نحن في مرحلة من التغيرات الجذرية الكبيرة: المراسلة الحادية عشرة (2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 01 أبريل/ نيسان 2022

فيجاي براشاد*

<تشيهارو شيوتا (اليابان)، الإبحار المجهول،2020. >

ركزّت الحرب في أوكرانيا الاهتمام على التحولات الجارية في النظام العالمي، إذ قوبل التدخل العسكري الروسي بعقوبات من الغرب وبنقل للأسلحة والمرتزقة، وهو ما ستكون له آثار رئيسية على الاقتصاد الروسي وعلى دول آسيا الوسطى، مع التأثير سلباً أيضاً على السكان الأوروبيين الذين سيشهدون زيادة في أسعار الوقود والغذاء.

وقد قرر الغرب إلى الآن عدم التدخل بالقوة العسكرية المباشرة أو محاولة إنشاء “منطقة حظر طيران”. إنه لمن المسلم به منطقياً أن مثل هذا التدخل يمكن أن يتصاعد إلى حرب واسعة النطاق بين الولايات المتحدة وروسيا، وعواقب هذا التصاعد لا يمكن تصورها بالنظر إلى قدرات كلا البلدين في مجال الأسلحة النووية. وبالتالي كان على الغرب قبول تصرفات موسكو بعيداً عن أي نوع أخر من الردود – كما حدث في التدخل الروسي في سوريا عام 2015. 

إليكم ست أطروحات لفهم الوضع الحالي للعالم حول تأسيس النظام العالمي وفق التشكيلة الأمريكية من عام 1990 إلى الوقت الراهن من هشاشة هذا النظام في مواجهة القوة الروسية والصينية المتنامية. إن هذه الأطروحات مستمدة من تحليلنا في الملف رقم.36 (يناير2021) بعنوان بداية النهاية: تراجع قبضة الولايات المتحدة والمستقبل متعدد الأقطاب؛ وهي موجهة للمناقشة، لذا فإن التعليقات حولها مرحب بها للغاية.

<لورانس بول يوكسولوبتون) كندا) ، واحد في المائة،2015. >

الأطروحة الأولى: القطب الواحد. طوّرت الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في الفترة ما بين 1990 و2013-2015 نظاماً عالمياً استفادت منه الشركات متعددة الجنسيات الموجودة فيها وفي مجموعة الدول السبع (ألمانيا، اليابان، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا وكندا). فيما كانت الأحداث التي حددت القوة المهولة للولايات المتحدة هي غزو العراق (1991) ويوغسلافيا (1999)، وكذلك إنشاء منظمة التجارة العالمية (1994). وقد سعت روسيا التي ضعفت بفعل انهيار الاتحاد السوفياتي إلى الالتحاق بهذا النظام من خلال الانضمام إلى مجموعة دول العشرين والتعاون مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، باعتبارها “شريك للسلام”. وفي غضون ذلك، لعبت الصين في عهد الرئيسين جيانغ زيمين (1993-2003) وهو جنيتاو (2003-2013) لعبة حذرة من خلال إدخال عمالها إلى النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وعدم تحديها في عملياتها.

الأطروحة الثانية: أزمة الإشارات. بالغت الولايات المتحدة في سلطتها من خلال ديناميكيتين: الأولى من خلال الاستدانة العالية لدعم اقتصادها المحلي (البنوك المثقلة بالمديونية وزيادة الأصول غير الإنتاجية مقارنة بالأصول الإنتاجية)؛ والثانية من خلال محاولة خوض عدة حروب في الوقت نفسه (أفغانستان، العراق، والساحل) خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. لقد تجلت أزمات الإشارة إلى ضعف قوة الولايات المتحدة في غزو العراق (2003) وكارثة تلك الحرب بالنسبة لإظهار القوة وبسط النفوذ، وأزمة الائتمان (2007-2008)؛ فيما تابع الاستقطاب السياسي الداخلي في البلاد وأزمة الشرعية في أوروبا هذه التطورات.

< أولغا بولجاكوفا (روسيا)، الرجال المكفوفون، 1992.>

الأطروحة الثالثة: الظهور الصيني الروسي. بحلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أفاقت كل من الصين وروسيا من سباتهما النسبي، لأسباب متعددة.

كانت للبروز الصيني ركيزتان:

1)  الاقتصاد الصيني المحلي: نجحت الصين في بناء فوائض تجارية ضخمة، وإلى جانبها بنت المعرفة العلمية والتكنولوجية من خلال اتفاقياتها التجارية واستثمارها في التعليم العالي؛ إذ قفزت على الشركات الغربية في مجال الروبوتات والتكنولوجيا الفائقة والسكك الحديدية عالية السرعة والطاقة الخضراء.

2) علاقات الصين الخارجية: أعلنت الصين في العام 2013 عن مبادرة الحزام والطريق (BRI)، التي اقترحت بديلاً لأجندة التنمية والتجارة الخاصة بصندوق النقد الدولي بقيادة الولايات المتحدة؛ وامتدت من آسيا إلى أوروبا وكذلك إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

استند بروز روسيا أيضاً إلى ركيزتين:

1) الاقتصاد المحلي الروسي: حارب الرئيس فلاديمير بوتين بعض قطاعات الرأسماليين الكبار لتأكيد سيطرة الدولة على قطاعات تصدير السلع الأساسية واستخدامها في بناء أصول الدولة (تحديداً النفط والغاز)؛ فبدلاً من مجرد سلب الأصول الروسية لحساباتهم المصرفية بالخارج، وافق هؤلاء الرأسماليون على إخضاع جزء من طموحاتهم لإعادة بناء قوة ونفوذ الدولة الروسية.

2) العلاقات الخارجية لروسيا: شرعت روسيا منذ العام 2007 في الابتعاد عن الأجندة العالمية الغربية وقيادة مشروعها الخاص، أولاً من خلال أجندتها مع دول البريكس (البرازيل-روسيا-الهند-الصين- جنوب أفريقيا)، ومن ثم لاحقاً من خلال علاقات وثيقة على نحو متزايد مع الصين.

 وقد استفادت روسيا من صادراتها من الطاقة لتعزيز سيطرتها على حدودها، وهو ما لم تفعله عندما توسع الناتو عام 2004 لاستيعاب سبع دول قريبة من حدودها الغربية. لقد استخدم التدخل الروسي القوة العسكرية في شبه جزيرة القرم (2014) وسوريا (2015) لإنشاء درع حول موانئ المياه الدافئة في سيباستوبول (شبه جزيرة القرم) وطرطوس (سوريا). وكان هذا أول تحدٍ عسكري للولايات المتحدة منذ عام 1990.

وعمقت الصين وروسيا خلال هذه الفترة تعاونهما في جميع المجالات.

<إبراهيم الصلاحي(السودان)، تولد من جديد أصوات أحلام الطفولة، (1961-65).>

الأطروحة الرابعة: مبدأ مونرو العالمي. اتخذت الولايات المتحدة مبدأ مونرو لعام 1823 (الذي أكد سيطرتها على القارتين الأمريكتين) إلى مستوى عالمي، وافترضت في مرحلة ما بعد الحقبة السوفياتية أنها تهيمن على العالم بأسره؛ فبدأت بالضغط في مواجهة   قوة كل من الصين (محور أوباما تجاه آسيا) وروسيا (تحقيق روسيا جيت وأوكرانيا). وأدت هذه الحرب الباردة الجديدة التي قادتها الولايات المتحدة، والتي تتضمن حربًا هجينة من خلال عقوبات ضد ثلاثين دولة، مثل إيران وفنزويلا، إلى زعزعة استقرار العالم.

الأطروحة الخامسة: المواجهات. أدت المواجهات التي سارعت بها الحرب الباردة الجديدة إلى تأجيج الوضع في آسيا – حيث مازال مضيق تايوان يعد منطقة ساخنة – وفي أمريكا اللاتينية – حيث حاولت الولايات المتحدة خلق حرب ساخنة في فنزويلا (وحاولت إظهار قوتها لكنها فشلت في أماكن مثل بوليفيا).

 إن الصراع الحالي في أوكرانيا– الذي ترجع أصوله إلى العديد من العوامل، بما فيها زوال الميثاق الأوكراني متعدد القوميات – يتعلق أيضًا بمسألة الاستقلال الأوروبي.

استخدمت الولايات المتحدة الناتو العالمي كحصان طروادة لممارسة سلطتها على أوروبا وإبقائها خاضعةً لمصالحها حتى لو أضرت بمصالح الأوروبيين بينما يفقدون إمدادات الطاقة والغاز الطبيعي للاقتصاد الغذائي. لقد انتهكت روسيا السيادة الإقليمية لأوكرانيا، لكنّ الناتو أوجد بعض الشروط التي أدت إلى تسريع هذه المواجهة- ليس لأوكرانيا وإنما لمشروعه في أوروبا.

<أولغا بليندر(الباراغواي)، (” إلى معلمي”) ، 1970.>

الأطروحة السادسة: الأزمة القاضية. الهشاشة هي مفتاح لفهم قوة الولايات المتحدة اليوم؛ تلك القوة لم تتراجع بشكل كبير، وفي المقابل لم تبق سالمة. ثمة ثلاثة مصادر لقوة الولايات المتحدة غير متأثرة نسبياً:

تظل الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم القادرة على قصف أي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة معيدةً إياها إلى العصر الحجري. 

النظام الذي يشكله الدولار ووول ستريت وصندوق النقد الدولي معاً. نظراً للاعتماد العالمي على الدولار والنظام المالي العالمي المقوم بالدولار فإن الولايات المتحدة قادرة على فرض العقوبات باعتبارها سلاحاً من أسلحة الحرب لإضعاف البلدان.

القوة المعلوماتية. لا توجد قوة لديها سيطرة الولايات المتحدة الحاسمة على الإنترنت، سواء في البنية التحتية المادية أو من خلال شركاتها شبه الاحتكارية (مثل فيسبوك ويوتيوب، التي تزيل أي محتوى وأي مزود وفق رغبتها). كما لا توجد أي دولة لديها قدرة الولايات المتحدة في السيطرة على تشكيل أخبار العالم بسبب قوة خدماتها السلكية (رويترز وأسوشيتد بريس)، وكذلك شبكات الأخبار الرئيسية (مثل السي ان ان CNN).

هناك مصادر أخرى لقوة الولايات المتحدة ضعيفة بشدة، مثل مشهدها السياسي الداخلي الذي يشهد استقطابًا شديدًا، وعدم قدرتها على حشد مواردها لإعادة الصين وروسيا إلى داخل حدودهما.

يتعين علينا كحركات للشعوب أن ننمي قوتنا الخاصة، وذلك من خلال تنظيم الناس في منظمات قوية والتفافها حول برنامج يتمتع بالقدرة على الإجابة عن المشاكل المباشرة في عصرنا، والسؤال بعيد الأمد عن كيفية الانتقال إلى نظام قادر على تجاوز أنظمة الفصل (أبارتهايد) المعاصرة: الفصل الغذائي، الفصل الطبي، الفصل التعليمي، والفصل المالي. تجاوز أنظمة الفصل هذه يقودنا إلى الخروج من هذا النظام الرأسمالي إلى الاشتراكية.

<عودة للوراء الاعجاز وأياندا جنباً إلى جنب>

لقد فقدنا الأسبوع الماضي العديد من الرفاق الكبار والصغار، من بينهم زميلنا السابق إعجاز أحمد (1941-2022)، أحد أعظم الماركسيين في عصرنا، الذي غادرنا عن عمر يناهز 81 عاماً. عندما تعرضت الماركسية للهجوم بعد سقوط اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية تمسك إعجاز بالخط الماركسي، وعلّم أجيالنا ضرورة النظرية الماركسية. تظل هذه النظرية ضرورية لأنها مازالت أقوى نقد للرأسمالية، وطالما استمرت الرأسمالية في هيكلة حياتنا يظل هذا النقد لا حدّ له.

 بالنسبة لنا في معهد القارات الثلاث كان إرشاد إعجاز لنا لا يقدر بثمن. في الحقيقة، تمت كتابة ملف بداية النهاية الذي ساعدنا في توجيه أنفسنا في الأوضاع الحالية بعد مناقشة معمقة مع إعجاز.

لقد فقدنا أيضاً أياندا نجيلا (1992-2022)، الذي كان نائب رئيس حركة احتلال أرض أي كنانا، جزء من حركة قاطني الأكواخ المتمردين في جنوب أفريقيا، أباهلالي باز مجوندولو (AbM). كان أياندا زعيماً شجاعاً لحركة أباهلالي باز مجوندولو، أطلق سراحه مؤخراً من فترة ثانية من السجن بتهم ملفقة؛ كان رفيقاً كريماً لأقرانه وطالباً وأستاذاً في مدرسة فرانتز فانون. 

كان أياندا، حينما قتل من قبل خصومه في المؤتمر الوطني الإفريقي يرتدي قميصاً عليه اقتباس لـ ستيف بيكو: “من الأفضل أن تموت من أجل فكرة سوف تعيش لا أن تعيش من أجل فكرة سوف تموت”. رسم رفاقه في حركة أباهلالي باز مجوندولو على جدران مدرسة فرانتز فانون مثلهم العليا بوضوح: الأرض، السكن اللائق، الكرامة، الحرية والاشتراكية.

نحن نؤيد ذلك. وكذلك كان سيفعل إعجاز.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة