عام على الحرب.. السودان فريسة لأعداء الداخل والخارج

مشاركة المقال

مدار: 20 نيسان/ أبريل 2024

سجّل الـ 15 نيسان/ أبريل الجاري، الذكرى السنوية الأولى للحرب المروعة في السودان. وأصدرت المنظمات الدولية بهذه المناسبة تقارير تصمّ الآذان، بينما اجتمعت الدول في باريس لترى “سبل المساعدة”. من أوجه المفارقة عواصم أخرجت دفاتر شيكاتها لتقدّم “العون” لكنها وراء الستار تغذّي أطراف الحرب بالبارود والنار.

القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع السودانيين، وهما المكونان المركزيان لما كان يسمى بـ “اللجنة الأمنية” وكانت تضم أيضا المخابرات والشرطة، وصل مرحلة تناحرية بعد أن بات غير ممكن أن يتعايشا في هرم السلطة المستولى عليها بانقلابي 11 نيسان/ أبريل 2019 و25 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، من أجل قطع الطريق على الثورة.

شبّت النيران في هذا البلد الإفريقي، لأسباب ظاهرها خلاف بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو – حميدتي، حول الإيقاع الذي سيتم به دمج هذه الأخيرة في الجيش، إذ أراد البرهان أن يحدث ذلك في سنتين بينما أصرّ الآخر على عشر سنوات.

ويلاحظ مختصون من بينهم تاج السر عثمان أن ما بطن من دوافع الحرب تتوسع إلى أن فلول النظام القديم والعسكريين والمتورطين في ارتكاب جرائم كثيرة في حق السودانيين، وقوى رجعية مناهضة للثورة وأهدافها، إضافة إلى أطراف خارجية، ليس من مصلحتها حدوث تغيير ثوري ديمقراطي في السودان، وبالتالي ناورت من أجل وَأْدِها.

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، صرّح إن ما يحدث في السودان “أكبر من كونه صراعا بين طرفين متحاربين”، بل “حرب تُشن على الشعب السوداني”.

“إنها حرب على آلاف عديدة من المدنيين الذين قُتلوا وعشرات الآلاف غيرهم الذين شُوهوا مدى الحياة. (..) وعلى مجتمعات تواجه التهديد المرعب بحدوث مجاعة خلال الشهور المقبلة”، يضيف الأمين العام للأمم المتحدة.

وبلغت الخسائر الاقتصادية خلال سنة واحدة، ما يقدر بـ 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالنسبة لعبد الله الدردري مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن هكذا خسائر في 12 شهرا لا تحدث في أي بلد “إلا إذا كان الوضع فيه مدمرا”.

وأشارت تقديرات سودانية حديثة إلى أن السودان خسر 200 مليار دولار من جراء عام من النزاع المسلح.

وقُتل ما يقارب 15 ألف مدني، وفق ما لاحظته مشاريع متخصصة في مراقبة النزاعات، إلا أن الحصيلة الحقيقية يمكن أن تكون أكثر من ذلك بكثير.

وتحصي الأمم المتحدة أن أزيد من 8 ملايين شخص أجبروا على الهرب من بيوتهم بحثا عن الأمان، 1.8 مليون منهم عبروا الحدود إلى الدول المجاورة. ويحتاج نحو 25 مليون سوداني إلى مساعدات إنسانية، بينما يقف 5 ملايين منهم على بعد خطوة واحدة من المجاعة، ويواجه 18 مليونا الجوع الحاد.

أوضح “مدار” في تقرير سابق كيف تعرضت النساء لأشكال رهيبة من الاعتداءات، بما فيها الاغتصاب على أساس عرقي، وكشفت مصادر أخرى أنه “جرى تسليع المرأة وبيعها كأمة في أسواق بمناطق غرب السودان بعد اندلاع الحرب”.

ليس ذلك فحسب، بل وُجّهت اتهامات لقوات الدعم السريع، سليلة ما يعرف بـ “الجنجويد” السيئة السمعة، والمليشيات المتحالفة معها بارتكاب جريمة التطهير العرقي في إقليم دارفور؛ ويُتّهم الجيش السوداني أيضا بارتكاب جرائم حرب.

ولا تتعلق أبعاد الحرب بالأطراف المتناحرة داخليا، وإنما تتدخل أطراف خارجية لتصب المزيد من الزيت على النار.

ساحة معارك للقوى الدولية

أوردت صحيفة “الميدان” السودانية، التي اعتقلت قوات الدعم السريع رئيس تحريرها هيثم دفع الله بداية هذا العام، أن السودان أصبح ساحة لـ “تصفية الحسابات الدولية”.

وأوضح المصدر ذاته أن مجموعة “فاغنر” الروسية تقاتل إلى جانب حميدتي، بينما قامت كييف بإرسال جنودها لمساندة البرهان، وسبق لأشرطة فيديو أن أظهرت عمليات عسكرية مزعومة للأوكرانيين على الأراضي السودانية، وتحدثت صحف غربية عن أحداث مشابهة.

“من المؤكد أن قوات ‘فاغنر’ تلعب دوراً مهماً في تجارة أو بالأصح سرقة ذهب السودان ونقله عبر الإمارات إلى روسيا، بالإضافة إلي مشاركتها في العمليات العسكرية وتدريب مليشيا الدعم السريع”، تقول “الميدان”.

وسلطت الصحيفة ذاتها الضوء على “التدخلات الإقليمية من مصر وتركيا وإيران لصالح جنرالات الجيش عبر تقديم الأسلحة المتطورة والمسيرات، وربما مشاركة الطيران الحربي المصري، يوازي ذلك تدخل روسيا عبر ‘فاغنر’ والإمارات والاعتماد على تشاد وأفريقيا الوسطى، لمد مليشيا الدعم السريع بالمؤن والذخائر وتجنيد وحشد مرتزقة لضمهم لصفوف مليشيا الدعم السريع”.

وبهذا الشكل، فإن الدعوات إلى الأطراف الداخلية للحرب لن تكون ذات جدوى، “لأن البنادق لن تسكت وبعض حكومات الجوار تشارك بدعم أطرافها”.

مؤتمر باريس المنعقد بمناسبة دخول الحرب عامها الثاني، لبحث سبل الحل السياسي وجمع الدعم المالي للاستجابة للحاجات الإنسانية، ختم أعماله بآمال أن يلتزم المانحون بجمع “ملياري يورو”، بينما تطالب الأمم المتحدة بـ 3.8 مليار يورو.

وللمفارقة، فإن دولا ظهرت أسماؤها ضمن الأطراف الخارجية المتورطة في النزاع أعلنت عن مِنَح للسودان، كالإمارات التي قالت إنها ستقدم 100 مليون دولار أمريكي “دعماً للجهود الإنسانية”، أو مصر التي اقترحت إقامة “مستودعات إغاثية قريبة من الحدود مع السودان”.

مؤتمر باريس المنعقد برئاسة ألمانية، لم يكن يحظى بدعم القوى السياسية السودانية، خصوصا المؤيدة منها للثورة، كالحزب الشيوعي السوداني، الذي قال فرعه بفرنسا إن هذا التجمع “محاولة لإضفاء مشروعية لقوى سياسية ويتجاهل أسباب استمرار الحرب”، وأضاف أن هذا المؤتمر ينطلق من “رؤية المركز الرأسمالي الدولي انطلاقاً من أرضية العمل الإنساني وشرعنة الفاعلين فيه”.

ويرى الشيوعي السوداني أن هذا التصور يسعى إلى “فك العزلة السياسية عن هؤلاء الفاعلين وإعادة إنتاجهم”، من خلال “اعتمادهم كوسطاء في الملف الإنساني”، و”يعطي الضوء الأخضر الدولي لإضفاء المشروعية السياسية والقبول المجتمعي لقوي بعينها، فضلاً عن خلق امتدادات لها على الأرض من خلال غطاء العمل الإنساني” وفق تعبيره.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة