دراسات تدق جرس الإنذار بشأن استفحال أزمة العطش في المنطقة المغاربية والعربية

مشاركة المقال

مدار: 10 أيلول/ شتنبر 2021

أظهرت دراسة نشرت في 2015 أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفقد بشكل تصاعدي احتياطها من المياه العذبة، وهي عبارة عن تقرير شاركت فيه كل من وكالة ناسا، ومركز إيرفن بجامعة كاليفورنيا، وحمل إحصائيات مقلقة عن كميات ومعدلات فقدان المياه في المنطقة.

وأظهرت النتائج التي تناولت التغيرات في الفترة بين عامي 2003 و2009، مدعومة ببيانات الاستشعار عن بعد والنماذج المأخوذة من سطح الأرض، تقلص حجم احتياطي المياه العذبة بالمنطقة بـ 143.6 كيلومترات مكعبة خلال السنوات السبع التي استغرقتها الدراسة، ما يعادل مساحة البحر الميت تقريبا.

كما كشفت النتائج ذاتها أن الاستنفاد المهول الذي عرفته المياه جوفية كان أحد الأسباب الأساسية في هذا النقص، إذ إن 60% مما تم فقدانه من مياه عذبة كان مصدرها الفرشات المائية الجوفية.

“يونيسف” تحذر من الوضع في لبنان

 أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تحذير لها في 21 من غشت/ أيار إلى أن لبنان متجه نحو منحى ينذر بظهور خطر عدم تمكن اللبنانيين من الوصول إلى خدمات المياه الأساسية خلال الأيام المقبلة، ما من شأنه أن يؤثر حسب التحذير على أكثر من 4 ملايين شخص في البلاد.

وجاء التحذير من العطش في لبنان لينضم إلى أزمات الغذاء والكهرباء والبنزين والاضطرابات السياسية والاقتصادية. وقالت المديرة التنفيذية لـ”يونيسف”، هنرييتا فور، في بيان، إنه “في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة، سيواجه أكثر من 4 ملايين شخص في جميع أنحاء لبنان، معظمهم من الأطفال والعائلات الأكثر هشاشة، احتمال تعرضهم لنقص حاد في المياه أو انقطاعهم التام عن إمدادات المياه الصالحة للشرب في الأيام المقبلة”.

وكان رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة مياه لبنان الشمالي، خالد عبيد، عبر في لقاء صحافي عن أن الوضع “مأساوي”، لافتا إلى أن “انقطاع المياه يهدد لبنان من أقصاه إلى أقصاه”، وزاد: “يونيسف جدية في معلوماتها، ولولا وقوفها إلى جانب لبنان لما كنا تمكنا من الاستمرار في تأمين مياه الشرب خلال الأشهر العشرة الماضية”.

ويعاني لبنان من انهيار اقتصادي ترك أكثر من نصف سكانه في حالة فقر، كما أدت الأزمة الاقتصادية إلى نقص حاد في الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والملبس والأدوية والوقود. في المتوسط، تكلف المواد الغذائية اليوم حوالي 10 مرات أكثر مما كانت عليه في عام 2019.

بدون كهرباء لتشغيل مضخات المياه وأموال للصيانة، أصبح نظام إمدادات المياه العامة مهددا أكثر فأكثر بالانهيار. وقدرت “اليونيسف” أن تكاليف المياه يمكن أن تزيد بنسبة 200 في المائة شهريا في ظل تداعي النظام العام، بسبب تأمين المياه عن طريق مورديها البديلين أو الخاصين. وقالت وكالة الأمم المتحدة إنها بحاجة إلى 40 مليون دولار سنويا لتأمين الحد الأدنى من مستويات الوقود والكلور وقطع الغيار والصيانة اللازمة للحفاظ على تشغيل الأنظمة الحيوية.

تونس بين جفاف السدود واحتكار المياه

تعاني تونس منذ الثورة من عدم وضوح رؤية متعلقة بتوفير الأمن، الأمر الذي جعل العديد من المناطق تعيش العطش في تهديد لحيوات ساكنيها؛ كما أن تزايد السكان في ظل انخفاض معدلات هطول الأمطار في السنوات الأخيرة من جهة، والممارسات الفلاحية غير المراعية للتغيرات المناخية، وسوء التصرف في توزيع المياه واستنزاف مخزون السدود من جهة أخرى، أدى إلى تصحّر الأراضي وازدياد وضع الماء إلحاحا، وصراع الأهالي من أجل البقاء في ظلّ عجزهم عن تلبية احتياجاتهم من مستوى الشرب والري وعدة أنشطة حياتية أخرى ترتبط بالماء.

وكان قد صرح وزير الفلاحة السابق سمير بالطيب بأن تونس تعيش تحت عتبة الفقر المائي بسبب تراجع التساقطات بنسبة 28℅، وانخفاض نسبة احتياطي الماء منذ سنة 2016 بما يقارب 25℅. وهذا ما تجلى في أن معظم حوادث انقطاع الماء الصالح للشراب كانت في المناطق الغنية بالمياه السطحية، من قبيل الكاف، بنززرت، جندوبة وباجة، التي سجلت قرابة 40 حادثة مماثلة في حين أنها توفر 74℅ من الإيرادات السنوية من المياه السطحية. ويعود سبب الأزمة في حقيقة الأمر إلى توجه الدولة إلى توفير 4/3 من الاحتياجات المائية من المياه السطحية، والمتركزة في شمال البلاد وغربها.

وكانت السلطات المعنية صرحت في وقت سابق بأن منسوب المياه في السدود شهد انخفاضا كبيرا هذا العام، لم تشهد تونس مثله في العقد الأخير، وهذا ما لوحظ من خلال الانقطاع المتكرر للمياه طيلة الصيف الحالي.

ويضاف إلى الانخفاض المهول في التساقطات، انخفاض في جودة المياه الصالحة للشرب في تونس، بحيث في كثير من المناطق يعتبر استعمالها بمثابة مخاطرة غير محسوبة العواقب، الأمر الذي فتح الباب أمام شركات المياه التي عرفت نموا كبيرا، وفي الوقت نفسه شهدت أسعار هذه المياه زيادات متواصلة دون أن يكون هناك تنظيم من قبل السلطات المعنية ليوضع الشعب التونسي بين يدي المضاربين.

تكالب الأزمات على ليبيا والمياه آخرها

في وقت تعيش ليبيا على وقع مفاوضات وتجاذبات من أجل تشكيل حكومة جديدة متفق عليها، ترك الشعب الليبي ضحية لأزمة تضاف إلى الأزمات التي توالت عليه، مع مؤشرات متواترة على دخول الأمن المائي للبلاد مرحلة الخطر، بسبب تكرر الاعتداءات على آبار المياه التابعة لجهاز النهر الصناعي الذي يغذي أغلب سكانها بالمياه الصالحة للشرب، وظهور مشكلات فنية في أنابيب الإمداد الممتدة من عمق الصحراء إلى مناطق الوسط والشمال.

وتعتبر هذه المعضلة بمثابة أزمة إضافية لسلسلة أزمات، خصوصاً في القطاع الخدماتي، في مقدمها معضلة الكهرباء التي شكلت صداعا مزمنا لمختلف من توالوا على إدارة البلاد، وفشلوا تماما في إدارة هذه الملفات المترابطة.

ويعتبر النهر الصناعي، وهو مشروع ضخم وضع حجر أساسه الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 1984، المصدر الأساس لنقل المياه الجوفية إلى المناطق الزراعية في الشمال، وقد كلف حوالي 35 مليار دولار حسب الإحصائيات الرسمية.

ويتكون المشروع من 1300 بئر عميقة، أغلبها بعمق 500 متر. وتمتد الأنابيب لمسافة 4000 كيلومتر في ست منظومات من الجنوب الشرقي والغربي إلى الشمال، لنقل 6 ملايين متر مكعب من المياه يومياً إلى المدن الرئيسة الكبرى، مثل الزاوية وطرابلس وبنغازي وطبرق وسرت وإجدابيا.

لكن، وبسبب الاستنزاف الكبير للمياه في الجنوب بفعل المشروع أصبحت تعاني معظم تلك المناطق من نقص مهول في المياه، مع تعرض واحات كبيرة للجفاف، وهو الأمر الذي كان قد حذر منه بعض الخبراء الذين كانوا يدعون إلى اللجوء إلى مصادر بديلة، كالتحلية، من أجل معالجة مشكل نقص المياه، خصوصا في ظل توفر ليبيا على احتياطات مهمة من النفط قد تسهل هذه العملية.

وبسبب الوضع الذي تعيشه البلاد، الأسباب الفنية ليست الخطر الوحيد الذي يهدد أهم مصدر للمياه في ليبيا (النهر الصناعي)، بل يشمل تعرض المشروع لعدد من الاعتداءات على المنظومات المختلفة والآبار، من قبل مجموعات خارجة عن القانون بهدف السرقة، أو بعض الأهالي بهدف إجراء توصيلات خاصة، ما تسبب في قطع المياه أكثر من مرة على عدد من المدن والقرى، على رأسها العاصمة طرابلس.

وكانت إدارة الجهاز المكلف بالنهر الصناعي حذرت مرارا من خطر هذه الاعتداءات على معدلات تدفق المياه في رحلتها الطويلة باتجاه الشمال، وذكرت باحتمال توقف الضخ بشكل نهائي مع تكررها. وفي أحدث هذه البيانات أعلنت في منتصف يوليوز/ تموز الماضي “حدوث اعتداء على العديد من الآبار، تم خلاله تخريب المعدات والأجهزة الكهربائية، وقطع الكوابل داخل غرف التحكم بالآبار، ما نتج عنه خروج هذه الآبار من الخدمة نهائيا”؛ كما كشفت أن إجمالي عدد الآبار المعتدى عليها بلغ 174 بئرا، تمت صيانة 29 منها وإعادتها للخدمة، في حين خرجت بقية الآبار عن الخدمة نهائيا بسبب حجم التخريب والتدمير لمكوناتها.

المغرب..عدم وجود إستراتيجية لمعالجة شح المياه يؤزم الوضع

مع حلول كل صيف تطفو في المغرب مشاكل متعلقة بضعف التزود بالمياه وانقطاعها بشكل متكرر، الأمر الذي دفع بعض الجمعيات والمنظمات إلى دق ناقوس الخطر، خصوصا في ما يتعلق بمعاناة سكان المناطق الجنوبية في البلاد من نقص حاد في المياه، مطالبة الجهات المسؤولة بالتدخل العاجل لإنقاذ المواطنين من العطش.

وتعتبر المناطق الصحراوية من ضمن المناطق الأكثر تضررا، حيث شهدت بعض المدن احتجاجات متواصلة بسبب انقطاع المياه في فترة تشهد ارتفاعا مهولا في درجة الحرارة. ويرجع معظم المطلعين على الوضع السبب إلى سوء إدارة الموارد المائية.

وفي حين أن المناطق الصحراوية تعيش نقصا كبيرا في التساقطات المطرية، يلاحظ السكان عدم اعتماد السلطات أي استراتيجيات لمعالجة الوضع، واعتماد سياسات تدبيرية عشوائية، فمدينة كزاكورة مثلا، حيث خرجت تظاهرات متواصلة، تعيش فراغا مؤسساتيا، أي لا توجد جهة تدبر الشأن المائي، وحتى وكالة الحوض المائي توجد على بعد بألف كيلومتر، ما يجعل الوضع كارثيا.

وبالإضافة إلى نقص المياه، لوحظ في السنوات الحالية لجوء كبار المسيطرين على الأراضي الفلاحية إلى زراعات تستنزف المياه بشكل كبير، ولا تتلاءم مع طبيعة المنطقة، كزراعة البطيخ والأفوكا، دبينما اتخذت الدولة موقع الحياد السلبي.

ويضاف إلى كل ما سبق تعاقب تقارير إعلامية حول رغبة الدولة في تحويل بعض الأراضي إلى مستثمرين إسرائيليين، من أجل زراعات معروفة باستلزامها الحاد للمياه، الأمر الذي يراه كثيرون خطوة في اتجاه تكريس الاستنزاف، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الوضع في فلسطين المحتلة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة