الجزائر تراوح الصفيح الساخن بعد انتخابات قاطعها الشعب وحكومة تكرس النظام القديم

مشاركة المقال

مدار: 16 تموز/ يوليو 2021

بعدما شهدت الانتخابات التشريعية الجزائرية، التي جرت أطوارها يوم 12 حزيران/ يونيو الماضي، مقاطعة شعبية واسعة، فقد بلغ عدد من شاركوا بالتصويت فيها 5 ملايين و625 ألفا و324 (من أصل 24 مليون و425 ألفا و171) منهم 42 ألفا و242 في الخارج، حسب ما سبق أن أعلنه رئيس السّلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات، محمد شرفي؛ عين الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون (الذي يواجه مطالب بالرحيل عن السلطة رفقة كافة رموز النظام الجزائري “العسكري” القائم من طرف نشطاء الحراك المستمر)، وزير المالية السابق أيمن بن عبد الرحمن رئيسا للوزراء، خلفا لعبد العزيز جراد، مكلفا إياه بتشكيل حكومة جديدة.

 وكان حزب جبهة التّحرير الوطني، الذي كان يوصف بأنه حزب السلطة، تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية بتمكنه من 105 مقاعد، في حين جاء المستقلون في الرتبة الثانية بـ 78 مقعدا، وحزب حركة مجتمع السّلم الإسلامي في المرتبة الثالثة بعدد مقاعد بلغ 64، حسب المصدر الرسمي ذاته، بينما قاطع الاستحقاقات الانتخابية جبهة القوى الاشتراكية، أقدم الأحزاب المعارضة في البلاد، إلى جانب كل من التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب العمال، والاتحاد من أجل التغيير والتقدم، وتجمع “نداء 22″، موردا أن “الانتخابات لا تشكل حلا للأزمة متعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد”.

وكان محللون لنتائج الانتخابات أشاروا إلى أنها تمثل الفشل الثالث للرئيس تبون، الذي غيبه مرضه بفيروس كورونا لمدة طويلة في المستشفيات الألمانية؛ وذلك بعد انتخابه بحصيلة ضعيفة نهاية 2019، والاستفتاء على الدستور الذي قاطعه الجزائريون،

وجاءت الحكومة الجديدة في الجزائر مؤكدة ما ردده كثيرا نشطاء الحراك الشعبي الاحتجاجي، الذي استمر في المطالبة بإسقاط النظام رغم نجاحه في إسقاط الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، إذ إن نحو نصف وزرائها من الحكومة السابقة، مع عودة وجوه من عهد بوتفليقة أبرزها رمطان لعمامرة، الذي استبدل وزير الخارجية صبري بوقدوم، وكان قد شغل الحقيبة ذاتها زمن حكم الرئيس السابق قبل أن يستقيل الأخير بضغط من الحراك في نيسان/أبريل 2019، علما أن اسمه طُرح بعد عام  لتولي منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، لكنّ مسعاه فشل بعد معارضة دول عربية.

وتعد الحكومة الجديدة أغلبية رئاسية بعدما شكلت من كتل برلمانية مؤيدة لسياسات الرئيس عبد المجيد تبون، الذي احتفظ بحقيبة الدفاع خارج التشكيلة الحكومية، وفق نمط سياسي يعود إلى تسعينيات القرن الماضي. وبهذا يكون تبون أخلف تعهده ببناء “جزائر جديدة”، مكرسا استمرار النظام السياسي القديم بمختلف رموزه، وتاركا البلاد على صفيح ساخن ومفتوحة على أفق مظلم لا يمكن التكهن بمآلاته، وذلك بعد أن مر إلى السرعة القصوى في قمع الحراك الشعبي الذي عاد بقوة بعد عام من التوقف بسبب التداعيات التي خلفها انتشار فيروس كورونا المستجد.

وحسب منظمات حقوقية جزائرية فإن السلطات زادت من حدة قمع الاحتجاجات مع دنو الانتخابات التشريعية التي أجريت في 12 حزيران/يونيو، ونادى الحراك الشعبي بمقاطعتها، وذلك لتمرير تجديد الواجهة السياسية للنظام العسكري الذي ضاق صدره من استمرار وتنامي احتجاجات الحراك رغم حملات الاعتقال في صفوف النشطاء، وتشديد وزارة الداخلية على ضرورة الحصول على تصريح مسبق لتنظيم المسيرات الشعبية التي تنظم أسبوعيا أيام الجمعة.

وفي آخر جمعة احتجاجية عرفها الحراك الشعبي في التاسع من تموز/ يوليو الجاري (الجمعة 125)، شهدت الكثير من الولايات الجزائرية مظاهرات حاشدة، رغم استمرار سياسة القمع التي أصبح يعتمدها النظام العسكري في مواجهة المحتجين، إذ خرج الآلاف في ولايات تيزي وزو، وسكيكيدة، والبويرة، وبجاية،  ومستغانم، وسيدي بلعباس، وسطيف، وغيرها، مجددين مطالب رحيل النظام القائم مع إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.

وهيمنت مطالب الإفراج عن معتقلي الحراك على  الشعارات التي رفعها المحتجون في الجمعة الأخيرة، ومنها: “طلقوا ولادنا يا ولاد فرنسا”، “هوما ياكلو البترول والسيلون (الزنزانة) للزوالي (الفقير)”، “نوضوا يا الأولاد خاوتنا في لحباس”، وأخرى تصف استمرار النظام القديم، ومنها: “مازال بوتفليقة خامسة فالوثيقة”، “تبون بوتفليقة برنامج تكميلي”، “مسلسل بوتفليقة كيما اليوم كيما بكري”…

ومن المرتقب أن تعرف الجزائر اليوم الجمعة فصلا جديدا من “جمعات الحراك”، معه ما تشهده من إنزالات أمنية مكثفة وحتى تدخلات لفض المحتجين واعتقال البعض منهم؛ فهل توصل الدولة الجزائرية مقاربتها القمعية في التعامل مع الحراك الشعبي بعد تمرير التشكيلة الحكومية الجديدة /القديمة؟.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة