كينيث كاوندا: المناضل الأممي

مشاركة المقال

مدار: 22 حزيران/ يونيو 2021

ميكايلا نوندو إرسكوغ*

بقي طي الكتمان الدور المحوري الذي لعبه كينيث كاوندا في تأسيس زامبيا المستقلة، كجزء أساسي من كفاحه الأفريقاني والأممي..

كينيث كاوندا مع أنصار حزب الاستقلال المتحد الوطني

في ديسمبر 1964، ألقى الرئيس الزامبي المنتخب حديثا كينيث كاوندا خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد من خلاله التزامه ببناء جبهات مناهضة للاستعمار والإمبريالية وسيرورات لإنهاء الاحتلال، ودعا إلى الاعتراف بالصين كدولة عضو، وأعلن أن “الأمم المتحدة جيدة، بقدر ما نضعها نحن الدول الأعضاء في خدمة الإنسانية”، خاتما كلمته بالتأكيد على أن “الطريق الحقيقي نحو علاقات منسجمة والسلام العالمي يكمن في التركيز على البشر وتحقيق روح الإخاء وتلبية الحاجات الإنسانية”.

وعلى خلفية وفاته في الـ 17 حزيران/ يونيو من السنة الجارية، نستحضر بعض مساهمات كينيث كاوندا في خدمة الشعوب المضطهدة والمستغلة.

الوحدة القارية

واجهت الدعوة إلى الوحدة الإفريقية العديد من التحديات خلال سنوات الستينيات، فبحلول سنة 1961، جرى اغتيال أحد رموز التحرير الوطني باتريس لومومبا، وخلال سنة 1963، كانت منظمة الوحدة الإفريقية منقسمة أيديولوجيا بين مجموعة الدار البيضاء (غانا، غينيا، مالي، ليبيا، مصر، المغرب والجزائر) التي دعت إلى اندماج قاري جذري وشامل، ومجموعة مونروفيا (نيجيريا، تونس، إثيوبيا، ليبيريا، السودان، توغو والصومال) التي اقترحت نهجًا معتدلًا للوحدة (التوحيد) يتم إنجازه عبر خطوات تدريجية، ومجموعة برازافيل (تضمنت العديد من البلدان الفرانكفونية بقيادة السنغال وساحل العاج)، التي ظلت مرتبطة بمصالح فرنسا.

وفي غانا التي كانت بمثابة مركز النضال الأممي الثوري المناهض للإمبريالية إقليميا وأمميا، تلقى هذا البلد ضربة موجعة بعد أن أطاح الانقلاب المدعوم من طرف جهاز المخابرات المركزي الأمريكي CIA  بكوامي نكروما من منصبه سنة 1966. وباستثناء الجزائر شمالا، وبعض الحماية التي وفرتها غينيا كوناكري لجيرانها المباشرين في الغرب الإفريقي، عانى النضال ضد الاستعمار في القارة السمراء من فراغ سياسي كبير.

في هذا السياق، تقدم كاوندا وغنى “Tiyende pamodzi” (دعونا نسير معا)، الأغنية التي كانت بمثابة صرخة هدارة تدعو إلى وحدة النضال.

وعلى المستوى القاري، باعتباره زعيما للدولة التي كانت توصف بأنها تقف في الصف الأمامي للمواجهة مع الاستعمار، كان كاوندا يؤمن بأنه لا يمكن لأي إفريقي أن يمشي بحرية في شوارع دولته المستقلة ما دام الأفارقة الآخرون تحت وطأة الاحتلال؛ ووجدت العديد من المجموعات المناهضة للاستعمار العنصري الأبيض في جنوب إفريقيا ملاذا لها في زامبيا. وعلى الصعيد العالمي، لعب كاوندا أدوارا حاسمة في تشبيك العلاقات مع حركات التحرر الوطني من جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة إلى منطقة البحر الكاريبي إلى الصين.

العزلة الاستعمارية

كان الاقتصاد الاستعماري في زامبيا مزيجًا بين تعدين النحاس (70 بالمائة من عائدات التصدير في السنوات الأخيرة)، وقطاع زراعي تجاري صغير يسيطر عليه المستوطنون البيض، والزراعة المعيشية في الأرياف، التي كانت متخلفة إلى حد بعيد. أما البنية التحتية على ضعفها ومحدوديتها فأنشئت لخدمة قطاع التعدين وليس الشعب.

وخلال بواكر الكفاح ضد الاستعمار، كانت معظم الأمم الإفريقية معزولة عن بعضها البعض، رغم أنها كانت تخوض المعركة ذاتها. “أردت أنا وعدد قليل من الزملاء تنظيم مؤتمر أفريقاني لهذه المنطقة، وقمنا بدعوة بعض الأشخاص من الدول المجاورة، لكن تم منعهم. تمكن شخص واحد من الولايات المتحدة من الحضور، وهو بورمي”، يوضح كواندا سنة 2008، وزاد: “لقد كنا معزولين إلى حد بعيد، لم يكن الأمر بيدنا، كانت هذه هي الطريقة التي أرادها المستعمرون”.

وعلى الرغم من ارتباطها الوثيق في كل القارة، في سلاسل اقتصاد عالمي شعّبت خيوطه قرون من الاستعمار الأوربي، فإن علاقات السيطرة فرضت على معظم البلدان الإفريقية أن تكون معزولة عن بعضها البعض. وقد شكلت هذه الفكرة منطلقا أساسيا في نضال كاوندا إلى جانب آخرين من أجل التحرر الوطني، القاري والأممي خلال القرن الواحد والعشرين.

سيرورات التضامن الإقليمي

واجهت زامبيا، البلد الذي لا يطل على أي واجهة بحرية وله حدود مع ثمانية بلدان، عند حصولها على الاستقلال سنة 1964 العديد من التحديات، خصوصا من طرف المستعمرات المجاورة والأنظمة العنصرية؛ وفي منتصف الستينيات، كانت معظم حدودها البرية تجمعها مع بلدان مستعمرة من طرف الاستعمار العنصري الأبيض بتعاون مع نظام الأبرتهايد بجنوب إفريقيا:  روديسيا الجنوبية (زيمبابوي) وجنوب غرب إفريقيا (ناميبيا) وأنغولا البرتغالية وموزمبيق. وتماشيا مع ما تم الاتفاق عليه أثناء تأسيس هيئة التحرير في تنزانيا سنة 1963، دعمت زامبيا المقاومين الأفارقة من أجل التحرر، من خلال تقديم الدعم والاعتراف السياسيين، وتسهيلات العبور والبث، إضافة إلى المساعدة المالية والمادية.

قمة دول الصف الأمامي، لوساكا، زامبيا، مارس 1985. من اليسار إلى اليمين: سام نجوما، سامورا ماشيل، كينيث كاوندا وروبرت موغابي، صورة: إرنست شادي.

قمة دول الصف الأمامي، لوساكا، زامبيا، مارس 1985. من اليسار إلى اليمين: سام نجوما، سامورا ماشيل، كينيث كاوندا وروبرت موغابي، صورة: إرنست شادي.

واحتفظت العديد من مجموعات المقاومة بقواعد عسكرية ومعسكرات تدريب ومراكز للاجئين ومكاتب إدارية في زامبيا. وعلى سبيل المثال، ساهمت القواعد العسكرية ومعسكرات التدريب في تقوية الأجنحة المسلحة للمنظمات التحررية، وفي تنفيذ العمليات العسكرية، ونقل وتخزين العتاد العسكري بأمان؛ ناهيك عن إجراء تدريبات في القتال تصل إلى ثمانية أشهر، وكانت (تنزانيا) بمثابة معبر آمن للعديد من المتخصصين في التدريب العسكري بين ربوع إفريقيا والدول الاشتراكية في الخارج، وقبل قصف “مكوشي” في أكتوبر 1978، كانت تقوم بتخريج ما يناهز 1000 مقاتلة كل ستة أشهر أو ما يقارب ذلك.

وسنة 1973، دشنت زامبيا رسميًا خدمات البث، المعروفة باسم “قناة حرب الكلمات”، بمساعدة أجهزة الإرسال الصينية القوية، وخصصت برامج تضمنت ساعة من البث يوميا لكل ممثل عن القوات المناهضة للاستعمار في ناميبيا، أنغولا، موزمبيق، جنوب إفريقيا وزيمبابوي، كما قام راديو زامبيا بتغطية معظم مناطق الجنوب الإفريقي لأكثر من أربعين ساعة في الأسبوع باثني وعشرين لغة.

وما كان هذا الدعم ليكون بدون تكلفة، فمن الناحية الاقتصادية واجهت زامبيا سخطا غربيا، مثلت أبرز ملامحه الانسحابات الاقتصادية السريعة من قطاعات الصناعات الرئيسة التي تتطلب استثمار رؤوس الأموال، مثل إنتاج النفط.

وفي 1979، هاجمت القوات الروديسية العديد من معسكرات التدريب في زامبيا، التابعة لمنظمات التحرير الإفريقية (بشكل أساسي: الاتحاد الوطني الإفريقي لزيمبابوي والاتحاد الإفريقي الشعبي الزيمبابوي) كما قصفت مخيمات اللاجئين التي كانت تأوي الفارين من البلدان المجاورة التي كانت تعرف حربا مستعرة. ووصف الجيش الروديسي الهجوم على مخيم نامبوندوي للاجئين، الذي كان يؤوي ما يقدر بنحو 14000 رجل وامرأة وطفل، بأنه “مهمة روتينية”، موردا أن المزيد لم يأت بعد.

وفي الشمال كانت زائير (الكونغو) المدعومة من الولايات المتحدة تئن تحت ضغوط شركات التعدين الدولية والفساد المحلي والعنف؛ أما في جهة الشمال الشرقي فكانت تنزانيا – استقلت عام 1962 – الحليف الحقيقي الوحيد، لاسيما مع الدور القيادي الذي لعبه جوليوس نيريري.

كان هذا هو المكان الذي أصبح فيه أول مشروع كبير لتطوير السكك الحديدية مع الصين محوريًا للغاية، وابتداءً من سنة 1967، كان خط السكة الحديدية الذي يربط بين تنزانيا وزامبيا يمثل مشروعا في العالم الثالث مصمما لتزويد الدول المشاركة بالاستقلال الاقتصادي عن أنظمة الفصل العنصري في روديسيا وجنوب إفريقيا. وهذا ما شكل أساس نظرية “العوالم الثلاثة” لدى ماو تسي تونغ، التي ناقشها مع كاوندا أثناء زيارته الثانية إلى الصين سنة 1974.

وخلال السبعينيات أرسلت الصين خبراء ومتخصصين وحوالي 15000 عامل للمساعدة في بناء خط سكة حديدية إستراتيجي، يربط بين دار السلام في تنزانيا ووسط زامبيا، ما مكن من التقليل من الارتهان التجاري إلى أنظمة الفصل العنصري في روديسيا وجنوب إفريقيا.

لا ننسى أبدا.. حتى وإن كنا منتصرين

تقدم الكلمات الافتتاحية التي ألقاها كاوندا في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1964 الشعور الذي يجب على العديد من مشيّعيه استدعائه اليوم:

“كانت آخر مرة وقفت فيها هنا في عام 1962، ثم بكيت على معاناة وإهانة شعبي في الوطن. واليوم وإن كنا مبتهجين مازلت أبكي. أقول لإخواننا في جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية والأراضي البرتغالية: اليوم نبكي عليكم. ولا ننساكم يوم نصرنا.

طوال عمله السياسي، لم ينس كاوندا أبدًا رفاقه الأفارقة في الكفاح من أجل التحرر.

*ميكايلا نوندو إرسكوغ، عضو سكرتارية الأفريقانية اليوم وباحثة في معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة