 مليون نسمة، يسكن 72 بالمائة منهم في المناطق الإفريقية والآسيوية الأكثر فقراً على مستوى العالم.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في التقرير الذي صدر في 31 أغسطس/ غشت 2021، إن تركيز ثنائي أكسيد الكربون بلغ مستويات غير مسبوقة منذ مليوني سنة على الأقل، أما ارتفاع مستوى سطح البحر فبلغ معدلات متسارعة لم تسجل منذ 3000 سنة على الأقل؛ أما مستوى الجليد البحري في القطب الشمالي فبلغ مستويات منخفضة لم تعهد منذ ألف سنة، في حين أن تراجع مستوى الجليد بلغ نسبا منخفضة لم يسبق لها نظير منذ 2000 سنة على الأقل.

وسيستمر الاحترار إلى ما بعد عام 2040، أي خلال الفترة المتبقية من القرن. وقد تزداد درجات الحرارة بحلول عام 2100 من 3 إلى 6 درجات مئوية (5.5 إلى 11 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، في حين يحذر العلماء من أن ذلك ستكون له عواقب كارثية.

 الهيئة الأممية أشارت إلى بصيص أمل، إذ من شأن التخفيضات الشديدة والسريعة وواسعة النطاق للانبعاثات، ابتدءاً من الآن، أن تحد من الاحترار إلى ما بعد عام 2050. ووضع ضمن السيناريوهات الأكثر إيجابية احتمال تحقيق هدف “صافي صفر” انبعاثات إلى عودة الاحترار المناخي إلى ما يقل قليلاً عن 1.5 درجة مئوية في النصف الثاني من القرن الحالي.

الرأسمالية عدوة البيئة

أوضحت “البرقية الحمراء“، الصادرة عن “معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي” أن النظم الإيكولوجية تتعرض للتدمير بوتيرة أسرع في ظل النظام الرأسمالي الذي يكثف التلوث وطرح النفايات، ويقضي على الغابات ويستغل الأراضي بشكل مغاير لطبيعتها، بالإضافة إلى أنه يستعمل النظم الطاقية المعتمدة على الكربون الطبيعي.

وأوردت الوثيقة ذاتها أن المبدأ السابع لإعلان الأمم المتحدة المتعلق بالبيئة والتنمية الصادر سنة 1992، والذي اتفق عليه المجتمع الدولي، ينص على “المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة” التي تحث جميع الدول على تحمل “مسؤوليات مشتركة” في نقص الانبعاثات؛ لكنها تقر بكون الدول المتقدمة تتحمل مسؤوليات “متباينة” أكبر بحكم الحقيقة التاريخية المتمثلة في مساهمتها الكبيرة في تراكم الانبعاثات العالمية التي تسبب التغير المناخي.

وتبين معطيات مشروع الكربون العالمي، التابع لمركز تحليل معلومات ثاني أكسيد الكربون، أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل أكبر مصدر لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون منذ سنة 1750. كما تشكل الدول الصناعية والكولونيالية تاريخياً أكبر مصدر لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون، خصوصاً الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ القرن الثامن عشر، لم تصدر فقط هذه الدول الجزء الأكبر من الكربون في الغلاف الجوي، بل تواصل أيضاً تجاوز حصتها من ميزانية الكربون على المستوى العالمي بالمقارنة مع عدد السكان. وتتحمل الدول الأقل مسؤولية في الكارثة المناخية، مثل الدول المشكلة من جزر صغرى، أعنف الضربات المتعلقة بالنتائج الكارثية لهذه الانبعاثات، وفق ما أشرنا إليه سابقا.

وترى مبادرة “الأسبوع العالمي من أجل مناهضة الإمبريالية” أن الاستنزاف والاستغلال غير المقيد للموارد الطبيعية في سبيل الربح من قبل الشركات الكبرى، ومن خلال منطق النظام الرأسمالي، يؤدى إلى استنزاف واستنفاذ كوكبنا.

وأوضحت الهيئة التي تضم ضمن مكوناتها العديد من الهيئات والشبكات التقدمية أنه رغم المغامرات التي نقودها في الفضاء، إلا أننا كبشر لا نملك في الوقت الحالي سوى كوكب واحد نسميه منزلنا، كما أن بقاءنا يعتمد بشكل أساسي على بقاء جميع الكائنات الحية التي تعيش على الكوكب، من نبات وحيوان.

وحسب هذه الشبكات، أصبح من الملحّ النهوض الجماعي للحركات الشعبية والمناضلة من أجل الدفاع عن الحق في الحياة على سطح كوكب الأرض، وعدم الاستسلام للشركات العابرة للقارات التي لا تضع ضمن أولوياتها الحفاظ على البيئة بقدر ما تسارع من أجل استنزاف موارد الأرض واحدة تلو الأخرى، ومراكمة الأرباح الطائلة، دون أن تكون شعاراتها الرنانة ورموزها الخضراء كافية لإخفاء وجهها الخفي، المعادي للطبيعة والحياة.

ويشدد الموقعون على “البرقية الحمراء” على ضرورة المضي نحو صفر انبعاثات كربون، إذ يجب على دول العالم بقيادة مجموعة العشرين (التي تنتج 78 في المائة من انبعاثات الكربون في العالم) أن تضع خططاً واقعية للانتقال إلى معدل 0 من انبعاثات الكربون، وهو ما يتطلب بشكل عملي الوصول إلى  0 من انبعاثات الكربون بحلول 2050.

ناهيك عن ضرورة خفض التواجد العسكري الأمريكي، إذ يشكل الجيش الأمريكي لوحده أكبر مؤسسة منتجة لغازات الاحتباس الحراري. كما سيمكن خفض التواجد العسكري الأمريكي من المشاكل السياسية والبيئية بشكل كبير.

ومن الواجب تقديم تعويضات بخصوص المناخ للدول النامية، بحيث تسهر الدول المتقدمة على منح تعويضات عن الخسائر والأضرار التي سببتها انبعاثاتها للمناخ؛ ويطلب من الدول التي لوثت المياه والتربة والهواء والنفايات السامة والخطيرة، بما فيها النفايات النووية، تحمل مصاريف التنظيف، وأن توقف إنتاج واستعمال النفايات السامة.

وأصبح ضروريا تزويد الدول النامية بالتمويل والتكنولوجيا اللازمة للتخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول المتقدمة أن تمنح 100 مليار دولار سنوياً من أجل سد حاجيات الدول النامية للتخفيف والصمود في وجه الأثر الكارثي لتغير المناخ، توضح الوثيقة ذاتها.

ويأتي التركيز على ضرورة دعم الدول النامية، خصوصا ذات الاقتصاديات الضعيفة والضعيفة جدا، بالإضافة إلى الجزر الصغيرة، لأنها الأكثر تضررا بالتغيرات المناخية، وهي التي تتحمل الوزر الأكبر منها.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة