عمال قطاعي النظافة والصحة في مواجهة الوباء والاضطهاد

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 14 حزيران/ يونيو 2021

على طول المدة التي عمرت فيها الجائحة عانى العمال الذين كانوا ضمن الصفوف الأمامية، وهنا يمكن الإشارة إلى فئتين تحملتا عبء المخاطر المستجدة، وهم العمال في قطاع النظافة الذين عانوا من وضع كارثي باعتبارهم يجسدون المعنى الحقيقي لمن هم في الخطوط الأمامية لمواجهة الوباء، شأنهم في ذلك شأن العمال في الميدان الصحي من أطباء وممرضين وأطر صحية.

لقد عرفت الفترة التي مررنا بها في خضم الجائحة وضع بعض القطاعات تحت ضغط رهيب، برزت معه أهمية وحيوية هذه القطاعات ومدى الاختلالات التي تشوب تسييرها، الأمر الذي اضطر الفاعلين المباشرين فيها إلى المزاوجة بين العمل وتنظيم أشكال تعبر عن الأوضاع التي ترزح تحتها، والتي ليست وليدة اللحظة، بل تحمل رواسب سنوات من التدبير العشوائي.

معاناة عمال النظافة من هشاشة وضعهم

شهدت الهند في الأيام الأخيرة موجة من المطالب التي رفعها عمال النظافة في مختلف المدن والولايات من أجل تسوية أوضاع هذه الفئة ومعاملتها على الأقل مثلما يعامل من هم في الصفوف الأمامية التي تتحمل أخطار الإصابة بالوباء.

وفي هذا الإطار رفع عمال الصرف الصحي في ولاية تاميلنادو ملتمسا من أجل صرف رواتب الأشهر الخمسة العالقة، مذكرين بأنهم لطالما وقفوا في الصفوف الأمامية طيلة فترة الجائحة ولم يتخلوا عن ذلك، رغم عدم صرف حتى مرتباتهم، فما بالك بالحوافز التي وعدوا بها من قبل.

كما جدد العمال أنفسهم تنديدهم بما يعانوه جراء استخدام مركبات القمامة كوسائل تتكلف بنقلهم من مساكنهم إلى مقرات العمل، في ضرب صريح لكرامتهم والحقوق المنصوص عليها في العقود، حسب تعبيرهم.

وفي مصر يعيش عمال النظافة وضعا ليس بالأحسن، فالقاهرة وحدها تضم آلاف العمال حيث يتوافد معظمهم من الأقاليم ويعملون بالأجرة اليومية، ما يجعلهم فريسة سهلة بين مطرقة مورِّد العمالة (سمسار) وسندان لقمة العيش، وكل هذا في خضم وضع لا يوفر لهم أي مظلة رسمية أو تأمينية تقيهم من المخاطر التي قد تواجههم؛ كل سلاحهم في الحياة هو مكنسة يعتمدون عليها لإزالة مخلفات الآخرين من الشوارع والأزقة والأنفاق.

وكل هذا في ظل تأكيد العمال على أن مطالبهم بسيطة ولا تتعدى سقف رغبتهم في توفير حد أدنى لهم لكي يستطيعوا تلبية مصاريفهم ومتطلبات عوائلهم، بالنظر إلى أن أجرهم لا يتساوى مع مجهودهم، بالإضافة إلى رغبتهم في أن توفر لهم الدولة إطارا يحفظ كرامتهم أثناء قيامهم بواجبهم؛ كما أن إحدى المطالب التي تلقوا من أجلها وعودا كثيرة، لكن لم يكن هناك أي تجاوب فعلي معها، هي قضية صرف بدل العدوى؛ فحسبهم قد يصاب العامل في أوقات العمل، فمثلاً قد تخترق جسده إبرة خلال جمع المخلفات وتنتقل له عدوى الأمراض، أو قد يصاب بحادث في الطريق أثناء عمله أو يصاب بالفيروس، ورغم ذلك لا يوجد تعويض عن العدوى لعامل النظافة.

ويعتبر وضع عمال النظافة في العالم بأكمله مشابها، نظرا للمجهودات الكبيرة التي يقومون بها وما يواكب ذلك من تجاهل لمطالبهم التي غالبا ما تكون بسيطة، كما أن تعاطي القائمين على هذا الشأن مع العمال غالبا ما تشوبه خروقات لاعتبارات تخص الوضع الهش الذي تعيشه هذه الفئة، وانعدام إطار قانوني يحميها في غالب الأحيان.

الوفيات تحصد الأطباء دول كلل

خلص تحليل أجرته منظمة العفو الدولية إلى أن ما لا يقل عن 7000 من العمال الصحيين لقوا حتفهم في جميع أنحاء العالم إثر الإصابة بفيروس كوفيد-19، كما أنه تم تأكيد وفاة ما لا يقل عن 1320 من العمال الصحيين في المكسيك وحدها، وهو أعلى رقم معلوم لأي بلد.

وسجلت منظمة العفو الدولية أن أعداد الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 عرفت ارتفاعا مهولا في صفوف العاملين الصحيين، إذ أشارت إلى 1077 حالة وفاة في الولايات المتحدة، 634 في البرازيل، 240 في جنوب إفريقيا، 573 في الهند.

الأمر الذي جعل ستيف كوكبيرن، رئيس برنامج العدالة الاقتصادية والاجتماعية في منظمة العفو الدولية، يصرح بأن “وفاة أكثر من سبعة آلاف شخص أثناء محاولتهم إنقاذ آخرين يمثل أزمة على نطاق مروع؛ فلكل عامل صحي الحق في أن يحظى بالأمن والأمان في العمل”، وزاد: “الأمر بمثابة فضيحة أن يدفع الكثيرون الثمن الأقصى”.

بعد مرور عدة أشهر على بدء تفشي الوباء، مازال العاملون الصحيون يموتون بمعدلات مروعة في بلدان مثل: المكسيك، والبرازيل، والولايات المتحدة الأمريكية؛ بينما يُظهر الانتشار السريع للإصابات في جنوب إفريقيا والهند حاجة جميع الدول إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة.

هذا الأمر مازال مستمرا إلى غاية يومنا هذا، على الرغم من مرور أكثر من عام على ظهور الجائحة، ما يضع أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كانت الحكومات تحاول المماطلة من خلال الوعود الشفوية في تناول هذه القضايا ريثما تمر هذه الأزمة.

استمرار نضالات الأطباء

رغم مختلف المطالب التي يعبر عنها العمال في الميدان الصحي، والتي أصبحت تلاقى بنوع من المماطلة واللامبالاة، إلا أنهم لم يكفوا عن تنظيم أشكال مختلفة للتنديد بذلك إلى جانب عملهم اليومي في إنقاذ الأرواح، وهذا ما تجسد في مختلف بلدان العالم، ومن بينها الهند التي تعيش وضعا صعبا في ظل هشاشة المنظومة الصحية وفي خضم الارتفاع المهول في أعداد الإصابات.

طيلة أيام نظم صغار الأطباء إضرابا في ولاية أندرا براديش، تم رفعه يوم الأربعاء الماضي بعد أن وافقت حكومة الولاية على مطالبهم، التي تجلت في ثلاثة مطالب رئيسية متمثلة في التأمين الصحي لجميع العاملين في الخطوط الأمامية، وحوافز كوفيد-19 لجميع الأطباء المبتدئين (بمن فيهم الخريجون والمتدربون)، وزيادة التدابير الأمنية في المستشفيات.

وهدد المحتجون بتكثيف الأشكال من خلال حظر جميع خدمات الطوارئ المتعلقة بكوفيد-19 في 12 يونيو إذا فشلت الحكومة في الاستجابة، الأمر الذي استدعى إجراء وزير الصحة والسكرتير الرئيسي للصحة محادثات مباشرة مع الأطباء المبتدئين، متجاوزين بذلك رئيس الكلية الطبية في الولاية، الأمر الذي تجاوب معه الأطباء المبتدئون في جميع أنحاء الولاية، بحيث حمل من لم يشاركوا في الإضراب شارات سوداء كدليل على الاحتجاج خلال الأيام الثلاثة الماضية.

وأسفرت المحادثات عن تعهد الوزير بتنفيذ اثنين من المطالب المرفوعة، وهي تأمين صحي لجميع العاملين في الخطوط الأمامية، وحل مشكلة الضرائب مستحقة الدفع مقابل رواتب. كما عبر الوزير عن أن الحكومة تستكشف إمكانيات زيادة الراتب بنسبة 15 في المائة أو أكثر، مضيفا أنها وافقت أيضا على تقديم خدمات طبية فائقة التخصص مجانا للأطباء المصابين بفيروس كوفيد-19.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة