معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي + مدار: 18 نيسان/ أبريل 2024
فيجاي براشاد
قام العمال البرازيليون بدون أرض، الذين يعيشون في تجمعات* ومخيمات حركة العمال بدون أرض (MST)، بجمع ما يقرب 13 طنًا من الطعام لإرسالها إلى الفلسطينيين في غزة بين تشرين الأول/ أكتوبر وكانون الأول/ ديسمبر 2023.
وشاركت تعاونيات الحركة من جميع أنحاء البلاد في حملة التضامن، التي شملت الحليب من كوبرويستي في سانتا كاتارينا، والأرز من تعاونية تيرا ليفر، وتعاونية العمال المستقرين في منطقة بورتو أليغري (كوتاب)، وكويراف في ريو غراندي دو سول، ودقيق الذرة من تيرا كونكويستادا في سيارا.
أُرسلت المساعدات إلى اتحاد لجان العمل الزراعي (فسلطين) عبر سلاح الجو البرازيلي. وقالت جين كابرال من القيادة الوطنية لحركة العمال بدون أرض إن “الشعب الفلسطيني، مثل جميع الشعوب التي تناضل من أجل سيادتها، يحتاج إلى أعمال التضامن من طرف الشعوب الأخرى”. بالفعل، يتعين على العالم أن يحذو حذو الـ “MST”.
لم يكن جمع الطعام سوى جانبا واحدا من جوانب العمل التضامني الذي تقوم به حركة العمال بدون أرض مع الشعب الفلسطيني؛ أما الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية فيتعلق ببناء الإجماع في البرازيل بشأن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
روجت الحركة الإنجيلية اليمينية في أمريكا اللاتينية، على مدى العقود العديدة الماضية، لأجندة سياسية مؤيدة لإسرائيل في البرازيل ومناطق أخرى. وتدافع هذه الحركة عن إسرائيل على أمل أن تقوم بهدم المسجد الأقصى في القدس وبناء “الهيكل الثالث“.
وحسب هذا الرأي، سيَفتح الهيكل الباب لعودة المسيح، وسيتعرّض جميع غير المسيحيين، بما في ذلك اليهود، للهلاك الأبدي. وقد قام القساوسة الإنجيليون في أميركا اللاتينية ـ وكثيرون منهم بتمويل من جماعات صهيونية مسيحية مقرها الولايات المتحدة مثل جماعة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل ـ بنشر هذه النظرة البغيضة والمعادية للإنسانية.
يقدم هذا تفسيرا مهما لدوافع الدفاع الشرس لقادة اليمين في المنطقة، بما في ذلك الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو والرئيس الأرجنتيني الحالي خافيير مايلي، عن إسرائيل والمشروع الصهيوني.
على هذا النحو، كانت الحملة الجماعية لحركة العمال بدون أرض من أجل جمع الغذاء لغزة، حملة أيضا لمعارضة نمو الصهيونية المسيحية في البرازيل، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتعميق المعرفة بالنضال الفلسطيني والعلاقات معه في صفوف قواعدها.
تعد حركة العمال بدون أرض، ذات المليوني عضو تقريبا، أكبر حركة اجتماعية وسياسية في أمريكا اللاتينية وواحدة من أكبر حركات الفلاحين في العالم. ومنذ تأسيسها قبل أربعين عامًا، في 1984، نمت هذه المنظمة بشكل مطّرد بسبب نهجها الفريد في البناء والحفاظ على قاعدتها بين العمال الذين لا يملكون أرضًا.
يدرس ملفنا الأخير “التنظيم السياسي لحركة العمال بدون أرض في البرازيل (MST)“، التوجه النظري الذي مكّن الحركة من بناء هذه المنظمة المتميزة في سياق التسلسل الهرمي الاجتماعي البائس في البرازيل، العائدة جذوره إلى الإرث الاستعماري البرتغالي، الإبادة الجماعية، العبودية، والدكتاتورية العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة.
الفنون الموظفة في الملف، والواردة في هذه المراسلة أيضا، أُنتجت في إطار الدعوة للفن “أربعون سنة من حركة العمال بدون أرض” كانت أطلقتها الـ “MST”، معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، حركات “ألبا” والقمة العالمية للشعوب. وستركز النشرة الشهرية الثانية لقسم الفن في المعهد على هذا المعرض، والذي يمكنكم الإشتراك فيه من [هنا].
لدى حركة العمال بدون أرض ثلاثة أهداف: النضال من أجل الأرض، والنضال من أجل الإصلاح الزراعي، وتحويل المجتمع. استناداً إلى دستور البرازيل لعام 1988، تنظم الحركة العمال المعدمين الذين لا يملكون أرضاً للاستيلاء على الأراضي غير المنتجة وبناء تجمعات (assentamentos) ومخيمات (acampamentos) بها.
يعيش في الوقت الحاضر ما يقرب من نصف مليون أسرة في مثل هذه الأراضي ونالت حيازتها القانونية، حيث قامت هذه العائلات ببناء 1900 جمعية فلاحية، و185 تعاونية، و120 موقعًا زراعيًا صناعيًا مملوكًا للحركة، بالإضافة إلى 65000 أسرة إضافية تعيش في المخيمات وتناضل من أجل الاعتراف القانوني.
هذه هي البنيات التي تنتج البضائع المرسلة إلى فلسطين؛ وبالرغم من عدم تكافؤ موازين القوى في البرازيل، حيث تفرض الطبقة الرأسمالية سيطرتها على الاقتصاد والريف من خلال السيطرة على الدولة، فقد تمكنت حركة العمال بدون أرض من بناء قوتها على مر السنين وتعمل حاليًا في أربعة وعشرون ولاية في البلاد من أصل ستة وعشرون.
تعود هذه القوة إلى القاعدة الجماهيرية لـ “MST” وأساليبها التنظيمية. وكما يوضح الملف، فإن أحد الجوانب الحاسمة في النظرية التنظيمية للحركة هي فكرة أن سكان تجمعات الإصلاح الزراعي يجب أن يكونوا في حركة دائمة.
لدى الـ “MST” سبعة مبادئ تنظيمية تسمح لها بقيادة هذه الحركة: استقلاليتها عن الأحزاب السياسية، الكنائس، الحكومات وغيرها من المؤسسات، والوحدة التنظيمية التي تعتبر ضرورية بالنسبة لها، إضافة إلى تكوين المنظمين على المشاركة في بناء المنظمة وعلى الانضباط واحترام قرارات القيادة الجماعية، علاوة على أهمية الدراسة وضرورة الأممية.
ولا تقتصر حركة العمال بدون أرض على النضال من أجل الأرض فحسب، بل تسعى إلى إقرار الإصلاح الزراعي وتغيير المجتمع. بتعبير آخر، تعمل من أجل تغيير الطبيعة الرأسمالية للزراعة وبناء نموذج فلاحة إيكولوجية من شأنها تطوير شكل متوازن ومستدام من الزراعة ــ شكل يسخّر الطبيعة بدلا من إضعافها وينتج غذاءً صحيا للمجتمع ككل.
يعاني على المستوى العالمي في المرحلة الراهنة، أزيد من 2.4 مليار شخص من انعدام الأمن الغذائي. وتندلع المزيد من المجاعات، من السودان إلى فلسطين، والتي عادة ما ترتبط بنزاعات من شتى الأنواع. وفي الوقت نفسه، نحن في خضم عقد الأمم المتحدة للزراعة الأسرية، الذي بدأ في عام 2019 وسينتهي في 2028، وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن الأسر أو صغار المزارعين ينتجون ثلث الغذاء في العالم وما يصل إلى 80% من الغذاء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا. ومع ذلك، فإن هؤلاء المزارعين الصغار والأسريين لا يسيطرون على الأرض التي يفلّحونها، ولا يملكون رأس المال اللازم لزيادة إنتاجيتهم. ونتيجة لذلك، ينتج العديد من صغار المزارعين أغذية للسوق ولكن ليس بما يكفي لإطعام أسرهم، مما يؤدي إلى انتشار جائحة الجوع بين ملايين صغار المزارعين والفلاحين.
تشير ‘الفاو” إلى أن غالبية المزارع البالغ عددها 600 مليون في العالم هي من الحجم الصغير؛ وتمثل المزارع التي تقل مساحتها عن هكتار واحد 70% من إجمالي المزارع ولكنها تشغَل 7% فقط من إجمالي الأراضي الزراعية.
يقع هذا التفاوت الكبير من حيث ملكية الأراضي في قلب عمل حركة العمال بدون أرض، بالإضافة إلى المنظمات في جميع أنحاء العالم مثل “مفيواتا” في تنزانيا (والتي سننشر عنها ملفًا في وقت لاحق من هذا العام)، و”كل الهند كيسان سابها” في الهند ( والتي كتبنا عنها في ملفنا الصادر في حزيران/ يونيو 2021، ثورة المزارعين في الهند). ويشار في هذا السياق إلى أن “كيسان سابها” البالغ عدد أعضائها 16 مليونا انضمت، ولسبب وجيه، إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد الفصل العنصري الإسرائيلي سنة 2017؛ وأدانت “مفيواتا”، التي تمثل 300 ألف فلاح، الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين خلال اجتماعها السنوي المنعقد في كانون الأول/ ديسمبر 2023. يعلم هؤلاء المزارعون والفلاحون أن مهمتهم لا تقتصر على إعادة توزيع الأراضي فحسب، بل تحويل المجتمع في جميع أنحاء العالم.
أُرسل تياغو دي ميلو (1926-2022)، المولود في منطقة الأمازون البرازيلية، إلى المنفى عام 1968، بسبب انتقاداته للديكتاتورية العسكرية؛ فذهب إلى تشيلي حيث أصبح صديقًا لبابلو نيرودا، ولم يمض وقت طويل حتى اضطر دي ميلو مرة أخرى إلى الفرار من الدكتاتورية العسكرية، بعد أن طُرد من تشيلي بسبب انقلاب عام 1973 ضد المشروع الاشتراكي الذي قاده الرئيس سلفادور الليندي آنذاك. ذهب دي ميلو أولاً إلى الأرجنتين ثم إلى أوروبا، وخلال هذه الرحلة، عام 1975، كتب قصيدته الكلاسيكية “لأجل هؤلاء القادمين” (Para os que virão)، وتتكلم السطور القليلة الأخيرة عن الأذى الذي يجب التغلب عليه من طرف المناضلين من أجل التحول الاجتماعي.
لا يهم إذا كان الأمر مؤلمًا: لقد آن الوقت
للمضي قدما يدا في يد
مع أولئك الذين يسيرون في الاتجاه نفسه،
حتى لو كان بعيدًا
من تعلم كيفية تصريف
فعل أن تحب.
قبل كل شيء، لقد آن الأوان
للكف على أن نكون مجرد طليعة لأنفسها
إن الأمر يتعلق بالالتقاء.
(تشتعل الحقيقة الساطعة لأخطائنا بشدة وصفاء في صدورنا)
إن الأمر يتعلق بافتتاح الطريق.
أولئك الذين سيأتون سيكونون الشعب
وسيعرفون أنفسهم بالنضال
عيد ميلاد سعيد لحركة العمال بدون أرض، بمناسبة ذكرى تأسيسها الأربعين، ولا تنسوا قراءة الملف، هنا، والذي يوصي به أحد مؤسسي الحركة، جواو بيدرو ستيديلي:
*[الترجمة الحرفية هي المستوطنات لكنها لا تعكس المعنى المتداول في المنطقة العربية: ملاحظة مدار]