مصر تحت الضغط الشعبي لفتح معبر رفح وإدخال المساعدات لقطاع غزة

مشاركة المقال

مدار: 23 كانون الثاني/ يناير 2024

يتواصل الضغط الشعبي المصري في سبيل دعم الشعب الفلسطيني وإنهاء العدوان على قطاع غزة، مع تواصل جرائم الإبادة الجماعية في القطاع المحاصر للشهر الرابع على التوالي.

في هذا السياق، أطلقت اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهي ائتلاف يضم عددا من أحزاب وقوى المعارضة المصرية بالإضافة إلى شخصيات عامة، (أطلقت) قافلتها الإغاثية الثانية المقرر إرسالها إلى غزة عبر معبر رفح.

تزامنا مع ذلك، دعا نشطاء إلى التظاهر أمام السفارات المصرية في عدد من العواصم الأجنبية، للمطالبة بفتح المعبر، وكسر الحصار على غزة، والضغط لإنهاء العدوان.

وتنتهي فترة تلقي التبرعات والمساعدات للقافلة الثانية للجنة الشعبية في الـ 26 من كانون الثاني/ يناير 2024.

ومن المقرر أن تقتصر هذه المساعدات على مواد غذائية جافة وأغطية وخيام، في ظل التضييق المفروضة على المساعدات الطبية، وتلف بعضها بسبب سوء التخزين والصلاحية، أمام التعطيل المستمر لدخول القوافل، والذي قد يستغرق أسابيع.

ويذكر أن القافلة الأولى ظلت 16 يوما بين العريش ورفح قبل السماح في البداية بدخول الأغذية والدواء فقط، ولم يسمح بدخول الأغطية إلاّ لاحقا.

وتم توجيه هذه المساعدات إلى معبر العوجة للخضوع للتفتيش من طرف سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يستغرق من 4 إلى 5 أيام، قبل أن تعود إلى معبر رفح مجددا لإدخالها.

في ظل هذه الأوضاع، واستمرار العدوان على القطاع، بات فتح معبر رفح والسماح بدخول المساعدات مطلبا أساسيا لدى أوساط شعبية واسعة.

ويعتبر معبر رفح هو المنفذ الرئيسي الوحيد على طول الشريط الحدودي، بين الجانبين الفلسطيني والمصري والممتد لمسافة 14 كيلومترا، المتبقي لسكان غزة.

على الأرض، ومنذ 10 كانون الثاني/ يناير، تزامناً مع عبور 110 شاحنات محمّلة بموادّ غذائية وطبية من معبر رفح، دعا رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إلى ضرورة النفاذ الفوري للمساعدات الإنسانية بالكميات الكافية إلى قطاع غزة، لإنهاء معاناة المدنيين فيه، مشيرا إلى ما وصفها بالجهود المكثفة والاتصالات الجارية التي تقوم بها القاهرة مع مختلف الأطراف للدفع تجاه وقف إطلاق النار.

من جانبه، قال طلعت عبد القوي، عضو مجلس النواب المصري ورئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية وعضو التحالف الوطني لتنمية العمل الأهلي التنموي – الجهة الموكلة من السلطات المصرية لتيسير دخول قوافل المساعدات والإغاثة – إنه بتوجيه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، استطاع التحالف الوطني لتنمية العمل الأهلي التنموي تجهيز 108 قاطرة محملة بالأغذية والمياه والملابس والخيام، إلا أنها بقيت في رفح لمدة عشرة أيام، بسبب رفض الجانب الإسرائيلي دخول المساعدات، إلى جانب قصف الجانب الفلسطيني للمعبر.

وأوضح المسؤول نفسه، في تصريحات للصحافة، إن العديد من المنظمات المصرية تساهم في تجهيز المساعدات، ويصل عددها إلى 65 قاطرة أسبوعيًا، كما أن آخر قافلة تحركت كانت تضم 575 قاطرة.

وشدّد طلعت عبد القوي، على أن منظمات الإغاثة تعمل في ظروف بالغة الصعوبة، كما أن الشعب المصري له مواقف كريمة ومشرفة حيث يساهم المواطنين البسطاء في التبرع في ظل الظروف الاقتصادية التي يمرون بها.

وأكد أن التحالف الوطني مستمر في القيام بدوره في تقديم المساعدات لغزة، كما تستقبل الحكومة المصرية الجرحى والمرضى للعلاج في مصر، لافتًا إلى أن 82 في المائة من جملة المساعدات التي دخلت قطاع غزة دخلت من مصر، حيث أدخلت 6 آلاف شاحنة، وفتحت الأبواب أمام المرضى والجرحى للعلاج، في ظل تعنت إسرائيلي وعرقلة إدخال المساعدات، والإصرار على التفتيش وتحديد نوع الأغذية التي تدخل القطاع.

وفي سياق متّصل، وجّه وزير المالية المصري محمد معيط، اليوم 23 كانون الثاني/ يناير 2024، مصلحة الجمارك إلى الإفراج الفورى عن شحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية، بنحو يساعد في تيسير تدفقها إلى قطاع غزة، مع استمرار التدابير الاستثنائية، وتقديم التسهيلات الجمركية اللازمة، وعدم فرض أي قيود جمركية على الشاحنات، لتسهيل إيصالها لأهالي غزة في أسرع وقت ممكن وتوجيهها إلى معبر رفح البري، وفق تعبيره.

وحسب بيانات رصد حركة استقبال طائرات المساعدات بمطار العريش، وصل إجمالي عدد الطائرات إلى 508، من بينها 416، حملت أكثر من 14 ألف طن من المساعدات المتنوعة ومواد إغاثة إلى قطاع غزة، مُقدمة من 50 دولة عربية وأجنبية ومنظمة إقليمية ودولية، إلى جانب 92 طائرة حملت وفودا رسمية وتضامنية عربية ودولية.

وحظي إطلاق السلطات المصرية لحملة إغاثية كبرى لقافلة صندوق “تحيا مصر” تحت شعار “نتشارك من أجل الإنسانية”، تحمل 1613 طنا من المواد الغذائية الجافة والأطعمة الصالحة للتناول بدون طهي، بالإضافة إلى المياه المعدنية والألبان والعصائر والملابس والبطاطين والمراتب والسجاد والأغطية والمنظفات والمطهرات، والمولدات الكهربائية وكشافات الإضاءة، باهتمام وتغطية إعلامية رسمية واسعة.

في الوقت ذاته، اشتكت جهات أخرى من تعقيدات تواجهها من جانب السلطات، للسماح لها بإرسال قوافل، ومن بينها “قافلة ضمير العالم” التي أطلقتها نقابة الصحفيين المصريين، في منتصف نوفمبر الماضي، ولم يتم منحها تصريحات للدخول حتى الآن.

تبادل الاتهامات

في الآونة الأخيرة، تبادل الإسرائليون والمصريين اتهامات حول عرقلة دخول المساعدات إلى القطاع.

مسؤول إسرائيلي قال أمام محكمة العدل الدولية إن القاهرة مسؤولة بشكل كامل على المعبر.

تصريحات لم تعجب المصريين، الذين ردوا عبر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، يوم 22 يناير 2024، خصوصا على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أشاروا فيها لوجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها، إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية.

وأوضح رشوان أن أي ادعاء بأن عمليات التهريب تتم عبر الشاحنات التي تحمل المساعدات والبضائع لقطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح “لغو فارغ ومثير للسخرية”، مبرّرا ذلك بأن أي شاحنة تدخل قطاع غزة من هذا المعبر، يجب أولا أن تمر على معبر كرم أبو سالم، التابع للسلطات الإسرائيلية، والتي تقوم بتفتيش جميع الشاحنات التي تدخل إلى القطاع.

وتابع المسؤول نفسه أن المساعدات تسلّم للهلال الأحمر الفلسطيني والمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة كـ “الأونروا”، وهو ما يضيف دليلا آخر على كذب المزاعم الإسرائيلية.

دعوات للتظاهر أمام السفارات المصرية

جهود الإغاثة تزامنت أيضا مع دعوات للتظاهر أمام السفارات المصرية في الثامن والعشرين من يناير الحالي، في كل من برلين ونيويورك ولندن، وغيرها من عواصم ومدن العالم، للمطالبة بكسر الحصار عن غزة وفتح معبر رفح فورا وبشكل مستدام أمام جميع المساعدات، مع السماح بخروج الجرحى لعلاجهم في المستشفيات المصرية.

وينظم الملتقى الوطني لدعم المقاومة في الأردن، مساء الثلاثاء 23 يناير 2023، اعتصاما أمام السفارة المصرية، فضلا عن مسيرة حاشدة من المسجد الحسيني، الجمعة 26 يناير، تحت عنوان “حصار غزة أمريكي بأيدٍ عربية.. اكسروا الحصار”.

وأكد “الملتقى” أن ما يفرض على أهل غزة من جوع ومرض وانعدام للدواء والعلاج ووسائل التدفئة هو “عار يلحق الأمة بأسرها”، مضيفا أن النظام الرسمي العربي “شريك مركزي في هذا الحصار” بمواصلته نهج الارتهان للولايات المتحدة وللصهاينة، وفق تعبيره.

“نحن أمام حصار صهيوني أمريكي في الإرادة والقرار لكنه ينفذ بأيدٍ عربية”، يقول الملتقى الوطني لدعم المقاومة في الأردن.

وتوجه الملتقى الوطني لدعم المقاومة إلى السلطات السياسية المصرية بضرورة كسر الحصار وفتح معبر رفح، وبشكل مستدام؛ مشددا على أنه “لا يعقل أن تكدس مئات آلاف الأطنان من المساعدات بينما أهل شمال غزة يضطرون إلى طحن علف الحيوانات ليبقوا على قيد الحياة”.

وبينما يخرج المسؤولون المصريون بتصريحات رسمية يؤكدون فيها دعم السلطة الكامل للشعب الفلسطيني وتكثيف جهودهم لوصول المساعدات إلى القطاع ووقف العدوان، يواجه نشطاء مصريون تضييقات مستمرة في تنظيم الفعاليات التضامنية مع غزة، إذ اعتقلت السلطات الأمنية المصرية العشرات من المشاركين في تظاهرات بمحافظتي القاهرة والإسكندرية، بعضهم تم اعتقاله من منزله، وما يزال محبوسا حتى الآن.

وتزامنا مع دعوة السيسي للمواطنين بالمشاركة في فعاليات لدعم فلسطين، تظاهر عشرات آلاف المصريين في العشرين من أكتوبر الماضي، في ميدان التحرير – أيقونة الثورة المصرية – ومختلف أنحاء مصر دعمًا لغزة، رغم أن التظاهرات محظورة في مصر منذ العام 2013، قبل أن يتم فض تظاهراتهم والقبض على عدد منهم.

وأشار محللون إلى أن الغرض الرئيسي من دعوة السيسي المواطنين للخروج إلى الشارع هو استغلال الصراع لتحقيق مكاسب شخصية، في ظل سوابقه في توظيف “التفويض الشعبي” لقمع أي معارضة، والتضييق الشديد على مختلف مظاهر الفعل الاحتجاجي السلمي لتعزيز قبضته، إلا أن هتاف المتظاهرين “دي مظاهرة بجد، مش تفويض لحد”، دفع سلطات الأمن لفضها سريعا.

“سلاح المقاطعة”

تتواصل الجهود الشعبية في المقاطعة ودعوات سحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة في جرائم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، خاصة بعد العدوان على غزة، حيث دشن ناشطون تطبيقات ومواقع للاستعلام عن المنتجات المعنية بالمقاطعة، وإيضاح أسبابها لنشر الوعي لدى المستهلك، ومواجهة الحملات المضادة، في حين يواصل النشطاء نشر المنتجات البديلة لتلك الواقعة تحت حملات المقاطعة.

وتشير التقارير إلى انخفاض مبيعات الامتياز المصري لشركة “ماكدونالدز” بنسبة 70 في المائة على الأقل في أكتوبر ونوفمبر، ونقص الطلب على “ستاربكس” بأكثر من 50 في المائة، في الوقت الذي طالت المقاطعة جميع منتجات الشركات الداعمة سواء المشروبات الغازية أو المواد الغذائية أو مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي والملابس أو حتى السلاسل التجارية الشهيرة في مراكز التسوق الكبيرة.

في كثير من الأحيان كان يكفي جنسية الشركة فقط لمقاطعتها، حتى لو لم تبد تضامنا مع جيش الاحتلال، بل وصلت في أحيان أخرى إلى مقاطعة منتجات عربية لتواطؤ أنظمتها مع الاحتلال.

ورغم أن بعض وكلاء سلاسل مطاعم الوجبات السريعة العالمية، الواقعة تحت مظلة الشركات الداعمة للاحتلال، اضطرت إلى وضع إعلانات على أبواب المطاعم تؤكد دعمها للفلسطينيين في قطاع غزة، لم تستطع محو تأثير سيل الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاستمرار في تفعيل المقاطعة.

وحسب المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تعود الدعوات لمقاطعة للشركات العالمية التي يُزعم أنها تساند إسرائيل في حروبها في مصر إلى سنوات طويلة، حيث كانت هناك حملات متقطعة في الماضي، لكنها ترتفع بسبب التصعيد مع التطورات في فلسطين، وخاصة بعد انتفاضة الحجارة.

ووفق المصدر المذكور، بدأت الدعوات للمقاطعة جديًا في مصر في عام 1988، وذلك بعد اندلاع انتفاضة الحجارة في الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد اعتبر الكثير من المصريين أن الانتفاضة هي تعبير عن الظلم، ولذلك اعتبروا أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية هي وسيلة للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين.

ونتيجة للتطورات الأخيرة بقطاع غزة، أدت الدعوات للمقاطعة إلى تأثيرات اقتصادية ملحوظة في إسرائيل. فقد تراجعت الصادرات الإسرائيلية إلى مصر بنسبة 20 في المائة في عام 2023، كما تراجعت الاستثمارات الإسرائيلية في مصر بنسبة 15 في المائة، يتابع المركز ذاته.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة