إذا متُّم في سبيل أرباحنا..سنرسل أرواحكم إلى الفردوس

مشاركة المقال

صورة: DR

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية / مدار: 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020

فيجاي براشاد

هنري تايالي (زامبيا)، المصير، 1962-1966

ستكون زامبيا، في المستقبل المنظور، أول دولة إفريقية تتخلف عن سداد ديونها الخاصة، ولا يمكنها أن تدفع الفائدة على ثلاثة مليارات دولار، محددة على شكل سندات مقومة بالدولار، إلا إذا ما تجاهلت بالكامل احتياجات الشعب الزامبي؛ فالبلد عانى بسبب ركود الاقتصاد العالمي، ما أثر على بيعه النحاس لفترة من هذا العام (رغم أن أسعار النحاس، الآن وفي المستقبل، آخذة في الارتفاع).

وقال كوسماس موسومالي، الأمين العام للحزب الاشتراكي الزامبي، إن اضطرابات المديونية لم تنتج عن الركود الناجم عن تفشي الفيروس التاجي فقط، وإنما أيضا بفعل أصحاب السندات الأثرياء و”جهالة”حكومة الرئيس إدغار لونغو من الجبهة الوطنية.

وتعتبر زامبيا أحد الأمثلة لما ستكون عليه سلسلة دول عاجزة عن سداد ديونها. وقدّر صندوق النقد الدولي في أبريل 2020، أن ما لا يقل عن 39 مليون شخص، من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سيرغمون على مقاساة الفقر المدقع. وفي أوائل أكتوبر، صرّح كين أفوري عطا، وزير مالية غانا قائلا: “عجز البنوك المركزية في الغرب عن الاستجابة ]للجائحة[ وصلت إلى حد لا يمكن تصوره، وحدود عجزنا صارخة”.

يجب أن يؤخذ التصريح الذي أدلى به أفوري عطا على محمل الجد، ففي تقرير المراقبة المالية، الذي قدمه صندوق النقد الدولي، في شهر أكتوبر 2020، أفاد الصندوق بأن الحكومات في مختلف أنحاء العالم أنفقت أو خفضت الضرائب، حتى الآن، بما يناهز 11.7 تريليون دولار، أي ما يعادل 12% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقامت المؤسسات المالية بتشجيع الحكومات في أوروبا وشمال أمريكا على اقتراض الأموال بأسعار فائدة منخفضة، للخروج من الركود الاقتصادي الذي سببّه فيروس كورونا المستجد. وكثيرا ما تشدد المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا على أن الدول يتوجب عليها أن “تنفق، تحتفظ بالإيصالات، ولكن تنفق”، ولكن هذا “الإنفاق” يجب أن يوجّه نحو البنية التحتية. أمّا كارمن راينهارت، وهي ضمن كبار خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي، فقالت إنه حتى البلدان النامية لا بُدَّ أن تأخذ ديوناً جديدة: “على الرغم من تفشي المرض، ما الذي بالإمكان فعله؟ قبل كل شيء، تخشى خوض الحرب، ثم تكتشف طريقة دفع ثمنها”.. بالنسبة لأشخاص أمثال أفوري عطا وموسومالي، تبدو هذه النصيحة غريبة.

أنطوني اوكيلو(كينيا)، الأوامر تأتي من الأعلى، 2012.

وقبل تفشي الجائحة، في نوفمبر2019، قدمت ستيفاني بلانكنبرغ عرضاً في مؤتمر إدارة الديون الذي عقده مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD). وبصفتها رئيسة فرع الديون وتمويل التنمية في الـUNCTAD، ترصد بلانكنبرغ، بعين ثاقبة، تنامي الدين وآثاره الاجتماعية، وذكرت أن “الديون الخارجية للبلدان النامية تفوق عائدات التصدير مجتمعة منذ العام 2016”. كما تُظهِر إحصاءات الديون الدولية الصادرة عن البنك الدولي، بخصوص العام 2021، أن إجمالي الديون الخارجية للبلدان النامية بلغت في نهاية عام 2019 أكثر من 8 تريليونات دولار. وبانقضاء عشرة أشهر على الركود الذي تسبب به الفيروس التاجي، ذهب المراقبون عن كثب للأوضاع إلى تقدير أن عبء الديون ارتفع إلى 11 تريليون دولار.. ومنذ العام 2016، لم تعد البلدان النامية قادرة على سداد ديونها من خلال عائدات التصدير، والآن، لن تتمكن أفقر البلدان من سداد المستحق عليها؛ كما أن قلة من البلدان سيكون بوسعها تجاوز ذلك.

وخلال الأسبوع الذي عقد فيه الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي، سألت بلانكنبرغ عما إذا كانت الدول الأكثر ثراءً- مجموعة دول العشرين، على سبيل المثال- جادةً بشأن أي إجراء متعلق بتخفيف الديون؟ فأجابت: “الأمر يتوقف على ما تقصده بالأمر[الجاد]، لكنني أفترض أنك تقصد شطب الديون، الذي من شأنه أن يعيد البلدان المثقلة بالديون إلى مسار النمو والتنمية المستدامة”.. وإذا كان ذلك ما قصدته، كما قالت، فإذن: “لا، ولا حتى بأي كيفية ممنهجة وموزونة.. إن شطب الديون عن البلدان النامية الأكثر هشاشة لا مفر منه، والجميع يدرك ذلك، بغض النظر عن السؤال المتعلق بماهية الشروط التي سَتحقق الأمر”.

ومع انزلاق البلدان صوب التخلف عن سداد الديون، يجد وزراء مالية هذه الدول أنهم لا يملكون أي ورقة تقريبا للمساومة على الخروج من الأزمة؛ فالشروط تملى عليهم. وذكرت بلانكنبرغ أن “مصالح الدائنين قصيرة الأجل .. وعلى الأرجح ستكون لهم اليد العليا”. هذا يعني أن المؤسسات المالية- وبإيعاز من مقتضيات أصحاب السندات الأثرياء- سوف تحدد شروط سداد هذه الديون الكريهة.. وأضحت هذه الشروط الآن مألوفة؛ فالمؤسسات المالية- وحكومات البلدان الغنية التي تدعمها، سوف تطالب “بشروط لصالح السياسة التقشفية”، التي حسب قولها، سوف “تقوض النمو المستقبلي المرتقب وتحمّل عبء التكاليف الاجتماعية الباهظة للسكان في البلدان المتضررة”.

وأخبرتني بلانكينبورغ “باختصار” أن “السؤال لا يتعلق بما إذا كان سيتم تخفيف للديون- يجب أن يحدث ذلك – لكن كيف سيتم الأمر؟”.

بليسينغ نقوبيني(جنوب افريقيا)، مضطهدون وحتما سننهض، 2019.

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2015 قراراً بشأن “المبادئ الأساسية لعمليات إعادة هيكلة الديون السيادية”. وأشار هذا القرار إلى أن أي عملية لإعادة هيكلة الديون لا بد أن تخضع للمبادئ العرفية للسيادة، حسن النية، الشفافية، الشرعية، المعاملة بالمثل والاستدامة. ويقف وراء هذا القرار هدف آخر، وهو الإصلاح الشامل لعملية الديون وإنشاء آلية للتوصل إلى اتفاق شامل بشأنها. وكان من المأمول أن تكون لهذه الآلية القدرة على وضع اتفاق شامل بشأن عبء الديون المتراكم.

ولم تثمر محاولات الدول الأكثر ثراءً للتعامل مع الديون- مثل مبادرة تعليق خدمة الدين (DSSI) التي أقرّتها مجموعة العشرين /نادي باريس – وكما توضح بلانكنبرغ فإن المبادرة “كانت معقدة إلى حد كبير ولم تجلب سوى تخفيف محدود للديون التجارية” بالنسبة للدول الأكثر دينا؛ وأي شيء بالنسبة لبقية الدول الأفقر والمثقلة بالديون “لابد أن يكون أكبر وأسرع وأكثر سلاسة”، وأخبرتني أيضا أن الآليات التي اقترحها الـUNCTAD “لا يلوح أي منها في الأفق حتى الآن”.

وتكمن المشكلة في أن شروط الحوار تم تحديدها بالكامل من قِبَل الدول الغنية، بزعامة مجموعة دول العشرين. وهم يرون أن الدائنين فقط – خصوصا صندوق النقد الدولي- هم الذين يجب أن يتولوا الأمر؛ “فالخطر هنا” كما تقول بلانكنبرغ يتعلق بـ”كون الاعتبارات قصيرة الأجل التي يحددها الدائنون–هي المعيار الرئيسي المتحكم في سداد الديون، في حين يتم تجاهل اعتبارات الاستدامة الطويلة والتنمية”. وبتعبير آخر، يريد الأغنياء أموالهم، بينما يترك الفقراء لمصيرهم، دون أي فرص للنجاة أو تحقيق الازدهار.

تحاول جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، إعادة توصيف الصندوق على أنه لم يعد ملتزما، بشكل أو بآخر، بالتقويم الهيكلي وسياسة التقشف، إلا أن حملتها الإعلانية قاصرة مقارنة بسياسات صندوق النقد الدولي، إذ كشفت دراسة أجرتها منظمة “أوكسفام” أن حوالي 84% من القروض المقدمة لـ 67 دولة خلال الركود الناجم عن الفيروس التاجي جاءت مصحوبة مع تدابير الضبط المالي- أو التقشف- وهذه القروض تأتي بموجب تسهيل الائتمان السريع(RCF)  التابع لصندوق النقد الدولي وأداة الدعم السريع (RFI)، اللذين تم إنشاء كل منهما في أبريل 2020، فضلا عن صندوق احتواء الكوارث والإغاثة (CCRF).

وصرّح وزير المالية الزامبي بواليا ناندوتولد، في 16 أكتوبر أمام البرلمان، بأن حكومته تعمل مع مبادرة مجموعة العشرين /نادي باريس لمبادرة تعليق خدمة الدين من أجل تعليق السداد لمدة ستة أشهر. وقال ناندوتولد: “رغم أننا ارتحنا قليلا في ظل نافذة مبادرة تعليق خدمة الدين، تحديدا من الدائنين الرسميين، إلا أنّ التعاقدات مع الدائنين التجاريين لم تسفر بعد عن النتائج المتوقعة”. ومن المرجح ألا يفعلوا، والسبب – كما أخبرتني بلانكنبرغ ـ أنهم يركزون على المصالح قصيرة الأمد ولا يهتمون كثيراً برفاهية بلدان مثل زامبيا على الأمد البعيد.

وبخصوص بلاده، أخبرني كوسماس موسومالي من الحزب الاشتراكي الزامبي بأن الوضع شديد القتامة، والسبب انخفاض نسبة القروض الميسرة نسبيا، وارتفاع الديون السيادية لمعظم البلدان النامية، تزامناً مع الضعف المتزايد لـ”الحملة الدولية للمطالبة بالإعفاء من المديونية”.. إنّ تدعيم هذه الحملة بات أمراً ضرورياً.

 

تي بي تي: نغوغي

كتب صديقنا نغوغي وا ثيونغو، منذ وقت قريب، صاحب المؤلف الرائع “بتلات الدم” (1977)، قصيدة دُعيت “الفِردوس لضحايا الشركات” ( 16تموز 2020).. وكتبت بصوت قائد الشركة وهو يتحدث إلى العاملين في العالم:

وإن تتبينوا كلّ هذي الشركات

التي يعمل لصالحها الأفراد

فإنّ سعيها وراء الربح ما هو إلا

سعي الأشخاص وراء السعادة.

الاكتراث بصحة الإنسان وسعادته الفعلية

ينبغي أن يفسح الطريق لتطلع الفرد للربح

أجل، ليس الربح فحسب.. أنتم حمقى،

بل وارتفاع معدل الربح.

لذا:

يسير عمّالنا الأعزاء بلا أقنعة وبلا خوف إلى مصنع اللحوم

ليأتوا لنا بالربح

ما الذي يقتضيه الأمر إذا أصبحت المصانع موبوءة بفيروس كورونا؟

 أن تضحوا بحياتكم لأجل أرباح الشركات

تلك قمة الرأسمالية الوطنية

واعلموا أنكم إذا متُّم في سبيل تحقيق أرباحنا

سنرسل أرواحكم مباشرة إلى الفردوس.

من حيث تستسيغون الهناء لنا بالقصور

التي لأجلها ضحيتم بعرقكم، صحتكم ودمائكم.

لقد رفض شعب بوليفيا قادة الشركات الذين يريدون اتخاذهم كبش فداء يستبيحون به عرقهم، صحتهم ودماءهم، واكتسحت صناديق الاقتراع أصوات الشعب الرافضة لحكومة الانقلاب، وثبّتت مكانها الأصوات المؤيدة لحركة نحو الاشتراكية. “لقد استعدنا الديمقراطية والأمل”، كما قال رئيس بوليفيا المنتخب، لويس آرسي.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة