مدى فعالية حملات “المقاطعة” وتأثيرها المحتمل على الصراع في فلسطين

مشاركة المقال

مدار: 26 مارس/ آذار 2024

كاترين ضاهر

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خلّفت حرب الإبادة على غزة آثارًا مدمرة، ليس فقط على السكان والبنية التحتية في القطاع، ولكن أيضًا على الرأي العام العالمي. ولعل أبرز تجليات هذا التغيّر في الرأي العام هو تزايد حملات المقاطعة للمنتجات والمؤسسات الداعمة للكيان الصهيوني سواء عبر دعوات من حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، أو حملات المقاطعة العربية الأخرى.

حملات المقاطعة ضد إسرائيل ليست بجديدة؛ فهي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي حين بدأت بمقاطعة البضائع الإسرائيلية اقتصاديًا وتوسعت لتشمل مجالات أخرى مثل الرياضة والثقافة والمجال الأكاديمي.

وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان مكتب مقاطعة إسرائيل التابع لجامعة الدول العربية، يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي. إذ كان مسؤولًا عن تنفيذ مقاطعة عربية صارمة تجاه كل من يتعامل اقتصاديًا مع الكيان المحتل، وقد تسبب على مدى عقود بخسائر كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، تجاوزت الـ 90 مليار دولار، منذ عام 1952.

أما حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أو “BDS” (Boycott, Divestment, and Sanctions)، فهي حملة دولية اقتصادية بدأت في 9 يوليو/تموز 2005 بنداءٍ من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية، بهدف فرض عقوبات اقتصادية وثقافية على “إسرائيل” بسب سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، وتشمل المقاطعة الاقتصادية والثقافية والأكاديمية للمؤسسات والشركات المرتبطة بالكيان الصهيوني.

والجدير ذكره، أن المنطقة العربية شهدت عمليّات مقاطعة كثيرة في الماضي، أبرزُها في مصر بالعقد الثاني من القرن العشرين، مع محاولات الزعيم سعد زغلول بناء اقتصادٍ وطنيّ مستقلّ خلال الاستعمار البريطاني. كما شهدت الحركةُ النضاليّةُ الفلسطينيّة ضدّ الاستعمار البريطانيّ والتغلغل الصهيونيّ حملات مقاطعة ضخمة ومؤثّرة في ثلاثينيّات القرن الماضي، وفي الانتفاضة الشعبيّة الأولى أواخر عام 1987.

الفعالية والتأثير..

تُشكل حملات المقاطعة بمختلف تسمياتها أداة مهمة في النضال الفلسطيني. فالمقاطعة وسيلة غير عنفية فعالة لدعم حقوق الفلسطينيين والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتحقيق الاستقلال.

رغم العقبات والتحدّيات، فإن الدعم المتزايد لهذه الحملات يدل على الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه بالتأثير على السياسات والمواقف تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

أما الحرب اليوم على غزة فقد أعطت دفعة قوية لحملات المقاطعة مع انتشار صور وتقارير عن الدمار والضحايا الفلسطينيين عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

ومن الصعب قياس فعالية حملات المقاطعة بدقة نظرًا لعدة عواملها. ومع ذلك، هناك عدة مؤشرات تدل على تأثيرها. أولًا، ماليًا، بعض الشركات بدأت تشعر بالضغط نتيجة للمقاطعة، مما أُجبر عددًا منها على إعادة النظر في سياساتها أو ارتباطاتها التجارية مع “إسرائيل”. ثانيًا، سياسيًا واجتماعيًا، تُساهم هذه الحملات في تشكيل الرأي العام وزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية.

التحدّيات…

رغم هذه الإنجازات، تواجه حملات المقاطعة عدّة تحدّيات. بما فيها اتهامات مجّانية بالتحيّز ومعاداة السامية، مما قد يقل من دعمها في بعض المجتمعات. كما أن العولمة وتشابك الاقتصادات يجعل المقاطعة التامة معقدة وصعبة التنفيذ.

لضمان استمرار فعالية حملات المقاطعة، يرى مؤيدو الحركة أنه ينبغي التركيز على تحديد الأهداف بوضوح واستخدام الاستراتيجيات الدقيقة التي تستهدف الشركات والمؤسسات الأكثر تأثيرًا وارتباطًا بالسياسات الإسرائيلية تجاه فلسطين، كما يجب أيضًا تعزيز التعاون الدولي بين الحملات لزيادة الضغط والتأثير، وهذا ما بات ملحوظا اليوم على صعيد حركة المقاطعة.

المقاطعة ثقافة…

الناشطة الفاعلة والمتابعة في مجال شؤون المقاطعة عفيفة كركي، في تصريحها لـ “مدار” أكّدت على “أن المقاطعة فعلٌ تضامني مكمّل لجميع أشكال المقاومة ضد الصهيونية”. وهي ثقافة تبدأ من المقاطعة الاقتصادية بهدف جذب وتوعية الناس على هذه الثقافة لاعتمادها لاحقًا كأسلوب للحياة، ومن ثم تطور لتصبح مقاطعة ثقافية وفنية ومقاطعة أكاديمية، موضحة أنه “يجب أن يكون اكتساب ثقافة المقاطعة من ضمن أولويات أهداف المقاطعة، لأن الحروب الإسرائيلية متقطعة، حيث تمر سنوات بدون وقوع أي عدوان، وفي تلك الأوقات يُمارس الناس حياتهم الاعتيادية وينسوا فلسطين ومعاناة شعبها”. وهنا تأتي أهمية حملات المقاطعة التي تسلّط الضوء على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، حتى لو مرت سنوات دون اندلاع حروب. “على سبيل المثال، العدوان الأخير على لبنان كان في يوليو/تموز 2006، وتلاه انطلاق عجلة التطبيع في العالم العربي. المقاطعة تمثّل ثقافة وأسلوب حياة لكي لا ننسى نحن وأولادنا على الإطلاق أن هذا العدو يمثّل الاستيطان والاستعمار والتوسع. وهي النواة لحملات المقاطعة الأخرى”.

وشدّدت الناشطة على “ضرورة الامتناع عن التعامل مع شركات ودفع ثمن منتوجات تُجاهر علنًا بدعمها ‘الدماء’ مثل ‘جونسون’، أو مجموعة ‘كارفور’ التي انطلقت حملة عالمية لمقاطعتها للضغط عليها للخروج من إسرائيل. وقد تكبّد فرع ‘كارفور’ الإسرائيلي خسائر في الربع الثاني  بقيمة 67 مليون شيكل (18.2 مليون دولار أمريكي تقريبا).

وأوضحت كركي أن العالم لا يُقاطع كافة البضائع الداعمة للكيان ولكن “هناك هدفًا محددًا يُعتمد في حملات المقاطعة، عبر اتخاذ الهدف الأصغر الذي من السهل تحقيقه للوصول إلى الهدف الأكبر والضغط عليه للتراجع عن صفقاته مع إسرائيل ودعمها”. أي قد يتعذر مقاطعة ‘مايكروسوفت’ (Microsoft) لأننا نستخدمه بالعمل، لكن بالمقابل يمكن مقاطعة ‘كارفور’ كي تصل المقاطعة إلى أهدافها، وحينها يتعظ مايكروسوفت عند نجاح أهداف الحملة بإخراج ‘كارفور’ من إسرائيل.

ودعت الناشطة إلى اعتماد المقاطعة وتفعيلها، لأنها “إطارًا أخلاقيًا قبل أي شيء، ومن واجبنا دعم وإطلاق الحملات العالمية لتصل المقاطعة إلى أهدافها”، مبينة “أن مقاطعة البضائع الداعمة للكيان الصهيوني لها تأثيرًا فعالًا، وإلّا لما كان ‘ماكدونالدز’ نفى علاقته بإسرائيل، مع إنه كاذب. ولا أدعى ‘ماجد الفطيم’ أن لا علاقة لفروع كارفور في العالم العربي بفرع فرنسا، وهو يعتمد اللوغو ذاته ويبيع باسمه”. ومع تصاعد نداء مقاطعة “كارفور” عالميًا، قامت مجموعة الفطيم الإماراتية بتجاوز النداءات المطالبة بـ فضّ شراكتها، وسارعت بالتبرع لصالح الحملات الإغاثية في غزة. كذلك تعتمد الشركة الالتفاف على المقاطعة عبر اللجوء إلى الغش باستبدال غلاف التمر الإسرائيلي مما يدل على التأثير الفعال للحملات المقاطعة، وفقًا للمتحدثة.

أما أبرز الحملات العالمية اليوم لمقاطعة عدة مؤسسات وبضائع داعمة للكيان فمنها “حملة مقاطعة HP،مقاطعة التمور الإسرائيلية“، مقاطعة شركةشيفرون للطاقة، وحملة #قاطعوا_إنتل شركة صناعة الرقائق الأمريكية، إثر إعلانها في ديسمبر/كانون الأول عن استثمار 25 مليار دولار في إسرائيل، إضافة إلى عدة حملات مقاطعة لـ “بيتزا هت”، “دومينوز بيتزا”، “بابا جونز”، “برجر كنج”، وجميع الشركات التي مكّنت الإبادة الجماعية في غزة.

وشدّدت المتحدثة على أن “المقاطعة ليس لها فقط تأثيرًا اقتصاديًا، بل لديها تأثيرها العالمي”، لأن حملات المقاطعة عندما بدأت منذ الـ 2005 بتعريف العالم على القضية الفلسطينية، كان هناك أيضًا “لوبيات” (Lobbying) في الجامعات تدعو لمقاطعة إسرائيل أكاديميًا. إضافة إلى عدة حملات للمقاطعة الفنية والثقافية نجحت بتراجع عدد من الفنانين المشاهير عن قبول دعوات للغناء في إسرائيل مما أثار جدلًا وتساؤلات لدى جمهورهم، وبدأ العالم يسمع بالاستيطان..، مما أوصلنا اليوم إلى ازدياد فعالية التضامن العالمي مع فلسطين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.  

واليوم نرى مقاطعة صامتة لإسرائيل بحيث لا توجّه أي دعوات للكيان، وهناك نحو مئة أكاديمي أقدموا هذا الشهر على توقيع عريضة لوقف العدوان على غزة.‎

بالأرقام…

سجلت شركات عالمية ضخمة تراجعات لافتة في الأرباح والمبيعات نتيجة لارتفاع وتيرة حملات المقاطعة. ونجحت الحملات الشعبية الفعّالة في إجبار بعضها للانسحاب بالكامل من كافة المشاريع الإسرائيلية.

وبهذا الصدّد، قدّمت المتابعة في مجال شؤون المقاطعة عفيفة كركي تفصيلًا عن أبرزها. 

خسرت شركة ‘ماكدونالدز’ (McDonald’s) نحو 9 مليارات دولار من قيمتها الشهر الماضي، بعد إعلانها عن تأثير المقاطعة على مبيعاتها الدولية بالربع الرابع 2023. كما خسرت نحو 7 مليارات دولار من قيمتها خلال ساعات بعد إعلان مديرها المالي إيان بوردن في 14 الشهر الجاري عن استمرار تأثير المقاطعة على المبيعات خلال 2024، وإقراره بأن المبيعات الدولية ستنخفض تباعًا في الربع الحالي نتيجة استمرار الصراع في الشرق الأوسط وضعف الطلب في الصين.

من جهتها، جدّدت اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة دعوتها إلى تصعيد المقاطعة العالمية لـماكدونالدز حتى تنهي الشركة الأم اتفاقية الامتياز مع فرعها الإسرائيلي بسبب دعمه الصريح لجرائم الحرب الإسرائيلية. وأيضًا حققت حركة المقاطعة انتصارًا هامًا هذا الأسبوع في إجبار شركة “ليونهورن بي تي إي المحدودة” السعودية، المالكة لفرع ‘ماكدونالدز’ في ماليزيا (أي صاحب الامتياز)، إسقاط دعوى الترهيب التي رفعتها في ديسمبر/كانون الأول الماضي ضد مجموعة المقاطعة في ماليزيا، متهمة المجموعة بـ “التشهير” ومطالبة بتعويضات تفوق المليون دولار. ‎

ومن أهداف المقاطعة التي تحققت أن شركة المقاهي الأكبر عالميًا “ستاربكس”، أقدمت على إقفال فروع لها في عدة مناطق عربية، ناهيك عن تكبّدها خسارات كبرى جرّاء المقاطعة في الولايات المتحدة والشرق الأوسط. كما أن “ستاربكس” كانت بصدد إنشاء شراكة مع شركة ‘صودا ستريم’ الإسرائيلية بالـ 2014 وألغتها بعد دعوات لمقاطعتها. ويُذكر أن سهم الشركة تراجع بنحو 11 بالمئة من مستوى 107.21 دولارات في 16 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 95.54 دولارًا بنهاية تعاملات 5 ديسمبر/كانون الأول، وفقًا لوكالة ‘بلومبيرغ’.

كذلك أعلن البرلمان الكندي الأربعاء وقف تصدير الأسلحة إلى نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي. أيضًا ‘فيوليا’ (Veolia Environnement) وهي شركة فرنسية دولية خرجت من إسرائيل عام 2016 نتيجة نجاح حملات المقاطعة ضدها، وكانت تبني إطار سكة الحديد التي تفصل بين القدس الشرقية والقدس الغربية. وفي العام ذاته انسحبت “أورنج”(Orange) وهي شركة اتصالات فرنسية من شراكتها مع شركة اتصالات إسرائيلية بعد حملات لمقاطعتها.

وانسحبت شركة الأمن “G4S” العام الماضي بعد عدة وعود خلال السنوات العشرة الأخيرة بانسحابها نتيجة تكثيف حملات المقاطعة ضدها منذ 2012.

كما أقدمت “ADIDAS” على إلغاء رعايتها للمنتخب الإسرائيلي لكرة القدم عام 2018، وحلّت مكانها شركة ‘بوما’ الألمانية للرياضة “PUMA” والتي أعلنت في بيان صحفي عن إنهاء رعايتها للمنتخب اعتبارًا من مطلع هذا العام  وتوقف العلامة التجارية للملابس الرياضية عن توفير المعدات للفريق بعد اتخاذ قرار بعدم تجديد العقد مع “الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم” (IFA).

شركة “بيبسي” تتكبّد خسائر فادحة بلغت 2 بالمئة، في حين أعلنت شركة “أميركانا” للمطاعم، وهي مدرجة في بورصتَي السعودية وأبو ظبي، ولديها عقود “فرنشايز” لعلامات “هارديز” و”بيتزا هت” و”كنتاكي”..، عن تراجع أرباحها في الربع الرابع بـ 48 بالمئة إلى 32.8 مليون دولار.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة