فيجاي براشاد: لماذا تصبح الدول الغنية عنصرية؟

مشاركة المقال

شاينا أكاديمي/ مدار: 21 حزيران/ يونيو 2023

لماذا يعتقد الناس في الهند أن بي بي سي تخبرهم بالحقيقة؟ كيف كان لتيكتوك دور في إبراز وجهات نظر الجنوب العالمي وتسليط الضوء عليها؟ اليوم سيستمر فيجاي براشاد في إخبارنا لماذا تناضل وسائل الإعلام من الجنوب العالمي من أجل إيجاد مكان لسرديتها.

أحيانا قبل أن أخلد للنوم أشاهد فيديوهات على تيكتوك؛ بالنظر إلى أنه تطبيق لا يهيمن عليه الغرب فإنه يكافح من أجل أن يكون قادرا على إبراز نظرة الجنوب.

هناك سؤال تكنولوجي في غاية الأهمية لا يجب الاستهانة به، يتعلق بالفجوة بين القدرات التكنولوجية، بحيث يتعين على وسائل الإعلام في الجنوب الاعتماد على الأجهزة والمنصات من الشمال. هناك تكنولوجيات مهمة في الجنوب، لكن ليست لديها أنظمة صناعية متطورة.

لكن في الواقع، لا يتعلق الأمر فقط بالتكنولوجيا، بل يكمن التحدي الأكبر والأكثر صعوبة في مسألة المصداقية.

على مستوى معين، يمتلك الاستعمار هذا الإرث في عالمنا الذي يخول له الاستحواذ على ثقة الناس حتى في الجنوب العالمي بوسائل إعلام يتم بثها من الشمال، مثل بي بي سي وسي إن إن ووكالة فرانس برس وأسوشيتد برس وما إلى ذلك. هناك نوع من الإحساس بأن الإعلام الغربي ليس متحيزا، لكن رغم ذلك فإن الأمر آخذ في التناقص في السنوات القليلة الماضية. مازال هناك بعد كل هذه العقود بعد الاستعمار من يرى أن تقارير من صحيفة نيويورك تايمز هي موثوقة ويمكن الاعتماد عليها.

لقد اشتروا المصداقية كجزء من التراث الاستعماري، لذلك من الصعب جدا على وسائل الإعلام في الجنوب أن تولد النوع نفسه من المصداقية.

هذا الأمر راجع إلى عديد الأسباب، لعل أبرزها أن المنصات الإعلامية في الجنوب لا تتوفر على الموارد الكافية، وهو الأمر الذي يجعل مشاهدة قنوات ووسائل في جنوب إفريقيا وكوبا والبرازيل حكرا على مواطني هذه البلدان.

بالإضافة إلى ذلك هناك معطى اللغة، رغم أنه لا يعتبر عاملا حاسما، وأيضا الشعور بأن هذا الوسائل الإعلامية تقوم برواية قصص وأخبار داخلية، في حين تقوم الوسائل الإعلامية الغربية بمعالجة الأخبار الدولية، وبذلك الهيمنة على كل ما هو عالمي. لذلك فإن فكرة المصداقية هي تحد كبير يجب على بلدان الجنوب العمل على تجاوزه.

أعتقد أن وسائل الإعلام الصينية في الوقت الحالي أصبحت واعية بذلك، لكنها مازالت تواجه صعوبة في ترسيخ نفسها عالميا، لأنه حتى في بلدان الجنوب لا يرى الناس بالضرورة أن هذه القنوات المتاحة يمكن أن تكون أكثر موثوقية.

تبث CGTN في كل مكان، لكن الناس يقولون إنها شبكة صينية أو وسيلة تابعة للحكومة الصينية، أو إن المشتغلين فيها هم مذيعون صينيون، لكن لا بأس بالنسبة لبي بي سي، وهي إذاعة بريطانية، إذ لديها الكثير من المصداقية.

علينا سد فجوة المصداقية هذه لأنها سخيفة، لأن الفهم الحالي قائم على أنه طالما أن القناة أوروبية فهي مرادف لأنها تقول الحقيقة، لكن القناة ما دامت صينية فإنها تعطي وجهة النظر الصينية فقط، وهو الأمر الذي يمكن إدراجه ضمن الحجج العنصرية.

لذلك فإن التغلب على فجوة المصداقية أعتبر أن له الأهمية نفسها، وأكثر من فجوة الأجهزة والتكنولوجيا.

“فيسبوك” هو منصة يهيمن عليها الغرب، لكن هذه الفجوة صعب تجاوزها. ومع ذلك علينا أن نحاول الذهاب إلى “فيسبوك” ونقول: مرحبا، اسمع، لقد قمت للتو بعرض، تعال وشاهد. لكن بعد ذلك تأتي فجوة في المصداقية لأنك ستوضع في الموقف نفسه، ويتم التعامل معك مثلما اعتادوا: تصنيفك على أنك “وسائط تابعة للدولة” أو أي وصف يمكن أن ينفر الناس منك. وليس هذا فقط، سوف يطردونك من المنصة ويقولون إنك تروج للدعاية أو تروج للأكاذيب، لاسيما أنك تتحدى القصة الغربية، وسيقولون عن مضمونك إنه دعاية أو إنه نقاط حديث بوتين مثلا، ويتم استبعادك.

لذلك ترى كيف تجتمع هاتان الثغرتان، فجوة الأجهزة وفجوة المصداقية معًا؟

لأن هناك فجوة في الأجهزة، لسنا قادرين على إنشاء شركات إعلامية كبيرة من خلال توصيل ضخم للأخبار عبر تلفزيون الكابل. ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي قوية جدا إلا أن هناك مؤثرين، كما أنه غالبا ما تكون هناك مقاطع من شركات تلفزيون الكابل الكبيرة تتم مشاركتها كثيرا.

علينا أن نذهب إلى منصاتهم للترويج لموادنا. عندما تنتقل إلى منصاتهم فإنهم يقللون من شأنك بوضع علامة تقول “هذا ليس خطيرا” وما إلى ذلك، ما يزيد من فجوة المصداقية. لهذا السبب تعمل هاتان الفجوتان جنبا إلى جنب.

الآن تقول “لماذا لا نبني منصاتنا الخاصة؟”، إنها حقيقة. قامت دولة مثل الصين ببناء الكثير من المنصات، Weibo، BiliBili وما إلى ذلك. لكن مرة أخرى، ليس من السهل أن تصبح هذه المنصات عالمية لأن اللغة الرئيسية على المنصة هي الصينية، والصينية ليست لغة يستعملها الكثير من الناس حول العالم. لأسباب وجيهة أو سيئة أو لأي سبب من الأسباب، تهيمن اللغة الإنجليزية على عالم وسائل التواصل الاجتماعي. إنها حقيقة ومن الصعب محاربة هذه الحقيقة.

من الصعب أن تجعل الناس يقولون “اذهب إلى BiliBili، لا تذهب إلى فيسبوك” أو أي كان. هذا الأمر يجعل من الفجوتين مثل خيوط الحمض النووي، الشريط المزدوج لـAdna، فجوة الأجهزة وفجوة المصداقية، ويعملون معا منذ فترة طويلة جدا ولعقود حتى الآن. لهذا من المهم سد فجوة الأجهزة، لكن الفجوة الحقيقية والفجوة الأكثر صعوبة في الإغلاق هي فجوة المصداقية.

اعتاد صديقي إدواردو غاليانو، الكاتب الأوروغواياني العظيم، أن يكرر هذه القصة اللطيفة للغاية. كان يقول إن العلماء يقولون إن البشر مصنوعون من الذرات، لكن هذا ليس صحيحا، فهم في الواقع يتكونون من القصص. ما يجعل الإنسان مختلفًا عن أي شيء آخر في العالم هو أنه يحمل القصص داخله.

وأعتقد بشدة أن دور الراوي في المجتمع هو دور صانع السلام، لأنه يجمع الناس معا. وأعتقد أن تبادل القصص يضفي طابعا إنسانيا على الناس، ويجعلنا نحب ونقدر بعضنا البعض.

ما يحدث غالبا هو أنه من خلال الطريقة التي يعمل بها العالم نبدأ فقدان الإنسانية التي نتعلمها. لدينا العديد من المشكلات الشائعة في العالم، ولكن نظرا لأننا لا نستمع لبعضنا البعض فإننا لا نحضر القصص المختلفة التي يحملها أشخاص مختلفون. نحن لا نثق في بعضنا البعض، نريد أن نواجه بعضنا البعض ونذهب للحرب وهلم جرا.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة