لماذا تطلبون منا المساومة على حياتنا؟ (عدد 45. 2021)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية/ مدار: 27 آذار/ مارس 2022

فيجاي براشاد*

كانغ مين جين من حزب العدالة الكوري خلال مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي (COP26) في غلاسكو، 6 تشرين ثاني/نوفمبر 2021. الصورة لهوانغ جيونغيون.

يبدو أن لا شيءَ مفيد قد ظهر من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) خلال مؤتمر (COP26). لقد ألقى قادة الدول المتقدمة خطابات متعبة حول التزامهم بإيقاف كارثة المناخ، فتعالت أصداء كلماتهم مع كليشيهات مستشاريهم الكاذبين وعدم صدقهم وانعدام التزاماتهم الفعلية بخفض انبعاثات الكربون. قالت ميتزي جونيل تان، الناشطة الفلبينية في مجال المناخ والمتحدثة باسم فرايداي فور فيوتشر، إن هؤلاء القادة قد “ألقوا بوعود فارغة ومرهقة”، تاركين الشباب مثلها مع “إحساس بالخيانة”.

عندما كانت طفلة، شعرت تان بخطر الوقوع في الفيضانات المفاجئة في الفلبين، والفيضانات التي لها تداعيات رهيبة على البلدان المعرضة لمخاطر عالية، فهي تقول إن “هناك صدمة مناخ يعيشها الشباب، ومع ذلك فإن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تبقينا على الهامش”.

محاربون من أجل المناخ في المحيط الهادئ (The Pacific Climate Warriors) في COP26 في غلاسكو، 6 تشرين ثاني/نوفمبر 2021.

سار المحاربون من أجل المناخ في المحيط الهادئ بقيادة الشباب في غلاسكو في 6 تشرين ثاني/نوفمبر وأعلامهم من جزر جنوب المحيط الهادئ ترفرف مع الريح؛ لقد كانوا مجموعة من بين مجموعات عديدة من الدول الجزرية الصغيرة، ومن مناطق بها عدد كبير من السكان الأصليين الذين يواجهون تهديدات كبيرة وعاجلة على وجودهم. “نحن لا نريد شفقتكم، بل نريد أفعالاً”، هكذا قال القس جيمس بهاجوان أحد أعضاء المنظمة. 

كانت الحرب وسخطها البيئي أيضًا في أذهان الكثيرين، فمن عام 1981 وحتى عام 2000 تم إنشاء معسكر غرينهام للسلام النسائي المشترك، كاحتجاج دائم ضد تخزين صواريخ ترايدنت النووية في المملكة المتحدة. أليسون لوخهيد، وهي مقيمة سابقة في معسكر السلام، سارت في غلاسكو بحزم، سألتها: “أين ستقيمون معسكركم الآن؟”، فأجابتني: “في جميع أنحاء العالم” – العالم الذي فيه جيش الولايات المتحدة هو أكبر ملوث مؤسسي. في المقابل، سارت الناشطة ميشيل هايوود في المسيرة مع كلبها تحمل لافتةً كتب عليها “الجيش العالمي هو أكبر ملوث في العالم”، وكُتب على الجانب الآخر من اللافتة “النفط ثمين للغاية ولا يمكن حرقه، فاتركوه لصنع الأدوية والبلاستيك وأشياء أخرى”.

سونيا غواجاجارا ، المنسقة التنفيذية لهيئة الشعوب الأصلية في البرازيل ، تخاطب حشدًا في #GlobalDayOfAction في غلاسكو. الصورة أجيسيلاوس كولوريس.

في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، وخلال القمة الشعبية لائتلاف COP26، كنت عضوًا في هيئة المحلفين في محكمة الشعب بشأن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وفشلها في معالجة مجموعة من القضايا. سمعنا حينها من مجموعة من المقررين والشهود، كل منهم يتحدث بمشاعر كبيرة عن الكوارث المناخية المتفاوتة على الطبيعة وعلى حياة الإنسان. يتم في كل دقيقة إنفاق 11 مليون دولار لدعم الوقود الأحفوري (يعادل ذلك 5.9 تريليونات دولار أنفقت عام 2020 وحده). هذه الأموال تكفل الكارثة المناخية المتصاعدة، ومع ذلك يتم جمع القليل من الأموال للتخفيف من الآثار السلبية للوقود الأحفوري أو للانتقال إلى أشكال الطاقة المتجددة. إن تفاصيل ما تبقى من هذه المراسلة توضح بالتفصيل النتائج التي توصلت إليها المحكمة، والتي تألفت من السفير لومومبا دي أبينج (كبير مفاوضي المناخ السابق لمجموعة الـ 77 والصين) وكاترينا أناستاسيو (من Transform Europe) وسامانثا هارغريفز (من WoMin African Alliance) ولاري لومان (من The Corner House) وأنا.

تجمع أكثر من مائة ألف شخص في شوارع غلاسكو في يوم العمل العالمي. تصوير أوليفر كورنبليت (ميديا نينجا).

حكم محكمة الشعب: الناس والطبيعة ضد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ 7 تشرين ثاني/نوفمبر 2021

كانت هناك ست تهم معروضة على المحكمة تتعلق بإخفاقات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في ما يلي:

– معالجة الأسباب الجذرية لتغير المناخ.

– معالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية العالمية.

– التوصل إلى تمويل مناخي مناسب للبقاء الكوكبي والاجتماعي، بما في ذلك حقوق الأجيال القادمة.

– إنشاء مسارات لانتقال عادل.

– تنظيم الشركات وتجنب استيلائها على عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

– الاعتراف بحقوق الطبيعة وتعزيزها وحمايتها.

استمع أعضاء هيئة المحلفين الخمسة بعناية إلى المدعي الخاص والمقررين والشهود. لقد توحدنا في استنتاجنا في أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي وقعتها 154 دولة عام 1992، وصدقت عليها 197 دولة بحلول عام 1994، خذلت تماماً شعوب العالم وجميع الأنواع التي تعتمد على كوكب صحي للبقاء على قيد الحياة، وذلك من خلال فشلها في إيقاف التغير المناخي. لقد فشل هذا التقاعس الخطير في الحد من زيادة متوسط ​​درجة الحرارة العالمية.

وجدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في أحدث تقاريرها لعام2021 أن الأرض قد وصلت إلى متوسط ​​زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.1 درجة، في حين أن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تقترب من اختراق الحدّ الآمن ومقداره 1.5 درجة.

لقد أقامت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ شراكة حميمة مع الشركات نفسها التي تسببت في أزمة المناخ، كما سمحت للحكومات القوية بتهديد الدول الفقيرة بالخضوع، ما يضمن البؤس والموت المؤكدين لمئات الملايين من الناس في أفقر أجزاء العالم خلال العقدين المقبلين.

إن تقاعس اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أدى إلى السماح لشركات النفط والتعدين والزراعة وقطع الأشجار والطيران وصيد الأسماك وغيرها من الشركات الكبرى بمواصلة أنشطتها كثيفة الكربون دون قيود. لقد ساهم ذلك في تفاقم أزمة التنوع البيولوجي: تشير التقديرات الأخيرة إلى أن ما يتراوح بين 2000 نوع (كحد أدنى) و100000 نوع (كحد الأعلى) تتم إبادتها كل عام. إن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ متورطة في الانقراض الجماعي.

لقد رفضت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إضفاء الطابع الديمقراطي على العملية والاستماع إلى أولئك الموجودين في الخطوط الأمامية للأزمة. يشمل ذلك مليار طفل يعيشون في 33 دولة معرضة لخطر شديد للغاية بسبب أزمة المناخ – أي ما يقرب من نصف أطفال العالم البالغ عددهم 2.2 مليار طفل – بالإضافة إلى مجتمعات السكان الأصليين ونساء الطبقة العاملة والفلاحات من الدول التي تتحمل وطأة أزمة لم تصنعها.

 في وقت يواجه العالم أزمة مناخية متصاعدة بسرعة – تؤكدها الفيضانات والجفاف والزوابع والأعاصير وارتفاع منسوب مياه البحر والحرائق الغاضبة والأوبئة الجديدة – فإن الدول الأكثر فقراً والأكثر ضعفاً والمثقلة بالديون يثقل كاهلها دَين مناخي كبير.

لقد فرضت الدول القوية في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تراجعاً عن الالتزامات السابقة بالتعويض العالمي للتاريخ الطويل من التنمية غير المتكافئة وغير المتساوية بين الدول. تعهدت الدول المتقدمة بتوفير 100 مليار دولار سنوياً لصندوق المناخ، لكنها فشلت في توفير تلك الأموال، وبالتالي أهملت التزاماتها. بدلاً من ذلك، تضخ البلدان المتقدمة تريليونات الدولارات في جهودها الوطنية للتخفيف من آثار تغير المناخ، ودعم التكيف مع المناخ الحار، في حين تُترك الدول الأكثر فقراً والأكثر مديونية لتتدبر أمرها بنفسها.

إننا في هيئة المحلفين نجد أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ انتهكت ميثاق الأمم المتحدة، الذي يطالب الدول الأعضاء بـ”اتخاذ تدابير جماعية فعالة لمنع وإزالة التهديدات التي يتعرض لها السلام (الفصل الأول)”. إن الميثاق يكلّف الدول بـ”تحقيق التعاون الدولي في حل المشكلات الدولية”.

كما انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الفصل التاسع من ميثاق الأمم المتحدة، متجاهلة مطالبة المادة 55 بخلق “ظروف الاستقرار والرفاهية”، بالإضافة إلى “التقدم الاقتصادي والتقدم الاجتماعي”، وتعزيز “الاحترام العالمي ومراعاة حقوق الإنسان”. علاوة على ذلك، انتهكت الاتفاقية المادة 56، التي تلزم الدول الأعضاء باتخاذ “إجراءات مشتركة ومنفصلة بالتعاون” مع الأمم المتحدة.

إننا في هيئة المحلفين في محكمة الشعب نجد أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ مذنبة في التهم التي وجهها المدعي الخاص، والتي أكدها الشهود. وفي ضوء حكمنا، نطالب بالتدابير التالية لإنصاف شعوب العالم:

1. يجب حل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي فقدت مصداقيتها وقدرتها على التمثيل في شكلها الحالي، وإعادة تشكيلها من الأسفل إلى الأعلى. يجب أن يكون منتدى المناخ العالمي الجديد الذي يقوده الناس في المقام الأول ديمقراطياً، وأن يركز على أولئك الذين يتحملون تداعيات الانهيار البيئي والمناخي. لا يمكن أن يكون الملوثون على كوكبنا جزءاً من منتدى المناخ الذي يخدم أساساً الناس والكوكب.

2. يجب على البلدان المتقدمة تاريخياً أن تمول بالكامل مشروع قانون إنهاء انبعاثات الكربون ودفع ديون المناخ المستحقة لشعوب الجنوب العالمي. إن مثل هذا الإجراء ضروري لمساعدة السكان الأكثر تضرراً على التخفيف من أسوأ تداعيات المناخ والتكيف مع مناخ سريع الاحترار. هنالك دين محدد مستحق للنساء العاملات في الجنوب العالمي، إولئك اللاتي عملن بجد ولساعات أطول لدعم أسرهن أثناء خوضهن الأزمة. يجب تسوية هذه الديون من خلال آليات ديمقراطية تركز على الناس وتتحايل على الدول والشركات الفاسدة التي تستفيد حاليًا من الأزمة.

3. يجب قطع التدفقات المالية غير المشروعة ومصادرتها على الفور لتمويل التكيف مع المناخ والتحولات العادلة في الدول المستعمرة سابقاً. إن هذه التدفقات المالية غير المشروعة قد أدت إلى سرقة 88.6 مليار دولار من إفريقيا سنويا، بينما تقبع 32 تريليون دولار في الملاذات الضريبية غير القانونية.

4. يجب تحويل الإنفاق العسكري العالمي – ما يقرب 2 تريليون دولار عام 2020 وحده، وما يصل إلى عدة تريليونات على مدى العقود الماضية – لتمويل مبادرات العدالة المناخية. يجب أيضاً تحديد وإلغاء الديون البغيضة وغير المشروعة للدول الفقيرة. سيؤدي ذلك إلى تحرير إيرادات وطنية كبيرة لبناء البنى التحتية والخدمات والدعم الذي سيسمح لمليارات الأشخاص بالتعامل مع حالة الطوارئ المناخية. إن المبالغ الهائلة التي يتم إنفاقها على خطط الأمن القومي للدول الغنية، والتي تهدف إلى حماية تلك الدول المسؤولة عن الغالبية العظمى من التلوث من أولئك الفارين من الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، يجب تحويلها بشكل مماثل لدعم شعوب الجنوب العالمي.

5. يجب أن تدعو جمعية عامة للأمم المتحدة جديدة وتمثيلية إلى جلسة خاصة بشأن تعويضات الديون البيئية والمناخية، والأضرار المتعلقة بالعبودية والاستعمار، والديون المتجددة المستحقة للنساء في جنوب الكرة الأرضية.

6. يجب أن تحاسب محكمة الشعب هذه اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على جرائمها ضد الطبيعة والأشخاص من خلال الإجراءات القانونية.

7. تؤكد معاهدة الأمم المتحدة الملزمة بشأن الشركات عبر الدولية وحقوق الإنسان ليس فقط على التزام تلك الشركات باحترام جميع حقوق الإنسان، بل أيضًا على حقوق الدول في توفير الحماية ضد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الشركات عبر الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد المعاهدة أن حقوق الإنسان هي فوق مصالح معاهدات التجارة والاستثمار، وتنص على الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة والمستمرة للمجتمعات التي تواجه مشاريع “التنمية” التي تقودها الشركات.

8. يجب أن تفتتح الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة خاصة حول “تحرير التجارة” و”تقنيات السوق”، وأن تدرس بدقة آثارها السلبية على الزراعة والتنوع البيولوجي والنظم البيئية والطريقة التي تخلق بها الأزمة وتعيد إنتاجها.

9. يجب أن تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة على الفور جلسة استماع بشأن الإعلان العالمي لحقوق أمنا الأرض.

آنا بيسوا، حياة السود مهمة، “حان وقت إعادة الاتصال” ، 2021.

إن جزر مارشال، سلسلة من الجزر المرجانية والبركانية، هي واحدة من أربع عشرة دولة في أوقيانوسيا مهددة بشكل كبير بارتفاع مستوى سطح البحر. تظهر الدراسات الحديثة أن96٪  من عاصمتها ماجورو معرضة لخطر الفيضانات المتكررة، بينما تواجه 37٪ من المباني القائمة في المدينة “إغراقًا دائماً” في غياب أي شكل من أشكال التكيف.

في عام 2014، كتبت كاثي جيتنيل كيجينر، وهي شاعرة من جزر مارشال، قصيدة مثيرة لابنتها ماتيفيلي بينام البالغة من العمر سبع سنوات:

… هناك الآلاف في الشارع 
يسيرون مع لافتات 
يداً بيد 
وهم يهتفون من أجل التغيير الآن


وهم يسيرون من أجلك، يا حبيبتي 
يسيرون من أجلنا


لأننا نستحق أن نفعل أكثر من مجرد 
البقاء على قيد الحياة، 
فنحن نستحق 
الازدهار… 

*نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة