افتتاحية 1: الجوع هو قصة هذا الزمان

مشاركة المقال

مدار: 12 أغسطس/ آب 2021

فيجاي براشاد، زوي ألكساندرا، براسانث إر

حضر الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، في ماي/ أيار 1998، جمعية الصحة العالمية في جنيف، التي تعتبر الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية (WHO). ركز كاسترو في مداخلته على الجوع والفقر اللذين اعتبرهما السبب الأساس للمعاناة التي تعرفها شعوب العالم، وقال: “ليس هناك مكان في العالم، سواء كان يشهد أعمال إبادة جماعية أو حربا، يقتل فيه الناس كما يقتلون بفعل الجوع والفقر على كوكبنا”.

بعد مرور عامين على إلقاء كاسترو هذا الخطاب، قدم تقرير الصحة العالمية الصادر عن منظمة الصحة العالمية بيانات عن الوفيات المرتبطة بالجوع، التي أفضت إلى تسجيل أكثر من 9 ملايين حالة وفاة سنويا، من بينها 6 ملايين طفل لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، ما يعني أن هناك 25000 شخص يموتون من الجوع والفقر كل يوم. لقد تجاوزت هذه الأرقام تلك المسجلة في الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، التي قدر عدد القتلى فيها بنحو نصف مليون شخص. يتم الاهتمام بالإبادة الجماعية – كما ينبغي –  لكن ليس الإبادة الجماعية للفقراء المرتبطة بالجوع. هذا هو السبب الذي دفع كاسترو إلى الإدلاء بتصريحاته المتعلقة بالجوع والفقر في الجمعية.

اعتمدت الأمم المتحدة عام 2015 خطة من أجل تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030، وتم تخصيص الهدف الثاني في الخطة للقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة. في العام ذاته بدأت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) تتبع الارتفاع المتزايد في عدد الجياع حول العالم.

بعد ست سنوات من إطلاق هذه الخطة، حطمت جائحة كوفيد-19 الكوكب الذي كان يعاني من الهشاشة، ما زاد من حدة الفصل العنصري القائم في النظام الرأسمالي العالمي. لقد زاد أصحاب المليارات في العالم من ثرواتهم بعشرات الأضعاف بينما أجبرت الأغلبية على تدبير القوت اليومي من أجل البقاء أحياء.

أصدرت منظمة أوكسفام في يوليوز/ تموز 2020 تقريرا بعنوان “فيروس الجوع”، خلص – بالاعتماد على بيانات برنامج الأغذية العالمي (WFP) – إلى أن 12000 شخص يعيشون يوميا تحت تهديد الموت من الجوع، المرتبط بالآثار الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها الجائحة منذ عام، ومن الممكن أن يكونوا أكثر من أولئك الذين سيموتون من المرض.

لقد أعلنت الأمم المتحدة في يوليوز/ تموز 2021 أن العالم “بعيد بشكل كبير عن المسار الصحيح” لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 التي أعلنت عنها المنظمة، مشيرة إلى أنه عام 2020 تم تسجيل عدم قدرة أكثر من 2.3 مليار شخص (30 في المائة من سكان العالم) من الوصول إلى الغذاء الكافي، ما يشكل حالة متقدمة من انعدام الأمن الغذائي.

أشار تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لعام 2021 إلى حالة من انعدام الأمن الغذائي والتغذية في العالم إلى درجة أن واحدا من كل ثلاثة أشخاص في العالم (2.37 مليار) لا يتمكن من الحصول على الغذاء الكافي عام 2020 – بزيادة تقارب 320 مليون شخص عام واحد فقط. الجوع لا يطاق. إن أعمال الشغب الحالية المرتبطة بالجوع توضح لنا ما آلت إليه الأمور، ولعل أكثرها دراماتيكية تلك التي شهدتها جنوب إفريقيا. وقال أحد سكان ديربان المشاركين في الاضطرابات: “إنهم يقتلوننا بالجوع هنا”. ساهمت هذه الاحتجاجات بالإضافة إلى البيانات الجديدة الصادرة عن صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة في إعادة الجوع إلى جدول الأعمال العالمي.

قامت العديد من الوكالات الدولية بإصدار تقارير أفضت إلى نتائج مماثلة، ما يدل على أن التأثير الاقتصادي لوباء كوفيد-19 عزز بالفعل من الاتجاه التنازلي نحو تزايد الجوع وانعدام الأمن الغذائي. ومع ذلك يتوقف الكثيرون عند هذا الحد، ما يشعرنا بأن الجوع أمر حتمي، وبأن المؤسسات الدولية بقروضها وبرامج معوناتها ستحل هذه المعضلة الإنسانية.

كيف وصلنا إلى هذا الوضع هنا وما هو الطريق إلى الأمام؟

يطارد الجوع كوكبنا لأن الكثير من الناس محرومون من الوصول إلى الغذاء، إلى درجة أنه إذا لم يكن لديك وصول إلى الأرض، سواء في الريف أو المدينة، فلا يمكنك إنتاج طعامك، كما أنه إذا كانت لديك أرض ولا يمكنك الوصول إلى البذور والأسمدة فإن قدراتك كمزارع مقيدة، وفي الأخير ستتضور جوعا إذا لم تكن لديك أرض وليس لديك نقود لشراء الطعام.

هذه هي المشكلة الأساسية، والنظام البرجوازي بكل بساطة لا يعمل على علاجها، لأنه يعتبر المال هو الأسمى، والأرض – سواء كانت ريفية أو حضرية –مجرد أداة من الأدوات المخصصة للسوق، والطعام مجرد سلعة أخرى يسعى الرأسمال إلى الربح من ورائها. عندما يتم تنفيذ برامج توزيع الغذاء المتواضعة لدرء المجاعة فإنها غالبا ما تعمل كدعم حكومي لنظام غذائي – من مزرعة الشركات إلى السوبر ماركت – من خلال رأس المال.

على مدار العقود الماضية، تم حصر إنتاج الغذاء في سلسلة التوريد العالمية، بحيث لم يعد بإمكان المزارعين أن يقوموا بتسويق منتجاتهم بأنفسهم، فأصبحوا مجبرين على بيعها من خلال نظام يعالج وينقل ثم يعبئ الطعام للبيع في مجموعة متنوعة من منافذ البيع بالتجزئة؛ حتى إن هذه العملية ليست بالبساطة التي تظهر عليها، إذ إن عالم المال أغرق المزارع في المضاربة.

كتب مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بالحق بالغذاء، أوليفييه دي شوت، عن الطريقة التي تغلبت بها صناديق التحوط وصناديق التقاعد والبنوك الاستثمارية على الزراعة بالمضاربة من خلال مشتقات السلع الأساسية: “هذه البيوت المالية كانت بشكل عام غير مهتمة بأساسيات السوق الزراعية”.

تضامن وتكافل

الجوع هو قصة عصرنا، لكن التضامن كذلك. في خضم الانهيار المنهجي وتخلي الدولة عن شعوبها، كان التضامن حجر الزاوية للبقاء، بحيث ضمنت تحركات الشعوب بقاء الفئات الأكثر ضعفا من السكان على قيد الحياة من خلال توزيع سلال الطعام والوجبات والإمدادات الصحية الأساسية؛ فضلا عن توفير التدريب على أساسيات الصحة العامة للمساعدة في الحد من انتشار الفيروس. إنهم لا يعطون ما هو فائض، بل يعطون من القليل الذي لديهم. إن أعمال التضمن ليست مجرد أناس يمدون يد العون في أوقات الحاجة، بل هي جزء من حملات عالمية لا حصر لها تبحث عن حل دائم ومنهجي لمعضلة الجوع.

قام معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي بمشاركة عشرة مطالب بناء على تجارب حركات الشعوب:

1. تفعيل توزيع الغذاء في حالات الطوارئ. تجب إعادة تحويل المخزون الفائض من المواد الغذائية التي تسيطر عليها الحكومات لمكافحة الجوع، كما يجب على الحكومات استخدام مواردها الكبيرة لإطعام الناس.

2. مصادرة فائض المواد الغذائية التي تحتفظ بها الشركات التجارية الزراعية والمتاجر الكبرى والمضاربين، وتحويلها إلى نظام توزيع الغذاء.

3. إطعام الناس. لا يكفي توزيع مواد البقالة، بل يجب على الحكومات، جنبا إلى جنب مع المبادرات العامة، بناء سلاسل من المطابخ المجتمعية حيث يمكن للناس الوصول إلى الغذاء.

4. المطالبة بالدعم الحكومي للمزارعين الذين يواجهون تحديات في حصاد محاصيلهم. يجب على الحكومات التأكد من أن الحصاد يتم وفقا لمبادئ السلامة المعترف بها من قبل منظمة الصحة العالمية.

5. المطالبة بأجور معيشية للعمال الزراعيين والمزارعين وغيرهم، بغض النظر عما إذا كانوا قادرين على العمل أم لا خلال فترة الإغلاق. ويجب أن يستمر هذا بعد الأزمة. لا يوجد أي معنى في النظر إلى العمال على أساس أنهم لا بد منهم أثناء حالة الطوارئ ثم يتم ازدراء نضالهم من أجل العدالة في وقت “الحياة الطبيعية”.

6. تشجيع الدعم المالي للمزارعين لزراعة المحاصيل الغذائية بدلا من التحول إلى إنتاج المحاصيل النقدية غير الغذائية. ينتج ملايين المزارعين الفقراء في الدول الفقيرة محاصيل نقدية لا تستطيع الدول الغنية زراعتها في مناطقها المناخية، فمن الصعب زراعة الفلفل أو القهوة في السويد. “نصح” البنك الدولي الدول الفقيرة بالتركيز على المحاصيل النقدية لكسب الدولارات، لكن هذا لم يساعد أيًا من صغار المزارعين الذين لا يزرعون ما يكفي لإعالة أسرهم، لهذا يحتاج هؤلاء المزارعون، مثل مجتمعاتهم المحلية وبقية البشر، إلى الأمن الغذائي.

7. إعادة النظر في تضاعف سلسلة الإمدادات الغذائية، التي تضخ كميات هائلة من الكربون في طعامنا، من خلال إعادة بناء سلاسل الإمداد الغذائي بحيث تستند إلى المناطق بدلا من التوزيع العالمي.

8. حظر المضاربة على المواد الغذائية من خلال كبح أسواق المشتقات والعقود الآجلة.

9. تخصيص الأرض – الريفية والحضرية – خارج منطق السوق، بحيث يتم إنشاء أسواق لضمان إمكانية إنتاج الغذاء وتوزيع الفائض خارج سيطرة المتاجر الكبرى للشركات. يجب أن تكون للمجتمعات سيطرة مباشرة على النظام الغذاء الذي تعيش فيه.

10. بناء أنظمة صحية شاملة، على غرار ما دعا إليه إعلان ألما آتا عام 1978. أنظمة الصحة العامة القوية مجهزة بشكل أفضل لتقييد حالات الطوارئ الصحية، ويجب أن تحتوي هذه الأنظمة على مكون ريفي قوي وأن تكون مفتوحة للجميع، بمن في ذلك الأشخاص غير المسجلين.

الجوع: سلسلة

إذا كان الجوع هو القصة المحورية في عصرنا، فلا بد من سرد قصصه. ستقوم مشاريع إعلامية تتخذ من كل الأرجنتين، البرازيل، الهند، جنوب إفريقيا، الولايات المتحدة والمنطقة العربية والمغاربية مقرات لها، بإنتاج  ست قصص تستعرض حالة فيروس الجوع في العالم – متناولة في الآن نفسه هذا الفيروس والعمل التي تقوم به الحركات الشعبية لتقديم الدعم، في سبيل إرساء طريق جديد من أجل عالم خال من الجوع.

الجوع في العالم هو سلسلة ساهم في إنتاجها كل من: “آ إر جي ميديوس“، “برازيل دي فاتو“، “بريك ثرو نيوز“، “مدار“، نيو فرايم” “نويز كليك” و “بيبلز ديسباتش“.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة