الإمكانات الثورية للفن والثقافة ومكانتهما في النضال لتحقيق التغيير الاجتماعي

مشاركة المقال

مدار: 21 نيسان/ أبريل 2024

كاترين ضاهر

في عالم مليء بالتحدّيات والصراعات، يُثبت الفن والثقافة أن لديهما دوراً أساسياً في تحويل النضالات إلى تحركات ثورية تعبّر عن التحول والتغيير.

تُعدّ الفنون والثقافة منبراً للتعبير عن الهوية والمقاومة، حيث تُساهم في تشكيل وتعزيز الوعي الجماعي. فهما يُقدمان منظوراً جديداً ومُلهماً يعكس الواقع ويحثّ على التفكير والعمل الجماعي لتحقيق التغيير المجتمعي.

إن استخدام الفن والثقافة في المفهوم السياسي يعتبر أمراً مهماً وضرورياً للتأثير على الوعي السياسي وتشكيل وجهات النظر في المجتمع. ومن خلال اتباع استراتيجيات مدروسة، يمكن للفن والثقافة أن يلعبا دوراً بارزاً في تحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي وتعزيز الحوار والتفاهم بين الأفراد والثقافات.

يُعرّفُ الفن كمظهر من مظاهر التعبير الإبداعي التي يتم إنتاجها بواسطة الإنسان للتعبير عن مشاعره وأفكاره ورؤيته للعالم المحيط به. وقد يكون الفن متنوعاً ويشمل مختلف الوسائل والتقنيات مثل الرسم، النحت، الموسيقى، المسرح، الأدب، والسينما، ويُعد جزءاً أساسياً من الثقافة الإنسانية.

والفن أيضا وسيلة فعّالة لإيصال رسائل سياسية وإثارة الوعي السياسي. يُستخدم في بعض الأحيان لطرح النقد السياسي والتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. على سبيل المثال، يمكن للرسومات الكرتونية (كاريكاتير) واللوحات والأعمال الفنية التعبير عن الظلم الاجتماعي والقمع السياسي.

أما الثقافة فتلعب دوراً هاماً في تحديد الهوية والانتماء للشعوب والمجتمعات. فهي تشير إلى النمط الشامل للحياة والقيم والمعتقدات والتقاليد التي تحكم سلوك المجتمع والأفراد. وتشمل: الفنون، الأدب، الملابس، العادات الغذائية، الأعياد، اللغة، العلوم والتكنولوجيا، الديانات، التراث، التعليم، العمارة، الموسيقى والرقص.

وتُمثل الثقافة الجذور والهوية الثقافية للمجتمع، وتؤثِّر في التفكير والسلوك السياسي للأفراد والجماعات. كذلك قد تكون وسيلة للتعبير عن التمييز الاجتماعي والسياسي، ولتعزيز الانتماء والوحدة الوطنية.

ويظهر جلياً اليوم مدى استخدام الفن والثقافة في السياسة من خلال التأثير الكبير الذي يمارسانه على المجتمع بشكل عام. خاصة دورهما في تشكيل وتعزيز الوعي والهوية والقيم الاجتماعية، وقد تم استخدامهما بشكل مباشر أو غير مباشر في العديد من المجالات السياسية.

الفن والثقافة أدوات ثورية

أحمد عبداللطيف وهبي، كاتب وشاعر لبناني، في حديثه لـ “مدار” حول دور الفن والثقافة كأدوات ثورية في تحفيز النضالات وتحقيق التغيير الاجتماعي، أكّد أن “أشدّ ما في الكلمة وقعها، وإذا ما ارتسمَ من الأحاسيس هيئات وأشكال، طفرَ عن النيران جموع الأعماق، وانكمشت قبضات الألوان، على سحرها من نون النسوةِ، وتاء التأنيث، وليس لواو الجماعة غير الانتفاض على الواقع المؤلم”.

ووصف الكلمة بـ “بذرة تنمو، والكلمة رصاصة، واليراع بصمة القول والفعل، مدرسة رائدة، والريشة إنسانيةٌ مُطلَقة، والأغنية الملتزمة رسالة، جُلّها أدواتٌ لخدمة معنى الثورة والقيّم، وتشكيل الوعي لدى منظومة الطبقة المسحوقة”.

وأوضح الكاتب اللبناني أن الكلمة نظرة ثاقبة تخترق الزمن إلى ميادين العالم، تشهد و”نشهد على كتاباتٍ وفِرق ومؤلّفات لا حصرَ لها، ومواقف تردف هذا المعنى، فكان الشاعر والمؤدّي لحناً وصوتاً، كنجم وإمام، درويش ومارسيل، واللائحة تطول عبر مشارق الأرض ومغاربها، ولا ننصرف عن تقنيات الفن بقواعده في السينما وبالأخصّ المسرح، ما ساهم ويُساهم في ابتناء نماذج جمعية أسهمت بجدارة في رفع شأن الإنسان ووعيه ووضعه لنيل حقوقه”.

وأضاف: “هو دور المثقّف المُسيَّس المُدرك للحقوق والواجبات، عوامل تراكمية ذات روحِ واحدة هادفة مُحَفِّزة، فيها المِكنة الثوريّة القادرة على التغيير الإيجابي الجمعي، وتتبّعاً لمسار الثورات في العالم، ندرك يقيناً دور الفن والثقافة موقعاً ونضالاً في التنوير للارتقاء والتغيير”.

الفن محاكاة الواقع

الفن وسيلة لربط النضالات الاجتماعية بالتعبير الفني وتعزيز التفاعل بين البشر. فهو يعكس تجارب الإنسان ويمثل قدرته على التعبير عن نفسه. ويمكن أن يكون وسيلة فعالة لنشر الوعي السياسي والاجتماعي، وتشجيع التفكير والحوار العام، وتوثيق التاريخ وتعزيز التحرك نحو المجتمع المرغوب به.

يثير الفن العواطف ويحمل الناس إلى توليف معين من المشاعر حيال القضايا السياسية والتفاعل معها بطرق إبداعية. وقد يساهم هذا التأثير العاطفي في التحفيز على العمل وتحقيق التغيير. كذلك يساهم في حفظ الذاكرة الجماعية وتوثيق التاريخ السياسي، عبر تسجيل الأحداث السياسية والثقافية وعكس التحولات والتطورات في المجتمع.

الفن محاكاة الواقع لمدّ الشعب بالمعرفة، فهو يثقّف، إذ يقدم الوعي والكرامة للشعوب. فهو ليس منفصلًا عن النضال، بل من الضروري الربط بينهما، وكذلك بين الفن والإنسان من جهة أخرى.

يعبّر الفن عن النضال، إذ يستخدم في كثير من الأحيان كوسيلة للتعبير عن النضالات السياسية والاجتماعية. ويمكن للفنانين أن يوظفوا أعمالهم الفنية لتسليط الضوء على الظلم والقهر والمعاناة التي يتعرض لها الناس.

في المقابل، للنضال تأثيراته أيضاً على الفن، ويمكن أن يلهم النضال والصراع الفنانين لخلق أعمال فنية تعبر عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، حينها قد يصبح الفن وسيلة لتوثيق وتحفيز القضايا النضالية.

أحياناً يُعبّر الفن عن قضايا سياسية معقدة بطرق تجذب الانتباه وتثير الاهتمام. ويقدّم الفنانون وجهات نظرهم من خلال أعمالهم وإيصال رسائل يصعب توجيهها بشكل تقليدي. حيث قد يساعد البشر على التفكير بشكل أعمق في القضايا السياسية وفهم مختلف التوجهات والآراء، ما يحفز المناقشات ويُعزز الحوار العام.

مهدي عامل عن “الثقافة والثورة”

عند الحديث عن العلاقة ما بين الثقافة والثورة، من الضروري التطرق إلى محاضرة الثقافة والثورة” التي ألقاها عام 1986 المفكر والمناضل الشيوعي، الدكتور حسن عبدالله حمدان المعروف باسم “مهدي عامل”، ومن أقواله “لست مهزوماً ما دمت تقاوم”، وتتشكل المقاومة عبر عدة أدوات منها الريشة، القلم، الكلمة، اللحن، الصوت والسلاح.

ومن مقتطفات تلك المحاضرة: “لكل ناشط في الحياة أن يأخذ موقعاً وأن يُحدد موقفاً، مع الثورة أو ضدها بالكلمة الفاعلة واليد المبدعة”، والثورة ليست لفظاً أو تجريداً، إنها طمي الأرض لا يعرفها من يخاف على يديه من الوحل.

وكيف تكون الثورة نظيفة وهي التي تخرج من أحشاء الحاضر متسخة به تهدمه وتغتسل بوعدٍ أن الإنسان جميل حر، فلتتضح كل المواقف ولتتضح كل المواقع ولتكن المجابهة في الضوء. كيف يمكن للثقافة أن يكون لها موقع الهامش في معركة التغيير الثوري ضد الفاشية والطائفية. كيف يمكن لمثقف أن يستقيل من نضال ينتصر للديمقراطية، هو أكسجين الفكر والأدب والفن”.

أما عن ضرورة وجود الوعي، قال المفكر الشيوعي “ليس بالحلم تكون الثورة، وإن كان الحلم شرطاً من شروطها. ومن شروط الثورة أن يتوفر لها وعي متسّق، إليه تستند، وبه تستبق الممكن. أعني الضروري. ومن شروطها أن يتجسد وعيها المتسق هذا، أي العلمي، وفي وعي القائمين بها، جماهير الكادحين، المنتجين بأيديهم وأدمغتهم، صانعي التاريخ، بوعيهم الممارس يستحيل الوعي النظري قوة مادية تدَكُ أعمدة القائم، وتهيئ لولادة الجديد”.

لمن يكن للثقافة، في زمن انفصام الفكر عن الواقع دورٌ في تغيير العالم، إلّا ما لا يكاد يذكر. كانت، كلما حاولت القيام بهذا الدور، تقُمع وتهُان، باسم الدين غالباً وبتهمة الكفر أو الزندقة، وبتهمة التحريف أو الهرطقة. فالثقافي، حتى في ثقافة الأسياد، يرتد عليهم وعليها، فهو المبتدع في فعل الحرية، يتهدد ويزعزع. إنها القاعدة في كل العصور: كلما انحازت الثقافة إلى جديد ضد القديم، إلى المتغيرّ ضد الثابت، إلى النار ضد الرماد، وإلى الحياة والحلم، اضطهُدِت واضطهُدِ المثقفون، أحباء الحرية والآفاق الزرقاء الرحبة.

إنها البداهة في ضرورة أن يكون المثقف ثائراً، أو لا يكون، وفي ضرورة أن تكون الثقافة للفرح الكوني ضد كل ظلامية، أو لا تكون. تلك مشكلة المثقف والثقافة بامتياز. وهي قضية الثورة في آن”.

يُذكر أن “مهدي عامل” كان عضواً بارزاً في اتحاد الكتّاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960، وانتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب بالمؤتمر الخامس عام 1987.

في الثامن عشر من أيار/مايو عام 1987 اغتيل مهدي عامل في أحد شوارع بيروت، وهو في طريقه إلى الجامعة اللبنانية، كلية العلوم الاجتماعية الفرع الأول، حيث كان يُدرّس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات. وعلى إثر اغتياله أُعلن يوم التاسع عشر من أيار/مايو من كل عام “يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي”.

وله عدة مؤلفات، منها كتاب “مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني، وكتاب “مدخل إلى نقض الفكر الطائفي“، و”نقد الفكر اليومي”، و”في علمية الفكر الخلدوني“، “في الدولة الطائفية” وكتاب “هل القلب للشرق والعقل للغرب”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة