هل سيدع حاملو الأسلحة كوكبنا يلفظ أنفاسه (عدد 44. 2021).

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 25 آذار/ مارس 2022

فيجاي براشاد*

كريس جوردن (الولايات المتحدة الأمريكية) ، السيارات المسحوقة #2 تاكوما،2004.

لعلّه من الملائم وصول رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن إلى غلاسكو من أجل مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للأطراف (COP26) المتعلق بكارثة المناخ، بحضور خمس وثمانين سيارة في غضون شهرين؛ وذلك بعد التصريح قائلاً: “أنا رجل سيارات” (للاطلاع على التفاصيل المتعلقة بكارثة المناخ، انظر برقيتنا الحمراء رقم.11 “أرض واحدة فقط”). ثمة ثلاثة بلدان في العالم فقط لديها سيارات لكل شخص أكثر من الولايات المتحدة. لدى هذه البلدان (فنلندا، أندورا وإيطاليا) سكان أقل عدداً من الولايات المتحدة.

 قبل أن يغادر بايدن لحضور قمة مجموعة العشرين ولقاء البابا فرنسيس والأطراف المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، كانت إدارته تضغط على الدول المنتجة للنفط (أوبك بلس) “للقيام بما تقتضيه الضرورة عندما يتعلق الأمر بالعرض”- أي زيادة إنتاج  النفط. وفي حين ضغطت الولايات المتحدة على أوبك لتعزيز إنتاج النفط، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) تقريره الرئيسي عن الانبعاثات العالمية. 

 وأشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن بلدان مجموعة العشرين (G20) تمثل ما يقرب من 80 في المائة من غازات الاحتباس الحراري العالمية، وأن البلدان الرئيسية الثلاثة الأعلى من حيث انبعاثات الكربون هي المملكة العربية السعودية وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية.

إن عدد سكان المملكة العربية السعودية (34 مليونا) وأستراليا (26 مليونا) منخفض مقارنة بنظيرتهما الولايات المتحدة الأميركية (330 مليونا)، فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية تطلق كميات من ثاني أكسيد الكربون أكبر بكثير من هذين البلدين: تمثل استراليا 1.2% من انبعاثات الكربون العالمية، فيما تمثل السعودية 1.8% والولايات المتحدة 14.8%.

فرانشيسكو كليمنتي(إيطاليا)، ستة عشرة تعويذة للطريق (الثاني عشر) 2012-2013.

سبق لقاء غلاسكو اجتماع قادة مجموعة العشرين في روما لتحديد نهجهم صوب كارثة المناخ. وكان البيان الذي تمخض عنه الاجتماع “إعلان قادة مجموعة العشرين في روما” متميزاً، يحفل باستخدام مصطلحات من قبيل “إحراز التقدم”، و”تعزيز الإجراءات” و”توسيع المجال”.

طبقاً لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، ما لم يتم خفض الانبعاثات الكربونية، فمن غير المرجح أن يتحقق الهدف الرئيسي المتمثل في ألّا يتجاوز ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل مرحلة الصناعة. وتشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن هناك فرصة تبلغ 83% لبلوغ هذا الهدف في حال تم خفض الانبعاثات الكربونية إلى 300 جيغا طن من الآن وحتى الوقت الذي نحقق فيه صافي انبعاثات الكربون صفر (هناك حالياً 35 جيغا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية من الوقود الأحفوري).

 هناك احتمال بنسبة 17% فقط للوصول إلى زيادة في درجة الحرارة العالمية بما لا يتعدى 1.5 درجة مئوية، إذا كان بوسعنا فقط خفض الانبعاثات إلى 900 جيغا طن. إذ تشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أنه كلما أسرع العالم في التحرك نحو الانبعاثات الصافية الصفرية، كلما كانت فرصة منع مستويات الاحترار الكارثية أفضل.

لم تتفوه أي من الدول القوية في اجتماع مؤتمر الأطراف 21 سنة 2015 في باريس بعبارة “صافي الانبعاثات الصفرية”. الآن، وبفضل عمل تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والحملات الجماهيرية حول العالم بشأن الحالة المناخية الطارئة، يتحتم على عبارة “صافي الانبعاثات الصفرية” أن تتواجد في أفواه القادة الذين يفضلون أن يكونوا “رجال سيارات”. رغم أن الحاجة إلى التحرك وصولا إلى انبعاثات الكربون الصفرية بحلول العام 2050 ظلّت مطروحة لعدة سنوات، فإن بيان مجموعة دول العشرين تجاهل ذلك واختار صياغة غامضة مفادها أن صافي الانبعاثات لابد أن ينتهي “بحلول منتصف القرن أو نحوه”.

ايوان سواستيكا (اندونيسيا)، الجمال والهشاشة (كوكب الأرض) ،2020.

قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشال باشليت، في الأيام التي سبقت مؤتمر الأطراف 26 إنه “حان الوقت لوضع الخطابات الفارغة والوعود المعطلة والعهود التي لم يتم الإيفاء بها خلفنا. نحن بحاجة إلى سن قوانين، برامج يتم تنفيذها، وتمويل الاستثمارات بسرعة وعلى نحو سليم بلا مزيد من التأخير”.

على أي حال، لقد كان هناك تأخير منذ مؤتمر الأمم المتحدة لسنة 1992 المتعلق بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو، ومن قبله مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الذي عقد في ستوكهولم (1972)، حيث تعهدت دول العالم بأمرين: عكس مسار التدهور البيئي والاعتراف بـ”المسؤوليات المشتركة المتباينة” التي تقع على عاتق البلدان المتقدمة والنامية. من الواضح أن الدول المتقدمة، تحديداً الغرب، وهي القوى الاستعمارية القديمة، استخدمت أكثر بكثير من نصيبها من “ميزانية الكربون”، بينما الدول النامية لم تسهم بتاتاً بنفس القدر تجاه الكارثة المناخية كما كافحت من أجل الوفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه سكانها.

تأثرت صياغة ريو – المسؤوليات المشتركة والمتباينة – ببروتوكول كيوتو (1997)، واتفاق باريس للمناخ (2015). لقد قطعت وعودٌ كثيرة لكن لم يوف بأي منها. كما وعدت البلدان المتقدمة بما أسمته “تمويل المناخ” للتخفيف من النتائج المروعة للكارثة المناخية وتحويل الاعتماد على الطاقة القائمة على الكربون إلى أشكال الطاقة الأخرى المختلفة. ظلّ صندوق المناخ الأخضر أصغر بكثير من الالتزام السنوي البالغ 100 مليار دولار الذي تم التعهد به سنة 2009، ولم يتوصل اجتماع مجموعة العشرين في روما إلى أي توافق في الآراء بشأن الصندوق الفارغ؛ في الوقت نفسه، من المهم إدراك التناقض الصارخ المتمثل في أنه تم خلال الجائحة صرف ما مجموعه 16 تريليون دولار من الحوافز المالية بين مارس 2020 ومارس 2021، لا سيما في البلدان المتقدمة. ونظراً لاحتمال إجراء مناقشة جادة بشأن تمويل المناخ، فمن المرجح أن يكون مؤتمر الأطراف 26 قد فشل.

هي ننج(الصين)، الواجهة البحرية، 1986.

من المأساوي أن إجراء مؤتمر الأطراف 26 غلبت عليه الكثير من التوترات الجيوسياسية الخطيرة، التي تحركها الولايات المتحدة إلى حد كبير في سعيها إلى منع تقدم الصين العلمي والتكنولوجي. يحتل الفحم مركز النقاش، مع الحجة القائلة إنه ما لم تقلل الصين والهند محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، فلن يكون من الممكن خفض انبعاثات الكربون. ذكر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في مقر الأمم المتحدة في سبتمبر: “سوف تسعى الصين إلى بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060″؛ وأوضح أيضا أن الصين “لن تبني مصانع جديدة تعمل بالفحم ما وراء البحار”. وكان هذا تصريحا مهولاً، متقدما كثيراً على التعهدات التي قطعتها القوى العالمية الكبرى الأخرى. وبدلاً من البناء على هذا الالتزام، كانت المناقشة التي قادها الغرب تتلخص إلى حد كبير في إساءة معاملة البلدان النامية، بما فيها الصين، وإلقاء اللوم عليها بسبب كارثة المناخ.

وبيّن الاقتصادي الخبير جون روس مؤخراً من خلال النظر إلى أدلة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه وفقاً لمقترح الولايات المتحدة الذي تبنته لخفض الانبعاثات الحالية بنسبة 50-52% مقارنة بمستويات العام 2005، فإن مستوى نصيب الفرد من الانبعاثات في البلاد سيظل يشكل 220% من المتوسط العالمي في العام 2030. وإذا ما تمكنت الولايات المتحدة من بلوغ هدفها فإن نصيب الفرد من الانبعاثات الكربونية في البلاد عام 2030 سوف يكون أعلى بنسبة 42% من نظيره في الصين اليوم.

وأشارت الولايات المتحدة إلى أنها تود أن ترى خفض الانبعاثات بنسبة 50% بحلول عام 2030. وبما أنه سيأخذ الخط القاعدي عند المستويات الحالية غير المتكافئة للانبعاثات، فإنه سيسمح لها باطلاق ثمانية أطنان من ثاني أكسيد الكربون، وسيسمح للصين بـ 3.7 أطنان، و1.2 طن للبرازيل، و1 طن للهند، و0.02 طن لجمهورية الكونغو.

يبين روس أن نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون  في الصين لا تتجاوز 46% من انبعاثات الولايات المتحدة، بينما تطلق البلدان النامية الأخرى انبعاثات أقل كثيراً (إندونيسيا، 15%؛ والبرازيل 14%؛ والهند 12%). وللحصول على مزيد من التفاصيل، يرجى متابعة موقع رصد العدالة المناخية الذي طورته مؤسسة سوامينثان للأبحاث البحثية والمعهد الوطني للدراسات المتقدمة (بنجالورو، الهند).

وعوضاً عن التركيز على التحول الضروري في مجال الطاقة، اتخذت البلدان المتقدمة دعاية فجّة ضد قلّة من الدول النامية مثل الصين والهند. ما جعل مهمة لجنة انتقال الطاقة ممكنة: تم تقديم تقرير عن الاقتصاد الصافي الصفري يقدر بأن تكلفة الانتقال في مجال الطاقة ستصل إلى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2050، وهو مقدار ضئيل مقارنة بالبدائل الكارثية مثل اختفاء عدة دول جزرية صغيرة وتزايد أنماط الطقس المتقلبة إلى حد كبير.

لقد انخفضت تكلفة الانتقال بسبب انخفاض تكاليف التقنيات الرئيسية (مزارع الرياح العائمة، والخلايا الشمسية الضوئية، والبطاريات، وما إلى ذلك). بكل الأحوال، من المهم  أن ندرك أن هذه التكاليف تظل منخفضة بسبب الأجور المنخفضة للغاية التي تدفع لعمال مناجم المعادن الرئيسية التي تزود هذه التكنولوجيات بالطاقة (مثل عمال مناجم الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية)، وبسبب مدفوعات الإتاوة التي تجمعها بلدان الجنوب من أجل هذه المواد الخام. إذا تم دفع التكاليف الحقيقية فإن الانتقال سيكون أكثر تكلفة، وستتوفر لبلدان الجنوب الموارد اللازمة لدفع تكاليف التحول دون الاعتماد على صندوق المناخ. 

فيكتور إيهيكامينور (نيجيريا)، طفل السماء السابع ، 2015.

سوف يكون معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في غلاسكو إلى جانب مندوبين من القمة العالمية للشعوب. وسنكون في مناسبات مختلفة لقياس مشاعر الحركات الشعبية. في مقدمة المؤتمر، تحدثت أنا ونيمو باسي من مؤسسة صحة الأرض الأم (مدينة بنين، نيجيريا) حول الكارثة معاً. كتب باسي قصيدة قوية بعنوان “العودة إلى الوجود”، أقتبسها هنا:

تحتدم المعركة 

من الذي عليه أن يلتهم  ميزانية الكربون،

ويلف أمنا الأرض في محازم دخانية لا نهاية لها؟

من مهمته تكديس الدين المناخي؟

ومن هو عبدُ الكربون؟

استعمار الغلاف الحيوي

طمس المحيط العرقي

الآمال المرسومة في الجغرافيات المستعمرة للموت

الرياضة المرعبة، المصيدة المفخخة، والفائضة بالدماء 

ذهب الحلم وصاح الديك

يبحث الخائن عن غصن ليقلّد البندول الراقص

ويذرف شخصٌ أو اثنان الدموع للصحافة

بينما ينزلق الصقر بهدوء صوب رياح الحفرة بحثاً عن فريسة تعسة

تشيع صوت طبل الجنائز في العضلات النابضة بالألم

تهمس النايات ترنيمة الجنائز المنسية التي تظهر فجأة من أعماق سنوات من التاريخ الممحي

حيث تلتقط بنات وأبناء التربة قطعاً من التلال المقدسة، الأنهار والغابات

تستيقظ الأرض الأم، وتحتضن أطفالها المرئيين واللامرئيين

ويعود البشر أخيرا إلى منشئهم.

*نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 04 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة