“إسرائيل” تواصل استهداف الصحافيين خوفًا من فضح جرائمها

مشاركة المقال

مدار: 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023

كاترين ضاهر

تعتبر حرية الصحافة أحد أهم القيم التي تستند إليها الديمقراطيات الحديثة، ومع ذلك يواجه العديد من الصحافيين في مناطق النزاعات والصراعات تحدّيات هائلة تهدّد حياتهم وعملهم.

وتعدّ دول منطقة المغرب الكبير والشرق الأوسط الأكثر خطورة على الصحافيين في الترتيب الإقليمي لحرية الصحافة، بحسب التقرير السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود”.

وفي خطوة متعمدة، تواصل “إسرائيل” استهداف الصحافيين في ظل قصفها المستمر على قطاع غزة وجنوب لبنان، ما يشكل اعتداءً موصوفًا ويعتبر بمثابة جريمة حرب، وانتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، خصوصًا أن جميع الزملاء المستهدفين كانوا اتخذوا إجراءات وتدابير تثبت مهنتهم.

وارتفعت حصيلة الشهداء من الصحافيين في قطاع غزة وجنوب لبنان إلى نحو 66 صحافيًا منذ أن شنّت “إسرائيل” عدوانها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية.

ومنذ بدء هذه العملية العسكرية الإسرائيلية في فلسطين ولبنان تعرض العديد من الصحافيين لاستهداف مباشر وعرضي. وتم قتل وإصابة وفقدان العديد منهم خلال تلك الفترة وحتى اليوم. وزيادة على ذلك، دمر القصف الإسرائيلي أكثر من 50 مقرًا إعلاميًا في القطاع، وفقًا لتقرير نقابة الصحافيين الفلسطينيين.

وتتعمد “إسرائيل” استهداف الجسم الإعلامي، بهدف الترهيب والتهديد بشكل مستمر للصحافيين لأهمية الدور الحيوي الذي يلعبونه في توثيق الاعتداءات، في محاولة منها إلى إسكات أصواتهم وإطفاء عدسات كاميراتهم لمنعهم رصد انتهاكها حقوق الإنسان، ولإخفاء فظاعة مجازر الإبادة والجرائم التي ترتكب في حق النازحين، لاسيما الأطفال والنساء منهم، والأطقم الطبية والمرضى.

عيون غزة…

تحت تهديد القصف والغارات، يعمل أكثر من 1000 صحافي في قطاع غزة، وسط ظروف صعبة جدًا، كالمخاطر التي تهدد حياتهم خلال ممارسة عملهم، وأخبار فقدان عائلاتهم وأقاربهم أثناء تغطيتهم أخبار الاعتداءات على الهواء مباشرة؛ إضافة إلى عبء حصار القطاع ونفاد المواد الأساسية وقطع الاتصالات والمواصلات.

وشهد الشهر الأول فقط من العدوان استهداف 47 صحافيًا بكل مخالفة للقوانين الدولية. ويعد اثنان من الصحافيين في عداد المفقودين، بينما فقد عشرات الصحافيين أفرادًا من عائلاتهم في المجازر التي ترتكبها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وبينهم مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح الذي فقد الشهر الماضي زوجته وابنه وابنته في غارة على المنطقة التي لجؤوا إليها في جنوب وادي غزة، وهي ضمن المناطق التي طلب الاحتلال من السكان التوجه إليها.

واستهداف الإعلاميين المتعمد في غزة لا ينحصر فقط في القصف، بل يشمل إجبارهم على إخلاء منازلهم، عدا عن حملة التحريض عليهم في الإعلام العبري.

الاستهداف الممنهج…

وللاطلاع على خلفيات الاستهداف الصهيوني الممنهج للصحافيين في القطاع، وأبرز المخاطر والتحديات التي تواجههم في تأدية واجبهم المهني والعمل الإنساني، أكّد الأكاديمي والباحث السياسي د. وسام الفقعاوي، في تصريح صحفي لـ “موقع مدار”، أن ما يجري من استهداف للصحافيين “يُعبّر عن طبيعة جوهر الفكر الاستعماري الصهيوني الإرهابي الذي يعد القتل لديه لا حدود له، للصحافيين والإعلاميين والأطقم الطبية وعاملي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؛ فاستهدافهم وقتلهم إلى جانب المواطنين من الشعبين الفلسطيني واللبناني يعني قتلًا “لعدو”، بالنسبة له، غير آبه بكل المصفوفات والمعاهدات والشرائع والقوانين الدولية الإنسانية، كون القتل والإرهاب جزءًا من بنيته”، وزاد: “بناء على ما سبق، تأتي عملية القتل للحقيقة، ليس فقط من خلال محاولات التزييف والادعاءات الكاذبة وحرفها عن مسارها أو تشويهها، بل بقتل ناقلها أيضًا، كنوع من التخلص من الحقيقة وناقلها معًا”.

وتساءل الباحث السياسي: “كيف يمكن تفسير تجرؤ العدو على القتل العمد وعلى الهواء مباشرة، إذ زاد عدد الشهداء من الصحافيين على خمسين وعشرات الجرحى منذ 7 أكتوبر الفائت (غالبيتهم العظمى من غزة التي يشن العدو الصهيوني حربًا شاملة ضدها)، إلى جانب استهداف اللوجستيات وأدوات البث، على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، وهذا لا يمكن أن يكون لولا الدعم والحماية التي تتوفر للعدو من قبل النظام الغربي الإمبريالي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يدّعي أنه يحمي ما تسمى ‘قيم العالم الحر’، التي لم تكن أكثر من كذبة لا تحتاج إلى إثبات، أمام أهدافهم ومخططاتهم الاستعمارية وإبادة الشعوب التي تدافع عن حقها في أرضها وحريتها وثرواتها”.

وشدّد المتحدث على أن “استهداف الصحافيين هو استهداف ممنهج بكل ما تعنيه الكلمة، كون الحقيقة وناقلها نقيض للادعاءات و’الفبركات’ والأكاذيب التي يعمل العدو على ترويجها وتمريرها كحقائق، دون إبراز ما ينقضها ويفضح أكاذيبه، كما إبادته الجماعية الجارية والمستمرة لأبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، ولهذا حاول منذ البداية ‘دعشنة’ المقاومة بإلصاق تهم مفبركة تمامًا كما اتضح، مثل: قطع المقاومة رؤوس الأطفال واغتصاب النساء”.

وأضاف الباحث ذاته: “إلى جانب تعمّد العدو قتل الصحفيين، استهدف البنية التحتية في القطاع بكافة جوانبها، من كهرباء واتصالات ومياه وغذاء والطرقات، وإفقادهم وأسرهم الأمان، ما وضعهم في وضع نفسي شديد الصعوبة (هناك صحافيون فقدوا عائلات بالكامل أو أعدادًا منها)، وكذلك صعّب عليهم مهمتهم في متابعة الأحداث ونقل الحقائق، إلى جانب صعوبة التواصل مع الجهات الإعلامية التي يعملون معها، وتمرير جرائم كبيرة لم تستطع الأطقم الصحافية الوصول إليها وتوثيقها ونقلها”.

ووجّه الدكتور الفقعاوي تحية إلى الزملاء الصحفيين قائلًا: “أنتم تقومون بمهمة وطنية جنبًا إلى جنب مع أبطال المقاومة في الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، وهذه مهمة من طراز رفيع، تحتاج منكم أن تقفوا على أرض صلبة في نقل الحقيقة وإيصالها إلى كل الجهات الشعبية والرسمية في أربعة أرجاء العالم، وفضح جرائم وإرهاب العدو وعقيدته وبنيته وممارسته الإبادية، وتعميم رسالة شعوبنا التواقة للحرية والانعتاق من ربقة الاستعمار والصهيونية”.

الحدود اللبنانية…

في جنوب لبنان، الأوضاع تتدهور والقصف المتبادل مستمر، وقد طال أيضًا المدنيين والمسعفين وفوج الإطفاء والجسم الإعلامي. ورغم “قواعد الاشتباك”، تواصل “إسرائيل” استهداف نقاط تجمع الأطقم الإعلامية أثناء تغطية التطورات الميدانية عند الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي اليوم السابع من العملية العسكرية، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، دفعت الصحافة اللبنانية الثمن، إذ أقدم الجيش الإسرائيلي على فتح النار على الأطقم الإعلامية، واستهدف بقصف مباشر فرق “رويترز” و”الجزيرة” ووكالة الصحافة الفرنسية، ما أدى إلى استشهاد الزميل المصور عصام عبد الله من وكالة رويترز.

 وأسفر القصف أيضًا عن إصابة آخرين، بينهم مصورا وكالة فرانس برس ديلان كولنز وكريستينا عاصي، والصحافية كارمن جوخدار والمصور إيلي براخيا من قناة الجزيرة، وثائر السوداني وماهر نازح من “رويترز”.

وبعد شهر على الاستهداف الأول، واصلت “إسرائيل” اعتداءاتها في حق الصحافيين، لتؤكد إدانتها في جريمة اغتيال مصور “رويترز” باستهداف مباشر للصحافيين آنذاك. وفي اليوم الثامن والثلاثين على العدوان، نجت المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية من الإجرام الصهيوني الذي استهدف موكبًا لها أثناء جولة منسقة مع الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية؛ إذ استهدف الجيش الإسرائيلي يوم الإثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري فرقًا إعلامية في بلدة يارون الحدودية جنوبي لبنان بعددٍ من القذائف الصاروخية، ما أسفر عن إصابة مصور الجزيرة عصام مواسي بجراحٍ طفيفة وتضرّر شاحنة البث.

وصباح الثلاثاء 21 من الشهر الجاري، مجددًا، واصل الكيان الصهيوني استهداف الصحفيين في جنوب لبنان، عبر استهداف مباشر ومقصود لموكب “الميادين”، وارتقى خلاله المراسلة فرح عمر والمصور ربيع المعماري ومرافقهما حسين عقيل. وأكدّ رئيس شبكة “الميادين”، غسان بن جدو في تصريح له؛ أن طيران الاحتلال استهدف الزميلين الشهيدين والمرافق معهما “بشكل مباشر ومتعمد”. وشدّد على أنّ “ما يحصل في لبنان هو حرب حقيقية ومقاومة حقيقية تواجه بقوة وشهامة دعمًا للمقاومة الفلسطينية في غزة”، معلنًا أن “الميادين” مستمرة في التغطية و”عملنا الصحافي الشريف الذي تُعّد أولويته تغطية جرائم الاحتلال في غزة والضفة وفلسطين ولبنان”.

وعن الانتهاكات المتواصلة في حق الجسم الإعلامي، أكّد نقيب المصورين الصحافيين في لبنان الزميل علي علوش، في حديث لـ “مدار”، أن استهداف الصحافيين له أسباب واضحة، وزاد: “اليوم هناك من يرتكب خطأ ولا يريد فضح أمره أو تصويره، فكيف إذا كان يرتكب مجازر في حق شعب بأكمله؟”؛ ويفسر ذلك بإجراءات الاحتلال الإسرائيلي غير الدموية، منها قطع البث عن قناة الميادين وطرد الصحافيين من الأراضي المحتلة.

وتعقيبًا على عملية الاعتداءات التي طالت الزملاء في جنوب لبنان، وأدت إلى استشهاد الزميل عصام عبدالله، أورد النقيب ذاته: “اتخذنا الإجراءات القانونية اللازمة، عبر توجيه رسالة رسمية إلى أمين عام الأمم المتحدة تطالب بمحاكمة المعتدين وتقديم تعويضات حسب ما تنص عليه مواد القوانين الدولية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة”، معربًا عن أسفه لأن هذه القرارات لا تلتزم بها “إسرائيل”، “ولكن هذا واجب النقابة” التي ستواصل أيضًا إجراءاتها القانونية بحق استهداف واستشهاد الزميلين فرح عمر وربيع المعماري الثلاثاء.

وبهذا الصدّد، دعت نقابة المصورين في بيان لها الجسم الإعلامي إلى “المبادرة لإيجاد أساليب ومعايير عمل مختلفة تحمي الزملاء خلال تغطيتهم الاعتداءات الإسرائيلية في جنوب لبنان”، مؤكّدة أن “هذه الاعتداء لن يزيدها إلّا إصرارًا على متابعة وملاحقة المعتدي مع الأمم المتحدة والجهات القضائية الدولية حتى تحقيق العدالة لجميع الزملاء الشهداء”، كما جاء.

وحول المحاولات الدائمة لمنع وجود الصحافيين في جنوب لبنان اليوم، أكّد المتحدث أن “الهدف اليوم بات واضحًا، فجيش الاحتلال يخطط للانفراد بأهالي الجنوب دون أن يكشف أحد حجم الإجرام الحاصل، لاعتباره أن أي شيء متحرك هو بمثابة هدف له، دون الأخذ بعين الاعتبار أي اتفاقية دولية تحمي الصحفيين والمدنيين والأطقم الطبية”.

أما عن انسحاب الوكالات الأجنبية من جنوب لبنان، رأى نقيب المصورين أن ذلك جاء تحت الضغط والتهديد، مردفًا: “هذا رأيي الشخصي، إذ لم تنسحب أي من الوكالات الأجنبية يومًا ما لأي سبب كان مهما اشتدت الظروف والمخاطر. واليوم نشهد عودة بعض الوكالات بشكل تدريجي، ولكن هذا ليس كافيًا”.

ووجّه نقيب المصورين عتبه إلى “المؤسسات المحلية التي بعضها اليوم تدعي نصرة جنوب لبنان وغزة، وفي المقابل لا تعطي موظفيها أدنى حقوق من الرواتب، وغياب الدعم المادي والمعنوي، وعدم توفير التأمين الصحي والتأمين على الحياة في ظروف الحرب؛ وهذا من أكبر الأخطاء التي ترتكبها بعض المؤسسات الإعلامية”، متطرقًا إلى موضوع التأمين الصحي للمصورين وظروف عملهم الصعبة في لقاء “الحرب في عيون المراسلين”، الذي عقد مؤخرًا في بيروت، تضامنًا مع الصحافيين في غزة وعلى الحدود اللبنانية.

وقد تخلل اللقاء نقاشات مع زملاء جرحى (المراسلة كارمن جوخدار والمصور ايلي براخيا والصحافي ديلان كولنز) الذين عرضوا شهاداتهم. كما عرضت أفلام قصيرة من صحافيين من غزة، من بينهم وائل الدحدوح، ومن الحدود اللبنانية، وتحية للمراسلات. ولفت علوش إلى أن “الرسائل المصورة من الزملاء في غزة مدتنا بالمعنويات بالرغم من المخاطر التي تحيط بهم واستشهاد العشرات منهم”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة