إذا عاش جميع اللاجئين في مكان واحد فستكون الدولة السابعة عشرة من حيث عدد السكان في العالم: (عدد 42. 2021).

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 20 آذار/ مارس 2022

فيجاي براشاد*

جيمي دو غازمان (الفلبين)، تحوّل II، 1970.

أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الخامس من أكتوبر/تشرين أول قراراً تاريخياً غير ملزم قانونياً، “يعترف بالحق في بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة كحق من حقوق الإنسان مهم للتمتع بحقوق الإنسان”. يجب أن يجبر مثل هذا الحق الحكومات التي تجلس إلى طاولة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) في غلاسكو في وقت لاحق من هذا الشهر على التفكير في الضرر الجسيم الناجم عن النظام الملوث الذي يملأ حياتنا.

عام 2016، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن 92٪ من سكان العالم يتنفسون الهواء السام. وفي العالم النامي، يعاني 98٪ من الأطفال دون سن الخامسة من مثل هذا الهواء السيئ. وتنتج عن الهواء الملوث، والناتج في الغالب عن انبعاثات الكربون، 13 حالة وفاة في كل دقيقة على مستوى العالم.

يمكن أن يكون لقرارات الأمم المتحدة هذه تأثير، ففي عام 2010 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بشأن “حق الإنسان في المياه والصرف الصحي”؛ ونتيجة لذلك، أضافت عدة دول – مثل المكسيك والمغرب والنيجر وسلوفينيا – هذا الحق في المياه إلى دساتيرها. حتى لو كانت هذه اللوائح محدودة نوعًا ما – مع القليل من دمج إدارة مياه الصرف الصحي والوسائل المناسبة ثقافيًا لتوصيل المياه – فقد كان لها تأثير إيجابي فوري على آلاف الأسر المتصلة الآن بمياه الشرب وخطوط الصرف الصحي.

كيم إن سوك (جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية)، زخات مطر في موقف الحافلة، 2018.

إن أحد المجالات الرئيسية التي لا جدوى منها في عصرنا ذلك الناتج عن صوت الجوع الصاخب الذي يصيب واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص على هذا الكوكب. بمناسبة يوم الغذاء العالمي، أنتجت سبع وسائل إعلام (وهي آي آر جي ميديوس وبرازيل ديفاتو وبريكثرو نيوز ومدار ونيوفريم ونيوزكليك وبيبولز ديسباتش) كتيّباً بعنوان الجوع في العالم يبحث في حالة الجوع في البلدان في جميع أنحاء العالم، وكيف تأثر ذلك بوباء كورونا وما فعلته الحركات الشعبية للاستجابة لهذا الواقع الكارثي. يتميز المقال الختامي بخطاب ألقاه رئيس حركة AbahlalibaseMjondolo سئبو زيكودي. قال زيكودي: “من الخطأ الأخلاقي وغير العادل أن يتضور الناس جوعاً في الاقتصاد الأكثر إنتاجية في تاريخ البشرية، هنالك موارد أكثر من كافية لإطعام كل إنسان وإسكانه وتعليمه. هناك موارد كافية للقضاء على الفقر. لكن هذه الموارد لا تستخدم لتلبية احتياجات الناس. بدلاً من ذلك يتم استخدامها للسيطرة على البلدان والمجتمعات والأسر الفقيرة”.

في افتتاحية الجوع في العالم، التي كتبتها أنا وزوي ألكسندرا وبراسانث آر من بيبلز ديسباتش، نظرنا إلى حالة الجوع اليوم وكيف وصلنا إليها، بالإضافة إلى رؤية للمستقبل يتم إنشاؤها بواسطة حركات الناس في شقوق الحاضر. فيما يلي مقتطف موجز من مقدمتنا.

حضر الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في مايو/أيار 1998 جمعية الصحة العالمية في جنيف بسويسرا. هذا هو الاجتماع السنوي الذي تعقده منظمة الصحة العالمية. ركز كاسترو انتباهه على الجوع والفقر، الذي قال إنه سبب الكثير من المعاناة، وقال أيضاً: “لا في أي مكان في العالم ولا في أي إبادة جماعية ولا في أي حرب يقتل الكثير من الناس في الدقيقة والساعة واليوم كأولئك الذين قتلوا بسبب الجوع والفقر على كوكبنا”.

بعد عامين من إلقاء كاسترو هذا الخطاب، جمع تقرير الصحة العالمية الصادر عن منظمة الصحة العالمية بيانات عن الوفيات المرتبطة بالجوع. لقد وصل العدد إلى ما يزيد قليلاً عن تسعة ملايين حالة وفاة سنوياً، ستة ملايين منهم من الأطفال دون سن الخامسة. هذا يعني أن 25000 شخص يموتون من الجوع والفقر كل يوم. تجاوزت هذه الأرقام بكثير عدد القتلى في الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، التي يُقدر عدد القتلى فيها بنحو نصف مليون شخص. ويولى الاهتمام إلى الإبادة الجماعية – كما ينبغي – لكن ليس إلى الإبادة الجماعية للفقراء من خلال الوفيات المرتبطة بالجوع. هذا هو السبب الذي جعل كاسترو يدلي بتعليقاته في الجمعية.

إليزابيث فوا (ألمانيا)، حرب الفلاحين، حوالي 1930.

اعتمدت الأمم المتحدة عام 2015 خطةً لتحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. إن الهدف الثاني من تلك الأهداف هو “القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة”. في ذلك العام بدأت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة تتبع الارتفاع في العدد المطلق للجياع حول العالم. وبعد ست سنوات، حطّمت جائحة كورونا الكوكب الهشّ بالفعل، ما زاد من حدة الفصل العنصري الناتج عن النظام الرأسمالي الدولي. لقد زاد أصحاب المليارات في العالم ثرواتهم بعشرة أضعاف، بينما اضطرت غالبية البشرية إلى البقاء على قيد الحياة يوماً بعد يوم ومن وجبة إلى أخرى.

أصدرت منظمة أوكسفام في يوليو/تموز 2020 تقريراً بعنوان فيروس الجوع، وجد باستخدام بيانات برنامج الغذاء العالمي أن ما يصل إلى 12000 شخص يومياً “قد يموتون من الجوع المرتبط بالآثار الاجتماعية والاقتصادية للوباء قبل نهاية العام. ربما سيموت أكثر من ذلك العدد كل يوم بسبب المرض بحلول تلك المرحلة”. وقد أعلنت الأمم المتحدة في يوليو/تموز2021 أن العالم “بعيد بشكل كبير عن المسار الصحيح” لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، مشيرة إلى أن “أكثر من 2.3 مليارات شخص (أو 30٪ من سكان العالم) يفتقرون إلى الوصول إلى الغذاء الكافي على مدار العام” في 2020، ما يشكل حالة شديدة من انعدام الأمن الغذائي.

يشير تقرير منظمة الأغذية والزراعة بعنوان حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021 إلى أن “ما يقارب واحدا من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم (2.37 مليار) لم يتمكن من الوصول إلى الغذاء الكافي عام 2020، وذلك يشكّل زيادةً مقدارها 320 مليون شخص تقريبًا في عام واحد. إن الجوع لا يُحتمل. تتجلى الآن أعمال الشغب بسبب الغذاء، وأكثرها دراماتيكية في جنوب إفريقيا. قال أحد سكان غاوتنغ الذي انضم إلى اضطرابات يوليو: “إنهم يقتلوننا بالجوع هنا”. إن هذه الاحتجاجات، بالإضافة إلى البيانات الجديدة الصادرة عن الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، أعادت الجوع إلى جدول الأعمال العالمي.

وأصدرت العديد من الوكالات الدولية تقارير ذات نتائج مماثلة، وهو ما يدل على أن التأثير الاقتصادي لوباء فيروس كورونا عزز اتجاه الجوع المتزايد وانعدام الأمن الغذائي؛ ومع ذلك فإن الكثيرين يتوقفون عند هذا الحد، تاركين لدينا شعوراً بأن الجوع أمر لا مفر منه وبأن المؤسسات الدولية بقروضها وديونها وبرامجها المساعدة هي التي ستحل هذه المعضلة الإنسانية.

تيودور روتريكل (تشيكوسلوفاكيا)، بلا عنوان، 1960.

لكن الجوع ليس حتميًا: إنه وكما ذكرنا سابو زيكود قرار الرأسمالية تفضيل الربح على الناس، ما يجعل شرائح من سكان العالم بالبقاء جائعةً، بينما يُهدَر ثلث جميع المواد الغذائية المنتجة، وكل ذلك يحدث بينما يخلق تحرير التجارة والمضاربة في إنتاج وتوزيع الغذاء تشوهات خطيرة.

جيري نُووسييلسكي (بولندا)، لوتنيسكو ويلكي (“مطار كبير”)، 1966.

يكافح المليارات من الناس للحفاظ على الهياكل الأساسية للحياة في نظام ربح يحرمهم من الثوابت الاجتماعية الضرورية. إن الجوع والأمية يقدمان دليلاً على الحزن الذي يجتاح كوكبنا؛ فلا عجب في عيش الكثير من الناس على الطريق، أولئك اللاجئين من نوع أو آخر، اللاجئين من الجوع واللاجئين من ارتفاع منسوب المياه.

حسب إحصائيات الأمم المتحدة وحدها، يوجد الآن ما يقارب 83 مليون نازح، أولئك الذين إذا كانوا يعيشون جميعاً في مكان واحد سيشكّلون دولة ترتيبها 17 من حيث عدد السكان في العالم. لا يشمل هذا الرقم لاجئي المناخ – الذين لن تكون محنتهم جزءًا من مناقشات المناخ في مؤتمر المناخ COP26 – ولا يشمل ملايين النازحين داخلياً الفارين من النزاعات والاضطرابات الاقتصادية.

تشينوا أتشيبي، 1930-2013

في عام 1971، نشر الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي، الذي هزته الحرب في بيافرا، قصيدةً بعنوان “الأم والطفل اللاجئ” في كتابه من عام 1971 وعنوانه احذر يا أخ الروح. إن جمال هذه القصيدة باقٍ في عالمنا البائس:

لا يمكن أن تلمس أي لوحة مادونا والطفل

تلك الصورة من حنان الأم

لابن ستضطر لأن تنساه قريباً.

كان الهواء مليئاً بالروائح الثقيلة

لإسهال الأطفال غير المغسولين

مع ضلوع نحيلة وأجساد جافة

تكافح في خطوات ثقيلة

وراء بطون فارغة.

معظم الأمهات هناك قد توقفن لفترة طويلة

عن الاهتمام، لكن ليس هذه الأم؛ لقد رسمت

ابتسامة شبح على شفتيها

وفي عينيها شبح فخر الأم

بينما تمشط لون الشعر المصبوغ

بلون الصدأ المتبقي على جمجمته ومن ثم

وهي تغني بعينيها – تبدأ بعناية

تمشيط شعره… في حياة أخرى هذا

كان سيمضي كفعل يومي

لا عاقبة له قبل

الإفطار والمدرسة؛ أما الآن فهي 

تفعل ذلك كمن يضع الزهور

على قبر صغير.

ينظر الأقوياء إلى المشردين والجياع في الأرياف والمدن على كوكبنا باشمئزاز؛ إنهم يفضلون أن يكونوا محصنين من هذا المنظر بأسوار عالية وحراس مسلحين. إن الشعور الإنساني الأساسي – الذي يملأ قصيدة أتشيبي – يختنق بجهد كبير. لكن المشردين والجياع هم رفاقنا، كانوا في وقت ما في أحضان والديهم بحنان، محبوبين بالطريقة التي نحتاج إليها لنتعلم كيف نحب بعضنا البعض.

**نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة