نظام صحي مهترئ وإعصار.. الهند تعيش وضعا كارثيا

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 20 أيار/ مايو 2021

صور: آرون كومار، مدار، دلهي، الهند.

شهدت الهند في الفترة الماضية ارتفاعا مهولا في أعداد إصابات ووفيات كوفيد-19، إذ وصل عدد الإصابات منذ بداية الوباء إلى حدود الساعة 25،495،129 فيما ارتفعت حصيلة الوفيات إلى 282،689.

لقد عرفت الحالات في مختلف الولايات تضاعفا كبيرا، ما أظهر بالملموس وضع البنية التحتية للصحة العامة المتداعية وغير المستثمرة في البلاد، لاسيما أن معظم الولايات تعاني من نقص حاد في الأكسجين الطبي، الأدوية الأساسية، الأسرة، العاملين الصحيين واللقاحات، إضافة إلى الإمدادات الحيوية الأخرى.

ورافق هذا الارتفاع في أعداد الإصابات تباطؤ في التطعيمات، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن التطعيمات ستكون متاحة لجميع البالغين اعتبارا من 1 ماي/ أيار.

موقف منظمة الصحة العالمية من الوضع في الهند

في مقابلة لكبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية، سوميا سواميناثان، مع إحدى القنوات، أبرزت أن انتشار العدوى في المناطق الريفية مازال يعرف تدهورا كبيرا، لاسيما أن البنيات الصحية في الأرياف لا تثير اهتمام النظام الصحي الهندي، ما يجعل من الفئة التي تقطن هذه الأماكن معرضة أكثر من أي كان لخطر الوباء والوفاة.

وأضافت العالمة عند سؤالها حول نظرتها للارتفاع الكبير في عدد المصابين والوفيات: “لقد أبلغت الهند في الأيام القليلة الماضية عن أكثر من 300000 حالة جديدة يوميا، كما تجاوزت الوفيات حاجز 4000 يوميا. وفي ظل هذا الاستمرار في تزايد حالات الإصابة والوفاة يتم الإبلاغ عن نقص في الأكسجين، كما أن بعض المستشفيات ووحدات العناية المركزة تعمل بكامل طاقتها، ما يجعلها غير قادرة على استقبال مرضى جدد”.

وفي ظل تدهور الوضع في الهند والبلدان المجاورة، تحدثت سوميا عن أن الارتفاع الكبير في عدد الحالات يعتبر مصدر قلق كبير لمنظمة الصحة العالمية، مسترسلة في الإطار نفسه: “تتزايد الحالات في أجزاء متفرقة من العالم أيضا، وأعتقد أننا في حالة هشة وصعبة للغاية في ظل هذا الوباء، إذ خففت العديد من البلدان تدابير الصحة العامة والقيود التي تم وضعها في 2020”.

وفي حديثها عن دور اللقاحات، أبرزت العالمة أن معظم الناس يظنون أنه بمجرد بدء التلقيح فإن الأمر قد حل، فيواكب ذلك إهمال للتدابير الصحية والوقاية، وهذا ما لوحظ مؤخرا، الأمر الذي عجل بانتشار أنواع وطفرات مختلفة من الفيروس، وكل هذا في ظل تطوره ليصبح أكثر قابلية للانتقال وأكثر فعالية.

وفي آخر المقابلة أوضحت كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية أن الوباء أظهر أنه عندما تكون الصحة في خطر فإن كل شيء في خطر، لكن عندما تتم حماية الصحة وتعزيزها يمكن للأفراد والأسر والمجتمعات والاقتصاديات والدول الازدهار، مستدركة: “لكنني متفائلة بأننا سنخرج من هذه الموجة التي تسببت في الكثير من المعاناة – إنه لأمر محزن أن نرى الناس يفقدون أحباءهم بسبب هذا المرض. يجب أن نتعلم من هذه التجربة ونستثمر في الصحة العامة.. لقد أوصلنا هذا الموقف بشكل مؤلم إلى حقيقة أنه إذا لم تستثمر في الصحة فلا شيء آخر مهم حقا”.

الكل يعاني

تسببت الجائحة في تدمير الوضع الاقتصادي للأسر في جميع أنحاء الهند، وخصوصا في ولاية أوتار براديش، حيث تعاني العائلات من الوفيات التي أصبحت تتغلغل لكل الأسر في ظل النفقات الباهظة التي يتم تحملها من أجل توفير المساعدة الطبية الأساسية، مثل الأكسجين والأدوية والاستفادة من الأٍسرة في المستشفى…

ومع تأزم الوضع أصبحت الأسر التي فقدت أحد أفرادها غير قادرة على تحمل تكاليف طقوس الموت، ما يدفع العديد منها إلى تعويم الجثث في نهر الغانج أو دفنها في ضفافه.

لقد أصبحت الإصابة بكوفيد-19 ضربة لميزانيات الأسر، لاسيما في ظل عدم قدرة الدخل العادي على تغطية المصاريف، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التداوي والانخفاض المهول في عدد الأسرة في مستشفيات الولاية، ما جعل البعض يرى في الموت ملاذا مريحا رغم النفقات الكبيرة التي تستنزفها الطقوس الأخيرة للوفاة.

ما يثير القلق أيضا هو الوضع في أرياف بعض الولايات، ففي ظل العدد الكبير للوفيات نظرا لانعدام نظام صحي في هذا المناطق، فقد طفا إلى السطح عدد غير مسبوق من عمليات حرق الجثث التي تحدث في هذه المناطق الريفية؛ فخلال الموجة الحالية من الفيروس ورد أن التكلفة العالية لحرق الجثث أجبرت العديد من القرويين على دفن موتاهم أو إلقاء الجثث في أنهار الغانج ويامونا ورابتي، بسبب نقص الأخشاب وعدم وجود مساعدة من إدارة المنطقة، في ظل عدم قدرة الأسر على أداء الطقوس الأخيرة.

ووفقًا لسكان المناطق الريفية، تتطلب كل محرقة جنائزية حوالي 4 أطنان من الأخشاب، لكن نظرًا لتأثير الوباء لم تتمكن العديد من العائلات من تسهيل حرق جثث الموتى.

كما أنه ومع ارتفاع الوفيات فقد شهدت قرية سانجابور ذات الأغلبية المسلمة، والتي تضم أيضا 20% من الداليت، لجوء الداليت إلى دفن وفياتهم خلسة في مقابر المسلمين وعلى ضفاف تامسا، أحد روافد نهر الغانج، ما يبرز الأزمة الإنسانية الحالية.

محاولة تغطية فشل النظام الصحي

شهدت الفترة الماضية شذا وجذبا بين المحكمة العليا والحزب الحاكم، ففي وقت أبرزت المحكمة غير ما مرة أنه يجب على الحكومة أن تسرع عملية التطعيم وأن تعمل على توفير الأدوية والمستلزمات الصحية لتيسر حياة المصابين، يرى المنتسبون إلى الحزب الحاكم أن هذه التقارير والمطالب نوع من التطاول على عمل الحكومة وعلى شخص الرئيس مودي.

لقد شهد 13 ماي/ أيار الجاري ندوة نظمها كل من القائد في حزب باهارتيا الحاكم، سادناندا جودا، ووزير الدولة للأسمدة وحاكم ولاية كاراناتاكا السابق، بالإضافة إلى مجموعة من القيادات الأخرى، كان الهدف من ورائها حسب مختلف التقارير محاولة التصدي للانتقادات الموجهة إلى الحكومة والرئيس مودي حول تدبير الجائحة، وفي الإطار نفسه مهاجمة المحكمة العليا وتقاريرها.

وشهدت الندوة تقليلا من شأن المحكمة العليا من خلال صدور تصريحات مثل: “إذا طلبت منا المحكمة إعطاء [الأكسجين، اللقاح] في يوم واحد، ولا يمكننا زيادة الإنتاج فهل يجب أن نشنق أنفسنا؟”، لترد محكمة كاراناتاكا العليا على ذلك بالقول: “أخبرنا هل أنت في وضع يسمح لك بتوفير اللقاحات؟”: كما قال أحد زعماء الحزب الحاكم مدينا المحكمة: “القاضي ليس كلي العلم”.

كما تمت من خلال الندوة قراءة تقرير حول نسب الوفيات العالمية، مع التعليق بأنها مرتفعة أيضا بالرغم من أن مودي ليس رئيسا للجميع.

الإعصار يزيد الوضع سوءا

شهد الأسبوع الحالي تعرض مناطق متفرقة في الهند لإعصار “تاوكتاي”، الذي يعتبر أول عاصفة مدارية تضرب البلاد هذا الموسم شمالاً بموازاة الساحل الغربي، حاملا معه الأمطار الغزيرة والعواصف الرعدية والرياح العاتية إلى ولايات عدة. وقال وزير الداخلية أميت شاه في بيان: “إن الآلاف من رجال الإنقاذ تمت تعبئتهم في الولايات المهددة، وتم وضع وحدات من خفر السواحل والقوات البحرية والبرية والجوية في حالة تأهب”.

وعرفت حصيلة الوفيات تزايدا في الساعات الماضية، إذ ارتفع ضحايا الإعصار المدمر إلى 84 قتيلا، فيما تواصل البحرية البحث عن 65 مفقودا في عرض البحر، ما يفاقم من مشاكل هذا البلد الذي يعيش وضعا صحيا متأزما نظرا لتسجيله أعلى حصيلة لوفيات كورونا.

وقال المسؤولون في غوجارات الأربعاء إن حصيلة ضحايا العاصفة في الولاية ارتفع إلى 42 قتيلا، قضى معظمهم في انهيار منازل وجدران، كما أنه قبل وصول الإعصار إلى اليابسة في ولاية غوجارات، والذي بلغت سرعته 185 كلم في الساعة، ورافقته أمطار غزيرة، إلى مصرع نحو 20 شخصًا في غرب وجنوب الهند. كما لحقت أضرار بأكثر من 16,500 منزل واقتُلعت 40 ألف شجرة.

ومن المتوقع أن يتم إجلاء حوالي 150 ألف شخص من المناطق الساحلية في غوجارات؛ حيث تم تعليق عمليات التطعيم ضد كوفيد-19 ليومي الإثنين والثلاثاء، حسب المسؤولين الصحيين. كما عبرت الحكومة في بيان عن أنه يجري «اتخاذ جميع الإجراءات لإجلاء سكان المناطق المتضررة من الإعصار من أجل ضمان عدم وقوع خسائر في الأرواح». وقال مسؤول بولاية جوجارات: “إن عمليات إجلاء السكان من المناطق الساحلية بدأت، وإنها ستشمل أكثر من 100 ألف شخص”.

وفي تطور يخص إحدى منصات النفط في بحر العرب قبالة سواحل مومباي التي جنحت بفعل الإعصار، والتي مازالت عمليات الإنقاذ جارية بها لانتشال الضحايا والمصابين، فقد تم إعلان وفاة ما لا يقل عن 22 فردا.

وحسب ما أفادت به دائرة الأرصاد الجوية، ووفق مسؤولي البحرية، فإن ما لا يقل عن 22 فردا على متن بارجة الإقامة التي انحرفت أثناء إعصار تاوكتاي قبل أن تغرق في بحر العرب قبالة سواحل مومباي لقوا حتفهم ومازال 65 في عداد المفقودين .وقالت البحرية إن أفرادها، الذين يكافحون الطقس القاسي، أنقذوا حتى الآن 186 شخصًا من بين 273 كانوا على متن البارجة.

وقال مسؤول في هذا الصدد: “عمليات البحث والإنقاذ مازالت جارية ولم نفقد الأمل في إعادتهم إلى الشاطئ”.. ومع ذلك، فإن فرصة العثور على ناجين تزداد ضآلة مع مرور الساعات.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة