من فرنسا إلى بيروت… فعاليات تضامنية مع الأسير جورج عبدالله وفلسطين

مشاركة المقال

مدار: 20 نيسان/ أبريل 2024

في ظل معاناة المناضل الأممي اللبناني جورج إبراهيم عبداالله، أقدم سجين سياسي في أوروبا والمعتقل تعسفاً في السجون الفرنسية منذ 40 عاماً، يعيش الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي معاناة مماثلة من خلال اعتقالهم إداريا دون تُهم، إلى جانب استهدافهم بالعنف والتعذيب والإخفاء القسري والإهمال الطبي المتعمد، وبارتقاء الأسير القائد وليد دقة بتاريخ 7 نيسان/ أبريل 2024، ارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 إلى 251.

وجورج عبدالله، محكوم عليه بالسجن مدى الحياة، تحت ذريعة إدانته بالتواطؤ في اغتيال دبلوماسي أميركي وآخر إسرائيلي في 1984.

وفي إطار الشهر العالمي للتضامن مع جورج عبدالله وفلسطين، وتحت مقولته في رسالته الأخيرة “غزة لن ترفع راية الاستسلام”، نظمت “الحملة الوطنية لتحرير الأسير جورج عبدالله”، لقاءً تضامنياً في السادس من الشهر الجاري ببيروت تزامنا مع تظاهرة حاشدة في مدينة لانميزان الفرنسية (Lannemezan)، ووقفة أمام محبسه.

 جورج يدعو لوحدة المقاومة

شكّل اللقاء مناسبة لمساندة فلسطين والتنديد بحرب الإبادة الجماعية ضد غزة، وللمطالبة بالحرية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والحرية لمؤسس الفصائل الثورية اللبنانية وعضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج عبدالله. وشارك فيه حشد من الشخصيات السياسية وممثلو الأحزاب والمنظمات الفلسطينية واللبنانية.

في المقابل، تجمع آلاف المتضامنين أمام سجن لانميزان دعماً لعبدالله وفلسطين وأسراها – الذين زاد عددهم على نحو 9 آلاف أسير.ة – وتنديداً بحرب الإبادة الجماعية على غزة، بدعوة من أحزاب ومنظمات يسارية وجمعيات تضامن فلسطينية – فرنسية ومنظمات نقابية.

الناشطة ريتا إبراهيم، أكّدت في تصريح لـ “مدار” باسم الحملة الموحدة لتحرير جورج عبدالله، مواصلة التحركات التضامنية مع المناضل اللبناني في فرنسا، موضّحة أنه “رغم محاولات إفشال المظاهرة الأخيرة المطالبة بالإفراج عنه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضمن سياسات القمع التي انتهجتها باريس ضد الفعاليات التضامنية مع القضية الفلسطينية، عُدنا اليوم إلى لانميزان بأعدادٍ أكبر من أي وقت مضى لنصرخ بصوتٍ صخب يعلو على جدران السجن البغيضة، دعما للشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة، مؤكدين أننا لن نكلّ ولن نتعب حتى فرض الإفراج عن عبدالله”.

وأوضحت الناشطة اللبنانية أن أكثر من ألفي متظاهر.ة من مختلف الأحزاب اليسارية والنقابات العمالية والمنظمات المتضامنة مع فلسطين، ساروا جنباً إلى جنب مع عدد من نواب اليسار في البرلمان الفرنسي، بهدف التأكيد على أن التضامن مع فلسطين في فرنسا لا يكتمل إلّا إذا مرّ عبر المطالبة بالإفراج عن أحد أبرز مشاعل المقاومة الفلسطينية في السجون الفرنسية.

ولفتت المتحدثة باسم الحملة الموحدة إلى أن “التحرير معركة سياسة لا بدّ من خوضها على هذا الصعيد من أجل تغيير موازين القوى، والتأكيد أن الإبقاء على جورج عبدالله بالسجن قد يكون أكثر كلفة من الإفراج عنه”، وأضافت: “علمتنا التجربة الفلسطينية أن تحرير جورج عبدالله لن يتم إلّا عبر المقاومة”.

بدوره، وجّه فؤاد ضاهر، القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عبر “مدار” التحية إلى المناضل العربي والأممي الذي دفع عمره وشبابه ضريبة نضاله مقتنعاً ومؤمناً بطول أمد هذا الصراع.

وقال: “نحن نتضامن مع أهلنا وشعبنا وقضيتنا العادلة؛ القضية الفلسطينية. مع جورج إبراهيم عبدالله وهو العنوان في هذا التضامن مع الأسرى..”، وتابع: “عبدالله يحرص دائما من داخل سجنه على السؤال عن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وعن الشارع اللبناني والشارع العربي، ويحث على مواصلة التحركات الداعمة لفلسطين وشعبها وأسراها”.

وواصل القيادي اليساري “جورج دائماً يوصينا بتكثيف الدعم للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، مشددا على ضرورة الوحدة والمقاومة، إيمانا بهذا النهج الذي لم يتخل عنه بعد الزج به في السجون الفرنسية تحت الضغط الأميركي والصهيوني وإملاءاتهما بحرمانه من حريته”.

وإلى المناضل الأممي، توجّه القيادي في الجبهة الشعبية بالقول “اليوم نقول لجورج ولرفاقه ونحن منهم وأبناء هذه المدرسة؛ نحن نفتخر بأننا أبناء مدرسة المقاومة والعمل الفدائي، مدرسة ‘وراء العدو في كل مكان’. نعاهدك باسمك وباسم كل مقاوم، وكل شهيد وأسير، باسم أم الأسير وأم الشهيد، أن نبقى أوفياء لنهجك ونهج الشهداء المقاومين الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين، ولن نتنازل عن أي حبة من تراب فلسطين، سنبقى نقاوم ولن نساوم على تحريرك”.

واستكمل مخاطبا عبدالله: “هدفنا ليس فقط تحرير الأرض بل تحرير الأرض والإنسان معاً، ومطالبتنا بحريتك هي مثل مطالبنا بحرية أي أسير.ة فلسطيني.ة فكلكم ضحيتم وواجهتم الأسر من أجل القضية الفلسطينية وعدالة قضيتنا. لذا نحن لا نميّز اليوم ما بين أسير فلسطيني أو أسير لبناني أو عربي، فأنتم أحرار العالم وهذا هو العهد للأسرى وعهدنا لك بأن نبقى أوفياء”.

“وراء العدو في كل مكان”

الأمين العام للحزب الديمقراطي الشعبي اللبناني محمد حشيشو، ألقى كلمة المقاومة اللبنانية في لقاء بيروت، أشاد فيها بجورج عبد الله كرمز نضالي  ثوري أممي، اعتبر العدو هو كل من يمارس الاحتلال والاستعمار والاستغلال، وتطوع للتصدي لهذا العدو، ولأنه مؤمن بوحدة الجبهة العالمية ضد هذا العدو حمل شعار “وراء العدو في كل مكان”، ما أفضى به إلى معتقل الإمبريالية الفرنسية.

وصرّح حشيشو أن “جانبا من معركة طوفان الأقصى لم يأخذ حقه كاملا في البحث والتحليل”، وهو البعد الطبقي والأممي، قائلا إن  “فعل ‘7 تشرين الأول الفلسطيني’ ثورة متكاملة الأركان والشروط، هو فعل ثوري تحرري ضد احتلال استعماري استيطاني معتمد كقاعدة عسكرية عدوانية متقدمة للغرب الأطلسي، لتأمين مصالحه الاستراتيجية ومنع الشعوب العربية والمنطقة من التكامل والتوحد والتنمية المستقلة، وهو ثورة أبطال المقاومة الفلسطينية من أبناء الفقراء من الفئات الشعبية المحاصرة والمفقرة والمجوعة، ضد كيان هو جزء عضوي من النظام الرأسمالي العالمي”.

وأضاف: “أبطال هذه الثورة لاقوا الإسناد والمناصرة من أشباههم الفقراء في قوى وحركات المقاومة في المنطقة، لذا سارعت القوى الإمبريالية ورأس المال العالمي إلى الاستنفار وقيادة الدفاع عن الكيان ومده بكل أسباب الاستمرار لسببين رئيسيين، أولهما: أن هزيمة الكيان هزيمة لمشروع الهيمنة الأميركية والغربية وهي تسريع لتغيير المعادلات على المستوى الكوني للخلاص من عدوانية القطب الأوحد، لمصلحة نظام عالمي متعدد الأقطاب أو لمشروع لا مركزية العالم. والثاني هو أن هزيمة الكيان هي خسارة لاستثمارات رأس المال العالمي وتداعياتها على موقع الرأسمال المتوحش لمصلحة القوى الاقتصادية العالمية الناشئة”.

وأشار حشيشو إلى أن بقاء الكيان وانتصاره يهدف إلى إبقاء الردع الغربي ضد شعوب عالم الجنوب قائماً. حيث يرتبط هذا الكيان إيديولوجيا بالغرب الاستعماري، ما يجعل من الصهيونية أداة سياسية وأيديولوجية لسلطة الرأسمال العالمي.

واعتبر الأمين العام للحزب الديمقراطي الشعبي أن حرب الإبادة التي يشنها الكيان ضد الشعب الفلسطيني في غزة ليست رد فعل على 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وإنما لا تخرج عن سياق ارتباط الصهيونية بالفكر الاستعماري وبفعل الإبادات الغربية ضد السكان الأصليين في أميركا وكندا واستراليا..، وضد سكان القارة الإفريقية، وضد الشعوب المناضلة من أجل حريتها واستقلالها، وضد الفقراء أينما وجدوا.

كما شدد على أن ” المقاومة، بكل أشكالها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والمقاطعة ومناهضة التطبيع، الذي تبنته شعوبنا واحتضنته وقدمت التضحيات الهائلة لاستمراره، هي خيار الضرورة الموضوعية والعملية في مواجهة الاحتلال وأسياده، وما عزز التمسك بهذا الخيار هو التجارب المضيئة والإنجازات التاريخية التي سطرتها جبهة المقاومة الوطنية والمقاومة الإسلامية في لبنان، والمقاومة بكل فصائلها على مساحة فلسطين المحتلة”.

كما تطرق إلى نجاح عملية “طوفان الأقصى” وتحدي اليمن في البحر الأحمر، وسابقاً انتفاضة الحجارة عام 1987، وانتفاضة العام 2000 ومن ثم طرد الاحتلال الصهيوني من لبنان في العام 1982 بفعل ضربات عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.

وقال: “نحن حركات تحرر نملك إرادة وعزماً وإصراراً وإيماناً راسخاً بعدالة قضايانا، كجزء من الحلقة الأممية الأوسع لتغيير العالم القائم على الظلم والقهر والاستعباد…”.

وتوجّه حشيشو إلى جورج بالقول: “التزمت بتوصيتك للرفاق أن لا تكون أنت وقضيتك محور شهر التضامن لتحريرك من سجون الإمبريالية الفرنسية، لأن القضية اليوم هي فلسطين وغزة والأسرى، ولكني سأختصر لأقول إن جورج مثل الرجل الأميركي الذي كان يقف وحيداً أمام البيت الأبيض حاملاً شمعة بيده كل ليلة طوال الحرب العدوانية على فيتنام، وفي يوم سأله صحفي: هل تعتقد حقاً أن وقوفك وحيداً سيغير شيئاً؟ أجابه الرجل: إنني آتٍ إلى هنا لا لأغير شيئاً، أنا آتٍ كي لا يغيرونني ويمحون إنسانيتي باندفاعهم المجنون، وأنت يا جورج تقف وحيداً كي لا يغيروننا نحن، ويمحون إنسانيتنا ويدوسون على كرامتنا”.

المقاومة اللبنانية جددت في كلمتها مطلبها من قوى المقاومة الفلسطينية “إدراج عبدالله  ضمن صفقة التبادل مع الاحتلال لتبييض السجون، خاصة أن من أسرى العدو لدى المقاومة من جنسيات أميركية وفرنسية وغربية”، مشددة على “أن تحريره قضية وطنية وأممية وسياسية ونضالية وأخلاقية، حيث أن المانع الوحيد لتحرره هو قرار أمريكي صهيوني”، كما جاء.

“جورج عبدالله، شبيه فلسطين”

بدوره، ألقى الأسير المحرر أنور ياسين كلمة الحملة الوطنية لتحرير الأسير جورج عبدالله بتوجيه التحية إلى المناضلين الأحرار واستهلها بـ “تحية فلسطين الجريحة والأسيرة، ولكنها مقاومة. وتحية القائد والرفيق جورج عبدالله، شبيه فلسطين، ومتقن دروسها العليا، ابن القبيات مولداً، وابن لبنان ‘الحلم’ مدرسة، وابن الحرية والثورة فكراً وفلسفة… تحية القضية، والخيار الذي أتقنه جورج وانتمى له باكراً، وتحول به ومعه أنموذجاً استثنائياً لطبيعة صراعٍ كلي، يمتد كما رآه جورج بعيداً في الجغرافيا، والسياسة والاقتصاد”.

وأضاف الأسير المحرر “كان جورج الذي مثل عن جدارة الوجه الثوري لهذا الصراع، يشاهده برؤياه أكثر منا جميعاً، وهو محجوب الرؤيا… وكانت قبضاته وأنامله تطال عمق تفاصيله بيديه المغلولتين منذ أربعين عاماً. هي أكثر بكثير من مجرد رقم، وأكثر من 14600 يوم بنهارهم وليلهم… كان فيهم جورج يعتلي منارته من خلف الأسوار الصهيونية-الفرنسية، يرفع مشعله لنرى الطريق، وليعلمنا من خلال مقولته “لن أعتذر، لن أساوم، وسأبقى أقاوم”. إن الخلاص ليس فردياً، لأن الصراع ليس شخصياً، وما كان قد بدأ هنا، كان موجوداً هناك وهناك”.

وقال ياسين: “لقد أدرك الأعداء، على اختلاف أسمائهم الموحدة، وربما أكثر منا للأسف، محورية ما يمثله مشعل جورج “الرمز” والإنسان، من معانٍ وأهداف وخط بياني صاعد نحو الحرية الجماعية والخلاص الجماعي، الذي يُهدّد مشروعهم الفردي العنصري الاستغلالي الإجرامي، المبني على ثقافة الخلاص الفردي، والمصلحة الأنانية على حساب الجماعة المكرسة في مجتمعاتهم. فحاولوا معاقبة جورج وحصاره، ورفع الأسوار أكثر حوله، إلّا أنهم تفاجؤوا أن منارة هذا القائد تحولت إلى شمس للمناضلين الأحرار الشجعان. والشمس لا تحجب بجدران. ووجدوا أن جورج روّض الريح، وسيرها نحو الجنوب، فكنا من طله ‘الجمولي’ (والقصد جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية: ملاحظة مدار) وسيرها نحو جنوبي الجنوب، فأثمرت رطباً ودماً زكياً حاراً على أرض غزة العزة… دماً يوقد لشمس الصباح الأجمل مراجله، ويفتح بالسواعد المقاومة ‘في فلسطين الأبية، والجنوب المقاوم، والعراق واليمن السعيد’ صفحة جديدة وتاريخاً جديداً وانتصاراً أكيداً على طغاة العصر، وأصحاب ثقافة القتل، والنار والحديد”.

ووجّه الأسير المحرر إلى الحضور “صرخة مخلصة، انتصاراً لما نبغي ونريد، انتصاراً للمعركة المقبلة، إلى جانب جورج، بأن نكون أحراراً في مشروعه التحرري الجماعي. ولننتصر لفلسطين وحريتها، ينتصر جورج بحريته المغروسة عميقاً بداخله، ولنرسم معاً خارطة العالم المقبل الخالي من الإمبريالية والاستعمار والاحتلال والخونة التابعين، الخالي من الجشع والاستغلال البشع للإنسان وموارد الطبيعة الأم. ونبني عالماً يسوده الحق والعدل والحرية، والسلام والأمن الحقيقيين… الحرية قريباً للرفيق القائد جورج عبدالله. الحرية لفلسطين وأسراها. إلى النصر دوماً… الحرية أو الموت… سننتصر”.

وتخلل اللقاء التضامني كلمة المقاومة الفلسطينية، ألقاها مسؤول حركة المقاومة الإسلامية في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي، ليختتم اللقاء بتحية مسجلة من المعتقل جورج عبدالله أمام المحكمة الفرنسية العام 1987، مقتطعة من فيلم “فدائيين”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة