الأوضاع تتفاقم في الشرق الأوسط والردّ الإيراني يردع إسرائيل

مشاركة المقال

مدار: 14 نيسان/ أبريل 2024

بعد أيام من الترقب والتراشق السياسي والإعلامي، جاء الرد الإيراني المتوقع على إسرائيل، على إثر قصف هذه الأخيرة لقنصلية طهران في دمشق أول الشهر الجاري. ردود الأفعال الغربية أظهرت ازدواجية معايير تجاه القانون الدولي؛ والشرق الأوسط يقف فوق برميل بارود كبير.

شن حرس الثورة والجيش الإيرانيين هجوما غير مسبوق على أهداف داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، مساء السبت، ردا على الهجوم الذي شنته إسرائيل على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، في الفاتح من نيسان/ أبريل الجاري، ترتب عنه مقتل 16 شخصا من بينهم العميد في فيلق القدس -الحرس الثوري- محمد رضا زاهدي وسبعة ضباط إيرانيين آخرين.

بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية، الخاضعة للحماية الدولية بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، فشل مجلس الأمن في إدانة هذا الاعتداء، بعد أن عرقلت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مشروع بيان صاغته روسيا.

وكانت طهران أبلغت مجلس الأمن الدولي بأنها تحتفظ بحق الردّ على الهجوم.

وفي وقت متأخر من مساء السبت، أطلق الإيرانيون وابلا من المسيرات والصواريخ المجنحة و الباليستية، تطلبت تعبئة القدرات العسكرية الفرنسية، البريطانية، الأمريكية والإسرائيلية لصد الهجوم، غير أن عددا من الصواريخ نجح في إصابة أهداف عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قاعدة “نيفاتيم” الجوية وفق ما قاله رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، زاعما أن هذه المنشأة استخدمها الإسرائيليون لضرب القنصلية الإيرانية في دمشق.

وكشف التلفزيون الإيراني أن الحرس الثوري استخدم صواريخ باليستية من طراز “عماد” ومسيّرات “شاهد 136” و صواريخ “كروز” (أي المجنحة).

وقدّرت وسائل إعلام عبرية أن صدّ هذا الردّ كلّف إسرائيل حوالي 1.5 مليار دولار في ليلة واحدة.

داخل الأراضي المحتلة، عاش الإسرائيليون ليلة رعب حقيقية، بعد أن رأوا السماء مضيئة بمئات المسيرات والصواريخ وسط دوي صافرات الإنذار في كل مكان تقريبا، بينما أظهرت فيديوهات مصورة حالة الهلع والفوضى في صفوفهم.

وأوضحت أشرطة أخرى الانفجارات فوق مواقع إسرائيلية متعددة.

وقال فلسطينيون في غزة إن صوت المسيرات الإسرائيلية غاب عن سماء القطاع، لأول مرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

ودفع الردّ الإيراني إلى إيقاف حركة الطيران المدني، بشكل مؤقت، في الأجواء العراقية والأردنية وفي الأراضي المحتلة.

ردود الأفعال

عكس ما حدث على إثر استهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية، سارعت الدول الغربية إلى إدانة الرد الإيراني.

الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن ساعدت إسرائيل على صد الرد من خلال تعبئة قدراتها العسكرية ومنظومات الدفاع الجوي الخاصة بها.

على الصعيد السياسي، سارعت واشنطن إلى التعبير عن التزامها “الثابت بضمان أمن إسرائيل”، وتوجّه البيت الأبيض إلى مجموعة السبع من أجل تنسيق الرد على الخطوة الإيرانية.

اليابان، الاتحاد الأوروبي، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، وغيرها من الدول الغربية لم تتردّد في إدانة العمل العسكري الذي شنته طهران، لكنها لم تقم بأمر مماثل لما تمت مهاجمة منشأة دبلوماسية تتمتع بالحرمة بموجب القانون الدولي.

من جانب آخر ربطت موسكو موقفها بكون “مجلس الأمن الدولي، لم يتمكن من الرد بصورة مناسبة على الهجوم على البعثة القنصلية الإيرانية بسبب موقف أعضاءه الغربيين”.

“نعرب عن قلقنا البالغ إزاء التصعيد الخطير الجديد في المنطقة. لقد حذرنا مرارا من أن عدم تسوية  الأزمات الكثيرة في الشرق الأوسط، ولا سيما في منطقة النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والتي غالبا ما تعمل على تهيجها الأعمال الاستفزازية غير المسؤولة، سيؤدي إلى تصعيد التوتر”، تقول الخارجية الروسية في بيان.

الصين دعت على لسان متحدث باسم خارجيتها إلى “ضبط النفس”، مشيرة إلى أن “الوضع الحالي هو أحدث تداعيات الصراع في غزة”.

ترتبط التطورات الأخيرة بمجريات الأحداث في الساحة الفلسطينية، حيث يشن الكيان الصهيوني حرب إبادة لما يناهز الستة أشهر في قطاع غزة، مخلفة أزيد من 33 ألف شهيد فلسطيني و76 ألف مصاب، وآلاف المفقودين، ناهيك عن خراب البنى التحتية ومختلف المنشآت.

العديد من القوى الفلسطينية عبّرت عن دعمها للرد الإيراني، ووصفته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بـ “الحدث المفصلي الهام الذي سيؤسس لقواعد اشتباك جديدة في المنطقة”.

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أكدت أن “طهران أرسلت إلى كل من يهمه الأمر، رسالة واضحة وصريحة، ليس من مصلحة دولة الاحتلال وحلفائها الأطلسيين تجاهل فحواها”.

حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، اعتبرت العملية العسكرية الإيرانية “حقا طبيعيا وردا مستحقا”.

ماذا بعد؟

تركز جل تصريحات المسؤولين الإيرانيين على أن رد دولتهم على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية في دمشق “أمر منتهي”، وهو ما يعني على الأرجح عدم رغبتهم في توسيع مجال الضربات المتبادلة، دون أن يمنعهم ذلك من التحذير من أي رد إسرائيلي أو من طرف موالي لدولة الاحتلال.

الرئيس الأمريكي من جانبه طلب فوق الطاولة من بنيامين نتنياهو عدم الرد.

في مستوى آخر، يشكل الرد الإيراني حدثا غير مسبوق، فهذه هي المرة الأولى منذ عقود، توجه فيها دولة وازنة إقليميا ضربات عسكرية مباشرة وعلنية على الكيان الغاصب.

ماذا كانت تنتظر إسرائيل بعد أن استهدفت منشأة دبلوماسية على أرض دولة ذات سيادة؟ بعد فشل مجلس الأمن في اتخاذ موقف حازم جاء الرد الإيراني ليقدّم الإجابة. يعني ذلك أن إسرائيل، التي اخترقت في الأشهر القليلة المجالات الجوية للبنان وسوريا وشنت ضربات عسكرية في العاصمتين دمشق وبيروت، لم تعد تستطيع أن تفعل ما يحلو لها في المنطقة أن دون عواقب، بغض النظر عن حجمها. بتعبير آخر، الرد الإيراني جاء لردع إسرائيل.

وإذا كان من السابق لأوانه، أو من غير المتاح، تقييم حجم الضرر المادي الذي خلفه ردّ طهران، فإن الليلة العصيبة التي عاشها الصهاينة من شأنها أن تضع حكومتهم العنصرية تحت المزيد من الضغط والانقسام.

على الأرض، فشلت إسرائيل حتى الآن في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب العدوانية على قطاع غزة المحاصر، في حين تلتهب الضفة الغربية يوما بعد يوم، وفشل الاحتلال في القضاء على فصائل المقاومة المستبسلة ولم تحرر أيا من محتجزيها.

الأراضي المحتلة باتت أهدافا يومية لحزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية من جبهة الشمال، وجماعات مسلحة في العراق، وجماعة أنصار الله الحوثي في اليمن علاوة على الحظر البحري المفروض على السفن المرتبطة بالمصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر.

على المستوى الدولي، تتعمق عزلة الكيان الصهيوني، في سياق الضغط الشعبي الواسع في مختلف أنحاء المعمورة المتضامن مع الشعب الفلسطيني والرافض لحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال.

تزامنا مع ذلك، تحبس دول المنطقة أنفاسها خشية انفجار الأوضاع وخروجها عن السيطرة. مصر فوق نار الضغط الشعبي المؤيد لفلسطين وتحت ضغط مصالح النظام العاجز عن اتخاذ خطوة ملموسة تصب لمصلحة الفلسطينيين المحتاجين بشدة لدخول المساعدات من معبر رفح. أما الأردن فتعيش على وقع أسابيع متواصلة من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط اتفاقية “وادي عربة”. النظامين في البلدين نهجا سياسة متشابهة تجاه المحتجين السلميين: الاعتقالات.

السعودية تخشى من توسع الحرب في هذه “المنطقة البالغة الحساسية للسلم والأمن العالميين”، وطالبت مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤوليته، لكنها لم تدن الرد الإيراني، واكتفت بدعوة “كافّة الأطراف للتحلّي بأقصى درجات ضبط النفس وتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحروب”، بالنسبة للرياض فإن “تفاقم الأزمة” سيكون لها “عواقب وخيمة في حال توسع رقعتها”.

لا يبدو نتنياهو مستعدا لوقف الحرب أو تخفيف التوتر، فهو بأمسّ الحاجة إلى بعبع يهدد به الداخل، ولم يجد في هذه الحالة سوى إيران، حسب ما يرى متابعون، غير أن حكومته الفاشية، والقاعدة الداخلية تتفكك بإيقاع متزايد.

البورصات الخليجية العاملة اليوم تهاوت عقب الرد الإيراني، وتسيّد الأحمر مؤشراتها خصوصا في السعودية وقطر.

بات واضحا أن الشرق الأوسط يقف فوق برميل من البارود قابل للانفجار في أية لحظة. إيقاعات الأحداث تضبطها التطورات في قطاع غزة، غير أن تداعياتها أكبر من ذلك بكثير.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة