مدار: 13 أيلول/ سبتمبر 2021
قرر الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي تجميد عمل مجلس نواب الشعب (البرلمان) لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وأقال الحكومة، ليتولى بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها؛ ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين؛ وبعد شهر من ذلك أعلن تمديد تجميد عمل السلطة التشريعية ورفع الحصانة عن المشرعين إلى غاية “إشعار آخر”، دون أن يقدم خريطة طريق؛ أما الآن فيريد تغيير الدستور..
وبرر الرئيس التونسي قراره بوجود خطر داهم يهدد الدولة التونسية وسير المؤسسات الدستورية، وعلى ذلك الأساس لجأ إلى الفصل 80 من الدستور الذي تم إقراره بعد الإطاحة بنظام بن علي الديكتاتوري.
وتعرضت خطوات قيس سعيد لانتقادات من طرف أطراف سياسية عديدة، واعتبرها نزر غير يسير انقلابا على الدستور.
وينص الفصل 80 من الدستور التونسي، الخاص بالإجراءات الاستثنائية، على أن “لرئيس الجمهورية في حالة خطرٍ داهمٍ مهددٍ لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدّولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشّعب وإعلام رئيس المحكمة الدّستورية، ويعلن عن التّدابير في بيان إلى الشعب”.
ووفق الفقرة الثّانية من الفصل نفسه “يجب أن تهدف هذه التّدابير إلى تأمين عودة السّير العادي لدواليب الدّولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”.
ويرى الجالس في قصر قرطاج أن الذين يصفون خطواته بالانقلاب إنما يجهلون القانون والدستور. وفي واقع الأمر تتناقض إجراءات الرئيس الذي كان أستاذا للقانون الدستوري مع النص الصريح للماغنا كارطا التونسية التي تقول صراحة: “يُعتبر مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة”، في حين أن الرئيس جمّد عمل المجلس ورفع الحصانة عن أعضائه.
وإذا ما أخذت ادعاءات سعيد بأن هناك خطرا داهما يهدد كيان الدولة التونسية على محمل الجد فالأجدر التسريع بتشكيل حكومة تواجه التحديات وتحافظ على دواليب الدولة، غير أن الأمر لم يحدث إلى الآن. وأول أمس السبت صرح الرئيس التونسي بأنه سيتم تشكيل الحكومة في “أقرب الأوقات”، وقال: “سنواصل البحث عن الأشخاص الذين يشعرون بثقل الأمانة ويحملونها”. وحتى ذلك الحين تبقى المؤسسة التشريعية مجمدة إلى “إشعار آخر”.
الرئيس التونسي لم يتوقف عند هذا الحد، بل أعلن نيته تغيير الدستور صراحة، إذ قال في التصريح نفسه: “الشعب سئم الدستور والقواعد القانونية التي وضعوها على المقاس، ولا بد من إدخال تعديلات في إطار الدستور”، وزاد: “الدساتير ليست أبدية ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي، لأن السيادة للشعب ومن حقه التعبير عن إرادته”.
ويبدو أن مشاريع قيس سعيد لا تروق الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي دعا على لسان أمينه العام نور الدين الطبوبي إلى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة تفرز برلمانا جديدا، ويتم “على إثره نقاش الدستور وتغيير النظام الرئاسي”.
وفي هذا الصدد، قال حزب العمال التونسي إنه يعتبر الإجراءات الاستثنائية لرئيس الجمهورية “انقلابا واضحا على المبادئ الديمقراطية والتقاطا للحظة المناسبة للالتفاف على مطالب الشعب الغاضب من أجل إنقاذ النظام الطبقي القائم والانتقال بالسلطة من شكل ديمقراطي تمثيلي فاسد إلى شكل شعبوي فردي مستبد”، في بيان صدر يوم 11 أيلول/ سبتمبر، حصل مدار” على نسخة منه.
وبينما أبدى امتعاضه من النظام الرئاسي الأبعد عن الديمقراطية، اعتبر الحزب ذو التوجه اليساري أن الاتجاه نحو تغيير النظام السياسي “بقرار فردي، اعتباطي دون احترام الآليات القانونية، وعبر استغلال أجهزة الدولة واحتكار كامل السلطات وتجييش الرأي العام، يجعل من هذه العملية خطوة متقدمة في مسار الانقلاب وطعنا إضافيا لتطلعات شعبنا في نظام سياسي أكثر ديمقراطية وشفافية وتعبيرا عن الإرادة الشعبية الحرة”، وفق ما جاء في الوثيقة ذاتها، مبرزا أن إنّ إنقاذ تونس وتحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة يبقى “رهين قدرة الشعب التونسي وقواه الحية على تجاوز المنظومة الطبقية الحالية برمتها، التي تسبب الدمار والخراب للشعب والبلاد”.