مدار: 20 حزيران/ يونيو 2021
مازالت الأحداث العنيفة التي هزت شمال شرق دلهي في الفترة الفاصلة ما بين 23 و26 فبراير/شباط 2020، والتي جاءت عقب الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد بسبب قانون تعديل المواطنة، وخلفت ما لا يقل عن 53 قتيلا ومئات الجرحى، تلقي بظلالها على من شارك فيها، خصوصا من الطلبة.
وعودة إلى أحداث شباط/ فبراير فقد خلق تعاطي الشرطة وتقاعسها عديد علامات الاستفهام حول تواطئها المزعوم في بعض الحالات، لاسيما تلك التي كانت الأحياء الخاصة بالأقليات مسرحا لها، وهو الأمر الذي أكدته مجموعة من المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان؛ وذلك ما تجلى أيضا في تقرير أجرته منظمة العفو الدولية.
لكن وبعد أن هدأت الأمور شيئا ما بدأت الشرطة في عمليات اعتقال استهدفت من اعتبرتهم قادة ومحرضي أعمال الشغب التي صاحبت الاحتجاجات ضد قانون تعديل المواطنة، بل ووصلت التهم حد محاولة تضمينها ضمن “العمل الإرهابي”.
ومن ضمن من اعتقلوا ثلاثة طلبة هم: كاليتا، ناروال وتانها، وتم القبض عليهم بسبب مزاعم الشرطة بأنهم شاركوا وقادوا “أعمال شغب” كانت نتيجة “مخطط مسبق”، وتم “التخطيط لها لأسباب لا علاقة لها بالقانون”، ضمن ما وصفتها بـ”مؤامرة للتحريض على العنف وسط الاحتجاجات المناهضة للتعديل”؛ كما زعمت أن المتهمين جزء من “مؤامرة أكبر لتشويه سمعة حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي”. وتم في الإطار نفسه اعتقال العديد من الطلاب والنشطاء الآخرين بناء على اتهامات تحت ذريعة “التآمر”.
ومع ذلك، وفي حين أخفقت الشرطة مرارا وتكرارا في تقديم أي دليل يثبت صلة كاليتا، ناروال وتانها، بالتحريض على العنف، رفضت المحاكم التي كانت تبت في هذه القضايا الإفراج عنهم بكفالة عدة مرات في وقت سابق.
وبعد مدة من تداول القضايا التي توبعوا على خلفيتها، حكمت المحكمة بالإفراج عن كاليتا بكفالة من قبل مفوضية دلهي في ثلاث حالات، لكنها في المقابل رفضت الإفراج عنها بكفالة في قضية واحدة.
في كانون الثاني/ يناير 2021، خلصت المحكمة في إحدى الجلسات إلى رفض الإفراج على المتابعين الثلاثة بكفالة، مرجعة الأمر إلى أنه أثناء قيادة الطلبة الثلاثة لتظاهرة أدت إلى إغلاق الطرق عمدا لإحداث إزعاج وتعطيل إمداد الخدمات الأساسية، ما كان وراء حدوث أعمال عنف، ثم أدى إلى ما يمكن أن يصنف تحت تعريف “العمل الإرهابي”.
ومن أجل هذه الاتهامات الجديدة أصدرت المحكمة أوامر بالاطلاع على محتوى هواتف الثلاثة ومنعهم من التواصل مع الوسط الخارجي، لكن وبعد جلسات عديدة بدأت المحكمة في التقليص من حدة التهم إلى درجة أنها حكمت في وقت سابق بحصول نروال على كفالة مؤقتة لحضور جنازة والدها. وقد أثار هذا مرة أخرى ضجة كبيرة على قرار المحكمة الذي جاء بعد فوات الأوان.
أخيرا وبعد مسلسل طويل من المحاكمات والجلسات أعلنت المحكمة العليا بنيودلهي عن الإفراج على طالبي جامعة الوحدة الوطنية، ناتاشا نروال وديفانجانا كاليتا، وطالب جامعة الملة الإسلامية آصف إقبال تانها، معبرة في حكمها عن أن الشرطة وقع لها لبس في تحديد الخط الفاصل بين الحق في الاحتجاج والنشاط الإرهابي.
هذا ووصفت المحكمة العليا تعريف “العمل الإرهابي” بأنه “غامض إلى حد ما” بموجب قوانين UAPA (قانون التصدي للأنشطة غير المشروعة) الصارمة، وحذرت من استخدامه “بطريقة متعجرفة”، كما ألغت أمر المحكمة برفض الإفراج بكفالة عن الطلاب الناشطين.
وفي معرض الحكم قالت المحكمة: “نحن نرى أن أمتنا تقف على أسس أكثر أمانا على أن تهتز بسبب احتجاج، مهما كان شرسا، تنظمه مجموعة من طلاب الجامعات أو أشخاص آخرين”.
كما أوردت المحكمة العليا: “نحن مضطرون للتعبير عن أنه وفي خضم قلق الدولة وقيامها بقمع المعارضة، يبدو أن الخط الفاصل بين الحق المكفول دستوريا في الاحتجاج والنشاط الإرهابي قد أصبح غير واضح إلى حد ما”، مضيفة: “إذا اكتسبت هذه العقلية زخما فسيكون يوما حزينا للديمقراطية التي ستكون في خطر”، منتهية في الأخير إلى أنه لا يوجد ما يظهر احتمال ارتكاب عمل إرهابي.
كما قالت المحكمة العليا إنه لا يوجد أي شيء على الإطلاق في لائحة الاتهام التي قدمها الادعاء تثبت احتمال ارتكاب “عمل إرهابي” يندرج ضمن القسم 15 من قانون مكافحة الإرهاب، وهو فعل “جمع الأموال” لارتكاب عمل إرهابي، ولا بموجب القسم 17 المعني بالأفعال الدالة على الوقوف خلف “مؤامرة” لارتكاب “عمل تحضيري” أو لارتكاب “عمل إرهابي”؛ كما أشارت إلى أن لائحة الاتهام قد تم تقديمها في 16 شتنبر/ أيلول 2020 وتضم أكثر من 740 شاهد إثبات، وأن المحاكمة في بعض الادعاءات لم تبدأ بعد ومن غير المرجح أن تبدأ قريبًا في ضوء الأداء المبتور للمحاكم بسبب الموجة الثانية السائدة من كوفيد-19.
وفي ما يتعلق بناروال وكاليتا، قالت المحكمة العليا إنه بالنظر إلى خلفيتهما التعليمية وملفهما ومكانتهما في الحياة، لا ترى أي سبب للشك أو الاعتقاد بأنهم يمثلون خطرا أو أنهم سيكون لهم أي دور في إعاقة المحاكمة بأي شكل من الأشكال؛ كما أوردت أنه في ما يخص المزاعم المتعلقة بالخطب التحريضية لناروال وتحريض النساء على الاحتجاج وتخزين مقالات مختلفة ومزاعم أخرى مماثلة، هي دليل على مشاركتها في تنظيم الاحتجاجات، لكن لا يوجد دليل محدد على أنها حرضت على العنف ولا يمكن الحديث عن ارتكاب عمل إرهابي أو مؤامرة لارتكابه.
وفي ما يتعلق بكاليتا لاحظت المحكمة حسب نص القرار أنها بصفتها عضوا في منظمات حقوق المرأة والمجموعات الأخرى، شاركت بالفعل وساعدت في تنظيم احتجاجات ضد قانون التعديل ومجلس اللاجئين في دلهي، لكن ذلك حسبها يدخل ضمن الحق في الاحتجاج، وهو حق أساسي في التجمع السلمي بدون أسلحة، مضيفة: “إنه بالتأكيد ليس محظورا على القانون ولا يمكن وصفه بأنه ‘عمل إرهابي’ بالمعنى المقصود في قانون مكافحة الإرهاب، ما لم تكن عناصر الجرائم واضحة من الادعاءات”.
وفي ما يخص تانها فلم تجد المحكمة أي سبب للإبقاء عليه معتقلا.