مالي تطرد الجيش الفرنسي لكنها تواجه تحديات خطيرة

مشاركة المقال

بان أفريكان فيزيون/ مدار: 19 أيار/ مايو 2022

فيجاي براشاد*

يلزم فرنسا وقادة العالم الآخرين إدراك أن هناك العديد من الأسئلة الكبرى التي تحوم حول جذور المشاكل التي يواجهها الماليون، متعلقة بسبل العيش والكرامة.

أدلى المتحدث العسكري المالي العقيد عبد الله مايغا، في 2 مايو/ أيار 2022، ببيان على شاشة التلفزيون الوطني للبلاد، حيث أعلن أن مالي أنهت اتفاقيات الدفاع التي تجمعها بفرنسا، ما يجعل وجود القوات الفرنسية في البلاد غير قانوني. وتم إصدار البيان من طرف القيادة العسكرية التي تتولى السلطة منذ مايو/ أيار 2021.

وتحدث العقيد مايغا عن أن هناك ثلاثة أسباب تقف وراء اتخاذ الجيش المالي هذا القرار الدراماتيكي؛ يتمثل الأول في الرد على “الموقف الأحادي الجانب” لفرنسا، الذي انعكس في الطريقة التي كان يعمل بها الجيش الفرنسي في البلاد، وفي قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يونيو/ حزيران 2021 سحب القوات الفرنسية “دون استشارة مالي”.

في حين يتمثل السبب الثاني، وفق البيان، في التحركات العسكرية الفرنسية إلى النيجر المجاورة، في حين واصلت الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق فوق المجال الجوي المالي، وهو الأمر الذي اعتبرته القيادات العسكرية انتهاكا للمجال الجوي للبلاد، “رغم إنشاء منطقة حظر طيران مؤقت من قبل السلطات العسكرية المالية”.

وأبرز المصدر ذاته أن السبب الثالث يعود إلى أن الجيش المالي طلب من الفرنسيين في دجنبر/ كانون الأول 2021 مراجعة معاهدة التعاون الدفاعي بين البلدين، لكن رد فرنسا على المراجعات الطفيفة التي طالب بها الجيش في 29 أبريل/ نيسان أثار استياءه.

لا سلام ولا أمن ولا مصالحة

اكتسبت القوات الفرنسية على مدار سنوات تواجدها القليل في مالي سمعة في الاستخدام القاسي والسيئ للقوة الجوية، ما أسفر عن سقوط عدد لا يحصى من الضحايا المدنيين؛ ولعل أبرز مثال هو ما وقع في 3 يناير/ كانون الثاني 2021 في قرية بونتي في منطقة موبتي الوسطى في مالي، على مقربة من بوركينا فاسو، حين تسببت غارة بطائرة فرنسية بدون طيار في مقتل 19 مدنيا كانوا جزءا من حفل زفاف. وقالت آنذاك وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي: “استهدفت القوات المسلحة الفرنسية مجموعة إرهابية تم تحديدها رسميا على أنها كذلك”.

ورغم كل التبريرات التي تم إعطاؤها حول هذا الحادث فقد وجد تحقيق أجرته بعثة الأمم المتحدة في مالي (بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، أو مينوسما) أن الطائرة الفرنسية بدون طيار أطلقت النار على حفل زفاف حضره حوالي 100 شخص (ربما كان يشمل خمسة مسلحين).

وبعد شهرين من هذا الحادث، وبالضبط في 5 مارس/ آذار 2021، في قرية تلاتاي، شرق بونتي، قتلت غارة جوية فرنسية ثلاثة أطفال مراهقين وجرحت اثنين آخرين، كانوا جميعا يقومون باصطياد الطيور. وقال أدامو أغ حمدو، والد الأطفال الثلاثة المتوفين، إنهم أخذوا ماشيتهم لشرب الماء، ثم ذهبوا لاصطياد الطيور ببندقيتي صيد. وأضاف حمدو: “عندما وصلت إلى مكان الغارة الجوية كان هناك أشخاص آخرون من معسكر الصيد هذا… وقد تمكنا من جمع أشلاء أجسادهم التي دفناها من الساعة 1 بعد الظهر حتى الساعة 6 مساء”.

هذه بعض من أكثر الحوادث دراماتيكية التي تثير الجدل حول التدخل العسكري الفرنسي في مالي، لكن القليل من هذه القصص تم الحديث والتطرق لها على المستوى العالمي خارج حدود هذا البلد الإفريقي المكلوم. هناك عدة أسباب لعدم الاكتراث العالمي بموت هؤلاء المدنيين، أحدها أن هذه الفظائع التي ارتكبتها الدول الغربية أثناء تدخلاتها في إفريقيا لا تثير غضب الصحافة الدولية، والأخرى هي أن الفرنسيين أنكروا على نحو مقنع جدا حوادث مثبتة ويمكن إدراجها ضمن جرائم الحرب.

على سبيل المثال، في 8 يونيو/ حزيران 2019 أطلق جنود فرنسيون النار على سيارة في رازيلما، خارج تمبكتو، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين (أحدهم طفل)، وإثر ذلك أدلى الجيش الفرنسي بتصريح غريب بشأن عملية القتل هذه، فمن ناحية قال إن القتل كان “غير مقصود”، لكن في ما بعد قالت السلطات الفرنسية إن السيارة كانت مشبوهة، لأنها لم تتوقف رغم إطلاق طلقات تحذيرية عليها.

وقال شهود عيان إن سائق السيارة كان يساعد عائلة على الانتقال إلى أغاياسان، وأنهم غير مرتبطين بأي جماعة إرهابية. وقال أحمد حندون، وهو أحد أقارب القتلى في هذا الهجوم، الذي توجه بالسيارة إلى الموقع بعد الحادث، إن الجنود الفرنسيين “أخذوا البنزين ثم صبوه على السيارة لإضرام النار حتى لا يمكن التعرف على أي شيء”.

ومنذ أكثر من عام والاحتجاجات المناهضة للتواجد العسكري مستمرة، كما أنه يمكننا الحديث عن أن الانقلاب العسكري في مايو/ أيار 2021، الذي نصب القيادة العسكرية الحالية للبلاد في السلطة، كان جزئيًا بسبب فشل القوات الفرنسية المتدخلة في مالي في تحقيق الاستقرار وتجاوزاتها. وقال العقيد عاصمي غوتا، الذي يقود المجلس العسكري، إن الاتفاق مع الفرنسيين “لم يجلب السلام ولا الأمن ولا المصالحة”، وإن السكان يطمحون إلى “وقف تدفق دماء الماليين”.

لا مفر من المضي قدما

في اليوم الذي عبر فيه الماليون عن أن وجود القوات الفرنسية على أراضيهم غير قانوني، مع انتهاء الاتفاقات الدفاعية، قام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بزيارة إلى النيجر المجاورة. وفي وقت انسحب الجيش الفرنسي من مالي، انتقل إلى النيجر، حيث غرد رئيسها، محمد بازوم، مرحبا بهذه القوات. وقال غوتيريش، وهو يقف إلى جانب بازوم، إن الإرهاب “ليس مجرد قضية إقليمية أو إفريقية، ولكنه قضية تهدد العالم بأسره”.

لا أحد يمكنه إنكار حقيقة أن الفوضى في منطقة الساحل الإفريقي تعمقت بسبب حرب الناتو ضد ليبيا عام 2011، بحيث أعادت التحديات السابقة التي عانت منها مالي- بما في ذلك تمرد الطوارق المستمر منذ عقود والصراعات بين رعاة الفولاني ومزارعي الدوغون – بسبب دخول الأسلحة والمقاتلين من ليبيا والجزائر. لقد ظهرت ثلاث مجموعات جهادية [إرهابية: ملاحظة مدار] في البلاد وكأنها انبثقت من العدم – القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة توحيد الجهاد في غرب إفريقيا وأنصار الدين – كما أنهم استخدموا التوترات القديمة للسيطرة على شمال مالي عام 2012 وأعلنوا دولة أزواد، وتبع ذلك التدخل العسكري الفرنسي في يناير/ كانون الثاني 2013.

إياد غالي، وهو أحد زعماء الطوارق من كيدال، قاتل في ليبيا ومالي. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أسس غالي التحالف من أجل الديمقراطية والتغيير، الذي دافع عن حقوق الطوارق، وقالت عنه برقية للسفارة الأمريكية عام 2007 إنه: “متحدث جيد ومتحفظ”، مضيفة أن غالي “لم يُظهر شخصية المحارب بدم بارد التي تتحدث عنها الصحافة المالية”. وبعد فترة قصيرة قضاها كدبلوماسي في المملكة العربية السعودية، عاد غالي إلى مالي، وصادق أمادو كوفا، زعيم جبهة تحرير ماسينا، وانجرف إلى عالم الجهاد في الساحل.

 في رسالة صوتية شهيرة عام 2017، قال أمادو كوفا: “في اليوم الذي بدأت فيه فرنسا الحرب ضدنا لم يكن أي من جماعة الفولاني أو أي شخص آخر يمارس الجهاد”. لقد كان هذا النوع من الحرب نتاج حرب الناتو على ليبيا ووصول القاعدة، و”داعش” لاحقا، للبحث عن امتياز محلي مع المظالم المحلية لتعزيز طموحاتهم.

الصراعات في مالي، كما قال الرئيس السابق ألفا عمر كوناري، منذ أكثر من عقد من الزمان، مشتعلة بسبب الاختناق الذي يشهده اقتصاد البلاد. لم تتلق مالي أي إعفاء من الديون، ولا دعما للبنية التحتية من الغرب أو المنظمات الدولية؛ كما تستورد هذه الدولة الحبيسة التي يزيد عدد سكانها عن 20 مليون شخص 70% من طعامها، وقد ارتفعت أسعارها بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، ما ينبئ بأنه من الممكن أن تزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

وكانت الانقلابات العسكرية في مالي وغينيا وبوركينافاسو جزءا من عدم الاستقرار في فترة ما بعد الناتو، في حين تواجه مالي عقوبات قاسية من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وهي عقوبات لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وإثارة صراع أكبر شمال العاصمة المالية باماكو.

إن المشاعر المعادية للفرنسيين لا تعتبر بمثابة القصة الكاملة في مالي. ما تحتاج فرنسا وقادة العالم الآخرون إدراكه هو أن هناك العديد من الأسئلة الأكبر التي تتناول جذور المشاكل التي يواجهها الماليون – أسئلة حول سبل عيشهم وكرامتهم – تجب الإجابة عنها لتأمين مستقبل أفضل للبلاد.

*كتب هذا المقال في إطار مشروع غلوب تروتر.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة