ماهر الشريف يكتب: هل عادت ‘إسرائيل’ إلى حالة شلل سياسي؟

مشاركة المقال

مدار: 17 نيسان/ أبريل 2022

د. ماهر الشريف*

عقب القرار الذي اتخذته عيديت سيلمان عضو الكنيست عن حزب “يمينا”، في 6 نيسان/أبريل الجاري، بالانسحاب من الائتلاف الحاكم والانتقال إلى صفوف المعارضة، حارمة بذلك هذا الائتلاف من أغلبيته الضئيلة، نظمت أحزاب المعارضة تظاهرة ألقى أمامها رئيس حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو كلمة وصف فيها حكومة بينت-لبيد الحالية بأنها فاشلة وخطرة، ودعاها إلى الرحيل فوراً، وخاطب أعضاءها قائلاً: “يجب أن ترحلوا لأنكم تمسّون الهوية اليهودية للدولة، وعليكم أن ترحلوا لأنكم تجمّدون الاستيطان، ولأنكم ضعفاء أمام إيران، وأمام الإرهاب. في عهدنا لم يجرؤ أحد على استفزازنا. إسرائيل بحاجة إلى حكومة قوية تحارب الإرهاب وتحافظ على إرث إسرائيل وتصدّ إيران، وفقط نحن يمكن أن نفعل هذا”.

وبغية أن يثبت أن حكومته قوية، وفي نطاق تنافسه مع نتنياهو على من يريق دماً فلسطينياً أكثر، عقد رئيس الوزراء نفتالي بينت مؤتمراً صحافياً، يوم 8 نيسان/أبريل، أشار فيه إلى إنه “منح تفويضاً مطلقاً لقوات الأمن للقضاءعلى موجة جديدة من الإرهاب”، وذلك غداة وقوع هجوم نفذه شاب فلسطيني من مخيم جنين في تل أبيب أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين، وذلك بعد قيام الجيش الإسرائيلي باغتيال ثلاثة شبان فلسطينيين من المخيم نفسه. وأضاف بينت: “لا حدود لهذه الحرب؛ نعطي الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام وجميع القوى الأمنية الحرية الكاملة للعمل من أجل القضاء على الإرهاب”، بينما أعلن وزير الأمن بيني غانتس، الذي وقف بجانبه، “أن إسرائيل أقوى دولة في المنطقة” مشيداً بالقوى الأمنية الإسرائيلية وموضحاً أن عناصر الأمن الإسرائيليين قبضوا، خلال العملية الواسعة التي أطلقها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، على “نحو 200 شخص خلال عمليات اعتقال” مضيفاً “إذا لزم الأمر سيكون هناك الآلاف”. وعلى أساس “التفويض المطلق” الذي منحه بينت لجيشه، قتل هذا الأخير حتى الآن شابين فلسطينيين وسيدتين فلسطينيتين في الضفة الغربية المحتلة، وجرح العشرات.

أسباب استقالة سيلمان

عيديت سيلمان (41 عاماً) هي ناشطة منذ فترة طويلة في اليمين الديني الصهيوني، وعضو في حزب “يمينا” الذي يتزعمه نفتالي بينت. دخلت إلى الكنيست عقب استقالة عضو آخر من “يمينا”، هو ألون دافيدي رئيس بلدية سديروت، وذلك في اليوم السابق لأداء أعضاء الكنيست اليمين في البرلمان الجديد. أما سبب انشقاقها الظاهري عن الائتلاف، فيعود إلى استنكارها قرار المحكمة العليا الذي يطالب المستشفيات بعدم منع زوار المرضى من إدخال الأطعمة المصنوعة من الدقيق المخمر خلال عيد الفصح اليهودي، الذي يبدأ في 15 نيسان/ أبريل الجاري، ومطالبتها وزير الصحة وزعيم حزب “ميرتس”، نيتسان هوروفيتس، بالاستقالة إذا لم يتخلَ عن تنفيذ قرار المحكمة هذا.

بيد أن العديد من المحللين الإسرائيليين أرجع أسباب استقالتها إلى الضغوط الشديدة التي واجهتها، وحملات التشهير التي استهدفتها، بعد تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي الذي يضم أحزاباً تصنّف ضمن دائرة “اليسار العلماني” الصهيوني، كحزبي “العمل” و “ميرتس”، وحزباً إسلامياً هو حزب “راعم”. ويبدو أن هذه الحملات التي استهدفتها تجاوزت التغريدات التي نُشرت ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي ومقالات الرأي في وسائل الإعلام اليمينية، لتطال صداقاتها وعلاقاتها مع جيرانها ومع مجتمعها الديني، كما طالت زوجها في مكان عمله. وهناك من المحللين من أشار إلى المحادثات التي أجرتها مؤخراً مع عضو الكنيست من حزب “الليكود” ياريف ليفين، وإلى وعود تلقتها من بنيامين نتنياهو بأن تحتل الموقع العاشر في قائمة “الليكود” إلى انتخابات الكنيست القادمة وأن تشغل منصب وزير الصحة في الحكومة التي قد يشكّلها نتنياهو.

وفي أعقاب استقالة سيلمان، سارع نفتالي بينت إلى عقد لقاء مع زعماء الأحزاب الأعضاء في الائتلاف، وقال في أول رد فعل “الشيء الأهم الآن هو استقرار التحالف. لقد تحدثت مع قادة الأحزاب وكلهم يريدون الاستمرار مع هذه الحكومة التي تعمل من أجل مصلحة المواطنين”. وحذر بينت من أن “البديل هو المزيد من الانتخابات وربما انتخابات أكثر وأكثر للعودة إلى حالة عدم الاستقرار الخطيرة التي عرفتها إسرائيل”، متهماً أنصار نتنياهو على وجه الخصوص “بمضاعفة الهجمات الكلامية ضد السيدة سيلمان من أجل دفعها للخروج من الائتلاف”. بينما دعا بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى العودة إلى السلطة رغم محاكمته بالفساد، نواباً يمينيين آخرين في الحكومة إلى الانشقاق و “العودة الى البيت لتشكيل حكومة قومية قوية” تحت قيادته.

مسؤولية نفتالي بينيت عن انهيار ائتلافه

هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين الإسرائيليين على أن رئيس الوزراء نفتالي بينت يتحمّل مسؤولية كبيرة عن فقدان الائتلاف الحكومي أغلبيته الضئيلة، ذلك إنه اختار منذ البدء أعضاء في قائمة حزبه الانتخابية لم يكونوا متحمسين لإبداء الولاء لزعيمهم. فبحسب ديفيد هوروفيتس، رئيس تحرير موقع “تايمز أوف إسرائيل”،

كانت حكومة بينت “على حافة الهاوية منذ البداية”، إذ فقد بينت أحد زملائه في الحزب، ألون دافيدي رئيس بلدية بلدة سديروت، حتى قبل أن يشرع أعضاء الكنيست في أداء اليمين، وذلك بعد أن قرر هذا الأخير التخلي عن مقعده في البرلمان بسبب معارضته تحالف محتمل مع أحزاب يسار الوسط، وكان بينت على وشك فقدان دعم النائب عن “يمينا” نير أورباخ، عندما عارض نائب آخر من حزبه، هو أميشاي شيكلي، الائتلاف في تصويت ترشيحه وأصبح عضواً فعلياً في المعارضة.

ويتابع رئيس تحرير الموقع نفسه أن بينت كان في وسعه الحفاظ على استمرار أعضاء فريقه من خلال قضاء المزيد من الوقت في الاستماع إلى مخاوفهم واحتياجاتهم “بدلاً من تركيز طاقته على بناء مكانة دولية على غرار نتنياهو من خلال تقديم، على سبيل المثال، مهارات الوساطة في الحرب الحالية بين أوكرانيا وروسيا”. وهو في طريقه للقيام بوظيفته، “ترك وراءه أعضاء كتلته الذين تعرّضوا، من وقت إلى آخر، للهجمات والإهانات والضغوط عليهم وعلى أفراد عائلاتهم ضمن جماعتهم، وفي مراكز العبادة، وفي اجتماعات الأهل”، وخصوصاً أن كتلته النيابية وجدت نفسها “ضمن ائتلاف غير عائلي، ووسط أيديولوجيا غريبة لم تكن مستعدة لها؛ وهنا تحديداً، كان ينبغي أن تأتي مهمة الصيانة التي يجب أن يقوم بها بينت، أي تواصل أقوى وتعاوُن أكبر”، كما كان يتوجب على يائير لبيد وميراف ميخائيلي ونيتسان هوروفيتس “أن يدركوا أن الستاتيكو الذي صمد عشرات الأعوام مع طعام الكاشير في عيد الفصح في قواعد الجيش الإسرائيلي، وفي المستشفيات، يمكن أن يستمر عاماً آخر أو عامين، من أجل خلاص إسرائيل وتقدُّمها، لكنهم فشلوا في التغلب على الغريزة”.

ما هي سيناريوهات المستقبل المتوقعة؟

يقدّر المحللون أن سيناريوهات المستقبل، أمام حالة الشلل السياسي التي صارت تواجهها إسرائيل، هي عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، أو إجراء انتخابات مبكرة أو استقالة نفتالي بينيت والتوصل إلى ائتلاف جديد أكثر يمينية.

بيد أن نتنياهو كي ينجح في ضمان أغلبية برلمانية سيضطر إلى اقتناص ستة نواب على الأقل من الائتلاف الحاكم، وهي مهمة تبدو صعبة للغاية في الوقت الحالي، على أقل تقدير. أما التصويت على انتخابات مبكرة، فقد يكون خياراً متاحاً في حال انشقاق عضو جديد من الأغلبية، لكن العديد من البرلمانيين المنتخبين حديثاً قد لا يرغبون في تعريض مقاعدهم للخطر بهذه السرعة. علاوة على ذلك، تبيّن استطلاعات الرأي أن حزب “الليكود” سيحصل على نتيجة جيدة جداً في حال إجراء انتخابات تشريعية الآن، لكنه لن يكون قادراً على حشد عدد كافٍ من الحلفاء لتشكيل أغلبية مستقرة. بينما لن يكون التوصل إلى ائتلاف جديد بين أحزاب يميينة مختلفة، إثر استقالة نفتالي بينيت، خياراً سهلاً، وهو ما فشلت أربعة انتخابات في غضون أربع سنوات في تحقيقه. وأخيراً، قد تستمر حكومة بينت-لبيد بضعة أشهر أخرى ما دامت ليست في حاجة إلى الرجوع إلى الكنيست، وخصوصاً أن الكنيست ستظل في عطلة الربيع لمدة خمسة أسابيع، كما أن ميزانية الدولة التي تم إقرارها العام الماضي تغطي عمل الحكومة حتى شهر آذار/مارس 2023، فضلاً عن وجود سابقة حكومية، إذ ظلت حكومة يتسحاق رابين في منتصف التسعينيات، ثم حكومة إيهود باراك، لبعض الوقت من دون أغلبية برلمانية.

أعضاء القائمة المشتركة لن يمنحوا الحكومة الحالية شبكة أمان

في مقال نشره في صحيفة “هارتس”، في 6 نيسان/أبريل الجاري، توقع المحلل السياسي جاكي خوري أن ترفض القائمة المشتركة منح الحكومة الحالية شبكة أمان، وهو ما أكد عليه أيمن عودة رئيس هذه القائمة من “حداش” (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)، كما أكد عليه رئيس حزب “بلد” (التجمع الوطني الديمقراطي). وبعد أن أشار خوري إلى أن أوساطاً في القائمة المشتركة “ترى أن تقديم شبكة أمان إلى الحكومة هو بمثابة انتحار سياسي”، خصوصاً وأن مَن هاجم رئيس “راعم” منصور عباس بسبب انضمامه إلى حكومة بينت، “لا يستطيع أن يسمح لنفسه بتأييد الائتلاف الذي شكّله”، أضاف أن الأمور، مع ذلك، “لا تتعلق فقط برغبة أعضاء القائمة المشتركة، لأنه ليس هناك أي دليل على أن سائر مكونات الائتلاف سيتوافق على الحصول على طوق نجاة”، ذلك إن “حكومة تضم بينت وأييليت شاكيد ونير أورباخ، وأعضاء حزب أمل جديد، وإسرائيل بيتنا، وتضم القائمة المشتركة، تبدو حالياً مثل رؤيا يوم القيامة”.

وختاماً، وصف أحد المعلقين حكومة بينت-لبيد بأنها “حكومة زومبي، ليست ميتة تماماً ولكنها لم تعد على قيد الحياة حقاً”؛ فهي لم تعد مدعومة، في أفضل الأحوال، بأكثر من 60 نائباً من أصل 120، الأمر الذي يجعلها مشلولة وعاجزة على تمرير أي قانون مهم، ويجعل إسرائيل غارقة في أزمة سياسية ومؤسسية لن يكون من السهل عليها الخروج منها.

* نشر هذا المقال لأول مرة على موقع “مؤسسة الدراسات الفلسطينية“، بتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2022، ويعيد “مدار” نشره بموافقة الكاتب، د. ماهر الشريف.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة