مدار : 03 يونيو/ حزيران 2023
كاترين ضاهر
في محاولة جديّة لمواصلة وتصويب المواجهة مع النظام الطائفي، وإرساء أسس دولة العدالة الاجتماعية في لبنان، أطلق أفراد مستقلون علمانيون وعلمانيات، ومجموعات سياسية ومدنية وطلابية ونسائية ونقابية، “اللقاء العلماني – في مواجهة النظام الطائفي المولِّد للأزمات”، خلال اجتماع حاشد أواخر شهر أيار/ماي المنصرم في مركز تيار المجتمع المدني في منطقة بدارو- بيروت.
أُقيم هذا اللقاء ليكون خطوة على طريق بناء حالة سياسية علمانية جامعة ترتقي بحياة الإنسان الحقوقية والمعيشية في لبنان. وجاءت هذه المبادرة بهدف خلق أرضيّة جامعة ومشتركة للعلمانيين والعلمانيّات في لبنان، للتعاون والتواصل في ما بينهم من أجل تنظيم قوى ضاغطة حقيقية وفعّالة في البلد، وتشكيل حالة سياسيّة ومدنيّة علمانيّة في مواجهة الاصطفاف الطائفي، والتخطيط لمشروع بناء الدولة العلمانيّة ودولة العدالة الاجتماعية التّي يؤمنون بها، وفقاً للبيان التأسيسي.
الناشطة في منظمة اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني تينا محيي الدين صرّحت لموقع “مدار” بأن “مشاركة منظّمتنا في إطلاق ‘اللقاء العلماني‘ تأتي ضمن سياق النضال المتواصل للاتحاد في وجه المحاصصات الطائفية والمناطقية التي تعرقل بناء دولة المواطنة التي يحصل فيها كلّ مواطن على حقوقه ويقوم بواجباته خارج التصنيفات الطائفية كافّة”، لافتة إلى أن “اللقاء العلماني، بالقوى المنخرطة فيه، والجوّ الشبابي الجديد الذي فيه، هو إعادة اعتبار وتأكيد على أن المواجهة مع هذا النظام الطائفي مستمرة دوماً”.
وعن النظام الطائفي السائد في لبنان، شدّدت الناشطة اليسارية على أن “هذا النظام بشكله الحالي حيث تتجلّى آليات النهب في داخله بصورة المحاصصة الطائفية يمنع ويعرقل قيام أي توزيع عادل للثروة، وبالتالي لا يمكنه تأمين أي مخرج للأزمة الحالية في البلد؛ لذا نشدّد ونعمل على تغيير آليات الحكم في محاولة لكسر حلقات هذا النظام وعمادها الطائفية السياسية عبر طرح بديل علماني وطني”.
بدوره، أوضح الناشط في تيار المجتمع المدني المحامي باسل عبدالله، لـ “مدار”، أنه “في ظل الإحباط الحاصل في لبنان، الذي يمر به العلمانيون واللاطائفيون تحديداً من بعد “ثورة 17 تشرين”، وشعورهم بالهزيمة بشكل أو بآخر، كانت هناك حاجة ملّحة لعودة هذه الفئة التي كانت تحذّر من الأزمات التي سيصل إليها البلد قبل 10 و15 سنة، عبر إقامة تحركات كبرى بمواجهة النظام الطائفي والمنظومة الطائفية”، مردفا: “لذا دعونا إلى هذا اللقاء لنفكّر سويّاً ما هي الحلول الممكنة الذي يمكن للعلمانيين اقتراحها وتنفيذها. فهناك ضرورة للعودة إلى الساحة وعدم التنحّي جانباً، لمحاولة تشكيل حالة معيّنة ناشطة في لبنان تقف في وجه أقطاب الطائفيين الذين يحكمون البلد”.
وأضاف عبدالله: “رؤيتنا لإطلاق ‘اللقاء العلماني’ كمحاولة لتشكيل البديل لأيّ شخص محبط من الحالة التي وصل إليها لبنان، وتحفيزه للانضمام للقاء في المستقبل أو كمحاولة لاستعادة النشاط الشعبي من خلاله، خاصة للذين يتبنّون الفكر اللاطائفي والعلماني، ويرون أن الأقطاب الطائفية أوصلت البلد مؤخّراً إلى أسوأ المراحل على الصُّعد كافّة. لذا تداعينا إلى إطلاق هذا اللقاء كمحاولة لخلق حالة مدنية سياسية علمانية، وبعد بلورتها فعليّاً يتوجب عليها خوض عدة مواجهات: أولها أخذ مواقف من القضية الاقتصادية المعيشية في البلد، وطرح حلول لها. ثانياً إنشاء مرصد لرصد الخطابات الطائفية لدى سياسيين وغيرهم التي تتعمد التجييش والتحريض الطائفي للإضاءة عليها ومواجهتها. وثالثاً، وهو الأبرز، تشكيل طاولة لمناقشة كيفية إيصال الفكر العلماني إلى المجتمع اللبناني بشكل أوسع، وألّا يبقى حكراً على المثقّفين، فهناك ضرورة ليحاول العلمانيون الوصول إلى كلّ الناس، وإيصال الفكر العلماني ذي الحياد الإيجابي تجاه جميع الأديان والمعتقدات كافّة، وهذا ما تم ذكره في الوثيقة والبيان التأسيسي للقاء العلماني“.
آليات المواجهة..
الوثيقة تضمّنت عدة عناوين، كما توافَق المشاركون على تشكيل عدة طاولات للبحث في الملفات والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، والمرصد الخطابي لرصد الخطابات الطائفية ومواجهتها؛ بالإضافة إلى عقد اجتماعات دورية للقائهم، وإبقائها مفتوحةً، بغرض بحث المواقف والحلول والتحرّكات المُمكنة على مستوى العلمانيين في المناطق والمحافظات اللبنانية في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه الناس في لبنان اليوم، وتأسيس لقاءات علمانية في كافة المناطق تُسَهِّل التواصل بين العلمانيين المُتبَّنين للوثيقة المُشتركة للقاء العلماني العام، وتبحث في سبل عمل لقاءاتهم في مناطقهم، كاللقاء العلماني الذي شُكّل حديثاً في مدينتيْ طرابلس وزحلة.
وتطرّقت الوثيقة إلى تنظيم مؤتمر عام للعلمانيين في لبنان يجمعهم على مواقف وخطط مُشتركة واقتراحات حلول مَعيشيّة وحياتية يُمكن العمل عليها. وبهذا سيكون المؤتمر الثاني للعلمانيين، إذ أقيم سابقاً مؤتمر للعلمانيين بالـ 2006، وضع المحاور الأساسية لبناء الدولة العلمانية في لبنان.
يُشار إلى أن الأزمة الاقتصادية تتفاقم في لبنان للسنة الرابعة على التوالي، لذا تتجه الأنظار نحو الطاولة الاقتصادية المعيشية التي هدفها الرئيسي إيجاد حلولٍ عملية واقعية على الأرض بعيداً عن الخطابات والشعارات، عبر تقديم مشاريع قابلة للتنفيذ.
ويؤكّد أعضاء هذا اللقاء على أنه، إضافة إلى ما سيخوضونه من مواجهات تتبنّى سلّة مطالب اجتماعيّة واقتصادية، يبقون متمسّكين بما راكموه في جميع الحملات والنضالات الماضية التي حملت مشروعهم التغييري، أو حاولت خرق جدار النظام الطائفي وإرساء النظام الديمقراطي العلماني، مشدّدين على أنّ لقاءهم هو استمرار طبيعي لهذه النضالات التي وقفت بوجه الاصطفاف الطائفي وزعاماته الذين تعاقبوا على الحكم (ما عُرف بأقطاب وزعامات فريقي 8 و14 آذار). وبالتالي فإنّ “اللقاء العلماني” ليس وليد اللحظة أو الصدفة، كما أنه ليس وليد الأزمة الراهنة وحسب، بل هو فعل تراكم في الوعي والعمل، ومن محطاته: حملات المطالبة بقانون أحوال شخصية مدني في لبنان منذ مطلع القرن الواحد والعشرين/ “لقاء المجموعات العلمانية” (عام 2005)/ “مؤتمر العلمانيين” (عام 2006)/ حملة إزالة الإشارة إلى القيد المذهبي منذ العام 2007/ الحملات من أجل إقرار الاصلاحات الانتخابية ابتداءً من العام 2008/ مسيرات العلمانيين بين الأعوام 2008 و2012/ “اللقاء العلماني” (عام 2009)/ “حراك إسقاط النظام الطائفي ورموزه” (عام 2011).
إضافة إلى التحرّكات والحملات النسوية، ولاسيما المتعلّقة بحماية المرأة من العنف الأسري، وتعديل قانون الجنسية لمنح المرأة اللبنانية حقّ نقل الجنسية لأولادها، والحملات الرامية إلى رفع سنّ الحضانة في قوانين الأحوال الشخصية الطائفية وغيرها…/ الحملات والتحرّكات من أجل إقرار التدابير والإجراءات التي تكفل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان/ حراك مواجهة تمديد النواب لأنفسهم في العامين 2013 و2014/ “لقاء الطلاب العلمانيين” في العامين 2015 و2016/ “الحراك المدني” في مواجهة أزمة النفايات (عام 2015)…
وأيضاً حملات عديدة مدنية وحقوقية ونسويّة ومطلبية، وتجمّعات نقابيّة ونوادٍ جامعية شكّلت أطراً لنضالات أساسيّة وقفت بوجه مشروع الطبقة السياسية الحاكمة، وبثّت فكراً ووعياً سياسياً ينشد التغيير، حذّرت مما وصل إليه الوطن بالفعل مع السقوط الاقتصادي المُدوِّي الذي شهده في العام 2019، والذي حاول العلمانيون والعلمانيات مواجهته، جنباً إلى جنب، مع ثوّار وثائرات آخرين تنوّعت خلفياتهم ومشاربهم وأفكارهم في “انتفاضة 17 تشرين 2019″، رغم عدم تحقق ثورتهم بعد.
والجدير بالذكر أن الأفراد والمجموعات المنضوين في “اللقاء العلماني” توافقوا على أن تكون نشاطاتهم وتحركاتهم، في إطاره، تطوعيّةً بالكامل، يرفضون فيها، ولأجلها، أي تمويل من قِبل مؤسسات إقليمية أو أجنبيّة.
وفضلاً عن تبنّيهم سلّة من المطالب الاجتماعيّة والاقتصاديّة، أكّدوا العمل على المحاور الأساسيّة لبناء الدولة العلمانية أهمها:
إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، إقرار قانون انتخابات عادل، العمل لإلغاء جميع أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي، والسعي إلى تحقيق العدالة الجندرية بين أفراد المجتمع، وإلغاء التمثيل الطائفي في الوظائف العامة واعتماد الكفاءة والمساواة في اختيار المرشحّين لها، وتعميق الفكر المدني بين التلامذة والطلاب في المدارس والجامعات من خلال صياغة كتاب تربية موحّد، ومنهاج تاريخ موحّد، وكتاب حضارات موحّد، وتفعيل مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية وتأسيس النوادي المدنية والعلمانية في الجامعات؛ إضافة إلى تعزيز التعليم الرسمي في المدارس والجامعات وتطويره.