المراسلة 21: عندما رقص لينين على الثلج احتفالاً بكمونة باريس والجمهورية السوفيتية

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 22 حزيران/ يونيو 2021

فيجاي براشاد

خورخي لويس رودريغيز أغيلار (كوبا)، كومونة باريس 150، 2021.

انهارت كومونة باريس، قبل مائة وخمسين عاماً، في 28 مايو/أيار 1871 بعد 72 يوماً على تأسيسها. لقد أسس عمال باريس الكومونة في 18 مارس/آذار، بناء على موجة التفاؤل الثوري التي اجتاحت شواطئ باريس أول مرة في 1789، ثم مجدداً في 1830 و1848. كان الدافع المباشر للكمونة هو انتصار بروسيا على فرنسا في حرب عديمة الجدوى. وشكل الجنرالات والساسة في باريس الجمهورية الثالثة (1870-1940) بعد يومين من استسلام الإمبراطور نابليون الثالث لهيلموت فون مولتك؛ لكن لم يتمكن هؤلاء– أمثال الجنرال لويس جول تروشو (رئيس حكومة الدفاع الوطني، 1870-1871) وأدولف تيير (رئيس فرنسا، 1871-1873) – من السيطرة على تيار التاريخ، فقد قام أهالي باريس بتنحيتهم جانباً وشكلوا حكومتهم الخاصة، بعبارة أخرى، أسسوا كومونة باريس الأسطورية. 

توجهت جميع الأنظار نحو باريس رغم أنها لم تكن الموقع الوحيد الذي شهد انتفاضة كهذه من قبل العمال والحرفيين. ورغم أن عمال صناعة السكاكين في تيير وعمال الحرير في ليون سيطروا على مدنهم لفترة وجيزة (ساعات فقط في تيير)، إلا أنهم شعروا مع ذلك بأن فشل الحكومة البرجوازية يجب أن تقابله حكومة عمال. كانت أجندات العمال متنوعة، وقدرتهم على تنفيذها متباينة، لكن ما وحد كومونة باريس مع هذه التمردات في جميع أنحاء فرنسا، ومع كثيرين آخرين حول العالم، كان الادعاء بأن عمال الحرير وعمال السكاكين والخبازين والنساجين يمكنهم أن يحكموا المجتمع بدون قيادة البرجوازية. لقد كان واضحاً للطبقة العاملة في باريس بحلول 1870 أن السياسيين والجنرالات البرجوازيين قد أرسلوهم للموت في ساحات القتال في سيدان واستسلموا للمطالب البروسية، ثم جعلوا الطبقة العاملة تدفع تكاليف الحرب. كان على العمال أن ينتشلوا حطام باريس بأيديهم. 

جنينة محمد (الهند)، كومونة باريس 150، 2021

 

كتب ماركس بعد أسابيع قليلة من هزيمة كومونة باريس كتيباً موجزاً عن تجاربها للمجلس العام للجمعية الأممية للشغيلة. قيّم هذا النص بعنوان “الحرب الأهلية في فرنسا Der Bürgerkrieg in Frankreich” الانتفاضة على حقيقتها، أي باعتبارها تجليا بارزا لإمكانية قيام مجتمع اشتراكي، وأهمية قيام هذا المجتمع بتأسيس هياكل الدولة الخاصة به. أدرك ماركس الذي فهم جيداً حركة التاريخ أن الديناميكية التي بدأت مع ثورة 1789، والتي قامت بها كومونة باريس عام 1871، لا يمكن أن تتوقف على الرغم من المذبحة التي ارتكبتها البرجوازية عندما استعادت باريس. لم تعد التسلسلات الهرمية القديمة الموروثة من الماضي والتسلسلات الهرمية الجديدة التي شكلتها الرأسمالية تُحتمل من قبل الروح الديمقراطية.

لقد نهضت من رماد كومونة باريس التجربة التالية للديمقراطية الاشتراكية، التي كان من المرجح أن تفشل، ومنها نهضت التجربة التالية. وُلدت مثل هذه التجارب، التي روجت لها الأممية، من تناقضات المجتمع الحديث.. يقول ماركس: “لا يمكن القضاء عليها بأي قدر من المذابح، للقضاء عليها سيتعين على الحكومات القضاء على استبداد رأس المال بالعمال- أي شروط الوجود الطفيلي للرأسمالية”.

فيلاني إي. ملونجو (جنوب إفريقيا) ، كومونة باريس 150، 2021

 

تبقى كومونة باريس 1871 مهمة للغاية لخيالنا السياسي، وتشكل دروسها جزءاً ضرورياً من مسيرتنا اليوم. ولهذا السبب اجتمع سبعة وعشرون ناشراً – من إندونيسيا إلى سلوفينيا إلى الأرجنتين – لإنتاج الكتاب التذكاري “كومونة باريس 150″، والذي أصبح متاحاً للتحميل بثماني عشرة لغة من خمس عشرة دولة منذ 28 مايو/ أيار. يجمع الكتاب مقالة ماركس ومناقشتها من طرف فلاديمير لينين (من الدولة والثورة، 1918)، ومقالين توضيحيين عن سياق وثقافة الكومونة لي أنا، ولتينغ تشاك، المصممة الرئيسية والباحثة في معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي.

غادر فلاديمير لينين عام 1918، في اليوم الثالث والسبعين لثورة أكتوبر والجمهورية السوفيتية، مكتبه في معهد سمولني (بتروغراد) ورقص في الثلج. لقد احتفل بحقيقة أن التجربة السوفيتية تجاوزت مدة تجربة كومونة باريس. بعد خمسة أيام، خاطب لينين المؤتمر السوفييتي الثالث لعموم روسيا، حيث قال إن كومونتهم تجاوزت تلك التي كانت في باريس سنة 1871 “بسبب الظروف الأكثر ملاءمة” التي تمكن فيها “الجنود والعمال والفلاحون الروس من تأسيس الحكومة السوفيتية”.. لم يبقوا على الدولة القيصرية القديمة بعاداتها القمعية، بل أنشأوا بدلا من ذلك “نظاماً جديداً أبلغ العالم بأسره بأساليبهم في النضال”. لقد تضمنت هذه الأساليب رسم الطبقات الرئيسية المختلفة “الفترة الانتقالية الطويلة والصعبة إلى حد ما” اللازمة لتشكيل مجتمع اشتراكي. إن كل هزيمة، سواء لكومونة باريس في 1871 ولاحقاً للاتحاد السوفيتي، هي مدرسة للطبقة العاملة. فكل محاولة لبناء الاشتراكية تعلمنا دروساً لتجربتنا القادمة. هذا هو السبب وراء تقديمنا هذا الكتاب إليكم ليس في اليوم الأول للكومونة، بل في يوم هزيمتها، يوم التأمل في الكومونة نفسها وفي الدروس التي انبثقت عنها.

صورة: يوم الكتب الحمراء

 

يشكل كتاب كومونة باريس 150 أحدث ثمرة لمجموعة غير رسمية تسمى الاتحاد الدولي للناشرين اليساريين (IULP)، انبثقت عن محادثة في نيودلهي بين الناشرين اليساريين في الهند. وقد قررنا أوائل عام 2019 مواجهة الهجوم على الكتاب والناشرين اليساريين من خلال تخصيص يوم للاحتفال بمساهمات “الكتب الحمراء”. لقد دعونا، بانضمام ناشرين من أمريكا الجنوبية (اكسبريسو بوبولار في البرازيل و باتبلا دي إيدياس في الأرجنتين)، إلى قراءات عامة للبيان الشيوعي تعقد في 21 فبراير/ شباط، وهو يوم نشر البيان في 1848. ولأن 21 فبراير/ شباط يصادف اليوم العالمي للغة الأم، قررنا أن ندعو الناس إلى قراءة البيان بلغاتهم الخاصة. اجتمع عشرات الآلاف مع بعضهم البعض في 2020 و2021 علناً وعلى الإنترنت لإحياء ذكرى “يوم الكتب الحمراء” عبر قراءة البيان الشيوعي ومناقشة هذا النص النابض بالحياة. ونأمل أن يصبح هذا اليوم، شأنه شأن الأول من مايو/أيار، جزءاً من التقويم الثقافي لحركات الشعوب.. 

قادت تجربة يوم الكتب الحمراء 2020 مجموعة النشر لدينا إلى المزيد من المشاريع، مثل النشر المشترك للكتب الخاصة. وقد أصدر الاتحاد الدولي للناشرين اليساريين حتى الآن ثلاثة من هذه الكتب المشتركة، بالإضافة إلى كومونة باريس 150:

لينين 150. قامت ثلاث دور نشر (باتيلا دي إيدياس واكسبرسو بوبولار وليفت ورد بوكس) إلى جانب معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 22 أبريل/ نيسان 2020 الذي يصادف الذكرى الـ150 لميلاد لينين، بتجميع مجموعة من نصوصه، إضافة إلى قصيدة فلاديمير مايكوفسكي عام 1924 إلى لينين ومقال تمهيدي، ونشرت باللغات الإنجليزية والبرتغالية والإسبانية

مارياتغي. جمعت ست دور نشر (الثلاث السابقة بالإضافة إلى بهاراتي بوثاكالايام وتشينثا للنشر ووفام براكاشان) في 14 يونيو/ حزيران 2020، الذي يصادف ميلاد الماركسي البيروفي خوسيه كارلوس مارياتغي، ثلاثة مقالات رائعة له في كتاب مع مقدمة للماركسي البرازيلي فلورستان فرنانديز، ومقدمات من لوسيا ريارتيس ويايل أرديليس من مدرسة خوسيه كارلوس مارياتغي.

تشي. اجتمع عشرون ناشراً في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، يوم اغتيال إرنستو تشي غيفارا، لإنتاج طبعة جديدة من مقالتين رئيسيتين لتشي (“الإنسان والاشتراكية في كوبا” و”رسالة إلى القارات الثلاث”)، بالإضافة إلى مقالات لماريا ديل كارمن أريت غارسيا (منسقة الأبحاث في مركز دراسات تشي غيفارا) وإيجاز أحمد (الزميل الرئيسي في معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي). 

استخدمت جميع دور النشر الغلاف نفسه لهذه الكتب. أما في ما يخص كومونة باريس 150 فقد قررت دائرة الفن عقد “مسابقة غلاف”؛ قدم فيها 41 فنانا من 50 بلدا أعمالهم للغلاف. ونحن نقيم معرضاً على الإنترنت للأعمال الواحد والأربعين، وهو ما يقارب عدد الفنانين السبعة والأربعين الذين اجتمعوا داخل الكومونة لتأسيس اتحاد الفنانين عام 1871.

لقد استوقفتنا صورتان كأفضل خيارين للكتاب. الغلاف هو من إعداد الفنان الكوبي خورخي لويس رودريغيز أغيلار، رئيس قسم الغرافيك والفنون الرقمية في أكاديمية سان أليخاندرو الوطنية للفنون الجميلة في هافانا. والغلاف الخلفي من إعداد جنينة محمد من ولاية كيرالا من اتحاد طلاب الهند ومجموعة الفنانين الاشتراكيين الشباب. إنه لمن المناسب أن يكون الفنانان من كوبا ومن ولاية كيرالا، وهما مكانان يصدح فيهما أزيز تجربة الكومونة.

حدثت انتفاضات في المستعمرات الفرنسية في الجزائر وكاليدونيا الجديدة بعد وقت قصير من كومونة باريس. وفي كلا المكانين، كان مثال كومونة باريس بالغ الأهمية. لقد غنى كل من محمد المقراني الذي قاد انتفاضة العرب والقبائل في مارس 1871، وعطاي، الذي قاد انتفاضة الكاناك في كاليدونيا الجديدة عام 1878، أغاني الكومونيين قبل أن يسقطوا أمام بنادق الفرنسيين. مزقت لويز ميشيل، التي سُجنت في كاليدونيا الجديدة لدورها في كومونة باريس، وشاحها الأحمر إلى أجزاء وتقاسمته مع متمردي الكاناك. وفي ما يلي ما كتبته عن قصص الكاناك:

“راوي الكاناك، إذا كان في حالة معنوية عالية وإذا لم يكن جائعاً، وإذا كان الليل جميلا، يضيف إلى الحكاية، ويضيف آخرون المزيد من بعده، وتمر الأسطورة نفسها عبر أفواه مختلفة وقبائل مختلفة، وتصبح أحياناً شيئاً مختلفاً تماماً عما كان عليه في البداية”.

نحن نروي قصة كومونة باريس كما روى الكاناك قصصهم: الأسطورة التي نمت من اثنين وسبعين يوماً، وتوسعت إلى السوفييت وكومونة غوانزو عام 1927، أصبحت شيئاً مختلفاً تماماً وأكثر اختلافا، بل وأكثر جمالا.

تحافظ الكومونة على شحنة سياسية كهربائية في عصرنا. لقد لعبت الكومونات التي تم تشكيلها في الباريوس (“الأحياء”) في فنزويلا دوراً مركزياً في تكوين الأفكار الجديدة والقوى المادية التي تدفع المجتمع نحو الأمام. وفي جنوب إفريقيا، قدمت الإدارة الذاتية الديمقراطية في كومونة معتصمة خنانة (eKhenana) في دربان، والتي تواجه قمعاً مستمراً، خدمات اجتماعية وأقامت مشاريع زراعية، وبنت مدرسة سياسية يستخدمها النشطاء في جميع أنحاء البلاد.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة