هايتي.. تاريخ طويل من اعتداءات الجيران

مشاركة المقال

صورة:DR

نيوزكليك / مدار: الإثنين 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2020

رغم السنوات الـ15 التي قضتها بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هايتي، التي انتهت مهمتها قبل عام من الآن، إلا أن مجموعة من الأسئلة مازالت معلقة حول دور وكيفية مشاركة بعض دول أمريكا اللاتينية في احتلال دولة كاريبية صغيرة، غير مسلحة وفقيرة.

ثلاث عشرة هو عدد البعثات الدولية الجارية لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الموزعة على بلدان مختلفة في إفريقيا، آسيا والشرق الأوسط. وتعتبر هايتي مركزا لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فقد توالت عليها ثماني بعثات منذ أول بعثة مدنية دولية تم نشرها تحت مسمى (MICIVIH) عام 1993.. بعثات تم وضع حد لآخر مهمة لها في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بعدما استمرت 15 عاما في منذ انطلاقها عام 2004، تاركة وراءها “إرثا مختلطا ومشاكل عالقة”.

أتى تدخل الأمم المتحدة، الذي يعتبر الأكثر دراماتيكية، عام 2004، بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطيا جان برتران أريستيد. وقد عبر كاميل تشالمرز، المدير التنفيذي للمنصة الهاييتية للتنمية البديلة، وهي شبكة تضم مختلف منظمات المجتمع المدني، أنه تم استخدام الصراع السياسي الداخلي كذريعة من أجل تنفيذ الانقلاب الذي قاده أفراد عسكريون سابقون تم حل قواتهم عام 1995 من قبل أريستيد. وجاء هذا التحرك العسكري بدعم من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا، ودخل جيش الانقلاب من جمهورية الدومينيكان متجها نحو بورت أو برنس.

بعد النفي القسري لأريستيد، طالب الرئيس المؤقت بونيفاس ألكسندر بنشر قوات متعددة الجنسيات مؤقتا، قوات تم تشكيلها من جنود كنديين وفرنسيين وأمريكيين وشيليين، وتعتبر أساسا لبعثة الأمم المتحدة المستقبلية تحت ذريعة تحقيق الاستقرار في هايتي (MINUSTAH). والأنكى من كل هذا أن الطلب الذي تقدم به الرئيس المؤقت يتعارض ودستور هايتي لعام 1987، فوحدها الجمعية الوطنية التي لها سلطة اتخاذ هذه القرارات، لكن ألكسندر تحايل عليها.

حجج الأمم المتحدة: “الاستقرار” و”التدخل الإنساني”

منذ انطلاق بعثة الأمم المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في هايتي، ظهرت سلسلة من العبارات التي تم تلطيفها قدر الإمكان من أجل تبرير الاحتلال الذي أصبح أمرا واقعا. ولعل أبرز هذه العبارات: “تعليق السيادة”، “التدخل الإنساني” و”التهدئة”، فمن الناحية العملية، تضمنت التهدئة ممارسة قمع سياسي لكن بطريقة انتقائية، وارتكاب مختلف الجرائم الجنسية. لكن تبقى إحدى الطامات الكبرى انتشار وباء الكوليرا من قاعدة مينوستا، الذي أودى بحياة 10000 شخص وأصاب أكثر من 800000 شخص. وتم الاعتراف بمصدر الوباء في وقت متأخر من قبل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون، الذي اعتذر أيضا عن ضعف استجابة الأمم المتحدة لتفشي الكوليرا.

وتم تشكيل بعثة الأمم المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في هايتي في سياق جدول الأعمال الدولي الذي رأى النور من خلال خطاب “الأمن” و”الإرهاب”، فمنذ سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار حركة عدم الانحياز، طور مجلس الأمن على نحو متزايد الطابع التقديري للأوضاع، كما تم تخفيض سلطات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى استبدال الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، الذي كان يشير إلى التسوية السلمية للنزاعات، وتم استبداله بالفصل السابع، الذي ينص على فرض ما يسمى “إنفاذ السلام” من خلال نشر الخوذ الزرق وقوات حفظ السلام.

من جهة أخرى، بدأ نموذج قانوني دولي جديد يفرض نفسه، وهو نموذج قائم على “التدخل الإنساني” و”مسؤولية الحماية”، والمعروف أيضا اختصارا بـ R2P. وقد كتبت الحقوقية الكوبية والمتخصصة في العلاقات الدولية ليلى كاريلو راميريز في كتابها Metáforas de la Intervención، واصفة هذا النوع من الممارسات القائم على قوانين تم تفصيلها على المقاس بأنها شكل من أشكال “التدخل الأجنبي القسري”، مضيفة أيضا أن هذه الأمور تتعارض مع مبادئ السيادة وتقرير المصير للدول، حتى عندما تكون مغلفة بدوافع زعم الوقوف إلى جانب حقوق الإنسان للسكان المحليين.

البرازيل: “مبدأ اللامبالاة” والتطلعات الجيوسياسية

في 2004، تولت البرازيل القيادة العسكرية لبعثة الأمم المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في هايتي، هذا بالإضافة إلى كونها الدولة التي قدمت أكبر وحدة عسكرية، والتي كانت مكونة من 1670 جنديًا في بداية المهمة.

واعتمد المبدأ التوجيهي للدبلوماسية البرازيلية إزاء الأوضاع بـ”التدخل في كل القضايا”. وترافق ذلك مع رغبة عملاق أمريكا الجنوبية في إرساء منظور للسياسة الخارجية قائم على وضع قدم في دائرة الدول ذات التأثير، لاسيما على مستوى السياسة الدولية بما يتماشى وطابعها كدولة ناشئة، وعضو ديناميكي في “البريكس”.

وقادت البرازيل في هايتي سياسة السيطرة على السكان في أحياء الطبقة العاملة مثل بيل إير وسيتي سولاي، ففي سيتي سولاي، ووفقا لشهادات السكان والشكاوي المقدمة للجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (CIDH)، فقد كان هناك تدخل مسلح عام 2007 أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 27 مدنياً وجرح 30 آخرين، ومع ذلك، وفقا لملف خاص صادر عن معهد Igarapé ومركز التدريب البرازيلي المشترك لعمليات السلام، فإن التقييم الذاتي الرسمي جاء مثنيا ومهللا بالمجهودات، ما جعل مجموعة من المنظمات تصنف الأداء البرازيلي في هايتي باعتباره “ملحمة عسكرية”.

وكان السبب الآخر للمشاركة البرازيلية متعلقا بالمفاوضات المباشرة التي أجريت بين الحكومات البرازيلية والفرنسية والأمريكية. وفقا لريكاردو سيتينفوس، الممثل الخاص السابق لمنظمة الدول الأمريكية في هايتي، كانت هناك وعود للبرازيل من طرف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي في حال توليها مهمة MINUSTAH.

الأرجنتين وسبيلها لإضفاء الشرعية على تواجدها العسكري

كما هو الحال في الجزء الجنوبي بأكمله، شاركت القوات المسلحة الأرجنتينية في إرهاب الدولة والقمع المنسق لعملية كوندور في منتصف السبعينيات، ما يجعل لها تاريخيا كبيرا من التدخلات في الدول المجاورة. فقط في الأرجنتين يمكن للجيش أن يصل إلى هذا المستوى من التشويه الناجم عن عوامل مثل الهزيمة في حرب مالفيناس، وظهور حركة قوية لحقوق الإنسان.

“وترجع مشاركة الأرجنتين في بعثات الأمم المتحدة إلى محاولة إعادة عمل القوات وإضفاء الشرعية عليها في سياق ديمقراطي، لاسيما في ظل التواجد الأرجنتيني في هايتي”، حسب كتاب لمؤلفين منتسبين إلى جامعة كويلمز الوطنية ووزارة الدفاع الأرجنتينية. وفي الواقع، أشارت وثيقة عمل لجبهة تودوس، وهو تحالف للأحزاب السياسية في الأرجنتين، قُدمت في أكتوبر 2019، في قسمها الخاص بالسياسة الخارجية، إلى الحاجة إلى تعزيز وجود الأرجنتين في بعثات السلام، وأشارت إلى تجربة البلاد من المشاركة في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي، ما يجعل من تدخلات الأرجنتين العسكرية إستراتيجية دولة.

  إن وجود الأرجنتين في هايتي يسلط الضوء على العجز الهائل في تدريب القوات المرسلة إلى هناك، خصوصا إذا ما أضفنا إلى أن هذه القوات كان لها دوران، التدريب العسكري وتولي مهام الشرطة، بالإضافة إلى الافتقار الكامل للمعرفة بالواقع والثقافة المحلية، والغياب العملي للتدريب من منظور جنساني، هذا الأخير الذي يعتبر عاملا مهما، خصوصا أنه تسربت حالات غير متناهية لجنود ونتيجة للمستويات العالية من الضعف الاجتماعي ارتكبوا لاحقا العديد من الجرائم الجنسية وفقا للعديد من التحقيقات والتقارير.

وقالت عالمة الاجتماع الهايتية سابين لامور في مقابلة إن المنظمات النسائية وقفت على العديد من حالات الاعتداء الجنسي في مواقع مثل بومباروبوليس وبورت سالوت وجوناييف وبورت أو برنس. وعلى الرغم من هذه حقيقة إلا أن كلا من الحكومة الوطنية والسفارات الأجنبية أظهرت لامبالاة في تعقب القضايا.

وبعد مرور عام على انتهاء المهمة الأخيرة في هايتي، لم تقم دول أمريكا اللاتينية – باستثناء كوبا وفنزويلا اللتين امتنعتا عن المشاركة – بإجراء تقييم كامل ومشترك لمدة 15 عامًا من “احتلال” البلاد، كما لم تقدم ردا مرضيا أو سياسات تعويض لضحايا هذه الحرب الأحادية المكلفة والشاملة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة