[تحليل] الجزائر _ المغرب… تفاصيل أزمة تهدد المنطقة وتضع تحديات هائلة على معارضي الحرب

مشاركة المقال

مدار: 08 تشرين الثاني/ أكتوبر 2021

الأوضاع في شمال إفريقيا ليست هادئة على الإطلاق، فالتوتر المتصاعد بين المغرب والجزائر يهدد السلم والأمن بالمنطقة التي تشكل جسرا يصل القارة العجوز بالقارة السمراء. وبلغ التصعيد مستويات غير مسبوقة بعد قطع الجارة الشرقية علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، ما سبقته إجراءات وتراشقات كلامية بين الأختين المتخاصمتين. وفي قلب هذا الخصام، توجد ملفات محمومة، من ملف الصحراء الغربية الشائك إلى التطبيع مع إسرائيل؛ ناهيك عن تجارة الغاز الطبيعي وتوجسات الدول الأوربية. ووراء سباق تسلح مكلف، توجد ملامح الحرب الباردة بين واشنطن من جهة وبيكين وموسكو من جهة أخرى؛ وأمام المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها الأزمة بين الجارتين الشقيقتين، توجد تفاصيل متشعبة يخوض “مدار” في ثناياها ويفكك شفراتها، وينقل مواقف الحركات الشعبية منها. التفاصيل..

مقتل ثلاثة مواطنين جزائريين يعقد الأمور

أعلنت الرئاسة الجزائرية أن ثلاثة من رعاياها تم “اغتيالهم” يوم الفاتح من تشرين الثاني/ نونبر 2021، إثر “قصف همجي لشاحناتهم، أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة”. ووصف قصر المرادية الحدث بـ “العمل الحقير”، موجها أصابع الاتهام إلى ما وصفه بـ”الاحتلال المغربي بالصحراء الغربية”. وجاء في البيان الصادر يوم الثالث من الشهر الجاري أن العملية تمت بواسطة “سلاح متطور” دون تحديده.

واعتبر البيان الرئاسي الجزائري أن الخطوة المغربية تمثل “ميزة لسياسة معروفة، بالتوسع الإقليمي والترهيب”، خاتما بالتشديد على أن “اغتيال” المواطنين الجزائريين الثلاثة “لن يمرّ دون عقاب”، في لغة لا تخلو من التهديد والتلويح بتصعيد لا تعرف عاقبته.

من جانبها، التزمت الجهات الرسمية المغربية الصمت، إلى حدود كتابة هاته الأسطر في التعليق على هاته الاتهامات، غير أن مصدرا مغربيا اعتبرها “اتهامات مجانية” ضد الرباط، وأكد أن بلده “لم ولن يستهدف أي مواطن جزائري، مهما كانت الظروف والاستفزازات”. وأضاف المسؤول المغربي في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أنه “إذا كانت الجزائر تريد الحرب فإن المغرب لا يريدها”، وزاد: “المغرب لن ينجر إلى دوامة عنف تهز استقرار المنطقة”.

ورغم الغموض الذي لف موقع الحادثة، كشف موقع “مينا ديفاس” الجزائري أن الأمر يتعلق بمنطقة تقع على بعد حوالي 7 كيلومترات غربي بلدة بير لحلو، الوقعة في الشطر الخاضع لسيطرة البوليساريو من الصحراء الغربية. وحسب المصدر نفسه فإن الإحداثيات الدقيقة لموقع الحادثة هي “26.328777، -9.692441″؛ كما بث صورا قال إنها تابعة للقمر الاصطناعي “IlKanguru” والتقطت يوم الثاني من الشهر الجاري، “تظهر آثار الحروق على الأرض”.

صورة: خريطة تقريبية تظهر موقع الحادثة في الشطر الفاصل بين الجدار الرملي العازل والحدود الجزائرية والمنطقة الخاصة للسيطرة المغربية في الصحراء الغربية.
صورة: لقطة من القمر الاصطناعي IlKanguru بتاريخ: 02 نونبر/ تشرين الثاني 2021، تظهر آثار الحروق على الأرض، مينا ديفانس، الحقوق محفوظة.

 

وتتشبث الرئاسة الجزائرية بأن “القصف” استهدف الشاحنات “أثناء تنقلها بين نواكشوط وورقلة، في إطار حركة مبادلات تجارية عادية، بين شعوب المنطقة”.

غير أن المصدر المغربي الذي تحدث إلى “أ ف ب” اعتبر أن هذه المنطقة “تتنقل فيها حصريا الميليشيا المسلحة” لجبهة البوليساريو، واعتبر أنه “مفاجئ” أن “تتحدث الرئاسة الجزائرية عن وجود شاحنة في هذه المنطقة، بالنظر إلى وضعيتها القانونية والعسكرية”.

واعتبر مصدر مغربي وصف بـ”الرفيع” أن مزاعم القصف “قضية مفتعلة وسبق للسلطات الموريتانية نفيها”، مشيرا إلى أن “الجزائر تريد افتعال أزمة حول استعمال القوات المسلحة الملكية طائرات الدرون (المسيرات) التي قلبت موازين القوى”، ومبرزا أن ما حدث هو أن “شاحنتين جزائريتين عبرتا حقلا ملغوما في المنطقة العازلة وسائقاهما الجزائريان كانا يحملان عتادا عسكريا لجبهة البوليساريو”، وفق تعبيره في حديث لـ “العربية“.

من جهته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى الحوار “لخفض التوتر” بين الدولتين، وقالت متحدثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحافي يوم 05 تشرين الثاني/ نونبر، إن “الأمين العام للأمم المتحدة على دراية بالوضع (..). ويدعو للحوار لضمان تهدئة هذه التوترات”.

العلاقات في توتر متصاعد

لم تكن العلاقات حتى قبل الحديث عن هذه العملية أقل توترا، إذ عرفت الأشهر الأخيرة مسلسل شد حبل بين البلدين، دون أن تظهر مؤشرات على انفراج في الأفق.

وكان قصر المرادية أعلن قطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في 24 آب/ غشت 2021، وبرر وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قرار بلاده بأن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن القيام بأعمال “غير ودية” و”عدائية ودنيئة” ضد الجزائر، وأشار في تصريح صحفي نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إلى أن الأجهزة الأمنية و”الدعاية المغربية” تشن “حربا إعلامية دنيئة وواسعة النطاق ضد الجزائر”، عبر “نسج سيناريوهات خيالية وخلق إشاعات ونشر معلومات مغرضة”.

وأبرز رئيس الدبلوماسية الجزائرية أن المملكة المغربية جعلت ترابها الوطني “قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر”، مشيرا إلى ما وصفها بـ”الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته الرسمية للمغرب، بحضور نظيره المغربي، الذي من الواضح أنه كان المحرض الرئيسي لمثل هذه التصريحات غير المبررة”، على حد تعبيره.

وكان وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي أجرى زيارة رسمية إلى المغرب يومي 11 و12 آب/ غشت من السنة الجارية، وفي ختام زيارته، قال في تصريح للصحافة: “نحن نتشارك مع بعض القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربا من إيران، وهي تقوم حاليا بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب”.

صورة: يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلي أثناء زيارته للمغرب في نقاش مع وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة، الحقوق محفوظة.

وجاءت زيارة المسؤول الإسرائيلي إلى المغرب إثر تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة دونالد ترامب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ وبموجب ذلك طبعت المغرب العلاقات مع إسرائيل، مقابل اعتراف واشنطن بـ “مغربية” الصحراء الغربية، في سياق ما عرفت بـ “اتفاقات أبراهام” التي شملت أيضا الإمارت، البحرين والسودان.

واعتبرت الخارجية الجزائرية أن السلطات المغربية قامت بمنح “موطئ قدم لقوة عسكرية أجنبية في المنطقة المغاربية”، في إشارة واضحة إلى الكيان الصهيوني، وأضافت أن الرباط قامت بتحريض لابيد على “الإدلاء بتصريحات كاذبة وكيدية ضد دولة جارة”، ووصفته بأنه “يشكل عملا خطيرا وغير مسؤول”.

واحتج لعمامرة على ما وصفه بـ”التعاون البارز والموثق للمملكة المغربية مع المنظمتين الإرهابيتين المدعوتين ‘ماك’ و’رشاد'”، وأضاف أن “هاتين المنظمتين ثبت ضلوعهما في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها عديد ولايات الجمهورية مؤخرا”.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ترأس يوم 18 آب/ غشت 2021 اجتماعا استثنائيا للمجلس الأعلى للأمن، خصص لتقييم الحرائق التي شهدتها بلاده، خصوصا ولايتي تيزي وزو وبجاية، وما وصفها قصر المرادية بـ “الأعمال العدائية المتواصلة من طرف المغرب وحليفه الكيان الصهيوني ضدّ الجزائر”.

وتحدث بيان رسمي عن ثبوت “ضلوع الحركتين الإرهابيتين (الماك) و (رشاد)” في إشعال هاته الحرائق، وكذا “تورطهما في اغتيال المرحوم جمال بن سماعين”، مشددا على ضرورة “استئصال” حركة “ماك” التي “تتلقّى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية وخاصة المغرب والكيان الصهيوني، إذ تطلبت الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضدّ الجزائر إعادة النظر في العلاقات بين البلدين”، على حد تعبير الرئاسة الجزائرية.

وبالنسبة للجزائر فإن مسببات قطع العلاقات مع جارتها كثيرة، لكن “الفضيحة، التي لا تقل خطورة عن سابقتها” هي تلك المتعلقة بما عرف بتسريبات بيغاسوس، التي كشفت عن “عمليات التجسس الكثيفة التي تعرض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية، مستعملة في ذلك هذه التكنولوجيا الإسرائيلية”، وفق ما ذكره التصريح الصحافي لرمطان لعمامرة.

وتحدث التحقيق الذي شاركت فيه 17 مؤسسة إعلامية دولية، والمنظمة الإعلامية الفرنسية غير الربحية “قصص ممنوعة”، بشراكة مع منظمة العفو الدولية، عن إساءة استخدام برنامج “بيغاسوس” الذي طورته شركة “إن إس أو” الإسرائيلية من طرف العديد من البلدان، ضمنها المملكة المغربية.

وقالت صحيفة “لوموند” إنه حسب المعطيات التي اطلعت عليها إلى جانب “فوربيدن ستوريز” فقد “خصص جهاز أمني مغربي حيزاً واسعاً لمراقبة وتعقب مسؤولين جزائريين داخل وخارج بلدهم”. كما ذكرت الصحيفة الفرنسية أن “تفاصيل الحياة السياسية والأمنية في الجزائر خلال فترة الحراك التي أدت إلى تنحية عبد العزيز بوتفليقة كانت مراقبة ‘عن كثب’ من قبل الجهاز الأمني المغربي”.

غير أن السلطات المغربية نفت هذه المزاعم، وقالت إنها “مزاعم كاذبة”، ولهذا الغرض، وكلت المحامي أوليفييه باراتيلي من أجل رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد منظمتي “فوربيدن ستوريز” والعفو الدولية بتهمة “التشهير”، إضافة إلى صحيفةلوموند ومنابر إعلامية أخرى. وقالت المملكة حينها في بيان مقتضب: “المغرب، القوي بحقوقه والمقتنع بوجاهة موقفه، اختار أن يسلك المسعى القانوني والقضائي في المغرب وعلى الصعيد الدولي، للوقوف في وجه أي طرف يسعى إلى استغلال هذه الادعاءات الزائفة”.

وفي سياق المبررات التي قدمتها الجمهورية الجزائرية لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، قالت الوزارة التي يرأسها ناصر بوريطة، إن “المملكة المغربية أخذت علما بالقرار أحادي الجانب للسلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب”. وأعربت الرباط عن أسفها لهذا القرار “غير المبرر”، وشددت على أنها ترفض “بشكل قاطع المبررات الزائفة، بل العبثية” التي انبنى عليها القرار الجزائري. كما ختمت الخارجية المغربية بيانا لها صدر يوم 24 آب/ غشت 2021، بالقول إن المملكة المغربية ستظل “شريكا موثوقا ومخلصا للشعب الجزائري”.

وجاءت القطيعة بين الجارتين المتخاصمتين لتعدم العرض الأخير الذي تقدم به الملك المغربي محمد السادس، إذ دعا يوم 31 تموز/ يوليو، في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى توليه العرش، الجزائر إلى “العمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار”، وقال: “الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول”، موضحا أن الحدود المغلقة بين البلدين “لا تقطع التواصل بين الشعبين، وإنما تساهم في إغلاق العقول”.

وفي إشارة إلى عدم رضى الجزائر عن التقارب بين الرباط وتل أبيب، وكذا الاتهامات بتهديد أمنها واستقرارها، اعتبر ملك المغرب أن “أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره، والعكس صحيح؛ فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر؛ لأنهما كالجسد الواحد”، ودعا إلى “تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا”، وفق تعبيره.

منظمات ونشطاء يدعون إلى تغليب العقل

أصدرت ما يناهز 300 شخصية عامة وحقوقية وأكاديمية من تونس والجزائر والمغرب، في 05 أيلول/ سبتمبر 2021، عريضة حملت عنوان “نداء إلى العقل“، جاء فيها: “نحن الموقعات والموقعين أسفله، مثقفين ومناضلين من المجتمع المدني، ومواطنين معنيين بشأن شعوبنا، نسجل ببالغ القلق التصعيد الحاصل في العلاقات بين المغرب والجزائر”، داعية إلى تحكيم العقل في الصراع والتوتر بين الجارتين.

وورد في نص العريضة: “نرفض هذه الوضعية المؤدية إلى مواجهة غير طبيعية (..) نؤمن بأن شعبينا لا يكنان لبعضهما إلا الود، وبأنه ليس بعزيز عليهما تجاوز هذه اللحظات العصيبة بأقل الأضرار وبأجمل الآفاق، بتعبئة طاقاتهما الخلاقة من أجل تحصين جسور الإخاء وتكثيفها”.

كاريكاتير: زوج بغال، مدار.

وحذر الموقعون على الوثيقة ذاتها من أن استمرار هذا الوضع “من شأنه أن يجر الجميع إلى وضع أفدح مما هو عليه”، موضحين أن هذه الوضعية تستدعي تدخل المجتمع المدني “دون تردد أو تهاون”، مذكرين بأن “تحديات التنمية ضخمة أمام شعوب المنطقة، ومواجهتها لا يمكن أن تتم إلا بمستوى عال من التلاحم والتشارك”.

وليست موريتانيا التي تربطها علاقات تاريخية مع المغرب والجزائر بمرتاحة لهذا التصعيد بين الشقيقتين، إذ يجد هذا البلد الصحراوي نفسه معرضا لمخاطرة جمة كلما اشتد الحبل بين الرباط والجزائر العاصمة.

قال وجاهة الأدهم، أمين الشؤون السياسية والانتخابية في حركة “نستطيع” الموريتانية، في تصريح خاص لـ “مدار”، إن حركته تتابع عن كثب ما تشهده المنطقة منذ فترة من تصاعد التوتر بين الأشقاء في الجزائر والمغرب، واعتبر أن ذلك يأتي في سياق “إعادة تمركز قوى الإمبريالية، ومحاولة بسط النفوذ والهيمنة في المنطقة، مستغلة الوضع الراهن للقضية الصحراوية، الذي يتميز بالجمود وغياب الأمل في إيجاد حل عادل ومنصف، يجنب المنطقة ويلات الحروب المدمرة وغير محسوبة النتائج”.

وأضاف الأدهم، في خضم حديثه إلى “مدار”، أن “تسارع الأحداث بوتيرة مخيفة، ودق طبول الحرب، لا يخدم أي طرف سوى تجار الحروب وشركات النهب العالمية، التي تضع أعينها على ثرواتنا الطبيعية”.

وشدّد القيادي البارز في “بوديموس” الموريتانية على أن “على الجميع أن يدركوا أنه لا سبيل لحل النزاعات إلا من خلال الجلوس إلى طاولة التفاوض وتغليب منطق الحوار على منطق الحرب”.

ومن الجانب المغربي، تحدث “مدار” إلى إبراهيم النافعي، العضو في الكتابة الوطنية لحزب النهج الديمقراطي، الذي صرّح بأن حزبه يتابع بـ”قلق شديد واهتمام بالغ” التطورات التي “تقرع طبول الحرب”، وتجعل المنطقة “على صفيح ساخن”.

وأضاف المسؤول السياسي أن حزبه “كقوة منحازة للشعوب وخصوصا للطبقة العاملة وعموم الكادحين”، يعتبر أن “أي نزاع مسلح بين المغرب والجزائر سيكون أكبر وباء يعصف بشعوب المنطقة”، مردفا: “نجدد دعوة الطرفين إلى ضرورة وقف التصعيد، وتجنيب الشعبين الشقيقين ويلات الحروب، التي لن تدع أي مجال لخروج شعوب المنطقة من الفقر والبطالة والفساد والاستبداد”.

وحذر المتحدث ذاته من أن الحرب “ستفتح المجال أمام انتعاش المافيا العالمية والمحلية وستجعل نساء وأطفال وشيوخ الشعبين الشقيقين عرضة للنزوح والتهجير الجماعي، فضلا على انتشار الأمراض والمجاعة”، داعيا “كل محبي السلام وكل المناضلين والمناضلات في البلدين والمنطقة والعالم إلى العمل من أجل حمل النظامين المغربي والجزائري على وقف كل أشكال التصعيد والبحث عن سبل دبلوماسية أخرى لحل المشاكل المتراكمة منذ عقود”.

صورة مركبة: يتشبث نشطاء وفاعلون بالتآخي بين الشعبين الجزائري والمغربي، مدار.

وختم النافعي بالتشديد على ضرورة تبني الوسائل التي لن تقوم “بوقف قرع طبول الحرب فقط، بل بفتح الطريق نحو بناء سبل التعاون والاتحاد بين شعوب المنطقة”، بهدف تحقيق “التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، واستكمال مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي”.

الجزائر تتخذ إجراءات ضد المغرب

يبدو أن الجزائر مستعدة للذهاب في تلويحاتها إلى أبعد الحدود، الأمر لا يتعلق ببيانات وتصريحات وإجراءات دبلوماسية فقط، بل بادر قصر المرادية إلى إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، بالإضافة إلى التي تحمل رقم تسجيل مغربي.

وأعلنت الرئاسة الجزائرية يوم 23 أيلول سبتمبر 2021 أن المجلس الأعلى للأمن قرر “الغلق الفوري للمجال الجوّي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وكذا، التي تحمل رقم تسجيل مغربي”، وذلك تبعا لـ “التطورات على الحدود مع المملكة المغربية، بالنظر إلى استمرار الاستفزازات والممارسات العدائية من الجانب المغربي”، دون تحديد طبيعة هذه “الاستفزازات” أو “الممارسات العدائية”.

ومن الجانب المغربي، قلل مصدر من داخل الخطوط الجوية المغربية من شأن القرار الجزائري، موضحا لوكالة رويترز أنه لن يؤثر إلا على 15 رحلة أسبوعيا إلى تونس وتركيا ومصر، مبرزا أن تأثيره “غير كبير”، كما أبرز أن الرحلات المعنية قد تغير مسارها لتمر فوق البحر المتوسط.

وقبل ذلك، في مارس/ آذار من السنة الجارية، طردت السلطات الجزائرية مواطنين مغاربة من أراض في ملكيتهم، لكن على الضفة الخاضعة للسيادة الجزائرية، بمنطقة العرجة، قرب النقطة الحدودية المحاذية لإقليم فكيك شرقي المغرب، ما تسبب في فقدان العديد من الفلاحين المغاربة حقولهم وأشجار النخيل الخاصة بهم. لكن السلطات المغربية اكتفت بعدم التعليق دبلوماسيا على الحدث.

وكان الترقب سيد الموقف بخصوص مصير اتفاقية مد خط أنبوب الغاز المغاربي- الأوروبي، الذي يمتد من حقل حاسي الرمل إلى طريفة الإسبانية مرورا بالأراضي المغربية، بموجب عقد شراكة يربط بين الشركة الوطنية الجزائرية سوناطراك والمكتب المغربي للكهرباء والماء، يعود إلى 31 تموز/ يوليو 2011، وانتهى يوم 31 أكتوبر 2021.

قبل ذلك، كان القلق يعم الأوساط الإسبانية والأوربية وهي تستعد لفصل الشتاء القارس، حول تأثير التوتر الجزائري المغربي على إمدادات الغاز، غير أن “سوناطراك” عبرت عن استعدادها “لإمداد إسبانيا بالغاز وبالكميات المتعاقد عليها”. ويوم 29 يونيو/ حزيران، قال توفيق حكار، المدير التنفيذي لشركة “سوناطراك”، إن “أنبوب الغاز ميد غاز (يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا عبر البحر المتوسط)، بإمكانه نقل 10.5 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز”. خرجة إعلامية استباقية كانت تهدف إلى طمأنة الشركاء الأوروبيين، بعد أن تحدثت مصادر إعلامية غربية، من ضمنها “إلموندو” الإسبانية، عن إيقاف المغرب المفاوضات مع جارته الشرقية بخصوص تجديد الشراكة المذكورة.

خريطة رقمية تظهر مسارات تصدير الغاز الطبيعي الجزائري وتغيير مسار تصديره من خط أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي إلى محطة ميدغاز، الحقوق محفوظة.

غير أن المؤشرات كانت تظهر أن علاقات الشراكة الطاقية بين الجارتين بدأت فعلا بالتبخر، إذ دشن وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، في السادس من أيار/ مايو، خط أنابيب بطول 197 كلم، يربط بين الحدود مع المغرب وبني مصاف، وهي نقطة تصدير الغاز عبر خط الأنابيب “ميدغاز” الممتد إلى ألميريا في الضفة المقابلة.

وبعد ذلك، انجلى الغموض لما رفض عبد المجيد تبون تجديد العقد، مبررا قراره مرة أخرى بأنه ناتج عن “الطابع العدواني من المملكة المغربية تجاه الجزائر”، مشيرا إلى أن أنها “تمسّ بالوحدة الوطنية”، وفق ما جاء في بيان رئاسي صدر يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

وارتباطا بالأمر، لم تخرج الرباط عن نهجها الذي يكتفي بالتقليل من شأن الإجراءات الجزائرية، إذ اعتبر المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب المغربيين، أن القرار الذي اتخذته السلطات الجزائرية بعدم تجديد اتفاق أنبوب الغاز المغاربي- الأوروبي، “لن يكون له حاليا سوى تأثير ضئيل على أداء النظام الكهربائي الوطني”، مبرزين في بلاغ مشترك، صدر يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر، ونقلته وكالة المغرب العربي للأنباء، أنه “تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان استمرارية إمداد البلاد بالكهرباء”.

وقال مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، أثناء إحاطة إعلامية يوم الخميس 04 تشرين الثاني/ نونبر، إن “أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي لم يكن موجها لاستعمالات المواطنين، وليس له أي تأثير اليوم على إنتاج الكهرباء في بلادنا”، مضيفا أن “سعر الكهرباء لن يعرف أي زيادة كيفما كان نوعها، باعتبار تأثير التوقف ضئيل جدا إن لم يكن منعدما”.

الموقف المغربي من “شعب القبائل” يثير حنق الجزائر

نعلم أن الجزائر غاضبة مما تصفه بالدعم المغربي لمنظمتي “الماك“، وهي جماعة مقرها في فرنسا وتساند استقلال منطقة القبائل في شمال شرق الجزائر، و”الرشاد” المعارضة وذات التوجهات الإسلامية، اللتين تعتبرهما “إرهابيتين”، إضافة إلى قلق قصر المرادية من علاقات التطبيع بين المغرب وإسرائيل؛ لكن أكثر ما أثار حنقها أيضا هو الاعتراف المغربي “الضمني” بـ “حق شعب القبائل في تقرير المصير”.

إذ صرّح عمر هلال، المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، أثناء لقاء دول حركة عدم الانحياز المنعقد أيام 14 و15 تموز/ يوليو 2021 برئاسة أذربيجان، بأن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير، في إشارة إلى موقف الجزائر من ملف الصحراء الغربية. واستدرك السفير المغربي: “لكنه ينكر الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي”، موضحا أن تقرير المصير “ليس مبدأً مزاجيا، ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”، وفق تعبيره.

بالنسبة للجزائر، فإن الموقف المغربي، “المجازف وغير المسؤول والمناور”، يأتي كـ “جزء من محاولة قصيرة النظر واختزالية وغير مجدية تهدف إلى خلق خلط مشين بين مسألة إنهاء الاستعمار المعترف بها على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي، وبين ما هو مجرد مؤامرة تحاك ضد وحدة الأمة الجزائرية”، وفق بيان احتجاجي للخارجية الجزائرية، أدانت فيه ما وصفته بـ”الانحراف الخطير ، بما في ذلك بالنسبة للمملكة المغربية نفسها داخل حدودها المعترف بها دوليا”، وختمت بيانها الصادر في 16 يوليو/ تموز، بالقول: “في ظل هذه الوضعية الناشئة عن عمل دبلوماسي مريب قام به سفير، يحق للجزائر، الجمهورية ذات السيادة وغير القابلة للتجزئة، أن تنتظر توضيحا لموقف المملكة المغربية النهائي بشأن هذا الحادث بالغ الخطورة”.

ورغم حديث بعض السياسيين المغاربة عن أن موقف هلال مجرد رد “حجاجي” مع الوزير الجزائري، إذ علق سعد الدين العثماني، الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بأنه “ليس موقفا سياسيا للدولة المغربية”.

إلا أن الدبلوماسي المغربي عاد ليكرر الموقف نفسه، في شهر آب/ غشت، بالإشارة إلى أن “هناك أوجه شبه بين النزاعات الدائرة في الأراضي الخاضعة لسيطرة المغرب في الصحراء الغربية وتلك الواقعة في منطقة القبائل الجزائرية؛ ما يؤشر على نمط مغربي جديد تجاه هذه القضية، لاسيما أن الرباط طالما تفاخرت برفضها تفتيت وحدة أراضي الشعوب، وبرز ذلك بشكل كبير من خلال موقفها من قضية انفصال إقليم كاتالونيا، رغم الأزمة الحادة التي كانت تعرفها علاقاتها مع مدريد.

وفي سياق التراشق بالاتهامات، يبدو أن السلطات الجزائرية تبذل قصارى جهدها لإلصاق تهمة ارتباط حركة “الماك” الانفصالية بالمغرب وإسرائيل. وسبق أن قالت مصالح الأمن الوطني الجزائري في بيان، صدر يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إنها “تمكنت (..) من تفكيك نشاط جماعة إجرامية تنتمي إلى المنظمة الإرهابية (الماك)، تنشط على مستوى ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة، مع توقيف 17 مشتبها فيهم، كانوا بصدد التحضير للقيام بعمليات مسلحة تستهدف المساس بأمن البلاد والوحدة الوطنية، وذلك بتواطؤ أطراف داخلية تتبنى النزعة الانفصالية”.

وأضاف المصدر ذاته أن “الأدلة الرقمية واعترافات المشتبه فيهم المتوصل إليها خلال التحقيق الابتدائي كشفت أن أعضاء هذه الجماعة الإرهابية كانوا على تواصل دائم مع جهات أجنبية عبر الفضاء السيبرياني، تنشط تحت غطاء جمعيات ومنظمات للمجتمع المدني متواجدة بالكيان الصهيوني ودولة من ‘شمال إفريقيا'”. ورغم أن الوثيقة لم تحدد هذه المتواجدة في شمال إفريقيا، إلا أنه كان واضحا أن الأمر يتعلق بالمغرب. وبلغ الأمر بالتلفزيون الرسمي الجزائري إلى تركيب برنامج يحمل عنوان “سقوط خيوط الوهم“، يظهر التمحيص في ثناياه أنه غير دقيق إن لم يكن مفبركا، عرض شهادات لأشخاص “متورطين” في القضية، و”يؤكدون” ما ورد بيان الأمن الجزائري.

الصحراء الغربية في قلب التوتر المغربي الجزائري

تدعم الجزائر بقوة “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” المعروفة بـ “البوليساريو”، التي تطالب بـ “استقلال” الصحراء الغربية. وشهدت هذه الأخيرة نزاعا مسلحا داميا بعد إعلان المغرب “استرجاعها” من الاستعمار الإسباني سنة 1975، إذ أعلنت الجبهة من جانب واحد قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” من منطقة تندوف الجزائرية، لتعترف بها بعد ذلك عدد من الدول، خصوصا ذات التوجهات الاشتراكية إبان المعسكر الشرقي، لكن اعتراف المنتظم الدولي بشكل يتيح لها أن تسمى “دولة” لم يتحقق.

صورة: عناصر من جبهة البوليساريو، أثناء مناورات في الصحراء الغربية، 06 كانون الثاني/ يناير 2019، كوربيس بواسطة غيتي للصور، الحقوق محفوظة.

وبعد سنوات من الحرب الطاحنة، جلس الطرفان إلى طاولة الحوار تحت مظلة الأمم المتحدة، وتوصلا سنة 1991 إلى اتفاق إطلاق النار. ونصت المعاهدة على إجراء استفتاء لتقرير المصير بإشراف بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية، المينورسو، التي تأسست في 29 نيسان/أبريل 1991 تماشيا مع مقترحات التسوية المقبولة في 30 آب/أغسطس 1988.

ويسيطر المغرب على 80 بالمائة من أراضي الصحراء الغربية، مقابل 20 بالمائة تخضع لسيطرة البوليساريو، ويفصل بينهما الجدار الرملي العازل، في حين تتولى المينورسو مراقبة الأوضاع وضمان سريان اتفاق وقف إطلاق النار.

وغير المغرب توجهه بخصوص تسوية نزاع الصحراء الغربية، ويقترح الحكم الذاتي الموسع تحت سيادته، كأرضية “وحيدة” لتسوية الملف، في حين تتشبث البوليساريو بـ “الاستفتاء وتقرير المصير والاستقلال”.

ورغم الجهود الأممية لتسوية القضية إلا أن سلسلة من جلسات المفاوضات كانت تصل إلى نفق مسدود، في حين اكتفى مجلس الأمن الدولي بالتمديد السنوي لمهمة بعثة المينورسو، ودعوة طرفي النزاع إلى الحوار وتسوية الملف سلميا.

وبعد مدة من الجمود الدبلوماسي، وافق الطرفان أخيرا على تعيين الدبلوماسي المخضرم ستافان ديميستورا مبعوثا أمميا خاصا للصحراء الغربية. ويأتي هذا التعيين بعد اقتراح الأمم المتحدة 12 مرشحا منذ عامين، بدلا للألماني هورست كولر الذي استقال في أيار/مايو 2019 بعدما أحيا المحادثات، لكنها لم تفضِ إلى أي نتيجة ملموسة.

ويتهم المغرب جارته الجزائرية بالوقوف وراء جبهة البوليساريو ودعمها بالعدة والعتاد، إضافة إلى تحويلها إلى أداة في يده لضرب وحدة أراضيه. وترفض الجزائر هذه الاتهامات، وتعتبر أن “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” دولة قائمة، وأن المغرب في وضع “احتلال” للصحراء الغربية.

ويعتبر المغرب أيضا أن البوليساريو متورطة في أنشطة مع منظمات إرهابية في منطقة الساحل، كما يتهم إيران وحزب الله بتسليح الجبهة وتدريب عناصرها؛ وهذا من بين المبررات الأساسية التي أدلت بها الرباط لما قطعت علاقاتها مع طهران. أما حزب الله اللبناني فكانت المملكة ضمن المصوتين على اعتباره منظمة إرهابية، بموجب مقرر لجامعة الدول العربية.

ويتزامن التوتر الحاصل بين المغرب والجزائر مع “تدهور” الأوضاع في الصحراء الغربية. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مؤخرا في تقرير قدمه لمجلس الأمن إلى أن الوضع في المنطقة تدهور “بشكل حاد” منذ انهيار وقف إطلاق النار، الذي كان ساريا منذ العام 1991، وذلك قبل عام من الآن.

وخلال السنة الماضية، نفذت القوات المسلحة الملكية المغربية، في تشرين الثاني/ نونبر، عملية في منطقة الكركارات العازلة المتاخمة للحدود مع موريتانيا. وجاءت الخطوة من بعد “عرقلة” أعضاء من “جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” الطريق الذي تمر منه شاحنات نقل البضائع نحو موريتانيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، حسب الرواية المغربية، مضيفة أنها جاءت لـ “إعادة إرساء حرية التنقل” المدني والتجاري في المنطقة. ولم تنتج عن هذا التدخل خسائر في الأرواح.

وتبعا لذلك أعلنت البوليساريو، في 14 تشرين الثاني/ نونبر 2020، “نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار”. ومازالت الجبهة تتحدث عن تنفيذ عمليات عسكرية شبه يومية في الصحراء الغربية، ووصل عدد بلاغاتها العسكرية إلى 357 في حدود الرابع من الشهر الجاري. وتقول الرباط إن الأوضاع في الصحراء الغربية عادية، غير أن قصفا صاروخيا من طرف عناصر الجبهة على معبر الكركرات عكر صفو الأجواء مجددا، إلا أن مصادر مغربية قللت من شأن الحادث، وقالت إن ما حصل في المنطقة “لم يُعطل حركة المرور”.

صورة: خيام تحترق كانت استخدمتها عناصر البوليساريو أثناء غلق معبر الكركرات، الحقوق محفوظة.

وفي أبريل/ نيسان من السنة الجارية، قالت مصادر إعلامية إن المغرب قتل الداه البندير، وهو قيادي عسكري كبير في جبهة البوليساريو، في غارة شنّتها القوات المسلحة المغربية بعد الاستعانة بطائرة مسيّرة في الصحراء الغربية.

وشكل الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية ضربة موجعة لدبلوماسية جبهة البوليساريو، لتنضاف بذلك إلى افتتاح قنصليات بمدينتي الداخلة والعيون، لما يناهز 25 دولة، ما يعني مساندتها الكبيرة للأطروحة المغربية.

في حين تصطدم الرباط بقرارات قضائية دولية تعاكس مواقفها من الصحراء الغربية. وخلال أيلول/ سبتمبر الماضي، قضت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ بإلغاء العمل باتفاقيتين تجاريتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، على أساس أنهما تشملان منتجات قادمة من الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المملكة وجبهة بوليساريو، واعتبرت أن الاتفاقيتين اللتين أبرمهما الاتحاد الأوروبي مع المغرب “لم تراعيا ضرورة الحصول على موافقة شعب الصحراء الغربية باعتباره طرفا معنيا بهما”، و”أنهما لا تمنحانه حقوقا بل تفرضان عليه واجبات”.

وفي خطاب رسمي بثه التلفزيون الرسمي المغربي، يوم 06 تشرين الثاني/ نونبر بمناسبة ذكرى “المسيرة الخضراء”، قال العاهل المغربي محمد السادس: “نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة إن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية”، في ما قد يبدو إشارة إلى الشركاء الأوروبيين للمغرب، مضيفا: “إن المغرب لا يتفاوض على صحرائه، ومغربية الصحراء لم تكن يوما ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات، وإنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي ، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل”، ما يعطي صورة عن الموقف المغربي من النزاع في الصحراء الغربية، الذي يبدو أنه لن يتزحزح.

الأوضاع الداخلية مأزومة

ويرى مراقبون أن تصاعد التوتر بين الجارتين الشقيقتين لا ينفصل عن الأزمات والاضطرابات الداخلية في كلا البلدين، فيما تعرف الأوضاع الحقوقية تراجعات مقلقة.

ويعاني صحافيون عدة في الأشهر الأخيرة من تضييق قضائي شمل محاكمات سريعة وعقوبات مشددة في كلا البلدين، وفق نشطاء ومنظمات حقوقية.

وقدر المدير العام لمنظمة مراسلون بلاحدود كريستوف ديلوار أن البلدين يحكمهما “نظامان غير مستقران يتصرفان بشكل سيئ وهما في طور الانغلاق فجأة في دوامة” قمع.

وحسب منظمات حقوقية جزائرية فإن السلطات زادت من حدة قمع الاحتجاجات مع دنو الانتخابات التشريعية التي أجريت في 12 حزيران/يونيو، وعرفت مقاطعة شعبية واسعة بعد نداءات الحراك الشعبي.

وكانت تلك الاستحقاقات خطوة إضافية لتمرير تجديد الواجهة السياسية للنظام العسكري الذي ضاق صدره من استمرار وتنامي احتجاجات الحراك، رغم حملات الاعتقال في صفوف النشطاء. فيما تشديد وزارة الداخلية على ضرورة الحصول على تصريح مسبق لتنظيم المسيرات الشعبية التي كانت تنظم أسبوعيا أيام الجمعة.

وبدت الدولة الجزائرية عاجزة أمام الفيروس التاجي، في ظل ضعف القطاع الصحي.

وتشهد الجزائر حراكا غير مسبوق منذ عام 2019 بعد ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة للولاية الخامسة، ما استفز الشعب الجزائري وأخرجه إلى الشارع للمطالبة بالتغيير السياسي. غير أن مناورات الجيش والسياسيين المقربين منه فرضت دستورا رفضه الحراك، وانتخابات قاطعها الشعب، وبقيت أصداء شعار “يتنحون جميعا” تتردد. بينما لم تبذل السلطات الجزائرية المجهود الكافي لمواجهة الفاسدين وجلبهم أمام القضاء.

صورة: جانب من الحراك الشعبي الجزائري، الحقوق محفوظة.

وألقت الجائحة بثقلها على البلد الشمال إفريقي، وتفاقمت الأزمة الاجتماعية، خصوصا مع انتشار البطالة، وتراجع حاد في العملة المحلية الدينار، رافقها ارتفاع كبير في أسعار عديد المواد الاستهلاكية هدد بشكل جدي القدرة الشرائية للمواطنين.

وبالمغرب فإن الأوضاع الحقوقية لا تقل وطأة، حيث ترى فئات واسعة من المواطنين أن المنظومة السياسية والمؤسساتية القائمة لا تستجيب لتطلعاتها، في ظل استشراء الفساد، وتمادي الدولة في إقرار سلسلة من السياسات التقشفية والنيوليبرالية، من قبيل التراجع عن الوظيفة العمومية والاستعاضة عنها بالتعاقد، في حين شجعت قطاعات التعليم الخصوصي وسط تراجع مؤشرات المدرسة العمومية المغربية؛ كما كشفت جائحة كورونا مدى ضعف المنظومة الصحية.

وتبدو الحركة الحقوقية منشغلة بما تصفه بالتراجع الخطير على مستوى الحريات الديمقراطية، مع تنامي الحصار المفروض على الحركات المناضلة أو المعارضة. وتوقفت العديد من المنابر الإعلامية المغربية “المزعجة” عن الصدور، في حين ارتفعت حدة محاكمة الصحافيين.

وواجهت السلطات “حراك الريف” الذي انطلق سنة 2016 على خلفية طحن المواطن محسن فكري في شاحنة لجمع الأزبال بالقمع، واتّهمته بخدمة أجندة انفصالية والتآمر للمسّ بأمن الدولة. وطالب الحراك بالتنمية و”رفع العسكرة” عن منطقة الريف شمال المغرب. واعتقل عدد كبير من قيادات الحركة الاحتجاجية، فيما يقضي العديد منهم عقوبات ثقيلة، مثل ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق المدانين بالسجن 20 عاما، في وقت تطالب أوساط واسعة في المغرب بإطلاق سراحهم.

وتحتج العديد من القوى الاجتماعية والنقابية على تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع أسعار المواد الأساسية.

صورة: تظاهرة احتجاجية للجبهة الاجتماعية المغربية بالدار البيضاء احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية، 23 فبراير/ شباط 2021، الحقوق محفوظة.

ووسط تنامي حدة الأزمات الاقتصادية والتراجعات الحقوقية في كلا البلدين، فإن تصاعد التوتر بينما سيؤدي لا محالة إلى تعميق هذه الأزمات.

سباق التسلح أو تجارة الموت

سبق أن تصادم الأشقاء في ما عرفت بـ “حرب الرمال“، بعد أن تصادم البلدان يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1963، في مواجهة عسكرية، غير مسبوقة، على خلفية نزاع حدودي من تركة الاستعمار الفرنسي. ورغم أن الحرب دامت لأيام فقط، بعد تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بشكل مؤقت في 05 تشرين الثاني/ نونبر، تلاه اتفاق بوقف دائم لإطلاق النار في 20 شباط/ فبراير 1964، برعاية منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) وجامعة الدول العربية، إلا أن ذلك ترك جرحا عميقا في العلاقات بين البلدين الجارين.

ومنذ ذلك الحين، دخلت الرباط والجزائر في سباق تسلح دائم، عزّزه نشوب النزاع في الصحراء الغربية بعد طرد الاستعمار الإسباني، وحالة التوجس المستمرة بين العاصمتين، في حين استفادت المجمعات الصناعية الغربية من هذا الفتيل.

وتحتفظ الجزائر، الغنية بالثروات النفطية، بالصدارة الإفريقية من حيث ميزانية الإنفاق العسكري. ومع إبراز المواقع الإلكترونية المتخصصة، من ضمنها “غلوبال فاير باور“، التفوق الجزائري من حيث القوة العسكرية على جارته الغربية، إلا أن المملكة كشفت عن نوايا صريحة لأن تفرض نفسها قوة عسكرية إقليمية غير مشكوك في قدراتها.

ولما كانت الجزائر منشغلة بالحراك الشعبي الذي عصف بعبد العزيز بوتفليقة وبعض من رموز فترة حكمه، كان المغرب يعزز ترسانته الحربية باقتناء سرب من طائرات “إف-16” المقاتلة، وحصل على 400 قاذفة صواريخ مضادة للدّروع من طراز “تاو”، ونحو 2400 صاروخ “تاو” منها 28 للتجارب الأولية قبل الشراء، وبعض تلك القاذفات تعمل بنظم توجيه مختلفة أحدث وأدق والمعروفة بالنظم المطورة لاحتواء الأهداف “ITAS”، مقابل مع صفقة بلغت قيمتها مليار دولار أمريكي، مع الحليف التاريخي للرباط، الولايات المتحدة الأمريكية.

أما الجزائر فتسند جانبها على الحليف الإستراتيجي الكلاسيكي، الاتحاد الروسي، الذي أتم معها صفقة كبيرة سنة 2019، مباشرة بعد أشهر قليلة من الصفقة بين واشنطن والرباط؛ الأمر يتعلق بـ 14 مقاتلة شبح من طراز “سوخوي 57″، وهي أكثر المقاتلات الروسية تطورا وتعتبر الجزائر المشتري العالمي الأول لها، وسينتهي توريدها عام 2025؛ إضافة إلى صفقة توريد لـ 14 مقاتلة نفاثة “سوخوي 35″، و14 قاذفة قنابل “سوخوي 34″، مع الاتفاق على إمكانية توريد سربين آخرين بالأعداد نفسها للإحلال والتبديل المستقبلي.

ودائما ما تعلن مصادر إعلامية عن صفقات عسكرية كبيرة من الجانبين. وذهب المغرب مؤخرا إلى اقتناء 12 طائرة بدون طيار من طراز تيبي 12 بيراقدارتركية الصنع، مع ما يترافق معها من مستلزمات التوجيه والتدريب، وهو سلاح ساهم في قلب المعادلات في الحرب الأهلية في ليبيا، والحرب بين أرمينيا وأذربيجان على خلفية النزاع حول إقليم قره باغ.

صورة: طائرة بدون طيار من طراز “إم كيو-9 بي سي غارديان”، armadainternational، الحقوق محفوظة.

كان الرد الجزائري سريعا، إذ طلب الجيش الجزائري من الصين تزويده بـ 24 طائرة بدون طيار من طراز “وينغ لونغ 2” التابعة لشركة “AVIC” الصينية.

تعلم أيضا أن الجزائر هي الشريك الإفريقي الأول للصين في التجارة العسكرية، إذ تعتبر المستورد الإفريقي الأول للأسلحة الصينية وثالث أكبر مشتر للسلاح الصيني على مستوى العالم.

ويبدو أن التقاطب بين التوجه المغربي نحو الصناعة العسكرية الأمريكية أساسا، والتوجه الجزائري نحو الصناعتين العسكريتين الروسية والصينية، ملمحا بارزا من التقاطب الدولي المتصاعد بين واشنطن من جهة، وبكين وموسكو من جهة، ليجد التوتر بين الجارتين نفسه أكبر من أن يكون ذا طابع إقليمي محدود، بقدر ما يؤشر على أنه شرارة من شرارات الحرب الباردة المتقدة مسبقا بين القوى العالمية الكبرى.

صورة: طائرة بدون طيار “وينغ لونغ 2” الصينية الصنع، defenceview، الحقوق محفوظة.

وإذا كان المغرب فاجأ جيرانه بحصوله على صفقة قمرين صناعيين ثمينين من فرنسا سنة 2015، ما أتاح له تقدما استخباراتيا كبيرا في المنطقة، إلا أن ما يقلق الجزائر أكثر الآن هو إمكانية حصول الرباط على أسلحة إسرائيلية أو بداية تصنيعها.

وكشف موقع “لوديسك” المغربي، يوم 05 تشرين الثاني/ نونبر، أن شركة رافائيل الإسرائيلية مهتمة بتزويد المغرب بمنظومة “القبة الحديدية”. وقبل ذلك تم الحديث عن مفاوضات مغربية – إسرائيلية لتصنيع الطائرات بدون طيار كاميكازي الانتحارية على أراضي المملكة.

ولما طبع المغرب علاقاته مع إسرائيل، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، وعد البيت الأبيض المملكة بأربع طائرات بدون طيار من طراز “إم كيو-9 بي سي غارديان” فائقة التكنولوجيا، وهي مصممة على أساس “إم كيو-1 بريداتور”، لكنها أكبر منها كثيرا بغرض استخدامها أيضا كقاذفة للصواريخ في القتال.

صورة: طائرة بدون طيار من طراز “إم كيو-9 بي سي غارديان”، armadainternational، الحقوق محفوظة.

ويرى مراقبون أن فرص التعاون والتكامل بين المغرب والجزائر، وكذلك البلدان المغاربية، من شأنها أن تعود بمنافع كبيرة على المسارات التنموية لهاته البلدان، خصوصا في ظل الثورات البشرية والطبيعية التي تتوفر عليها، خصوصا النفط، الماء، المعادن والثروات السمكية والفلاحية، غير أن التوترات المتتالية مازالت تعرقل هذا التكامل الاقتصادي، وتفرق بين شعوب المنطقة ذات القواسم المشتركة الكثيرة؛ ناهيك عن الأموال الطائلة المهدورة في معارك تجانب الصالح المشترك للشعوب.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

أمريكا

كيف عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

مدار: 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أعطى الناخبون الأمريكيون أصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، المعروف بتوجهاته اليمينية المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين. بهذا، يضمن