المزارعون الهنود في مواجهة الآثار الكارثية لقوانين الزراعة الجديدة

مشاركة المقال

صورة: DR

نيوفرايم / مدار: 11 تشرين الثاني/ نونبر 2020

هاريس زاغار

من الواضح أن مشاكل المزارعين ليست لها نهاية وليس هناك أفق لحل أزمتهم، خصوصا إذا ما تم تطبيق القوانين الزراعية التي جاء بها مودي، ما سيفتح الباب أمام الخطر الذي يداهم مستقبل المزارعين، ما يعني أنه سيكون هناك نقص في الغذاء.

في وضع مشحون وغضب عارم في أوساط المزارعين، نزل العديد من هؤلاء إلى شوارع الهند قصد الاحتجاج على قوانين الزراعة الجديدة التي يجزم النقاد أنها قد تؤدي إلى استغلال الشركات الكبرى المزارعين الصغار، ما سيؤدي لا محالة إلى توجيه ضربة قاضية للقطاع الزراعي المتعثر في البلاد. بينما تصر حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على أن التغييرات ستصب في مصلحة المزارعين وتعزز النمو في القطاع من خلال جذب الاستثمار الخاص؛ فيما يعتقد الكثيرون أن هذه القوانين ستضعهم تحت رحمة الشركات الزراعية الكبرى.

على مدار الشهر الماضي، نظم الآلاف من المزارعين مسيرات احتجاجية جابت مختلف أنحاء البلاد، بالأخص ولايات البنجاب وأوتار براديش وهاريانا الشمالية، حيث قاموا باحتلال خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة؛ ذلك نتيجة مصادقة كل من مجلس النواب والشيوخ في 20 شتنبر/ أيلول على ثلاثة مشاريع قوانين زراعية مثيرة للجدل.

في 25 شتنبر/ أيلول نظمت أكثر من 265 منظمة فلاحية مسيرات في جميع أنحاء البلاد، بحيث وصل عدد المناطق التي تم تنظيم هذه التظاهرات فيها إلى 20000 موقع، ضدا على تمرير مشاريع القوانين. كما أعربت النقابات العمالية في العديد من الولايات، بما في ذلك المناطق التي عرفت توترا متزايدا كبيهار ومادهيا براديش والبنغال الغربية وأوديشا وكارناتاكا، عن دعمها للمزارعين.

وتم اتهام حكومة مودي بأنها استخدمت تفويض حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، الذي يملك الأغلبية، للدفع بالقوانين في البرلمان؛ بينما شككت أحزاب المعارضة في الطريقة التي تم بها تمرير مشاريع القوانين، واصفة إياها بـ”غير الدستورية”، معتمدة في موقفها على أن الحكومة أقرت “مشاريع القوانين السوداء” دون استشارة وتجاهلت طلبات المراجعة التي قدمتها مجموعة من اللجان البرلمانية.

المزارعون يؤدون الفاتورة

يعتبر أول مشروع قانون – يهم قطاع الزراعة- تم تمريره هو مشروع قانون تجارة وتداول المنتجات الزراعية (الترويج والتيسير) للمزارعين، الذي يهدف إلى إنهاء احتكار لجنة سوق المنتجات الزراعية (APMC). في الأساس، يوجد مجلس تسويق لكل ولاية ويدعى اختصارا AMPC. وتهدف هذه المجالس إلى حماية المزارعين من استغلال تجار التجزئة الكبار. 

كان تداول المنتجات الزراعية من خلال هذه المجالس يعطي نوعا من المصداقية للتعاملات، خصوصا للدور الذي كانت تقوم به هذه اللجان في ما يخص التحكم في أسعار البيع بالتجزئة. ولكن الآن، وبعد أن تم فتح السوق أمام اللاعبين من القطاع الخاص لدخول قطاع الزراعة والتعامل مباشرة مع المزارعين، أصبح الوضع أكثر تعقيدا.

هناك مشروعان آخران واجها انتقادات واسعة أيضا، ويتعلق الأمر باتفاقية ضمان الأسعار (التمكين والحماية) للمزارعين، ومشروع قانون خدمة المزرعة، اللذين وضعا إطارا للزراعة التعاقدية ووفرا نموذجا لاتفاقيات الزراعة على المستوى الوطني والسلع الأساسية، من خلال تحرير مواد مثل الحبوب والبقول والبذور الزيتية وزيوت الطعام والبصل والبطاطس.

وتهدف القوانين الثلاثة على وجه التحديد إلى تقليص اللوائح التي حمت مزارعي الهند لعقود من السوق الحرة؛ إنهم بذلك يسعون إلى الانفتاح على الزراعة من كلا الطرفين: الإنتاج (من خلال الزراعة التعاقدية) والبيع (من خلال التحرير الكامل)، ما سيفتح المجال أمام المشترين من القطاع الخاص لتخزين السلع الأساسية قصد بيعها مستقبلا؛ وهو الأمر الذي يمكن للوكلاء المعتمدين من الدولة فقط القيام به حتى الآن. وما يؤرق المزارعين أكثر هو أنهم سيضطرون إلى الخنوع لقواعد الزراعة التعاقدية، في حين يصممون إنتاجهم ليلائم طلب مشتر معين.

أحد الآثار الرئيسية لهذه القوانين أنه يمكن تجاوز AMPC حيث يبيع المزارعون منتجاتهم من خلال المزاد للتجار؛ ما سيسمح لهم ببيعها لجهات خاصة في مكان آخر ماديا وعبر الإنترنت، وهو ما يعني تقويض الدور التنظيمي للقطاع العام. بالإضافة إلى ذلك لم يتم فرض أي رسوم في المناطق التجارية المفتوحة للقطاع الخاص.

 ويمكن لهذا النظام حسب النقاد أن يحفز الشركات التي تعمل خارج الولاية لتقديم أسعار أفضل للمزارعين، على الأقل في البداية؛ ولكن في نهاية المطاف ومع انهيار النظام بالكامل ستحتكر هذه الشركات التجارة وتستحوذ على القطاع وتفرض الأسعار على المزارعين.

وعبر المزارعون المحتجون عن مخاوفهم التي تقوم على أن المستثمرين الكبار سوف يربطونهم بعقود غير مواتية، تتم صياغتها من طرف شركات قانونية كبرى، مع بنود المسؤولية التي ستكون غالبا خارج نطاق فهم المزارعين الفقراء. كما يؤكد المزارعون أن هذا سيؤدي في النهاية إلى تدمير أسواق البيع بالجملة وضمان الأسعار، ما يتركهم في مواجهة غول الشركات الكبرى بلا خيار احتياطي.

تحت ذريعة القوانين

لكن حكومة مودي الشعبوية، التي اتبعت إلى حد كبير سياسات اقتصادية نيوليبرالية عدوانية تهدف إلى زيادة الخصخصة، تدعي أن المزارعين سوف يتمتعون بقدر أكبر من المرونة والاستقلالية عند اختيار المشترين، ما يقلل من اعتمادهم على APMC. ودفاعا عن هذه القوانين، وصف مودي تمرير “الإصلاحات” بأنها “لحظة فاصلة” في مسار الزراعة الهندية.

“لعقود من الزمن، كان المزارع الهندي مكبلا بقيود مختلفة وتعرض للتخويف من قبل الوسطاء. مشاريع القوانين التي أقرها البرلمان ستحرر المزارعين من مثل هذه المحن، كما ستضيف زخما لجهود مضاعفة دخلهم وضمان رخاء أكبر لهم”، هكذا عبر وزير الزراعة الهندي.

وأضاف وزير الزراعة الاتحادي ناريندرا سينغ تومار أن التشريع سيصلح قطاع الزراعة الذي يعاني من ضغوط شديدة في الهند، كما أنه من المحتمل أن يضاعف دخل المزارعين بحلول عام 2022.

ومع ذلك، أطلقت أحزاب المعارضة ومنظمات المزارعين على التغييرات اسم “معادٍ للمزارعين”، وأعربت عن قلقها من أنها قد تحول الزراعة إلى شركة، وبذلك تقضي على تهدد شبكات AMPC الحالية وعائدات الدولة، ما يعني إضعاف نظام المشتريات الحكومية بأسعار مضمونة كما كان سابقا.
أحد الشواغل الرئيسية التي أثارتها حكومات الولايات الإقليمية، والتي جعلتها تشعر بالقلق بشأن خسارة عائداتها من ضرائب ورسوم AMPC، هو أن الزراعة هي قضية دولة تندرج تحت قائمة الولاية في الدستور، وهي بذلك تجادل بأنه لا ينبغي للحكومة الفيدرالية أن تسن قوانين بشأن هذا الموضوع على الإطلاق.

 وأقرت حكومة ولاية البنجاب بالفعل مشاريع قوانين خاصة بها لمواجهة قوانين الزراعة الجديدة، في حين تنظر ولايتا تشاتيسجاره وراجستان أيضا تمرير قوانين إخبارية على مستوى الولاية لتهدئة المزارعين.

ارتفاع سقف التحدي

قرر حزب شيروماني أكالي دال SAD، وهو حليف قديم لحزب بهاراتيا جاناتا، الانسحاب من التحالف الحكومي بشأن هذه القضية تحت حجة أن التغييرات صممت لصالح الحلفاء الرأسماليين لحزب بهاراتيا جاناتا على حساب المزارعين الفقراء. وقال رئيس SAD، سوخبير سينغ بادال، إن مشاريع القوانين “قاتلة وكارثية” للمزارعين. 

كما قال الحزب في بيان حول القوانين: “قرار الحكومة بشأن فواتير المزارع يضر بشدة ليس فقط بمصالح المزارعين، ولكن أيضا بمصالح خيت مازدور [عمال المزارع] والتجار الذين يعتمدون على رفاهية الزراعة”.

واستخدم زعيم الحزب الشيوعي الهندي، سيتارام يشوري، تحرك SAD لانتقاد القوانين، وعبر من خلال حسابه على “تويتر” عن أن انسحاب أكالي دال، أقدم حليف لحزب بهاراتيا جاناتا، يعكس رفض سياسات حكومة مودي المناهضة للمزارعين والشعب من طرف كل الشرائح، مضيفا أن هذه التشريعات تدمر الزراعة الهندية وتقوض الأمن الغذائي وتدمر “أناداتا [مزودي الطعام]”.

راهول غاندي، زعيم حزب المعارضة الرئيسي (المؤتمر الوطني الهندي)، اتهم مودي بتسهيل “أن يصبح المزارعون عبيدا للرأسماليين”. وأكد المتحدث باسم الكونجرس رانديب سورجوالا أن “القوانين القاسية الثلاثة هي بمثابة ناقوس موت للزراعة في الهند”، ومن شأنها “إخضاع المزارع عند مذبح حفنة من الرأسماليين المحسوبين”.

ولاحظت جمعيات المزارعين أيضًا أن التشريع لا يضمن الحصول على المنتجات الزراعية بأقل سعر دعم، ما يتركها تحت رحمة الشركات التي يتوقع الآن دخولها قطاع الزراعة المضطرب في الهند.

الاحتجاج والديون والانتحار

على مدار السنوات الماضية، انتفض المزارعون في جميع أنحاء الهند احتجاجا على الأزمة الزراعية وديونهم المتزايدة، التي ساهمت بشكل كبير في تصاعد نسبة حالات الانتحار في أوساط المزارعين، خصوصا في بعض الولايات.

 وأشار تحليل إلى أن مظاهر احتجاجات المزارعين تتزايد بمرور الوقت.. بين عامي 2014 و2016 ارتفعت من 628 إلى 4837.

وصل مودي إلى السلطة عام 2014 وهو يحمل وعدا للمزارعين بمضاعفة دخلهم بحلول عام 2022، لكن ظروفهم وظروف العمال الريفيين لم تزد إلا سوءا. مازال الملايين من صغار المزارعين يفقدون مداخيلهم نتيجة انخفاض أسعار محاصيلهم وارتفاع تكاليف النقل والتخزين. كما استمر الارتفاع في أسعار الوقود والأسمدة، في حين استمر الانخفاض في مداخل المزارع والأجور الريفية.

 أبرز الخبراء أن هذه الديناميات أدت إلى زيادة المديونية الريفية – وهي ديناميكية يعتبرها الكثيرون أحد الأسباب الرئيسية وراء أزمة الانتحار في المناطق الريفية في الهند. وفقا للمكتب الوطني لسجلات الجريمة فإن أكثر من نصف المزارعين في الهند مدينون، كما أن عدد حالات الانتحار وصلت إلى 20638 بين عامي 2018 و2019؛ وهم يجادلون أيضا بأن نظام مودي لم يفشل فقط في الاستجابة بطريقة مناسبة لمطالب الإعفاء من القروض بالنسبة للمزارعين، لكن حربه الخفية في نونبر/ تشرين الثاني 2016 أحدثت دمارا في القطاع الزراعي من خلال تعطيل الزراعة ومبيعات المحاصيل وشبكات الائتمان.

وتلعب الزراعة، باعتبارها إحدى أقدم الصناعات وأهمها في الاقتصاد الهندي، دورا مهما، فهي تساهم بنسبة 18٪ في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ويعمل بها 60٪ من سكان الهند. لكن الدراسات تظهر أن 20٪ من المزارعين يعيشون تحت خط الفقر الذي حدده البنك الدولي في 3.10 دولارات لليوم. وقد يؤدي العدد الكبير من القواعد واللوائح الجديدة إلى تفاقم الضائقة والمشاكل الزراعية الموجودة مسبقا للمزارعين.

خلفيات مودي النيوليبرالية

في مقال نشر على موقع The Wire، وهو موقع إخباري هندي مستقل، أكد زعيم المزارعين فيجاي جواندهيا والمؤرخ أجاي دانديكار أن “التشريع الجديد يبرز الأزمة فقط للمزارعين المثقلين بالديون والمتعطشين للتمويل، والذين يحتاجون إلى آلية سعر مضمونة”، مردفا: “علينا أن نفهم أنه إذا كان على البلاد أن تخرج من أزمتها الاقتصادية الخطيرة فإن الإجابة لا تكمن في اقتصادات المدن أو الاقتصاديات الاستخراجية للعاصمة، وإنما الحل يتجلى بشكل حاسم في إحياء الريف بكرامة واحترام”.

وفي مقال نشرته Peoples Dispatch، كتب الاقتصادي الماركسي الهندي والمحلل السياسي برابهات باتنايك: “باختصار، يتم إلقاء الفلاحين، كما في ظل الاستعمار، تحت رحمة سوق حيث تقلبات الأسعار لها مدى واسع جدا، وهم يخوضون بكل كفاح ونضال معركة ضد انحدارهم إلى الديون والفقر”.

ويضيف المحلل ذاته: “ما كان لافتا للنظر في الترتيبات الزراعية حتى الآن هو أنها تأتي بينما كان النظام يرعى (وإن كان بشكل غير كاف) مصالح الفلاحين، خصوصا من خلال منع تحويل استخدام الأراضي على نطاق واسع نحو الحبوب غير الغذائية ومحاصيل التصدير. إلا أن تفكيك هذا الترتيب لن يضر الفلاحين فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تحويل المنطقة من الحبوب الغذائية إلى الحبوب غير الغذائية ومحاصيل التصدير، وبالتالي تقويض الأمن الغذائي للبلاد”.

يؤكد كولين تودونتر، وهو كاتب ومحلل مستقل، أن “إدارة مودي تتفق تماما مع سياسات البنك الدولي المؤيدة للشركات (تمكين الأعمال الزراعية)، وغيرها من السياسات المماثلة التي تهدف إلى زيادة دمج الدول النامية في الحظيرة النيوليبرالية”، مضيفا: “من خلال جلب القوة الكاملة للتحرير إلى الاقتصاد الزراعي وفي عملية إعادة الهيكلة الأساسية للمجتمع الهندي (حوالي 60 ٪ من السكان مازالوا يعتمدون على الزراعة لكسب عيشهم)، سيتم تفريغ أي بقايا من السيادة الاقتصادية ووضع الدولة السيادية”، ويخلص في الأخير إلى أن “الهند ستصبح شركة فرعية مدمجة بالكامل للرأسمالية العالمية ونظامها الغذائي المعيب والاستغلالي بشكل أساسي”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة