مصر.. اجتياح رفح يعيد مطلب إلغاء اتفاقية “كامب ديفيد” بقوة إلى الواجهة

مشاركة المقال

مدار: 09 أيار/ مايو 2024

تصاعد الغضب الرسمي والشعبي المصريين تجاه الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية، غداة سيطرة القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من المعبر الحدودي مع مصر، في تحرك اعتبره الكثيرون تهديدا لمسار المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن، وتهديدا آخر للأمن القومي المصري.

وأثارت هذه الخطوة دعوات شعبية مصرية لتعليق العمل باتفاقية “السلام” (كامب ديفد) الموقعة بين الطرفين أو الانسحاب منها، في ظل تقويض إسرائيل التزاماتها التعاقدية مع مصر.

وعلى الرغم من الرفض الشعبي الواسع، وقع الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات المعاهدة بين مصر وإسرائيل عام 1979، بدعوى إنهاء حالة الحرب وتطبيع العلاقات بين السلطتين، تمهيدا لتسوية تفضي إلى الانسحاب الكامل من الأراضي المصرية، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، تتوالى المطالبات بإلغائها، تزامنا مع حراكات كان أبرزها اقتحام السفارة الإسرائيلية في نهاية 2011.

مجزرة جديدة.. وتحذيرات مصرية فلسطينية

بالرغم من التحذيرات المتواصلة، شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخططها لاحتياج مدينة رفح الفلسطينية جنوبي غزة – الملجأ الأخير لضحايا الإبادة الجماعية الإسرائيلية النازحين في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر – لتعلن لاحقا الاستيلاء على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر، صباح الثلاثاء 7 أيار/ مايو 2024.

منذ بداية العدوان الإسرائيلي، نزح مئات الآلاف قسرا إلى رفح عدة مرات، بعد دعاية إسرائيلية بأنها “منطقة آمنة”، ليجدو أنفسهم الآن مرغمين على النزوح مرة أخرى نحو الشمال حيث لا مأمن أيضا، مع بدء قوات الاحتلال إخلاء الجزء الشرقي من المدينة تحت القصف المدفعي، الذي أوقع العديد من الضحايا بين شهيد وجريح، وسط استنكار دولي، في الوقت الذي أعلن جيش الاحتلال توسيع عملياته العسكرية في المنطقة.

مصر المتوترة من تطورات الأحداث أدانت في بيان صادر عن وزارة خارجيتها العمليات العسكرية الإسرائيلية فى مدينة رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من سيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، معتبرة أن هذا التصعيد الخطير يهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني يعتمدون اعتماداً أساسياً على هذا المعبر باعتباره شريان الحياة الرئيسي لقطاع غزة، والمنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقي العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى القطاع.

ودعت مصر الاحتلال الإسرائيلي إلى الابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، و التي من شأنها أن تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل قطاع غزة، كما طالبت جميع الأطراف الدولية المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية لتحقق نتائجها المرجوة.

دعوات لقطع العلاقات وتحرك عسكري

الاجتياح العسكري الإسرائيلي قوبل باستنكار من الأوساط السياسية والشعبية والمهنية المصرية، حيث دعت الحركة المدنية الديمقراطية – وهي تحالف من أحزاب يسارية ومدنية وشخصيات عامة معارضة – إلى طرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من القاهرة وقطع العلاقات معها، مع اعتبار اتفاقية “كامب ديفيد” وما ترتب عليها لاغياً، بعد أن انتهكت إسرائيل بنودها وأسقطتها عملياً من جانب واحد.

وأعلن التحالف نفسه عزمه التقدم بطلب إلى البرلمان المصري للمطالبة بإسقاط الاتفاقية، ودعمه حق مصر وقواتها المسلحة وبدعم من الشعب في استخدام كل أدوات ومصادر القوة لرد العدوان.

بدورها، أكدت أحزاب شيوعية ويسارية أن كل مصري يعتبر مثل هذا الاجتياح العسكري عدوانا مزدوجا على الشعبين المصري والفلسطيني يوجب إلغاء اتفاقية “كامب ديفيد” وتوابعها بعد أن داسها الاحتلال بالأقدام، وعاثت قواته في المنطقة تخريبا ودمارا، مؤكدة أن العدوان الإسرائيلي لن يمر بغير عقاب وأن شعب مصر يفتح للفلسطين كل بيوته، ولكنه يرفض تهجيرهم طردا إلى سيناء احتراما فى حقهم فى البقاء في أرضهم وحقهم في تقرير المصير ودفعا لمخطط تهويد وصهينة الأرض.

كما خرجت مطالبات بإرسال قوات عسكرية كافية لحماية الحدود في سيناء، على خلفية الاجتياح الإسرائيلي لرفح، الذي يعد خرقا واضحا لاتفاقية السلام، حسب الأوساط المصرية الغاضبة.

حراك طلابي متصاعد

مهنيا، اعتبرت نقابة الصحفيين المصريين اجتياح جيش الاحتلال لمدينة رفح، ورفع العلم الصهيوني على معبر رفح من الجانب الفلسطينى “خرقا فجا” لاتفاقية كامب ديفيد، وتهديدا للأمن القومى المصرى، “لا بد من الرد عليه بكل قوة”، مؤكدة أن التهديد الصهيوني بمجزرة على حدود مصر يمثل إعلانًا للحرب لا يمكن السكوت عنه، ولابد من التحرك العاجل لوقفه، ووقف العدوان الصهيوني، وحرب الإبادة الجماعية، التي تُمارس ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية وسط تواطؤ دولي.

ودعا نقيب الصحفيين المصريين إلى قطع العلاقات مع دولة الاحتلال، وإلغاء الاتفاقية معها، واعتبارها كأن لم تكن، مشددا على وقوفه خلف كل الخطط الرامية لوقف للاجتياح البري لرفح بما يهدد حياة أكثر من مليوني فلسطيني أعزل.

مع تصاعد الحراك الطلابي العالمي الداعم لفلسطين، أعلنت حركة طلاب مصر لأجل فلسطين عن تدشين حراك “طلاب من أجل فلسطين” في جميع الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة، ودعا جموع الطلبة المصريين للالتحاق به، تلبية لنداء الواجب والمسؤولية نحو القضية الفلسطينية، كما وجّخ نداءً لوزارة التعليم المصرية بإصدار قرار يحظر جميع المنتجات والشركات الداعمة لجرائم الاحتلال.

الحراك الطلابي المصري أدان أيضا الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في منطقة رفح، والتي تشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، وعبر عن استنكاره الشديد لهذه “الأعمال البربرية” التي تستهدف المدنيين الأبرياء وتزيد من معاناتهم، موضحا أن وجود الاحتلال الصهيوني في رفح وسيطرته على المعبر من الجانب الفلسطيني ما هو إلا نقطة جديدة في بحر الانتهاكات لمعاهدة “كامب ديفيد” التي أصبحت باطلة بكل الصور و بكافة الأشكال.

المطالبات السياسية والشعبية تصطدم بصخرة القرارين السياسي والأمني، ففي الوقت الذي حذر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من خطورة اجتياح مدينة رفح الفلسطينية معتبرا إياها “خطا أحمر”، لم يجد التلويح غير واضح المعالم بالرد ترجمة على أرض الواقع مع دخول جيش الاحتلال على بعد أمتار من الحدود المصرية.

قوات الأمن المصرية ألقت أيضا القبض على عدد من المشاركين في وقفة تضامنية مع فلسطين، نظمها ناشطون أمام مبنى نقابة الصحفيين المصريين، قبل أسابيع، رفعوا خلالها لافتات تطالب بإلغاء “كامب ديفيد” وقطع كافة العلاقات مع إسرائيل، ردا على استمرار جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، قبل الإفراج عنهم لاحقا، في الوقت الذي ما يزال آخرون قيد الاعتقال لمشاركتهم في فعاليات لدعم فلسطين، وسط مطالبات بالإفراج عنهم.

ووسط الصمت الرسمي المصري والضغط الشعبي المتواصل، ما يزال الحديث عن تعليق “كامب ديفيد” وقطع العلاقات الدبلوماسية غير واضح المعالم والنتائج، خاصة في ظل عدم إقدام السلطة المصرية عليه منذ توقيع الاتفاقية، وسط ترقب لمدى تأثير تصاعد وتيرة الأحداث قرب الحدود المصرية على مصيرها.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

أمريكا

كيف عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

مدار: 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أعطى الناخبون الأمريكيون أصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، المعروف بتوجهاته اليمينية المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين. بهذا، يضمن