فاز بايدن..وماذا بعد؟

مشاركة المقال

صورة: DR

مدار: 12 تشرين الثاني/ نونبر 2020

أعلنت الصحافة الأمريكية فوز جوزيف بايدن بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة، غير أن دونالد ترامب رفض الاعتراف بالهزيمة؛ ما جعل من الضروري كسر البروتوكول التقليدي للطريق نحو البيت الأبيض بأن يعترف الخاسر أولا بهزيمته ثم يهنئ منافسه الفائز، قبل أن يقوم الرئيس المنتخب بإعلان فوزه.

 ترامب يطالب بإعادة فرز الأصوات، وتوجه إلى القضاء؛ وبالتالي فإن هذه القصة المثيرة لا تبدو على وشك أن تنتهي. والأكيد أن الأيام القادمة تحمل الكثير من الأحداث، وقد تصل إلى أحداث من بنات الإبداع الدرامي. 

وكانت الطريق إلى الرئاسة محفوفة بالمخاطر، وكان الغموض سيدا على التنبؤات، غير أن المتخصصين، في نهاية المطاف ربطوا بين خسارة ترامب وسوء تدبيره لجائحة كورونا. وكان متوقعا أن أصداء صافرات سيارات الإسعاف، التي كانت تنقل آلاف المصابين إلى المستشفيات، ستتردد داخل صناديق الاقتراع. كذلك حال تداعيات تنامي العنصرية وحركة “حياة السود مهمة” التي شكلت معطى مغذيا لحالات الاستقطاب الانتخابي في الوسط الأمريكي. غير أن الأخطر هو تنامي المجموعات اليمينية المتطرفة المساندة لترامب، وتغول الخطاب المعادي لذوي البشرة الملونة والمهاجرين والمسلمين وقضايا النساء. ولم تكن السياسة الخارجية الأمريكية محددا حاسما في الانتخابات.

واعتبر الكاتب الفلسطيني شاكر فريد حسن أن “حماقة ترامب” تجلت بشكل واضح من خلال “طعنه في نزاهة الانتخابات الأمريكية الحالية قبل إجرائها، وعدم اعترافه بنتائجها وخسارته، وتقديمه دعاوى قضائية وطعون في عدد من الولايات”، مردفا بأن ” ترامب يحمل فكرًا عنصريا وفاشيًا وعقلية شوفينية شرسة، ويشكل خطرًا كبيرًا على بلده وعلى السلم العالمي، وقد تمادى في صفاقاته وعنجهيته وارتكب الخطايا والحماقات الكثيرة خلال فترة حكمه خلال السنوات الأربع المنصرمة”، حسب مقال معنون بـ”الانتخابات الأمريكية وخسارة ترامب”.

وحظيت الانتخابات الأمريكية بمتابعة واسعة من طرف الجمهور العربي والمغاربي، عززتها التغطية الإعلامية المستديمة للعديد من القنوات الإخبارية العربية. واقع المنطقة كان موضع تساؤلات حسب نتائج الانتخابات، وقد تكون هناك آمال حسب محللين في أن يخلص بايدن المنطقة من مآسيها وحروبها، وأحلام بأنه سيحقق العدالة في ملف خاشقجي، ويحاسب النظام المصري، مع إحلال السلام بسوريا واليمن؛ وربما لعب دورا في تحقيق الأمن والاستقرار بين بلدان الخليج وجيرانها، ومساعدة ليبيا على أن تقوم كدولة موحدة… كثيرة هي الأحلام والأماني، فالعرب مثقلون بما ارتكبه أسلاف بايدن في حقهم، إذ لم يسلموا يوما من سوط الإمبراطورية.

وإذا كانت المنطقة العربية والمغاربية غنية بالثروات الطبيعية والبشرية، فعديد من بلدانها تصنف شعوبها على أنها تعاني المجاعة، كاليمن المكتوي بنيران الحرب التي تقودها السعودية المسلحة بعتاد أمريكي وضوء أخضر من واشنطن، ناهيك عن الحرب السورية، والاعتداء الإسرائيلي المستمر على شعوب المنطقة، واضطهاد الشعب الفلسطيني. 

وفي هذا السياق توقع شاكر فريد أن “بايدن لن يتخذ خطوات ترتقي إلى التغيير الجوهري والنوعي الملموس في السياسة الأمريكية، بل سيواصل مشروع السلام الاقتصادي الإنساني، وليس السلام العادل والشامل والثابت الذي يضمن الحق الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية المستقلة في حدود الرابع من حزيران العام 1967، وعاصمتها القدس، وسيعمل على جر المزيد من الدول العربية لحظيرة التطبيع مع دولة الاحتلال”، حسب المقال المذكور.

والتاريخ يوضح أن الولايات المتحدة تقف دائما إلى جانب إسرائيل، وأن هذه الأخيرة تلعب أدوارا إستراتيجية رئيسية في تنفيذ الأجندة الأمريكية، وأن التوتر الشديد والحروب المستعرة شكلت فيها الولايات المتحدة قطب الرحى، فمن كان ليتصور العراق على ما هو عليه الآن لولا الاجتياح الأمريكي في زمن جورج بوش. ولا ينسى التحالف العالمي الذي قاده باراك أوباما ضد سوريا وليبيا، ناهيك عن المساندة المستمرة للأنظمة القمعية…كل ذلك تحكمه منطلقات وجودية بالنسبة للولايات المتحدة، خصوصا موارد الطاقة، والمواقع الإستراتيجية، والصراع الإستراتيجي مع القوى الدولية الصاعدة، كالصين وروسيا.

وهو ما يوضحه الناشط السياسي المغربي جمال براجع، إذ قال: “المتحكم الفعلي في تحديد ورسم الإستراتيجية الخارجية الأمريكية هو المركب المالي العسكري النفطي الاحتكاري الذي يفرض سطوته على الاقتصاد العالمي̜،عكس ما يبدو في الظاهر بكون الرئيس ووزارة الخارجية هما من يرسمان السياسة الخارجية الأمريكية، وهما̜ في الحقيقة̜ لا يقومان سوى بخدمة مصالح وأجندات هدا المركب. لأن السياسة في نهاية المطاف هي امتداد للمصالح الاقتصادية”.

تدعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها سيدة العالم في كل شيء، حتى في الديمقراطية، غير أن شوارع مدنها الكبرى ممتلئة بأشخاص ليس لديهم مآوى، ينامون في الشوارع، ونموذجها الاقتصادي قام على سحق الطبقات الفقيرة، وامتصاص عرق جبين الطبقة العاملة، كما أن المجتمع تنخره العنصرية، فالاحتفال بفوز بايدن بأكثر من 73 مليون صوت لا يخفي أن ترامب صوت عليه أكثر من 70 مليون أمريكي، والنزعات اليمينية الفاشية لم تنته مع خسارة ترامب؛ ولا يمكن الحكم مسبقا بأن بايدن لن يعادي حقوق ذوي البشرة الملونة والمهاجرين والنساء والأقليات الجندرية والإثنية.. الوعود الانتخابية تبقى وعودا.

وقال فيجاي براشاد، مدير معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية، في هذا الصدد: “خسر ترامب، لكنه حصل أيضًا على ما لا يقل عن 70 مليون صوت، وحصل على أرقام لا يستهان بها في أطراف كبيرة من البلاد. ولم يفز بايدن بأغلبية ساحقة، ولا ينبغي أن يؤكد فوزه الثقة في نظام يتطلب عملية جراحة قلب مفتوح جادة”.

إن الرهان على تحول سلوك الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة بايدن تجاه تبني خيارات أكثر تعزيزا للسلام والأمن الدوليين يجب أن يقوم على معطيات، وليس تخمينات، غير أن عدد القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، وحجم عتادها أساطيلها، يمكن أن يقدم مثالا واضحا عن مدى حب واشنطن للسلام، وكيف للعقوبات الاقتصادية والسياسية الأمريكية وتدخلها في شؤون بلدان العالم، وضرب سيادتها، أن دمرت حياة ملايين من البشر، وشكلت أساسا لاغتناء الاقتصاد الأمريكي وهيمنة شركاته متعددة الاستيطان على اقتصاديات بلدان العالم.

ولا يجب أن ننسى عدد البلدان التي اجتاحتها الولايات المتحدة الأمريكة عسكريا، تحت شعارات الديمقراطية، ولا يجب أن تكون الدعاية الإعلامية الغربية قادرة على إقناع العالم بفكرة “الديمقراطية الأكثر رسوخا في العالم”.

وأورد براجع عن ذلك: “إن الامبريالية الأمريكية رأس حربة الإمبريالية العالمية والعدو الأكثر خطورة لشعوب الأرض كافة”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة